الاستغفار بذاته يمثّل جزءاً من التوبة، والتوبة معناها العودة إلى الله، وعلى هذا إنّ أحد أركان التوبة الاستغفار، أي طلب المغفرة من الله المتعالي، وهذا من النعم الإلهيّة الكبرى؛ فالله المتعالي فتح باب التوبة لعباده ليتسنّى لهم المضيّ في طريق الكمال، ولكي لا يكون الذنب سبباً في تعثّرهم أرضاً؛ لأنّ الذنب يُسقط الإنسان من ذروة عُلاه الإنسانيّ. كلّ ذنب من الذنوب يوجّه ضربة إلى روح الإنسان وصفائه ومعنويّته واعتزازه الروحيّ، ويقضي على نقاء روح الإنسان ويجعلها عكرة. الذنب يُزيل نقاء ذلك البُعد المعنويّ للإنسان الذي يميّزه عن سائر موجودات هذا العالم المادّيّ، ويقرّبه إلى الحيوانات والجمادات.
فضلاً عن الجانب المعنويّ الذي تُلحِقُه الذنوب بحياة الإنسان، هي تجلب عليه الإخفاقات، فثمّة كثيرٌ من ميادين الحركة الإنسانيّة يُخفق فيها الإنسان بسبب الذنوب التي صدرت منه، وبالطبع هذا له تفسير علميّ ونفسيّ وفلسفيّ أيضاً، فليس الأمر صرفاً بالتعبّد أو ببيان الألفاظ. كيف يتأتّى للذنب أن يجعل الإنسانَ يتعثّر أرضاً؟ في معركة أُحد -مثلاً- أدّى إهمال مجموعة من المسلمين وتقصيرهم إلى تحويل النصر الابتدائيّ إلى هزيمة، فالغلبة كانت للمسلمين في الوهلة الأولى، لكنّ النبّالين الذين أُوكِلت إليهم مهمّة المرابطة في مضيق الجبل، وأن يجعلوا الجبهة غير قابلة للتسلّل تركوا مواضعهم وهرعوا إلى الميدان، فالتفَّ عليهم العدوّ من الخلف، وباغتهم بهجومٍ مفاجئ، وفتكَ بالمسلمين، ومن هنا، نشأت هزيمة أُحد.
لقد وردت في سورة آل عمران آيات عدّة بشأن قضيّة الهزيمة هذه. ولأنّ المسلمين كانوا من الناحية النفسيّة مضطربين وفاقدي السكينة بشدّة، وهذه الهزيمة ثقيلة عليهم، كانت آيات القرآن تمنحهم السكينة والهداية أيضاً، وتبيّن لهم ماذا حدث حتّى حلّت بهم الهزيمة، ومن أين نشأت هذه الحادثة، ثمّ يصل إلى هذه الآية الشريفة، فيقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾[1]؛ أي هذه المجموعة منكم في معركة أُحد، الذين أداروا ظهورهم للعدوّ وتسبّبوا في الهزيمة، كانت الأرضيّة لمسألة هؤلاء ممهَّدة من قبل، إذْ كان لديهم خللٌ باطنيّ. استطاع الشيطان أن يجبرهم على الزلّة بمساعدة الأعمال التي اقترفوها من قبل.
إنّ الذنوب السابقة تُظهر أثرها في الجبهة، في الجبهة العسكريّة والسياسيّة، وفي جبهة مواجهة العدوّ، وفي مجال الإعمار والتربية والتعليم، والمكان الذي يستلزم الثبات، والمكان الذي يستلزم الإدراك الدقيق، والمكان الذي ينبغي للإنسان أن يكون فيه كالفولاذ يقطع ويسير قُدُماً ولا تعترض الموانع سبيله. طبعاً [المقصود] الذنوب التي لم تتمّ لها توبة نصوحة واستغفار حقيقيّ.
(من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 17/01/1997م)
[1] سورة آل عمران، الآية 155.