كان السيد الثقفي طالباً في قم وعالماً معروفاً إلى حدِّ ما في طهران. وعزم يوماً
على مغادرة قم إلى طهران، فدعا أعزّ أصدقائه إلى بيته، وبعد السؤال عن الحال وتقديم
الشاي والنارجيلة، نظر السيد اللواساني إلى السيد روح الله وقال له بدون مقدمة:
"سيدنا العزيز، لكم من العمر ست وعشرون أو سبع وعشرون سنة، وقد أصبحتَ رجلاً كاملاً،
ولستَ من أهل المتعة، فلماذا لا تتزوج؟".
فتجمعت حبات عرق كبيرة على جبين السيد روح الله، ثم أجاب بعد صمت قصير بنبرة يقطر
منها الحياء: "لم أجد من أرتضيها للزواج حتى الآن، ولا أريد أن أتزوج بامرأة من
خمين. لم يخطر ببالي أحد". ولا ندري هل كان هناك اتفاق مسبق كي يطرح السيد
اللواساني الاقتراح التالي بمحضر السيد الثقفي: "لدى السيد الثقفي بنتان، زوجة أخي
تقول أنهما حسنتان". ولم يسمع السيد روح الله شيئاً مما لعلّه قيل في أعقاب ذلك،
لأن قلبه أخد يخفق شوقاً لأول فتاة لم يرها من قبل أبداً.
ما أصعب سماع هذه الكلمات بمحضر والد زوجة المستقبل! وكم كان سهلاً هذا الاختيار
الأصعب في الحياة والذي يستحق التفكير على مدى سنين. كان جوابه الصمت، فيما انطبعت
ابتسامة الرضا على شفتي السيد الثقفي، اجابةً على جوابه الصامت. وذهب الوالد إلى
طهران وفاتح ابنته بالموضوع، فكان جوابها الرفض للأسف. وكان عمر السيد روح الله 27
عاماً آنذاك، فيما كان لها من العمر 15 عاماً. ولم يكن هذا التباين في السن قليلاً،
فضلاً عن أنها ترعرعت ونشأت بطهران وفي أجواء يخيّم عليها الدلال. ولم تكن تحب
الحياة التي كان يحياها طلبة الحوزة في قم ـ لا الطلبة أنفسهم ـ ولا تحبّذ أوضاع قم
ومناخها. وكانت حينئذٍ طالبة اعدادية، والآباء في تلك الأيام قلّما يسمحون لبناتهم
بالذهاب إلى المدارس الابتدائية فكيف بالمدارس الاعدادية التي كان أساتذتها
ومدراؤها ومشرفوها وفراشوها رجالاً. وكانت لديها من تدرّسها اللغة الفرنسية. كانت
هذه الفتاة عصرية بمستوى عصرية أبيها، وإنْ كان أبوها يختلف عنها قليلاً في ذلك،
فهو لم يكن راغباً في دخولها الاعدادية بسبب الظروف التي كانت سائدة آنذاك، غير أن
المر قد فُرِض عليه، وفرض عليها في المقابل أن تلتزم بما يفوق الحجاب الإسلامي
كارتداء السروال الفضفاض والحذاء الأسود البسيط. ومع ذلك كانت تعيش حياة مترفة على
أية حال.
* الخميني روح الله ـ سيرة ذاتية