جاء الرسول بالإسلام ليهدي الناس إلى التوحيد والطهر والعدالة وسلامة الأخلاق والصلاح العامّ للمجتمع الإنسانيّ، [ثمّ] يجلس [حينها] مكان الرسول شخص غارق في الفساد والفسق، ولا يعتقد بأصل وجود الله وتوحيده. بعد خمسين عامًا على رحيل الرسول، يتولّى زمام الرئاسة مثلُ هذا الشخص! هذا الأمر يلوح لكم اليوم عجيبًا جدًّا، لكنّه لم يكن كذلك في أعين الكثير من الناس يوم ذاك. عجيب! أصبح يزيد خليفةً، ونشروا الجنود الغلاظ الشداد في أنحاء العالم الإسلاميّ، ليأخذوا له البيعة من الناس، وسار الناس جماعات جماعات وبايعوا؛ العلماء، والزهّاد، والنخب، ورجال السياسة [الولاة]، جميعهم قد بايعوا!
ما الذي ينبغي فِعلُه في مثل هذه الظروف، حيث تسُود الغفلةُ العالمَ الإسلاميّ، إلى حدّ أنّ الناس لا يشعرون بالخطر؟ ما الذي يجب أن يفعله شخصٌ كالحسين بن عليّ -وهو مظهر الإسلام ونسخة مطابقة [لشخص] رسول الإسلام الكريم: «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ»[1]- في مثل هذه الظروف؟ عليه أن يقوم بعمل يُوقِظ العالمَ الإسلاميّ، سواء في ذلك العصر، أم على امتداد القرون التالية. عليه أن يبثّ فيه الوعي ويهزّه ويحرّكه؛ وقد ابتدأت هذه الهزّة بثورة الإمام الحسين (عليه السلام). أمّا أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد دُعِيَ للحكومة في الكوفة فسار إليها، فهذه كانت ظواهر الحركة والعمل وذرائعه. حتّى لو لم يُدْعَ الإمام الحسين (عليه السلام)، لَوقعت تلك الثورة. كان يجب على الإمام الحسين، في مثل هذه الظروف أن يقوم بهذا التحرّك، ليُرشِد إلى الوظيفة، وإلى الواجب على المسلمين فِعله. وقد عرض الوصفة [العلاج] على المسلمين كلّهم في القرون التالية. كتب وصفة، لكنّ وصفة الحسين بن عليّ لم تكن وصفةَ كلام وألفاظ وأوامر يصدرها لغيره، ويبقى هو جالسًا في مكانه؛ كانت وصفةً عمليّة؛ تحرّك بنفسه، ودلّ على الطريق؛ قال نقلًا عن الرسول: إذا رأيتم الإسلامَ قد نُبِذ جانبًا، والظالمين تسلّطوا على الناس، وراحوا يغيّرون دين الله، ويتعاملون مع الناس بالفسق والفجور، ولم يقف المرء بوجه هذا الواقع، ولم يَثُر ضدَّه «كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مدْخَلَهُ»[2]. هذه وصفة، هذه هي ثورة الإمام الحسين.
(من كلام للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 08/01/2009م.)
[1] ابن قولويه، كامل الزيارات، ص52.
[2] أبو مخنف الكوفيّ، وقعة الطفّ، ص172.