أهنِّئ كافّة المسلمين والمستضعفين في العالم بمناسبة هذا العيد السعيد. نحن الآن في شهر شعبان، وما هي إلّا أيّام قلائل، ويطلّ علينا شهر رمضان المبارك. شهر رمضان شهر النبوّة، وشهر شعبان شهر الإمامة. يحوي شهر رمضان ليلةَ القدر، ويضمّ شهر شعبان ليلةَ النصف منه التي لا تقلّ شأناً عن سابقتها. شهر رمضان شهرٌ مباركٌ لاحتوائه ليلةَ القدر، وشهر شعبان مباركٌ أيضاً لتضمّنه ليلةَ النصف منه. شهر رمضان ميمونٌ أيضاً لنزول الوحي فيه، وبعبارةٍ أخرى: معنويّة رسولِ الله أنزلَتِ الوحي، وشهر شعبان عظيمٌ لأنّه استمراٌر لتلك المعنويّات. تتجلّى ليلةُ القدر في شهر رمضان، إذ تشتمل على تمام الحقائق والمعاني، وشهر شعبان شهر الأئمّة الكرام (عليهم السلام). بُسِطَت كافّة البركات في العالم في شهر رمضان بفضل المقام السامي للولاية العامّة بالأصالة لرسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وشهر شعبان الذي هو شهر الأئمّة الكرام (عليهم السلام)، يتمّم تلك المعاني ببركة الولاية المطلقة للأئمّة (عليهم السلام) تبعاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله).
إذً، شهر رمضان شهرٌ خرقَ تمامَ الحجب، وهبط فيه جبرائيل الأمين على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وبعبارة أخرى: أنزل النبيُّ الكريمُ جبرائيلَ الأمينَ إلى الدنيا، وشهر شعبان شهر الولاية، ويتمّم تلك المعاني كلَّها.
شهر رمضان شهرٌ ميمونٌ لنزول القرآن فيه، وشهر شعبان ميمونٌ أيضاً لورود أدعية الأئمّة (عليهم السلام) فيه. شهر رمضان هو الذي أنزل القرآن، وهو يضمّ بين دفتيه تمام المعارف والعلوم وكلَّ ما يحتاجه البشر، وشهر شعبان (شهر الأئمّة الكرام) حلقة الوصل لتلك الحقائق والمعاني في جميع المراحل.
ما جاء في القرآن الكريم بشكل سرٍّ من الأسرار، ورد في أدعية الأئمّة (عليهم السلام) كذلك، فنرى في المناجاة الشعبانيّة الإمامَ (عليه السلام) يخاطب اللهَ جلّ وعلا، ويقول: «واجعَلْني ممّن ناديتَه فأجابك، ولاحظتَه فصعِق لجلالك، فناجيتَه سرّاً وعمل لك جهراً»[1]، فيأتي بالفعل «صَعِقَ» في البين، وهذا هو المعنى نفسه الذي ورد في القرآن الكريم بحقّ النبيّ موسى (عليه السلام)، إذ قال تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾[2]؛ فهذا شهر «الصعق»، وذاك شهر يتطلّب «الصعق» أيضاً. رمضان شهر التجلّي الإلهيّ للنبيّ الكريم (صلّى الله عليه وآله)، وشعبان شهر التجلّي الإلهيّ للأئمّة الكرام تبعاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله).
للإمام المهديّ (عليه السلام) أبعاد مختلفة، ينكشف بعضُها بما حدث للبشر؛ ما اتّضح للبشر من القرآن الكريم والنبيّ العظيم هو بعضُ أبعادِ تلك المعنويّات، ثمّة معنويّات في القرآن لم تُكشَف لبشرٍ قطّ، سوى النبيّ ومَن تتلمذ عليه. وثمّة أمورٌ في أدعيتنا على هذا المنوال؛ فكما أنّ رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله) حاكمٌ ومهيمنٌ على الموجودات كافّة، فإنّ الإمامَ المهديَّ (عليه السلام) كذلك، فذاك خاتم الأنبياء وهذا خاتم الأوصياء، ذاك خاتم الولاية العامّة بالأصالة، وهذا خاتم الولاية العامّة بالتبع.
إذاً، هذان شهران يستوجبان منّا الاحترام والتبجيل؛ فَلْنقرأ الأدعيةَ الواردةَ في هذا الشهر الميمون (شهر شعبان)، وتلك التي وردَت في شهر رمضان المبارك بتدبّر وتمعّن.
وَليقمِ المفسِّرون بتفسير أدعية الأئمّة الواردة؛ المناجاة الشعبانيّة من الأدعية النادرة، ودعاء أبي حمزة الثمالي المنقول عن الإمام السجّاد (عليه السلام) دعاءٌ لا يُضاهى أيضاً. دعاء كميل ورد في شهر شعبان، وهو من الأدعية التي تُقرَأ ليلة الخامس عشر منه، ويحتوي أسراراً نعجز عن إدراك كنهها.
ورد عن أئمّة الهدى أدعيةً ذات مضامين عالية، لا بدّ من التأمّل فيها، وَليقمِ العلماء والمفكّرون بشرحها شرحاً وافياً، ثمّ تقديمها إلى الناس، مع أنّه لا يتمكّن أيُّ شخصٍ من شرحها بما يطابق الواقع.
يجب أن نكتفي بهذا المقدار ونُقِرَّ بأنّنا تابعون فحسب، ونحن نؤمن بأنّ نورَ النبوّة ونورَ الامامة بدأ منذ صدر الخلقة، وسيبقى حتّى انتهائها.
(صحيفة الإمام (قُدِّس سرّه)، ج20، ص204 - 205)
[1] السيّد ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة، ج3، ص299.
[2] سورة الأعراف، الآية 143.