الصوم ليس الامتناعَ عن الأكل والشرب فقط، فلا بدّ من أن يكون الامتناعُ عن الأكل والشرب صادراً عن نيّة، وإلّا فإذا لم تسنح لكم الفرصة لأكل أيّ شيء بسبب المشاغل أو الانشغال بالعمل 12 ساعة أو 15، فلن يكون لذلك أيّ ثواب. أمّا إذا أدّيتم هذا الإمساك نفسه عن نيّة، «اجعلنا ممّن نوى فعمل»[1]؛ أي أنْ ينوي المرء ويعمل في أعقاب النيّة، فهذا هو الجوهر الوضّاء الذي يُضفي عليكم القيمة ويجعل أرواحكم قيّمة.
شرط الصيام النيّة، ولكن ما معنى النيّة؟ المراد بها توجيه هذا العمل، وهذه الحركة، وهذا الإمساك، وهذا التمرين، من أجل الله، وفي سبيل الله، ولتنفيذ الأمر الإلهيّ. هذا ما يُضفي على كلّ عمل قيمة؛ ولذا تقرؤون في دعاء الليلة الأولى من الشهر المبارك: «اللهمّ، اجعلنا ممّن نوى فعمل، ولا تجعلنا ممّن شقى فكسل»[2]، فالكسل وقلّة الرغبة والخمول عن أداء العمل -سواء أكان عملاً مادّيّاً أم معنويّاً- كلّه شقاوة.
الصوم من أفضل الأعمال. ومع أنّه ظاهريّاً لا ينطوي على أيّ إقدام، فإنّه في الباطن إقدام وفعل وعمل إيجابيّ؛ لأنّ لديكم النيّة لأداء هذا العمل. لذا، من لحظة دخولكم ميدان الصيام -أيْ منذ لحظة طلوع الفجر- إلى آخر النهار، أنتم في حالة عبادة مستمرّة بسبب هذه النيّة. حتّى إذا كنتم نائمين، فإنّكم تعبدون. وإذا كنتم حتّى تسيرون، فإنّكم تعبدون. هذا ما نُقل عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، بقوله: «أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة»[3]. ولكن كيف يكون نومكم عبادة؟ وكيف تكون أنفاسكم ذكر «سبحان الله»؟ ذلك لأنّكم حتّى لو كنتم لا تؤدّون أيّ عمل، ولا تُقدِمون على شيء، ولكن لأنّكم تدخلون إلى هذا الوادي بهذه النيّة، فإنّكم في حالة عبادة مستمرّة.
(من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 02/01/1998م)
[1] السيّد ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة، ج1، ص76.
[2] المصدر نفسه.
[3] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص93.