«السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ اللَّهِ الْأَكْبَرَ»؛ وداعاً يا شهر الله الأكبر، «وَيَا عِيدَ أَوْلِيَائِهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَكْرَمَ مَصْحُوبٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ»؛ وداعاً يا أشرف وأعزّ مصحوب من الأوقات والأزمنة، «وَيَا خَيْرَ شَهْرٍ فِي الْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْرٍ قَرُبَتْ فِيهِ الْآمَالُ»[1]؛ وداعاً يا شهراً اقتربت فيه الأمنيات منّا، أي اقتربنا من أمنياتنا الحقيقيّة والإنسانيّة عبر سعينا وجهدنا المضاعَف.
على هذا المنوال وبهذه العبارات والكلمات، يودّع الإمام السجّاد (عليه السلام) هذا الشهر المبارك ويتحدّث بحرارة واشتياق عن ليلة القدر والدعاء و«القرآن» والمغفرة في هذا الشهر، ويسأل اللهَ المتعالي: اللهمّ احفظ لنا ما اكتسبناه من هذا الشهر؛ أمّا ما لم نكتسبه من هذا الشهر، وهذا الحرمان بوصفه نقصاً وضعفاً، فاجعله في موضع رأفتك، وعوّضنا عنه. بعد ذلك يتمنّى الإمام السجّاد (عليه السلام) العودة مرّة أخرى إلى هذا الشهر...
قدِّروا ذُخر هذه التقوى التي نلتموها في هذا الشهر، وحافظوا عليها، فإنّها تضيع. يقيناً قد حصّلتم من حضوركم في محافل عبوديّة الله، مثل المساجد والصلوات واستماع الخُطب -بحمد الله أجواء مجتمعنا السائدة هي أجواء التوجّه والتذكّر: «القرآن» والدعاء والمناجاة- والتنفّس في هذا الجوّ الروحانيّ، قد حصّلتم ذخراً من التقوى في هذا الشهر. كان الصوم عوناً كبيراً جدّاً. هذا الصوم أمر ثمين وقيّم. ليس من الضروريّ للإنسان كما يقيس وزنه كم فقد أو زاد أن يتمكّن من المعرفة بدقّة كم مقدار تلك الروحانيّة والصفاء التي نالها. بالطبع، إذا انتبه الإنسان إلى الأفعال والسلوك بقلبه الخاضع والمتذكّر ذاك، فإنّه يرى ويشعر بآثار هذه العبادة. لكن ليس الأمر كأن تكون ملموسة للغاية، ولكن عليكم أن تعرفوا أنّكم نلتم مقداراً من الصفاء والروحانيّة واللطف، فحافظوا عليه. الحفاظ عليه يكون بالدرجة الأولى عبر سعيكم ألّا ترتكبوا الذنوب بقدر ما تستطيعون.
(من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 28/05/1987م)
[1] الصحيفة السجّاديّة، ص198، الدعاء 45 في وداع شهر رمضان.