العباداتُ بأنواعِها هي فُرَصٌ لنا، لكنَّ شهرَ رمضان يُشكّل فرصةً استثنائيّةً في السنة. طوال هذه الأيّام الثلاثين أو التسعة والعشرين، مضافاً إلى الصلوات الخمس الواجبة والنوافل الّتي يمكن للإنسان أن يؤدّيَها باستمرار، ثمّةَ أدعيةٌ تُكسِب الإنسانَ نورانيّةً مضاعفةً، عبر الاهتمام بها وقراءتِها. لقد وضعوا هذه الأدعية بين أيدينا ليعلّمونا كيفيّة التحدّث إلى الله ومناجاتِه، وحدّدوا لنا ماهيّةَ الكلام المناسب في التحدّث إلى الله. ولولا بعضُ جمل الأدعية المأثورة عن الأئمّة (عليهم السلام)، ما تمكّن المرءُ من أن يحدِّدَ بنفسه، هل يمكنه أن يتحدّث إلى الله بهذه اللغة، وأن يرجوَه ويسأله على هذا النحو؟
فضلاً عن ذلك، إنّ صيامَ شهر رمضان بحدِّ ذاتِه يمهّد الأرضيّةَ الروحانيّةَ والنورانيّةَ للصائم، ويُهيّئُه لاكتساب الفيوض الإلهيّة. هذه الباقةُ لشهر رمضان، من الصلاة والواجبات المقرّرة والدائمة والصوم والأدعية وتلاوة القرآن، إذا ما التزمتموها، وأضفتم إليها تلاوةَ القرآن أيضاً -قالوا: إنّ شهر رمضان هو ربيع القرآن- فهي دورة لإعادة بناء الذات وترميمِها، وإنقاذِها من الاهتراء والتلف وأمثال ذلك، وهي دورة مغتنمة جدّاً. إنّ أساسَ القضيّة هو أن نتمكّن خلال شهر رمضان من هذا السير إلى الله، وهو أمرٌ ممكن.
كنّا عندما نزور أحياناً سماحةَ الإمامَ [الخمينيّ] (رض) بعد انتهاء شهر رمضان، ألمسُ أنّه صار أكثرَ نورانيّة، وأنّ كلامَه ونظراتِه وإشارةَ يدِه وحركتَها وحديثَه، قد اختلفَت كلُّها عمّا كانت عليه قبل شهر رمضان. هكذا هي دورةُ شهر رمضان للإنسان المؤمن والسامي؛ إنّها تمنحه وقلبَه وباطنَه ذلك الكمَّ من النورانيّة الّتي يشعر بها المرءُ حين مشاهدته الحضوريّة له، ويدرك من كلامه أنّه صار أكثرَ نورانيّة. هكذا هم عباد الله. وعلينا أيضاً أن نغتنمَ هذه الفرصةَ كثيراً.
(من كلام للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 07/04/1990م)