الأصدقاء الأعزّاء، شهر رمضان فرصة مميّزة جدّاً، فرصة في غاية الأهمّيّة. طبعاً هو فرصة للتبليغ، وفرصة للتبيين، وفرصة للأُنس بالناس، وفرصة لمدّ يد العون إلى الفقراء، لكن ما هو أسمى من هذا كلّه، أنّه فرصة للتعبّد، وفرصة للتقرّب، وفرصة الصوم الذي تصومونه، وفرصة الجلوس على مائدة الرحمة الإلهيّة، وعلى مائدة الضيافة الإلهيّة. مائدة الضيافة التي يتحدّثون عنها، هذه الضيافة، هي صومكم، وهي نافلتكم، وهي هذه الصلاة التي تقيمونها.
طبعاً، إنّ أعمال شهر رمضان كثيرة جدّاً، لاحظوا كتاب الإقبال للسيّد ابن طاووس، كم يحتوي من أعمالٍ لكلّ ليلة، وكم يذكر من الصلوات المتعدّدة والمختلفة، حيث إنّ بعضنا قاصر، وبعضنا يجهل أهمّيّة هذه الأعمال...
الجميع ينهضون عند السحر في شهر رمضان؛ ينبغي ألّا يُضيّع هذا السحر، فالسحر فرصة مميّزة جدّاً. لقد قلنا مراراً إنّنا لو لم نستغلّ هذا السحر، في هذا العالم المزدحم، فلن يكون لدينا وقت آخر لنختلي بأنفسنا، بقلوبنا، مع إلهنا، فعلاً لن يكون ثمّة وقت، نحن منشغلون. في هذه الساعات الأربع والعشرين، ننام بضع ساعات منها، وتلك الساعات التي نكون مستيقظين فيها، نكون منشغلين؛ فكلّ منّا لديه أعماله المتنوّعة. وساعات الفراغ التي كانت موجودة ما عادت موجودة اليوم -طبعاً هذا ليس نقصاً في العصر، بل طبيعته تحتّم ذلك- وثمّة وسائل متعدّدة، والحياة باتت حياة صناعيّة. توجد اليوم ظواهر لم تكن موجودة في السابق؛ لذلك فالمشاغل باتت كثيرة. لا يمكن خلال أيّام النهار -طبعاً ثمّة أناس خلال انشغالهم بالتحرّك، وإجراء المعاملات، والقيام بالأعمال التقنيّة، والعمل على الحاسوب ينشغلون بالذكر دائماً، ويواظبون على إحدى الأذكار باستمرار: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾[1]، بعض الناس هكذا، هم في حالة الصلاة باستمرار، ونحن لا يمكننا أن نبلغ مرتبتهم وبعيدون عنهم، لكن يوجد من هم كذلك- فرصتنا تقتصر على السحر؛ إذا ما فقدنا السحر فسوف لن تبقى لنا فعلاً أيّ فرصة. أسأل الله أن يحفظكم جميعاً، والسلام عليكم ورحمة الله.
(من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في جلسة البحث الخارج في الفقه، بتاريخ 30/04/2019م)
[1] سورة المعارج، الآية 23.