من كلام للإمام روح الله الخميني قدس سره:
أما الجماعات المثقفة والجامعية والطلبة الجدد (أيدهم الله)، فادعو الله تعالى أن
يسدد الذين يخدمون الإسلام منهم. وأن لي عتاباً معهم نابعاً من أنني أرى أنهم
تطرفوا إلى حدٍّ ما في بعض كتاباتهم حول الفقهاء والفقه وعلماء الإسلام، وتحدثوا
بما لم يكن مناسباً التحدث به. علماً أنهم غير مغرضين، وإنما يعانون من شحة في
المعلومات. وأنا كذلك قليل الاطلاع بالتاريخ، لكنني أبلغ الثمانين من العمر، وأعيش
قرابة ستين سنة في الأوساط العلمية، أتعاطى مع الأحداث منذ حوالي ثلاثين سنة، لذلك
فإنني أملك مشاهدات خاصة ومعلومات عن المائة سنة الأخيرة بحكم قرب أحداثها منا. غير
أن معلوماتنا عن الفترة التي سبقت ذلك وعن عصور صدر الإسلام، قليلة واجمالية. إننا
نرى أن علماء الدين هم الذين حافظوا على الإسلام بمختلف أبعاده، فالفقه الثري الذي
بين أيديكم الآن، الفقه الشيعي الذي يعتبر من أغنى الفقه الموجود في العالم، هو من
أكثر القوانين شمولية. وقد تم توضيحه واستنباطه بفضل جهود علماء الشيعة، ولا يوجد
في الدنيا قانون أغنى من قوانين فقه الشيعة. صحيح أن القوانين السماوية الأخرى كانت
غنية أيضاً، ولكنها لم تصل إلينا. وأما القوانين الأرضية التي سنّها الإنسان فإنها
ضعيفة بسبب الادراك الضعيف للإنسان وقصور عقله، فالإنسان الذي وضع هذه القوانين
قاصر وناقص، وعليه كانت هذه القوانين ناقصة، ثم أنها وضعت لمنطقة وبيئة خاصة ومن
أجل ظرف خاص، لإدارة أمور بلد على سبيل المثال، أو من أجل ترتيب العلاقات بين بلد
وآخر، ولذلك فالقانون هو ما طرحه الإسلام. والعلماء أو المعممون والملالي على حد
تعبير هؤلاء السادة، هم الذين فسّروا أبعاد الإسلام والقرآن بما يمهد فهمه، وبذلوا
جهوداً في تأليف الكتب في مختلف حقول المعرفة.
لقد كان الهدف من اقتراب العلماء من السلاطين هو نشر مذهب التشيع في المجال السياسي.
ولو راجعنا تاريخ إيران في الحقبة التي سبقت المائة سنة الأخيرة أو أكثر منها بقليل،
للاحظنا أن العلماء تنازلوا واقتربوا من السلاطين رغم أن الشعب كان يعارض ذلك، لأن
هدفهم كان ترويج الدين ونشر المذهب الإسلامي الشيعي الحق، حيث أجبروا السلاطين على
ذلك شاءوا أم أبوا. ولم يكن هؤلاء العلماء من وعاظ السلاطين والبلاط، ولكن بعض
كتّابنا يطلقون عليهم هذه التسمية وهذا خطأ، لأن هؤلاء كانوا يعملون من أجل أهداف
سياسية ودينية، فحذارِ من التصور بأن العلامة المجلسي (رضوان الله عليه) أو المحقق
الثاني (رضوان الله عليه) أو الشيخ البهائي (رضوان الله عليه) أقاموا علاقات مع
السلاطين وعاشروهم لأنهم كانوا بحاجة إلى الجاه والعزة فيتلطف عليهم السلطان حسين
والشاه عباس بذلك.. كلا، ليس الأمر بهذه الصورة، بل إن هؤلاء ضحوا وتنازلوا وجاهدوا
النفس من أجل أن ينشروا المذهب بواسطة هؤلاء السلاطين، وربما أشكل الناس في ذلك
الوقت عليهم لجهلهم بحقيقة الأمر مثلما هم عليه الآن، وكانت المصلحة التي يتوخاها
العلماء فوق اعتراض الشعب. كما أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا يسالمون أحياناً،
فالمصلحة الإسلامية هي فوق هذه القضايا التي نتصورها، وبما أنكم لا تعلمون حقيقة
الأمر تستشكلون على العلماء الذين يضحون بسمعتهم من أجل التربية الإنسانية، أنهم لم
يصبحوا من رجال البلاط، بل أرادوا تربية الإنسان.
* الخميني روح الله سيرة ذاتية