الغفلة تعني ألّا يكون الإنسان متنبّهاً وملتفتاً بصورة تامّة إلى أنّه يقترف ذنباً، كما هي الحال بالنسبة إلى بعض الناس، ولا أقول كثيرين من الناس، لا شأن لي بالكثرة والقلّة؛ فقد يكون ذلك أقلّ في بعض المجتمعات.
على أيّ حال، هذا النمط من الناس موجود في العالم، ويوجد بين البشر مَن هم غافلون ويرتكبون الذنوب من دون أن يشعروا بصدور المخالفة عنهم. فقد يكذب أحدهم، ويتآمر، ويغتاب، ويضّر بالآخرين، ويصدر منه الشرّ، ويخرّب، ويقتل، ويلبس الدواهي بالناس الأبرياء، وبنظرة أوسع وبمستوى أعلى، يخطّط الدواهي للإيقاع بالشعوب، ويضلّل الناس... وليس متنبّهاً في الأساس إلى أنّه يمارس أعمالاً منكرة. ولو قال له قائل: إنّك تقترف ذنباً، فقد يضحك منه استهتاراً، ويقول ساخراً: ذنب! أيّ ذنب هذا؟!
بعض هؤلاء الغافلين، قد لا يعتقدون أساساً بمبدأ الثواب والعقاب. وبعضهم الآخر يعتقدون بالثواب والعقاب، لكنّهم غارقون في الغفلة، وغير ملتفتين أصلاً إلى ما يفعلون. ولو تأمّلنا قليلاً في هذا الأمر في حياتنا اليوميّة، لرأينا أنّ بعض حالات حياتنا شبيهة بحالات الغافلين. الغفلة عدوّ عجيب وخطر كبير. وحقّاً قد لا يوجد أيّ خطر على الإنسان أكبر من الغفلة، وعدوٍّ أشدّ منها. بعض الناس على هذا النحو.
الغافل لا يفكّر في الاستغفار بتاتاً. أساساً لا يخطر في باله أنّه يرتكب ذنباً. إنّه منغمس في الذنوب، وسكران يغطّ بنومه. حقّاً هو كالإنسان الذي يؤدّي بعض الحركات وهو نائم؛ ولهذا يُطلِق أهل السلوك الأخلاقيّ في بيانهم منازلَ السالكين في مسلك الأخلاق وتهذيب النفس على المنزل الذي يروم الإنسان فيه الخروج من الغفلة اسمَ منزلة «اليقظة».
أمّا في المصطلحات القرآنيّة، فإنّ النقطة المقابلة للغفلة هي التقوى. التقوى تعني اليقظة والمراقبة الدائمة للنفس. إذا صدرت عن الغافل عشرات الذنوب وهو لا يشعر أساساً أنّه ارتكب ذنباً، فإنّ الإنسان المتّقي هو عكسه تماماً. حتّى عندما يرتكب أدنى ذنب، يتنبّه فوراً أنّه ارتكب ذنباً، ويفكّر في التكفير عنه، ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُو﴾[1]. بمجرّد أن يمرّ الشيطان من جنبه ويلفحه ريح الشيطان، يستشعر فوراً أنّه مسّه الشيطان، وقد اقترف خطأً وأخذته الغفلة؛ ﴿تَذَكَّرُو﴾. ﴿فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾؛ مثل هكذا شخص عيونه مفتوحة.
أعزّائي، إخوتي وأخواتي، أيّاً من تكونوا، انتبهوا! هذا الكلام غير موجّه إلى فئة معيّنة من الناس فقط حتّى نقول مثلاً: فليتنبّه الأشخاص القليلو الاطّلاع أو القليلو المعرفة أو الشبّان أو الصغار في السنّ. كلّا، بل على الجميع أن يكونوا متنبّهين. إنّ على العلماء والبارزين والشخصيّات المعروفة والوجهاء والصغار والأغنياء والفقراء أن يكونوا متنبّهين جميعاً أنّه أحياناً قد تأخذهم الغفلة فيصيروا غافلين، فتصدر منهم الذنوب، وقد يكونون غير ملتفتين إلى أنّهم يرتكبون الذنب، وهذا خطر كبير جدّاً!
هذا الذنب الذي نقترفه، أنا وأنتم، قد لا نلتفت إليه، ولأنّنا لا نعلم أنّنا قد أذنبنا، لا نتوب ولا نستغفر، ثمّ عندما يحين يوم القيامة ويُكشف عن أبصارنا، نرى حينئذٍ كم في صحيفة أعمالنا من أشياء عجيبة! يندهش الإنسان، ويتساءل: متى ارتُكبت هذه الأعمال، لأنّه لا يتذكّرها أصلاً. هذا هو ذنب الغفلة وإشكال الأمر. إذاً، إنّ أحد موانع الاستغفار الغفلة.
(من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 17/01/1997م)
[1] سورة الأعراف، الآية 201.