لقد وضع هذا الدرس وكل درس آخر هادئ غير صاخب وزاحف في كل فرع، الدين في مواجهة
العلم لعدة عقود، دون أن يلتفت إلى ذلك كثير من المبلغين الدينيين وإلى نتائجه التي
كانت في الغالب الابتعاد عن الدين أو حتى معارضته بشكل خفي. فيما أخذ البعض الآخر
ممن أدركوا المشكلة، يناقشونها في دائرة الفلسفة لعدم اطلاعهم على الأسس والمرتكزات
العلمية للموضوع.
وكان النجفي الأصفهاني، الذي دعا السيد روح الله الموسوي إلى درسه، أحد هؤلاء
المتبصرين، ولكن بعض العلماء المتنورين كانوا يعيرون مسألة التلاحم بين الدين
والسياسة والصراع مع السلطة السياسية الحاكمة، أهمية أكبر من مسألة الصراع ومواجهة
السلطة الثقافية الحاكمة، وكانت ثمة نقاشات خفية تجري أحياناً بين هاتين الجماعتين.
أما السيد روح الله فإنه، وبعد إلمامه الكامل بالفلسفة والهيئة والفلك والرياضيات
والسياسة، أخذ يتمتع بموقع خاص في كلا التيارين. وبعد بروزه على الساحة السياسية
الساخنة، كانت بعض الأحزاب السياسية والشخصيات لا تنسجم مع أفكاره بشكل كامل. فكانت
توجّه لهم اساءات من قبل بعض تلاميذه السياسيين، متناسين بأن الذين أثبتوا للجيل
المثقف تلاحم الدين والسياسة، كانوا زملاؤه في النضال، وينتمون إلى خط فكري واحد.
ومن جملة هؤلاء الأفراد المهندس مهدي بارزجان من حركة الحرية الذي كلفه الإمام قدس
سره إبان انتصار الثورة الإسلامية بتشكيل الحكومة المؤقتة. بيد أنه قدم استقالته
بعد الاستيلاء على السفارة الأميركية بطهران، وقبل الإمام قدس سره استقالته باحترام،
لأن (بازرجان) كان يريد إدارة البلاد في اطار الأعراف المتداولة، ولكن بعض الطلبة
الذين كان يطلق عليهم "الطلبة السائرون على نهج الإمام"، أدركوا أن السفارة
الأميركية تجاوزت أطر عمل السفارة وأصبحت بؤرة لاسقاط النظام الإسلامي حديث العهد،
فأطلقوا عليها لقب وكر التجسس واستولوا عليها، مما دفع المهندس بازرجان إلى طرح
رؤاه السياسية بنحو آخر وعارض بعض أساليب الثورة. وقد قال: "الإمام جرافة وأنا
فولكس واغن"، ومع ذلك فقد خاض جهاداً مريراً في ذروة سنوات الهجمة على الدين، وعمل
ضمن مسار ونهج الإمام قدس سره وكان يشيد به. كما أنه حصل على أعلى شهادة أكاديمية
في مجال تخصصه، وكان يحمل رسالة إلى الشبابا، واستطاع الاجابة على جانب من
التساؤلات العلمية للجيل الشاب الذي أراد أن يحسم موقفه من الدين. وربما أثارت
أجوبته على كل استفسار، تساؤلات جديدة هذه الأيام، غير أن جهوده كانت في عصره مجدية
وقيمة.
* الخميني روح الله سيرة ذاتية