على أية حال إنّ الرغبة في تعلّم الفلسفة الغربية دفعت السيد روح الله إلى الجلوس أمام الشيخ النجفي الأصفهاني دون أن يستشير أستاذه في الفقه آية الله الحائري. ويبدو أن هذا الدرس الذي جاء خارجاً عن برنامجه، كان بمثابة الشرارة التي نبهته إلى ضرورة تعلم لغة غربية واحدة على الأقل. فاختار الفرنسية، التي كانت أكثر انتشاراً على النطاق العالمي آنذاك. ولكنه لم يحقق نجاحاً في هذا الشأن. ثم تعلم مقداراً من الانجليزية إلى حد مستوى طلاب الدراسة الثانوية، ولكنه لم يحقق فيها نجاحاً يذكر أيضاً...
وحين جرى طرح نظرية داروين التكاملية، التي بعثت على تشويش أفكار كثير من الجامعيين، لا شك أنها شغلت ذهن السيد روح الله أيضاً. لأن هذا الموضوع طرح من أجل النفي منذ البداية، وكانت الأجواء التي يعيش فيها السيد روح الله تأخذ القضايا مأخذ الجد إلى حد كانت تحكم بالكفر على كل من يؤيد مثل هذه النظرية. وأما رفضه لها فيعني رفض الأسلوب والسياق والنقاشات الحادة بشأنها.
آنذاك كان المثقفون الإيرانيون منهمكين في مناقشة نظرية تطور الأنواع، وعلى مدى عدة عقود كان الطالب الجامعي حديث العهد يخوض في هذا النقاش المثير. فالماركسيون المؤيدون لهذه النظرية كانوا يصفون المتدينين بالرجعيين ظناً منهم أن المتدينين ينظرون إلى خلق الإنسان بشكل آخر، لأنهم كانوا يعتقدون بعلمية نظرية داروين وأن معارضة أي نظرية علمية، ولأي سبب كان، دليل على الرجعية والاعتقاد بالخرافات! وكان طلاب الدراسة الثانوية يدرسون قبل دخول الجامعة موضوعاً في فرع الطبيعيات بعنوان "علم طبقات الأرض والتكامل" الذي كان من الدروس الأساسية في هذا الفرع. وفي هذا الدرس مهدت لهم نظريات لامارك وداروين والعلماء الذين جاءوا بعدهما، ومن خلال دراسة الجينات والعوامل المتعلقة بالوراثة، الطريق للقبول بنظرية تطور الأنواع. إذ أن هذه النظريات كانت تضع الطالب أمام خيارين: إما قبول العلم والوفاء له، أو البقاء على المعتقدات الدينية التقليدية. وهكذا كان الطالب اليافع في الصف الرابع الثانوي يشعر وكأن عظام فكره الدقيقة تسحق بين حجري الرحى.
الخميني روح الله ـ سيرة ذاتية