دروس وبحوث ومشاغل روح الله لم يكن بإمكانها أن تحول دون معرفته بمن يغسل الملابس
ومن يضع قدر الطعام الثقيل على النار ومن يكنس الحجرة. وكل هذه الأعمال كانت تُنجز
في فترة وجوده خارج البيت. ولم يكن أمام سيدة البيت سوى سيدة البيت وحدها. غير أنّ
هذا الوضع كم كان بإمكانه أن يستمر؟
للبعض عشرة أيام، وللبعض الآخر عشرة أشهر، ولأصحاب الإرادة القوية عشر سنوات، أما
للإمام فهو كل العمر. "لو أردت أن أغسل ربطة رأس البنت عند حافة الحوض كان يأتي
ويقول: انهضي، لا يجب عليك أن تغسليه أنتِ. وكنت أكنس الحجرة وأغسل ملابس الأطفال
حين خروجه. حتى أنه في إحدى السنوات غاب عنا الشخص الذي كان يعمل في بيتنا دائماً،
وكنا حينئذ نسكن في محلة "إمام زاده قاسم". ومؤخراً وحينما كبرت بناتنا وتزوجن،
جلستُ يوماً عند حافة الحوض اغسل الأواني بعد أن فرغنا من تناول طعام الغداء، فما
أن شاهدني حتى نادى على ابنتنا فريدة التي جاءت لزيارتنا وقال: "فريدة! اسرعي،
أمك تغسل الأواني".
كان والد "قدس ايراننا" و "قدسي روح الإمام"، ذا نظرة ثاقبة حينما قال: "الأمر
إليكِ لكني أرى فيه رجلاً مؤهلاً ذا علم ودين، وتدينه لن يدع "قدسي العزيزة" ترى ما
يعكر صفو حياتها".
حينما كان الإمام يأتي إلى البيت، يهدي السلام إلى زوجته ويلقي في حجرها زهور
الابتسام، ثم يعلّق عباءته ويذهب إلى المطبخ ويجلس إلى جوارها مع آنية فيها فنجاناً
شاي، وقد يشمّر عن ساعده أحياناً فيساعدها في وضع أطباق الطعام على الخوان، فتقول
له وهي تشعر بالخجل: لماذا أنت؟ فيجيبها بابتسامة تحيل أعماق الروح إلى ربيع: "جاءت
المساعدة من الجنة".
وفي تلك الفترة التي كانت تبدو هادئة، كان الغيب يمارس عمله بهدوء أيضاً. فكان
يصوّر تلك الحالات الخالصة من الرياء التي كان يعلمها الله وتراها الزوجة، كي
يعكسها في كلامه دون أن يعرف أحد، أو حينما يتحدث عن حق الزوجة يوافق القلب على ذلك
دون أن يستأذن العرف والعقل.
* الخميني روح الله ـ سيرة ذاتية