أشير إلى نقطةٍ أخرى، هي أنّ بعضهم يُسيء فهم هذه العبارة: «كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ؛ لَا ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ، ولَا ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ»[1]، ويتوهّمون أنّ معناها هو أنّ الفتنة إذا اشتعلت وتشابهت الأمور، فعليك الاعتزال. ليس معنى هذه العبارة ممّا يفيد الاعتزال إطلاقاً، بل معناها أن لا يستطيع صاحب الفتنة استخدامك على الإطلاق. «لَا ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ، ولَا ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ»؛ لا يستطيع أن يرَكبك، ولا يستطيع أن يَحلبك؛ ينبغي الحذر.
في حرب صفّين، لدينا في جانبٍ، عمّار بن ياسر، الذي كان يخطب في الناس دوماً -انظروا الأعمال والآثار الخاصّة بصفّين- وكان في هذا الطرف وفي ذلك الطرف، جيشٌ مع مجموعات مختلفة. فقد كانت تلك الساحة ساحة فتنة حقّاً، حيث تحاربَت فئتان من المسلمين، وكانت فتنة كبرى اشتبهت على بعضهم، وكان عمّار ينوِّر الأذهان دوماً؛ يذهب لهذا الجانب، وذاك الجانب، ويتحدّث ويخطب في جماعات مختلفة؛ وخطبه وكلماته مسجّلة في التاريخ. من جانبٍ آخر، تشير الروايات إلى أنّ جماعة «نفر من أصحاب عبد الله بن مسعود» جاءوا إلى الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، وقالوا: «يا أمير المؤمنين -وكانوا يعترفون به أميراً للمؤمنين- إنّا شككنا في هذا القتال»[2]؛ لقد شككنا في هذه الحرب، فابعثنا إلى الحدود والثغور؛ لكي لا نشترك في هذا القتال. هذا الاعتزال هو بذاته «ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ» و«ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ». الصمت، والاعتزال، وعدم التحدّث يتحوَّل أحياناً، إلى ممارسات تساعد الفتنة. على الجميع في الفتنة، ممارسة التنوير والإرشاد؛ وعلى الجميع التحلّي بالبصيرة. نتمنّى أن يوفّقنا الله -تعالى-، نحن وإيّاكم، للعمل بما نقول وما ننوي.
(من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 24/09/2009م.)
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص469، الحكمة الأولى.
[2] نصر ابن مزاحم المنقريّ، وقعة صفّين، ج3، ص186.