كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في حشد من العمال بمناسبة يوم العامل_30-4-2015
بسم الله الرحمن الرحيم1
بدايةً أرحّب بجميع الإخوة
والأخوات الأعزّاء، وأبارك سلفًا للجميع ذكرى ولادة أمير المؤمنين عليه السلام مظهر
العدالة والوجه المشرق لتاريخ البشرية بأكمله.
كما أبارك لكم ذكرى ولادة الإمام الجواد عليه السلام المصادِفة لهذا اليوم. ولا
تنحصر بركات شهر رجب بهذه الأيام المباركة لولادة الأئمّة عليهم السلام، لذا أوصي
نفسي وأوصيكم بالاستفادة من بركات هذا الشهر من خلال تعزيز العلاقة والارتباط
الروحي بالله تعالى، وإذا ما عمل كلّ واحد منّا على تمتين علاقته بالله تعالى لزالت
تلقائيًا الكثير من المشاكل والاضطرابات والاخطاء.
كذلك أتوجه بالشكر إلى وزير العمل المحترم على الكلمة التي ألقاها لما تضمّنت من
نقاط دقيقة وجيدة ونحن نوافقه عليها، وأرجو أن يتابع جميع المسؤولين العمل ضمن هذه
المسارات الواضحة سواءً في وزارة العمل أم في سائر الدوائر الحكومية، حيث إن بعض
هذه المسائل لا علاقة لها بوزارتكم، بل تقع ضمن قطاعات أخرى.
يدٌ لا تمسها النار!
لقد قلنا الكثير من الكلام الجميل، أعدناه مرارًا، اتّخذنا قرارات
جيّدة، لكنّ التأثير في حياة الناس وفي الواقع العملي يتوقّف على تحرّكنا وعملنا
وعلى تحقّق هذه الأمور، ونسأل الله تعالى أن يوفّقكم وإيّانا والجميع لنتمكّن من
الحركة إلى الأمام بأقصى ما يمكن.
لقاؤنا اليوم معكم أيّها العمال الأعزّاء القادمين من أنحاء البلاد، يعبّر عن
محبّتنا وتقديرنا للطبقة العاملة. لقد قلنا الكثير ولا زلنا، واليوم سنقول بعض
الأمور، بيد أنّ ما نريده من هذا اللقاء بالدرجة الأولى هو تكريم العامل والعمل،
نريد التأكيد أكثر على أهميّة العمل في وعينا ووعي كلّ واحد من أبناء الشعب
الإيراني.
علينا أن ندرك أنّ تحقّق جميع الإنجازات الكبرى إنّما يتمّ ببركة العمل بمعناه
الأعم. إنّ للعمل قيمة، وإنّ للعامل قيمة وفضلا؛ وقيمة العامل الرفيعة في المجتمع
هي ببركة العمل. ما روي مشهورًا عن رسول الله صلى الله عليه وآله حول تقبيل يد
العامل2، لم يكن مجرّد مجاملة، بل كان تعليمًا، وعليه، نريد أن يُكرّم العمل والعامل،
وأن يعتني المسؤولون بقضايا العمال، وبحل مشاكل بيئة العمل والطبقة العاملة. هناك
مشاكل قائمة؛ تأخّر الرواتب، تسريح العمال، الأمور المعيشيّة وأمثالها، هذه أمور
موجودة في البلد وبين العمال، وهذه هي مشاكل العمال. على المسؤولين أن يعطفوا هممهم
على هذه القضايا أكثر من ذي قبل، وهدفنا من اللقاء هو هذه الأمور.
تقديري أنّ الفئة العاملة أدّت دورًا مهمًّا لأجل هذا البلد - للحقيقة والإنصاف -
منذ بداية الثورة وحتى يومنا هذا؛ فلدينا أوّلًا فضل العمل والعمال، وثانيًا حضورهم
في الساحات الصعبة في البلد طوال هذه السنوات، وثالثًا عدم الاستجابة لإغراءات
الذين أرادوا زجّ العمال في مواجهة مع النظام منذ بداية الثورة.
