الزواج يجزىء المرء إلى جزءين: جزء له وجزء للآخر. كذلك يضاعفه في بداية الأمر إلى
ضعفين، ثم إلى مئات وآلاف الاضعاف. وتتجلى معجزة الزواج في ان الإنسان حينما يصل
عمره إلى نهايته، تبقى جيناته في أجسام أبنائه جميعاً وتستمر الحياة، لأنّ الابن
استمرار لحياة الأب. وإذا لم يكن الأمر هكذا لَمَا قال الله تعالى:
﴿إِنَّا
أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ وسهم المرأة في تكوين الأولاد النصف، والنصف
الآخر للرجل، ولهذا إذا كان هناك من يرغب أن يكون فاقداً للاختيار بشكل كامل في
انتخاب الابن، يُعدّ انتخاب الزوج الخطوة الأولى على هذا الطريق. والاهتمام بهذه
الضروريات يعمل على تعقيد القضية بحيث يظل ذوو الوساوس بلا زواج، ويشعر المتساهلون
بالغبن أحياناً بعد فترة من الزمن. وعادة ما يحصل هذا الحدث الحياتي العجيب بشكل
عفوي حتى يُخيَّل للبعض أنهم يحلمون. فقد يرتِّب كل شيء بريق نظرة أو سماع اسم، أو
رغبة تساور الأم والأخت والأب والأقارب والأصدقاء. ويُشغل الأطفال أذهانهم قبل
البلوغ بخيالات الحياة المشتركة في الغد وأحلامها أيضاً. غير أن هناك أشياءً لا
مرئية تكبّل يد المرء ورجله في ساعة الانتخاب وتقذفه في مكان قلّما يخمّن أحد أي
مكان هو: قد يكون وادياً مرعباً أو بحراً عجّاجاً. وغالباً ما يسلك المرء هذه
الطريق طواعيةً ظناً منه أنه هو الذي انتخبه.
وكان انتخاب الزوجة عند السيد روح الله بهذا الشكل أيضاً، مثل أغلب الأزواج. لم يكن
لديه أبوان كي ينتخبا له ويبارك لهما انتخابهما، كما أن أخواته وإخوانه كانوا يرونه
كبيراً وقادراً بالاعتماد على نفسه. أما هو فكان خجولاً بحيث لم ينبس ببنت شَفَة في
هذا الموضوع، وكان على حياء إلى درجة كبيرة بحيث لم يجرؤ على متابعة فتاة ما حتى في
مخيلته.
إنه الآن في السابعة والعشرين من العمر، وقد بلغ سن الزواج حسب تقاليد يومنا هذا،
إلاّ أنه ربما كان متأخراً عشر سنوات تبعاً للعرف السائد آنذاك.
الحياة المشتركة التي عاشها روح الله، تعدّ من أروع فصول حياته الملموسة. والمراة
التي أصبحت زوجته منذ ذلك اليوم ولُقِّبت بعد وفاته بـ"نصيرة الشمس"، تحدثت عن قصة
زواجهما بعد رحيله. فكان ذلك الحديث وصفاً عجيباً وصادقاً لا يشوبه الرياء بحيث
تستدر عباراتها ـ على الأقل ـ دموع شوق القارئ لتتحول إلى حجاب يحول دون مواصلة
القراءة هذا إذا لم يكن كغيرها ممن لا تجف ساقية دموعها أثناء حديثها للحظة واحدة
تأثراً لفراق الرفيق.
* الخميني روح الله - سيرة ذاتية