هاجرت إحدى أخوات الإمام الرضا عليه السلام، وتدعى فاطمة المعصومة عليها السلام
المدينة قاصدة زيارة أخيها. ولما وصلت إلى ساوه أصابتها حمّى شديدة. فعلمت أن الموت
سيحرمها فرصة رؤية أخيها، فتذكرت عبارة لأبيها وقالت: "اسرعوا بي إلى قم قبل
فوات الأوان". أما والدها فقد قال: "رجل من قم يدعو الناس إلى الحق، يجتمع
معه قوم قلوبهم كزبر الحديد لا تزلهم الرياح والعواصف، ولا يملّون من الحرب ولا
يجبنون، وعلى الله يتوكلون، والعاقبة للمتقين".
ولما وصلت قم أدركها الموت، فدُفنت هناك، لتكون سراج المدينة المنير على الدوام،
ولتحظى قم بالاحترام والتقدير. ورغم افتقار هذه المدينة إلى الماء والهواء العذبين،
إلاّ أنه كان يُعاد اعمارها ثانية كلما صارعتها الطبيعة وصدعت معالمها. حينما وصلت
عربة روح الله إلى قم، ذهب إلى أحد الحمامات العامة لينفض عنه غبار الرحلة وليغتسل
غسل زيارة السيدة المعصومة عليها السلام أيضاً. ومن وقتها أصبح تقبيل جدران وأبواب
ضريح هذه البنت، التي تعتبر بنحو ما العمة التاريخية لروح الله، من برنامجه اليومي.
ثم أدرك أن العوام يتقدمون في بعض الأمور البسيطة خطأً على زعمائهم. وبعد ذلك كان
يحذر لئلا يغالي المشتاقون في اظهار حبهم للعلوية المعصومة، فكان يكتفي بإلقاء
التحية وقراءة الزيارة وأداء الصلاة. والخروج من الحرم دون أن يمس الضريح بيده أو
يقبله. ليس في قم ما يجذب الاهتمام غير زيارة مرقد المعصومة عليها السلام، ولكن ما
كان يجبره على البقاء هو أن الدراسة فيها أصبحت جادة بقدوم آية الله الحائري. وربما
زادت قراءة الحديث المروي عن والد تلك الفتاة التي غدت الآن قرة عين المدينة،
وأحاديث أخرى عن المعصومين عليها السلام، ليس فقط من الرغبة في البقاء، بل جعلت
مغادرتها أمراً مستحيلاً. ولو أنه قرأ ذلك الحديث في بداية تحصيله العلمي بقم، لكان
بلا شك قد فضل البقاء فيها ليكون أحد الذين يلتفون حول ذلك الرجل المطالب بالحق،
إذا ما انتفض في حياته.