الله تعالى لا يدع دعاءً دون إجابة، فأمر الملائكة بالهبوط في بيت فتاة ذات سجايا
زاكية أطبقت لتوّها جفناً على جفن، والدخول عليها في نومها بهدوء وإفاضة اليقظة
عليها. ودخل هؤلاء الملائكة مراراً إلى منام تلك الفتاة التي كان اسمها "قدس إيران".
ورأت رؤيا عجيبة كان بمثابة الشرارة الأخيرة التي أشعلت النار في خيمة أحلامها
الطفولية وأحرقت نزعتها نحو الحياة المرفهة. وأفضت لجدتها صباحاً وهي جالسة على
المائدة بمنامها المبارك قائلة: رأيت نفسي مع امرأة عجوز نحيفة ترتدي شادوراً شبيهاً
بشادور الليل منقّطاً بنقط صغيرة، ولم أعرف تلك المرأة التي كانت تجلس في الحجرة
وقد أدارت ظهرها لي. وكانت هناك نافذة زجاجية في باب الحجرة كنت أرى منها الجانب
الآخر (الحجرة المقابلة)، فسألتها: من هم هؤلاء الذين أراهم؟ فقالت: ذلك الذي أمامك
ذو العمامة السوداء، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلك الرجل ذو الرداء
الأخضر والقلنسوة الحمراء التي يتصل بها شال، هو أمير المؤمنين علي عليه السلام .
وكان في ذلك الجانب شاب ذو عمامة سوداء قالت عنه المرأة أنه الإمام الحسن عليه
السلام . فقلت: أحقاً هذان الرجلان هما الرسول وأمير المؤمنين؟ وأخذتُ اعبّر عن
فرحي وسروري. فقالت تلك المرأة: إنكِ لا تحبينهم! فقلت: إني أحبهم. هذا نبيّ وذاك
إمامي الأول، وهذا إمامي الثاني، فقالت: إنكِ لا تحبينهم!
واقتفت الجدة أثر يوسف عليه السلام ، وشرعت تفسر تلك الرؤيا كما يلي: "يتضح أن هذا
السيد (روح الله) سيد حقيقي، والرسول والأئمة مستاؤون منكِ. ليست هناك من حيلة، إنه
قدرك".
رأت هذا المنام في ذات الليلة التي قدم السيد أحمد إلى طهران للمرة الأخيرة كخاطب
وتشاجر مع السيد الثقفي. وحينما رُفع ما على مائدة الفطور، دخل والد (قدسي). كان
الفصل شتاءً، فجلس تحت لحاف كرسي التدفئة. وهرعت ابنته تحضر الشاي له. وبدأ الوالد
الكلام بهدوء: جاء السيد أحمد، كانت المرة الخامسة، وتفوّه بكلام لا أقوى على قوله.
حينما وجدني أقول لا يمكن، أي أنّ النساء غير موافقات، قال غاضباً: "إنها ترعرعت في
أحضان الرخاء، وليس بوسعها أن تعيش في ظل وضع طالب العلوم الدينية"، الأمر إليكِ،
لكنني أراه ـ السيد روح الله ـ رجلاً مؤهلاً ذا علم ودين، وتديّنه لن يدع "قدسي
العزيزة" ترى ما يعكّر صفو حياتها.
كان كلام الأب موجّهاً نحو البنت وهي تقدم له فنجان الشاي. وكانت المرة الأولى التي
ترى كلام أبيها مشوباً بنبرة عتاب. ورغم أنّ جدّتها هي التي ربّتها، إلاّ أن الحنان
الأبوي كان موشَّحاً بالحياء، بسبب فراق الأيام التي لم تره فيها. كما كانت البنت
توشّح احترامها لأبيها بالحياء والخجل أيضاً. فكانت عندما يدعوها لا تحضر بين يديه
بدون التشادور. ولم تدافع عن نفسها هذه المرة إلاّ بالصمت حينما وجّه خطابه إليها
بشكل مباشر، الخطاب الذي تفوح منه رائحة العتاب: "إذا لم تتزوجي فلن أتدخل في قضية
زواجك بعد اليوم".
كان جوابها لأبيها الصمت والصمت. الصمت الأول بمعنى الاحتجاج على نبرته، والثاني
إجابة بليغة المعنى على كلمات المرأة التي رأتها في المنام.
أقبلت الجدة تحمل علبة حلويات "مَنّ السماء"، فتناول الأب واحدة منها، وقال وهو
يضعها في فيه: (أنا آكلها تعبيراً عن موافقة "قدس إيران" ورضاها).
* الخميني روح الله ـ سيرة ذاتية