ينبغي أن لا ننسى أنه لم يأتِ روح الله ليتعلم السياسة، بل جاء لاستكمال دراسته الفقهية. ولكنه أدرك فيما بعد بما لا يدع مجالاً للشك بارتباط الدين بالسياسة وعدم انفصالهما. وكان عليه أن يأخذ حجرة لنفسه، فالسيد المدرس كان قد أخذ حجرة في مدرسة دار الشفاء قبل أن يرحل إلى طهران. وكانت مساحة الحجرة على حدٍ من الصغر تعادل مساحة داره في خمين مقسمة على عدد أيام السنة. وفي كل الأحوال كان لا بد من العيش في تلك الحجرة. ولكن إلى متى؟ إلى حين الزواج. والأسوأ من ذلك أن الحجرة الواحدة كانت تعتبر فائضة عن حاجة الشخص الواحد، لذلك كانت تضم في معظم الأحيان أربعة أشخاص، أو ستة أحياناً أخرى. وقد فرض ذلك عليه قيوداً كثيرة، فالشاب الذي تربى على الأخلاق والآداب من الطفولة، يتعين عليه أن يجلس في الحجرة بشكل مؤدب دائماً.
وتعلم أن يكون صحن طعامه منفصلاً، فإذا كان الآخرون يرغبون أن يغسلوا إناءً واحداً فقط، فيجب أن يعلمهم بأسلوب مؤدب بأن عناء غسل عدة أوانٍ أفضل من عناء غسل إناء واحد. ومنذ الأيام الأولى لبلوغه جرب المناجاة في منتصف الليالي واعتبر تركها حراماً لأنه يسلب البركة من العمر. إذن يتعين عليه أن ينهض منتصف الليل بهدوء حتى لا يوقظ من يرغب في مواصلة نومه.
ولم يكن مرتب طالب العلوم الدينية يتجاوز الخمسين ريالاً، ولا بد له أن يكيف نفسه على ذلك. فبعضه ينفقه على الاستحمام واحتياجاته. وينفق ما تبقى على الغذاء والملابس والكتب والدفاتر. علماً أن ما ورثه من الأب لم يكن قليلاً وكان بمقدوره الاستغناء عن المرتب الشهري، وأن يعيش حياة مرفهة من عائدات أملاكه، فيأكل جيداً ويلبس ويشتري العطور الجيدة طبقاً لسنّة رسول الله. ولم يكن يشعر بضيق ذات اليد حتى وإن حلّ زملاؤه ضيوفاً عليه في كل وقت. فالكريم والجواد هو الذي يُشرك الآخرين في أمواله حين يملك أكثر من حد الكفاف، وهكذا كان أبوه وجدّه. إذن كان زملاؤه في الحجرة يعتبرون أنفسهم محظوظين حين يعيشون معه في حجرة واحدة. ولكن عشرات التعليمات الأخلاقية كانت تجول في ذهنه وكانت نتيجتها الصعبة أن عاش بذلك المرتب الشهري المتواضع كسائر الطلبة.
الخميني روح الله ـ سيرة ذاتية