إنّنا حينما ننظر عادةً من بعيد إلى الشخصيّات أو الخصال بصورة مجملة، غالباً ما نُثني عليها، لكنّنا عندما نقترب منها، وعندما يصل الدور إلى العمل والاتّباع، تحدث لنا المشكلات، هنا يكمن عيب أبناء البشريّة.
لو كان لدى أهل الدنيا تعلّق ومحبّة بالعدالة والإنصاف وشجاعة أمير المؤمنين (عليه السلام) ومناصرة الحقيقة ومناهضة الظلم، بالقدر نفسه الذي كان عنده، ولو كانوا يقتربون على صعيد العمل -بالحدّ الأدنى- خطوةً واحدةً نحو هذه الخصال، لصار العالم جنّة مزدهرة. لكنّنا نحن البشرَ، أي نحن وأمثالي الذين نُثني على أمير المؤمنين (عليه السلام) هكذا من بعيد، ليس واضحاً أنّنا سوف نؤدّي ذاك الثناء في حياتنا اليوميّة وأحكامنا العاديّة على أحد الأعمال التي نُثني عليها في شخصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام)، أو عند التعاطي مع الشخص الذي يروم السير على نهج أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإنّما نضطرم في قلوبنا وننهض لمواجهته، وإذا غلبتنا الشقاوة -لا قدّر الله- نُشهر السيف في وجهه أيضاً! هذا هو موطن الخلل.
لذا، بقدر ما نتحدّث عن الجوانب المستخلصة من خصال أمير المؤمنين (عليه السلام)، يجدر أن نطّلع أيضاً على تفاصيل الخصال لذلك الجليل. أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي كان عادلاً، كيف كان عدله؟ هذا العدل الذي نال هذا الثناء كلّه، كيف كان على الصعيد العمليّ؟ ثمّ نسعى في خطوة لاحقة إلى الاقتراب منه على الصعيد العمليّ. هذا هو الصحيح، وهذا ما يؤدّي إلى التكامل. إنّكم سمعتم أنّه ورد في بعض الروايات أنّ أشخاصاً كانوا يقولون للأئمّة (عليهم السلام): إنّنا شيعتكم (كما ورد في رواية أنّ بعضهم جاؤوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) نفسه، وقالوا له ذلك أيضاً)، لكنّ الأئمّة -كما جاء في هذه الروايات- كانوا يستنكرون ذلك منهم في الردّ عليهم، ويقولون: أين وجه الشبه بينكم وبين شيعتنا وأتباعنا؟ فأنتم تتّصفون بهذه الخصلة وهذه الصفة وهذا التصرّف وهذا القول... بعبارةٍ أخرى: إنّهم يطالبوننا بالعمل، والعمل تابع للاعتقاد أيضاً. لا بدّ للإنسان من أن يكون لديه معتقد.
(من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 31/12/1999م)