الإنتاج أساس العمل
لقد قدّم العمال هذه التضحيات الجسيمة رغم مشاكل حياة العامل ووضعه
المعيشي الذي استمرّ في مختلف المراحل، وقد اجتاز العمال امتحانهم بجدارة.
فالأمر إذن كما ذكرت لكم، ما لدينا من مشاكل، أوّلًا: لا يُحلّ بالكلام؛ لا بدّ من
اتّخاذ الإجراءات والابتكار والعمل، وثانيًا: يجب أن نبحث عن سبل علاج مشاكل
التركيبة الاقتصادية في البلد من داخل البلد؛ والعامود الفقري هو الإنتاج؛ العامود
الفقري في الاقتصاد المقاوم الذي ذكرناه هو تعزيز الإنتاج المحلي، وإذا تحقّق هذا
الأمر وعُطفت الهمم عليه، ستنحل حينها مشاكل العمل تدريجيًّا، ويصبح للعمل قدره،
وللعامل مكانته، وستُتاح فرص العمل للجميع، وسوف تنحسر معضلة البطالة في المجتمع
تدريجيًا وتزول. الإنتاج أساس العمل.
قد يقول البعض إنّ مسألة الإنتاج التي تذكرونها تكرارًا – ونحن نشدّد دائمًا على
موضوع الإنتاج وبصورة متتالية في الخطابات العامة وفي اجتماعات المسؤولين – هذه
مسألة لها متطلّباتها، ولن يكتسب الإنتاج رونقه ويتعزّز في ظل الوضع الراهن مع هذه
العقوبات والضغوط الدوليّة. أنا لا أنفي تأثير العقوبات الظالمة التي فرضها أعداء
الشعب الإيراني وأعداء الثورة على الشعب الإيراني، لا شك أنّها لا تخلو من تأثير.
لكنّني أنفي قدرة هذه العقوبات على الحؤول دون السعي العام المنظم المبرمج لازدهار
الإنتاج؛ لست موافقًا على هذا الأمر.
عندما أتأمّل في وضع البلد أجد أنّ هناك قطاعات مختلفة، وأنّ بعضها فرض عليه
الأعداء ضغوطًا وعقوبات وغير ذلك بنحو أشدّ، ومع ذلك تطوّر الإنتاج فيها بهمّة
المسؤولين وجهود العمال والشباب المندفع. إنّني أرى هذه الأمور وأشاهدها، وهي على
مرأًى من الجميع.
تطوّرٌ في مختلف المجالات
خذوا الصناعات العسكريّة مثلًا؛ إذا قارنتم بين الموجود اليوم وبين ما
كان قبل خمسة عشر عامًا أو عشرين عامًا أو حتى عشرة أعوام ستجدون أنّنا حقّقنا
تطوّرًا هائلًا؛ لقد حصلت تطوّرات مدهشة في مجال الإنتاج العسكري، في حين أنّ
عقوبات الأعداء في خصوص المجال العسكري هي أشد، ولم تفرض هذه السنة أو التي قبلها،
بل كانت موجودة قبل ذلك بكثير وبوطأة شديدة ومع ذلك تطوّرنا.
كذلك تطوّرنا كثيرًا في علوم الأحياء والتكنولوجيا الحيويّة؛ مع أنّ ذلك التضييق
نفسه وتلك العقوبات كانت موجودة، حتى أنّ بعض الجامعات المعروفة في العالم لم تسمح
للطالب الإيراني بدراسة هذه الاختصاصات أو إجراء البحوث، والتقدّم فيها؛ لكنّ بلدنا
حقّق مع ذلك تطورًا بارزًا وظاهرًا في هذا المجال وهو على مرأى الجميع، وهذه ليست
أسرارًا، وهي متاحة للمتتبعين والراغبين بالاطلاع.
في بعض العلوم الجديدة كتكنولوجيا النانو – وهذه من التقنيات الجديدة في العالم –
لا أحد يساعدنا في هذا المجال ولم يساعدنا قبل هذا أحد، ولن يساعدونا بعد الآن،
فنحن في المقدمة؛ أفرادنا، شبابنا، باحثونا، علماؤنا يعملون في هذا المجال ويبذلون
الجهود، وقد حققوا تقدمًا باهرًا.
