حينما وصلت عربة روح الله إلى قم، ذهب إلى أحد الحمامات العامة لينفض عنه غبار الرحلة وليغتسل غسل زيارة السيدة المعصومةL أيضاً. ومن وقتها أصبح تقبيل جدران وأبواب ضريح هذه البنت، التي تعتبر بنحو ما العمة التاريخية لروح الله، من برنامجه اليومي.
جاذبية قم
ليس في قم ما يجذب الاهتمام غير زيارة مرقد المعصومة عليها السلام، ولكن ما كان يجبره على البقاء هو أن الدراسة فيها أصبحت جادة بقدوم آية الله الحائري. وربما زادت قراءة الحديث المروي عن والد تلك الفتاة التي غدت الآن قرة عين المدينة، وأحاديث أخرى عن المعصومين عليهم السلام، ليس فقط من الرغبة في البقاء، بل جعلت مغادرتها أمراً مستحيلاً. ولو أنه قرأ ذلك الحديث في بداية تحصيله العلمي بقم، لكان بلا شك قد فضل البقاء فيها ليكون أحد الذين يلتفون حول ذلك الرجل المطالب بالحق، إذا ما انتفض في حياته.
مصداق حديث
هل كان يتصور أن الناس بعد نصف قرن سينظرون إليه وليس إلى غيره، على أنه مصداق تلك الأحاديث الشريفة؟ وكم كان صعباً عليه أن يعتقد الناس بذلك، رغم يقينه بأن ذلك الرجل شخص آخر. لأن الناس إذا بالغت في شأن العظماء من أمثاله، ستكون حصيلة جهودهم لتطهير أذهان الناس من الأوهام، سلبية ومعكوسة. وحينما كان يشعر بأن الناس تثني عليه بعبارات فخمة ومقدسة، تأخذه الرعشة، ويقول من أجل تصحيح أفكار الناس: "لست أكثر من طالب علم". فطالب العلم في قاموسه صفة حسنة ولكنه ليس مقاماً كبيراً. ولم تتدنى منزلته حينما كان يصر بقوله أنني لست أكثر من طالب علم، بل بلغت عبارة (طالب العلم) أسمى المراتب العلمية والعرفانية والفلسفية والفقهية، وطوت المراحل ذاتها التي طوتها كلمة الفيلسوف. وفي الوقت الحاضر حيث يريد البعض أن يمتدح نفسه، وربما دون أن يشعر بذلك، يقول تقليداً له: "إنني لست أكثر من طالب علم".
وكم سيكون الأمر صعباً عليه فيما لو علم بأنه مصداق تلك الأحاديث ولا أحد سواه. ذلك أن حمل رسالة الصحوة الدينية عبء يحمله الإنسان على مدى سنوات طويلة، أما أن يعلم المرء أن عليه أن يحمل مثل هذا العبء فذلك بنفسه عبء يقع على كاهله دفعة واحدة. وإذا كان حقاً مصداق هذا الحديث، فمتى يا ترى علم بذلك؟