"... فالعالم الذي (ما نظر الله إليه منذ خلقه) ـ حسب الرواية ـ هو عالم الأجسام رغم أن عالم الأجسام وعالم الطبيعة هذا عالم محيّر للعقول طبقاً لما أُدرِك وما كشف منه حتى يومنا هذا، وليس بامكان عقولنا أن تصل إليه. فما عُرِف عنه حتى الآن ـ وما عداه إلى ما شاء الله ـ ليس بامكان أحد أن يصل إلى ضوئه. فهناك من الاجرام السماوية ما يصل ضوءها إلى الأرض بعد ستة بلايين عام وليس بامكاننا أن نوضّح هذا العدد. وورد في بعض الكتابات أن جوف بعض النجوم يتسع لخمسمائة مليون شمس، وبعضها لو وُضعت في مركز الشمس لاتّصلت بالأرض، وهذا الحجم الواسع الذي لا تدركه العقول، ليس بامكان أحد أن يطلع عليه، وهذا كله ليس سوى عالم الدنيا، العالم الحقير. يقول بعض أهل المعرفة أن الذي أسمى هذا العالم بـ”الدنيا” أسماه بهذا الاسم لأنه كان يخجل أن يكشف عن واقع هذه القضية، عن واقع الدنيا، ولهذا عبّر عن هذا العالم بالدنيا. هذا العال، بهذه السعة، وبهذا الانفتاح، هو عالم الدنيا. هذه السماوات بكل ما كُشف فيها حتى اليوم إنما هي ـ حسب لسان القرآن ـ السماء الدنيا ﴿زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾. فكل ما تم كشفه حتى الآن ليس سوى السماء الدنيا بلغة القرآن، ولم يُكشف عما في السماوات العلى. ورغم هذا وحسب ما ورد في الرواية (ما نظر إليه ـ إلى عالم الدنيا ـ نظر لطف منذ خلقه). كما أن القرآن الكريم نفسه قد عبر عن الحياة الدنيا بالمتاع، أما الحياة الآخرة فهي الحياة، فلا حياة هنا، هنا موت، الحياة الآخرة هي الحياة (الدار الآخرة لهي الحيوان)، وليس لنا اطلاع بهذا. لا تغفلوا عن التكاليف الإلهية التي هي ألطاف إلهية. فنحن هنا مكلفون بتكاليف من قبل الله تبارك وتعالى، فما دمنا في هذه الدنيوية، وما دمنا هنا، علينا واجبات لله تبارك وتعالى، يجب أن نقوم بها، علينا أن لا نغفل عن هذه التكاليف الإلهية التي هي ألطاف بأسرها، سواء كانت تكاليف فردية على كل شخص بهدف تربيته وتكامله ـ لأن أي طريق غير هذا لا يعدّ طريقاً للتكامل والرقي، ولأن هناك درجات لا يمكن الوصول إليها بدون هذا الطريق، وسواء كانت تكاليف اجتماعية، فنحن مكلفون، بما لدينا من تكاليف في المجتمع لأن نعمل بها لتنظيمه".
الخميني روح الله ـ سيرة ذاتية