هذه الليالي هي ليالي التوبة. إنّنا جميعاً مبتلَون بالذنوب والمعاصي، والمعاصي كبائر وصغائر. ينبغي لنا أن نعتذر لله ونستغفره ونتوب ونؤوب إليه. ولا بدّ من أن نعزم على ألّا تصدر منّا المعصية. أحياناً يعزم الإنسان ويقرّر ألّا يُذنب، ثُمّ يبتلى بالغفلة والخطأ وتزلّ قدمه، فيعود إلى ذلك الذنب نفسه من جديد، ومرّةً أخرى يجب عليه أن يتوب ويستغفر، لكن ينبغي أن يكون الاستغفار جادّاً وحقيقيّاً، لا بدّ من أن يكون ترك الذنب عن قصد حقيقيّ وجدّيّ، جاء في إحدى الروايات في ما يتعلّق بالدعاء واستجابته: «وليخرج من مظالم الناس»[1]؛ على الإنسان الخروج من مظالم الناس حتّى يُستجاب دعاؤه. وفي رواية أخرى، يخاطب اللهُ المتعالي النبيَّ موسى (عليه السلام)، فيقول: «يا موسى، ادعني بالقلب النقيّ واللسان الصادق»[2]؛ تحدّثوا مع الله المتعالي بقلب نقي ولسان صادق، فإنّ الدعاء سيُستجاب قطعاً.
بعضهم يؤجّل الدعاء والعبادة والتوبة إلى سنّ الشيخوخة، وهذا خطأ كبير. إذا قيل لهم توبوا، يقولون لا يزال لدينا متّسع من الوقت؛ أوّلاً ليس معلوماً أنّه لدينا وقت، فالموت لا يخبر الإنسان، وهو للمراحل العمريّة كلّها. ثانياً، إذا افترضنا أنّه لدينا وقت حقّاً، فنكون على ثقة بأنّنا سوف ندرك سنّ الشيخوخة؛ أي إذا افترض المرء أنّه يستطيع أن يقضي شبابه غافلاً وغارقاً في الشهوات، ثمّ يأتي ليتوب بكلّ بساطة وسهولة، فقد ارتكب خطأً كبيراً؛ إنّ حال الدعاء والإنابة ليست بالأمر الذي يحدث للإنسان في أيّ وقت يريد، ففي بعض الأحيان نريد، لكن لا يحدث ذلك، ونبحث عن الحال والتوجّه فلا نحصل عليهما، ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ﴾[3]. إنّ الإنسان الّذي لم يُنشِئ في نفسه أرضيّة التوجّه والإنابة إلى الله لا يتوقّع أنّه متى ما أراد يستطيع الذهاب إلى باب بيت الله.
أنتم ترَون أنّ بعض القلوب النقيّة -قلوب الشباب غالباً- تستطيع الاتّصال بالله بسهولة، لكنّ بعض الأشخاص مهما حاولوا، فلا يتمّ هذا الاتصال. الأشخاص الّذين يمتلكون الفرصة ويستطيعون إبقاء قلوبهم ليّنة، فليعرفوا قدر ذلك، وليحافظوا على علاقتهم مع الله، حتّى يستطيعوا الذهاب إلى باب بيت الله متى ما أرادوا.
(من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 21/10/2005م)
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج90، ص321.
[2] المصدر نفسه، ج90، ص341.
[3] سورة الحجّ، الآية 10.