خذوا مثلًا: الصناعات العلمية المحور، التي نُظّم لها معرض في نفس هذه الحسينية3
وقد تعرفت عن قرب على الشباب المندفعين في هذا العمل وعلى الأقسام المختلفة للشركات
العلمية المحور – وقد حصلت على تقارير وكنت على اطلاع طبعًا، لكنني تعرفت عليهم عن
قرب – إنهم يعملون، ويبذلون الجهود ويمضون قدما. لقد تطوّرنا كثيرًا في مجال
الشركات العلمية المحور مقارنة مع ما كان قبل عشرة سنوات وخمسة عشر سنة؛ وقد حصلت
كل هذه الأمور في ظل العقوبات.
نعم، لولا العقوبات الظالمة التي فرضها الأعداء، لكان من الممكن أن نحرز تقدما أكبر
في هذه المجالات – هذا أمر لا ننكره – بيد أنّه كان من المحتمل أن نسقط في الغفلة،
فلا نعتني بحاجات البلد، ونشغل أنفسنا بأمور من قبيل أموال النفط والواردات وما
شابه ذلك مما لا يحقق لنا تقدما على صعيد الإنتاج؛ وهذا كان من الممكن وقوعه أيضًا.
الحظر دفعنا على العمل
علينا حقًا أن ننتبه لهذه النقطة، وهي أنّ قسمًا [جانبا] من تطوّرنا جاء
نتيجة حظر الخارج؛ يجب أن نعرف قيمة هذا الأمر؛ حرمونا، فأُجبرنا على العمل لوحدنا.
عندما يُفتح باب الواردات على مصراعيه، وتتمكّنون من استيراد كلّ ما تريدونه، فإنّ
حب الراحة عند الإنسان سيقوده حينها إلى الكسل والبطالة. هذه وجهة أخرى من الموضوع؛
وعليه، عندما أشدّد على قضيّة الإنتاج، لا يصحّ أن يُقال إنّ الإنتاج غير ممكن في
ظل العقوبات القاسية والصعبة؛ بل هو ممكن. عندما تصمّمون على القيام بأمر ما،
وتشحذون الهمم، وتنزلون بقواكم إلى الساحة، وتطلبون العون والهداية من الله تعالى،
يصبح ذلك ممكنًا؛ وقد جرّبنا هذا الأمر.
بعض الصناعات الموجودة اليوم في بلدنا تحتل المرتبة الأولى في العالم؛ بناء السدود
مثلًا. مَن مِن العالم ساعدنا في الوصول إلى هذه المرتبة؟ إيران اليوم من الدول
الرائدة في مجال بناء السدود. إنّ السدود التي تبنيها بعض الدول بتكاليف عالية جدًا،
وتنفذها بعض الشركات الغربية وما شاكل، لو أوكل أمرها إلى الشباب الإيرانيّين لربما
شيّدوها بجودة أعلى بكثير وبكلفة أقل؛ وهذا العمل حاصل تطوّرنا نحن. مَن ساعدنا
طوال هذه السنوات؟ هذا ينطبق على المجال النووي والمجالات الأخرى المختلفة.
محورية الإنتاج؛ ومفاوض قوي
توجد في البلد مشاكل اقتصادية، ومن أهمها قضايا العمال، موضوع المعيشة،
موضوع فقدان العمّال لعملهم - التقارير تصل ويجري الاطلاع عليها - وأعتقد أنّ
الاهتمام بموضوع الإنتاج سيحلّ هذه المشاكل، سيخلق فرص عمل، سيعطي شعورًا بالعزة،
شعورًا بالاستغناء. عندما يعتمد بلدٌ ما على طاقاته الداخليّة، سيشعر بالاستغناء.
