مع ذلك كان قد أدرك أيضاً بأن منظومة الأفكار السياسية للعالم الإسلامي وبالأخص في القرون الأخيرة، بقيت ضعيفة ونحيفة رغم كل هذه الكنوز النفيسة. وأينما تصفح التاريخ، وجد علماء الدين ـ معظمهم إن لم يكن جلّهم ـ إلى جانب الشعوب، وفي تاريخ الإسلام وجد العلماء ثائرين على الظلم. ولكن يبدو أن أحد الأمور البديهية تم اغفاله لعشرات الأدلة. أمر ربما بقي خافياً لكثرة ظهوره. فما هو هذا الأمر؟
رغم كل الجمال الباطني ـ الواقعي ـ لتاريخ الإسلام، فإن نسيان هذا الأمر جعل ظاهره قبيحاً وكريهاً، علماً أن الباطن يلوث أحياناً بالرياء والحقارة والدناءة أيضاً. أمر صغير بحجم اسقاط "النظام الشاهنشاهي"! اللفظة التي نطق بها النبي الحبيب صلى الله عليه واله: "ما مِن كلمة أبغض عندي من كلمة ملك الملوك (شاهنشاه)".
فالعلماء الذين استطاعوا تطبيق الفقه في فراش الزوجية، وطبقوا الأحكام الأخلاقية للدين في لحظات الثورة والغضب، التي تعني فقدان الإنسان توازنه، هل غفلوا عن ايجاد حلول لهذا الأمر؟ وكيف إذن تمت الغفلة عن تأسيس حكومة تتناسب مع أحكام الدين؟ هل هناك أمر أسمى من تأسيس حكومة تحظى بهذا الرصيد العظيم من المعارف؟ وهل كانت الغفلة عن اقامة الحكم الإسلامي مؤقتة أم دائمة؟
إنها تساؤلات يمكن أن نعثر عليها في آثاره لو نقبنا عنها جيداً. وربما نقع في تناقض أحياناً، ولكن إذا ما حاولنا حل التناقض نكتشف أشياءً جديدة.
ولا يحبذ الفكر الشيعي حكومة غير حكومة المعصوم الغائب، الأمر الذي أدى إلى حدوث غفلة عامة. وقد فكر مع نفسه مراراً أي الصلاتين جماعة أفضل. الصلاة خلف النبي الأكرم صلى الله عليه واله؟ أم خلف أي أمام جماعة في مسجد النبي؟ والجواب واضح.
ولكن هل يمكن الآن ترك مسجد النبي أثناء اقامة صلاة الجماعة؟
الجواب لا، طبقاً لتوصيته الشبيهة بالفتوى.
فهل يسقط تكليف العمل من أجل اقامة الحكم الإسلامي، لمجرد أن ليس بوسع أية حكومة تحقيق ما يصبو إليه الإسلام سوى حكومة المعصوم؟
إن الجواب القاطع على هذا السؤال هو أن سماحته يعتبر تأسيس الحكومة الإسلامية من أوجب الواجبات وأفرض الفرائض. وهل يكفي تأسيس أية حكومة طالما حملت اسم الإسلام؟ جوابه مدهش جداً: "لو أن فقيهاً مارس الدكتاتورية في حالة واحدة لسقطت ولايته".
الخميني روح الله ـ سيرة ذاتية