هذه الأشهر هي فرصةٌ كبيرة، شهر شعبان وشهر رمضان من الفرص الكبرى. إنّ الأدعية الواردة في هذين الشهرين، تفتح الطريقَ أمامنا. إذ لو أردنا، أنا وأنتم، أن نتكلّم مع الله ونُطالبه بشيء ونسأله أمراً، لما أجدنا ذلك حقّاً بصورة صحيحة. غير أنّ هذه الأدعية تُعلّمنا -بأبلغ بيانٍ وأسلوب- ماذا نطلب من الله تعالى، وكيف نتحدّث إليه. إنّ هذه المناجاة الشعبانيّة الشريفة والفقرات المودعة فيها، من البداية إلى النهاية، تُمثّلُ كلُّ واحدة منها بحراً من المعرفة، مضافاً إلى أنّها تُعلّمنا كيفيّة التحدّث إلى الله والطلب منه؛ «إلهيّ هَب لي قَلباً يدنيهِ مِنك شَوقُهُ، وَلِساناً يُرفَعُ إِلَيك صِدقُهُ، وَنَظَراً يقَرِّبُهُ مِنك حَقُّه»[1]. لاحظوا هذه النقاط الأساسيّة الثلاث، التي جُمعَت في فقرة قصيرة من الدعاء.
«إلهيّ هَب لي قَلباً يُدنيهِ مِنك شَوقُهُ»، أعطني قلباً يُقرّبه الشوق منك، شوقٌ لا بدّ من إيجاده في القلب. إنّ تلوّثنا بالمادّيّات والذنوب وبحالات الحرص والطمع المتعدّدة، تُميتُ هذا الشوق في القلب. في المقابل، فإنّ أُنسَنا بالقرآن والدعاء والنوافل وتأدية الفرائض بشكلٍ صحيح، يُثير هذا الشوق، ويُشعِله في القلب، «يدنيهِ مِنك شَوقُهُ»، عندها يقوم هذا الشوق بتقريب القلب إلى الله.
«وَلِساناً يُرفَعُ إِلَيك صِدقُهُ»، اللسان الصادق والكلام بصدق ومصداقيّة يصعد إلى الله: ﴿إِلَيهِ يصعَدُ الکلِمُ الطَّيبُ وَالعَمَلُ الصالِحُ يرفَعُه﴾[2]. فالكلام السليم والصحيح والقول الصادق والحديث الودّي الذي لا تشوبه شوائب المادّة والأنانيّة وعبادة الهوى، يصعد إلى الله.
«وَنَظَراً يقَرِّبُهُ مِنك حَقُّه»، النظرة الحقّة والحقيقيّة والواقعيّة للمسائل، لا النظرة الانحيازيّة والشهوانيّة والنفعيّة. فلننظر إلى القضايا من منظار الحقّ ومناصرة الحقّ واتّباع الحقّ، عندها سيقترب القلب من الله. انظروا كيف تُعلِّمنا هذه المناجاة أسلوبَ الحديث مع الله والطلب منه.
(من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 27/05/2015م)
[1] السيّد ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة، ج3، ص298.
[2] سورة فاطر، الآية 10.