قد يحتاج الإنسان لحلّ عشرة مشاكل مع العالم، لكن يختلف الأمر بين أن تجلس على
طاولة التفاوض مع شعورك بالقوّة وبين أن تجلس مع شعورك بالضعف. حين يشعر المرء
بالقوة يفاوض بطريقة، وعندما يشعر بالضعف والحاجة يفاوض بطريقة أخرى.
عندما يحكم أي بلد بناء قدراته الداخلية في مختلف المجالات لا سيّما في المجال
الاقتصادي، سيتمكّن حينئذ من التفاوض حول كافة المسائل ومع مختلف الأطراف، لكن من
موقع القوة لا من موقع الحاجة، بحيث يُغري الأعداء بالتطاول بالألسن، ووضع الشروط
والقيود الجديدة يومًا بعد يوم، والتفوّه بطريقة اعتباطيّة رخيصة. أرى أن العلاج هو
هذا. أقول الآن -وقد قلت هذا أول يوم من العام4- يجب على الجميع شد الهمم إلى الحد
الأقصى وفي مختلف المجالات لصالح موضوع الإنتاج.
طبعًا هذا أمر له لوازمه ومتطلباته؛ من مستثمرين وعمال ومستهلكين، ومؤسسات حكومية
فاعلة، وهناك واجبات على عاتق الجميع، والعمل غير محصور ببعد واحد، ويجب أن يتعاون
الجميع. هذا هو المعنى المقصود مما ذكرناه من تناغم ووحدة الكلمة بين الشعب والدولة،
وهو تعاضد الجميع ليتمكّنوا من حمل هذه الصخرة الكبيرة، وإزالتها عن طريق حركة
البلد.
المستثمرون والعمال ..عملهم
عبادة!
يجب على المستثمرين وذوي المكنة أن يستثمروا. كنت أعرف أشخاصًا كان بإمكانهم
استثمار أموالهم في قطاعات غير إنتاجية وذات ربح أكبر، لكنهم لم يفعلوا، وقالوا:
نريد خدمة هذا البلد، فاستثمروا أموالهم في مجال إنتاجي بأرباح وعائدات أقل لأنهم
عرفوا أن البلد بحاجة إليهم. حسنًا، عملهم هذا عبادة! المستثمر الذي يأخذ حاجة
البلد بعين الاعتبار ولا يشغّل أمواله في السمسرة والأعمال الوفيرة الأرباح
والمضرّة بالبلد، ويخصص أمواله للاستثمار، يحسب له ذلك عملًا صالحًا. فالمستثمر إذن
صاحب دور.
كذلك العامل الماهر له دوره. العامل الذي يتحمل صعوبات العمل – في النهاية العمل
صعبٌ، العمل الجسدي من الأمور الصعبة في الحياة – العامل الذي يقدم عمره وقوّته من
أجل أداء عمل نظيف، حاله حال العابد، وهذا عمل صالح. لقد ذكرت لكم هذه الرواية أكثر
من مرة في لقاءاتي معكم أعزائي، وهي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله حيث قال: "رحم
الله امرأً عمل عملا فأتقنه"، سواءً في الصناعة أم في الزراعة أم مجالات العمل
المتنوعة، عندما يكون العمل متقنًا، سنحصل على مُنتج جيد ومتقن. هذا هو دور العامل،
وهذه عبادة.
استهلاك الإنتاج المحلّي؛ دعوا الماركات
المستهلك المنصف، صاحب الضمير كذلك يمكن أن يساعد الإنتاج الداخلي، فلا ينجر وراء
الأسماء والعادات، ووراء العلامات التجارية (Brand) ـ هذا الكلام الذي نسمعه
تكرارًا: براند براند؛ لا يتتبع الماركة، بل يتبع المصلحة. مصلحة البلد تكمن في
استهلاك الإنتاج المحلي ومساعدة العامل الإيراني. البعض مستعدون لإطلاق الشعارات
لصالح العامل، وينفخون أوداجهم ويرددون الشعارات، لكنهم عمليًا يركلون العامل
الإيراني بأرجلهم. ركل العامل الإيراني هو أن يترك الشخص استهلاك البضاعة التي
صنعها هذا العامل ويسعى للحصول على شبيهها من الخارج وأحيانًا بسعر أغلى!
