في السنة الثانية من حضوره دروس آية الله الحائري، لم تكن نظرات الأستاذ توزع بشكل
عادل في المجلس، ذلك أن الأكثر اشتياقاً له كان يستحوذ على أكبر حجم من تلك النظرات.
لذلك كان يسعى أن يجلس في محل بحيث لا يستطيع الأستاذ أن يخصه بسهولة بنظراته أكثر
من الآخرين، وكان هذا الأمر يتطلب ثلاث ملاحظات: الأولى، أن يجلس في محل لا يجلس
فيه الكسالى من الطلبة. الثانية، أن لا يكون جلوسه في صدر المجلس باعثاً لانتهاك
حرمة الكبار. الثالثة، أن لا يعتاد الجلوس في محل معين.
وهكذا كان في السنوات الأولى يغير محل جلوسه يومياً، ولكنه أخذ في السنوات الأخيرة
من عمر الأستاذ يجلس إلى جانبه، وكأن الأستاذ كان يشعر بالطمأنينة لدى جلوسه إلى
جوار هذا التلميذ.
على أية حال إن الرغبة لتعلم الفلسفة الغربية دفعت السيد روح الله إلى الجلوس أمام
الشيخ النجفي الأصفهاني دون أن يستشير أستاذه في الفقه آية الله الحائري. ويبدو أن
هذا الدرس الذي جاء خارجاً عن برنامجه، كان بمثابة الشرارة التي نبهته إلى ضرورة
تعلم لغة غربية واحدة على الأقل. فاختار الفرنسية، التي كانت أكثر انتشاراً على
النطاق العالمي آنذاك. ولكنه لم يحقق نجاحاً في هذا الشآن. ثم تعلم مقداراً من
الانجليزية إلى حد مستوى طلاب الدراسة الثانوية، ولكنه لم يحقق فيها نجاحاً يذكر
أيضاً.
وحين جرى طرح نظرية داروين التكاملية، التي بعثت على تشويش أفكار كثير من الجامعيين،
لا شك أنها شغلت ذهن السيد روح الله أيضاً. ولكن معرفة رأيه في مثل هذه النظرة إلى
طبيعة الحيوان وهل كان يقبلها أو يرفضها، أمر صعب جداً، لأنه في حال قبولها في
اطارها العام لم يكن يقدر على التصريح بذلك، لأن هذا الموضوع طرح من أجل النفي منذ
البداية، وكانت الأجواء التي يعيش فيها السيد روح الله تأخذ القضايا مأخذ الجد إلى
حد كانت تحكم بالكفر على كل من يؤيد مثل هذه النظرية. وأما رفضه لها فيعني رفض
الأسلوب والسياق والنقاشات الحادة بشأنها.
* الخميني روح الله سيرة ذاتية