لم تكن في مكّة حربٌ عسكريّة، ولم يُكلَّف النبيّ والمسلمون بشنّ حربٍ عسكريّةٍ فيها، والمهمّة التي كانوا يقومون بها مهمّة أخرى، وهي التي أمر الله تعالى بها في هذه الآية الشريفة قائلًا: ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرً﴾. فما هي تلك المهمّة الأخرى؟ هي عمل آخر؛ إنّها الصمود والمقاومة وعدم التبعيّة: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾[1].
إنّ عدم إطاعة الكفّار هو الذي عبّر الله تعالى عنه بالجهاد الكبير. وهذا التصنيف يختلف عن تقسيم الجهاد إلى جهاد أكبر وجهاد أصغر؛ فالجهاد الأكبر الذي يفوق أنواع الجهاد كلّها صعوبةً، هو جهاد النفس، ذلك الجهاد الذي يحافظ على هويّتنا وباطننا. والجهاد الأصغر، هو مقاتلة العدوّ، ولكن بين أقسام الجهاد الأصغر، ثمّة جهادٌ أطلق الله تعالى عليه «الجهاد الكبير»، وهو هذا الجهاد. ولكن ماذا يعني «الجهاد الكبير»؟ يعني عدم إطاعة العدوّ والكافر والخصم الذي نواجهه في ساحة النزال، وماذا تعني الإطاعة؟ تعني التبعيّة. ولا يجوز الاتّباع في أيّ المجالات، في مختلف الساحات والميادين، التبعيّة في مجال السياسة، في مجال الاقتصاد، في مجال الثقافة، في مجال الفنّ. فلا تتّبع العدوّ في شتّى الميادين والمجالات، هذا هو «الجهاد الكبير».
(من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 2016/05/23م.)
[1] سورة الفرقان، الآية 52.