يمكن مشاهدة آثار الأفكار السياسية للمدرس الشهيد بوضوح لدى السيد روح الله خاصة
حينما يقول: "سياستنا ذات ديننا، وديننا عين سياستنا". فإذا كانت في التكوين عناية
خاصة بالأسماء وهو كذلك دون شك، فإن الشهيد المدرس كان المعلم الأول للدروس العميقة
التي تعلمها السيد روح الله في مجال السياسة وعدم انفكاكها عن الدين. وربما يعود
الدرس الأول الذي تعلمه إلى السنين التي كان يتمرن فيها على الخط، فقد كتب أستاذه
وبخط كبير في أعلى الصفحة عبارة ساخرة منسوبة إلى المدرس كواجب بيتي له. تقول
العبارة: "لا ينتحرون خشية الموت". ولا بد أن مضمون هذه العبارة، التي كانت الألسن
تتداولها بصيغ مختلفة وأصبحت واجباً بيتياً لروح الله في تعلّم الخط، وضع اسم
المدرس في الدائرة المركزية لتصوراته وأفكاره السياسية. لأن الحكومة عينت وقتئذ،
حيث كان روح الله في التاسعة من عمره، (مورجان شوستر) رئيس الهيئة الاستشارية
المالية الأميركية، مديراً للخزانة العامة على أمل اصلاح الشؤون المالية، ولكن
الروس عارضوا ذلك وأمهلوا الحكومة الإيرانية ثمانٍ وأربعين ساعة للعودة عن قرارها.
ودعا بعض نواب المجلس إلى رفض الانذار الروسي بشكل قاطع، فيما حملت بعض النساء
الأسلحة النارية وجئن إلى المجلس وهدّدن بقتل عوائلهن وأنفسهن معاً في حال الرضوخ
لمثل هذا العار. فقال المدرس تعليقاً على هذا الحادث بما مفاده "إننا لا ننتحر خشية
الموت. فإن كان ولا بد أن نُباد فِلمَ يتمّ ذلك بأيدينا نحن؟". وفي نهاية المطاف
جرى حلّ المجلس ونزل الناس إلى الشوارع وأخذوا يهتفون ضد الروس الذين لجأوا إلى
أسلوبهم التقليدي وارسلوا قوات جديدة إلى تبريز ورشت ومشهد وأطلقوا النار على
الناس، فأعلنت حالة الطوارئ وفرض الروس مطالبهم.
وبعد ثمانية وستين عاماً من قبول الانذار، وحينما كان سماحته يفضح الملكية، جدد حبه
للمدرس وأكد مدى رسوخ تلك العبارة التي كتبها بخط عريض وجميل كتمرين للخط في أخاديد
أفكاره السياسية: "حين أنذر الروس إيران بشأن إحدى القضايا التي لا أتذكرها الآن،
وحركوا قواتهم إلى بعض المناطق جرت مناقشة الانذار في المجلس، انبرى سيد يرتدي
العمامة وقال ويده ترتعش: لو تقرر أن نباد فلماذا نبيد أنفسنا بأنفسنا! إننا نرفض
الانذار. فرفض المجلس الانذار ولم يستطع الروس أن يفعلوا شيئاً، وهكذا وجد المجلس
أن لديه القوة فرفض قبول الانذار. ولم يفعل الروس شيئاً".
علماً أن القول بأن الروس لم يفعلوا شيئاً، يبدو أنه ليس دقيقاً، ذلك لأنهم ارتكبوا
مذبحة ثم أجبروا المجلس على الانحلال وفرضوا مطالبهم. ويبدو أن فرحته المضاعفة
بالعبارة الحكيمة الساخرة المنسوبة إلى الشخصية المحببة لديه، المدرس، دفعت أصل
القضية في ذهنه إلى الهامش وأخذت تفقد بريقها، حتى أصبحت الانتصارات اللاحقة للشعب
والمجلس في المواقع الأخرى مساوية في ذهنه لنتائج الانذار.