نحن روّاد بعض الصناعات في العالم، لكن تجدهم مع ذلك يذهبون إلى الخارج ليشتروا
هذه السلع ويأتوا بها إلى البلد. هذه مسؤولية الجميع، ومن مسؤولية الدولة. وزير
العمل المحترم حاضر هنا؛ أنا أرجوكم أن تطلبوا في الحكومة وتصرّوا وتلحّوا على عدم
استيراد البضائع التي تحتاجها المؤسّسات الحكوميّة من خارج البلد. هذا بند رئيسي
وخطوة كبيرة؛ فالحكومة دائرتها واسعة جدًا؛ وهي المستهلك رقم واحد.
لا يقولنّ أحدهم نحن بحاجة إلى السلعة الفلانية فورًا، وهذه السلعة لا تُـنتج في
الداخل، لذا نحن مضطرون لشرائها من الخارج. حسنًا... أليس لديكم تخطيط؟ لماذا
تنتظرون إلى اليوم لتقولوا ما تحتاجونه اليوم؟ كان بإمكانكم أن تقولوا ذلك قبل
سنتين لتُتاح الفرصة للمُصنّع المحلي لكي يخطّط ويبني ويختبر ويجرب لكي يصلكم ما
تحتاجونه اليوم.
هذه مسائل مهمة؛ ليست بسيطة. فلتأخذ الحكومة قرارًا بالامتناع عن استيراد السلع
الاستهلاكيّة من الخارج وتحريمها على نفسها، كلّ السلع التي تصنع محليّا بدءًا من
القلم والورق العادي ووصولًا إلى إنشاء المباني وباقي الأمور.
هذه أمور اختبرناها وجربناها ورأيناها في بعض المجالات؛ كان هناك عمل في طور الإنجاز –
قبل سنوات عدة – كانوا يصنعون شيئًا، فاستدعيت المسؤولين هناك وقلت لهم: حاولوا أن
تتجنبوا استخدام أي سلعة أجنبية في عملكم. وقد وعدوا بذلك والتزموا بوعدهم بكل
شهامة. وبعد الانتهاء وصلني تقرير، وتتبّعت الأمر، فتبيّن أنّ 98 من المواد
المستخدمة في هذا المشروع جرى تأمينها من الداخل، وبقي حوالي واحد أو اثنين بالمئة
لم تكن متوفرة في الداخل فجرى تأمينها من الخارج. حسنًا، هذه أعمال يمكن القيام بها.
الاستسهال وحب الراحة -الاستسهال هو المحمل الحسن في الموضوع- أو لا سمح الله
الاستغلال غير المشروع، هذه أمور يجب أن يتصدّى مسؤولو الحكومة لها. فالمستهلك إذن
يشكّل أحد أركان تعزيز الإنتاج المحلي وزيادته.
مكافحة التهريب؛ عمل صالح
أحد هذه الأركان أيضًا جهاز مكافحة التهريب. كثيرًا ما شددنا على قضية
مكافحة التهريب. جاءت الحكومات وذهبت الواحدة تلو الأخرى على مدى سنوات. هذا عمل
يجب أن ينجز، وهو أمر ممكن؛ لا يقولنّ أحد أن هذا غير ممكن، بل هو ممكن تمامًا،
ويجب إيقاف التهريب بشكل حاسم.
لقد قلت سابقًا: لا تقتصروا على ملاحقة التهريب على الحدود فقط، مليارات الدولارات
في البلد – لن أحدّد رقمًا فالرقم الدقيق مختلف فيه، لكن الأرقام التي تقال خيالية
– تصرف على المواد المهربة. لاحقوا التهريب من الحدود بل ما قبل الحدود وصولا إلى
المتجر. هذه مسألة في غاية الأهمية، وعمل مهم جدا، والذين يقومون بهذا العمل
مجاهدون، وعملهم هذا أيضًا عبادة، وهو أيضًا عمل صالح.
توجيه الاستيراد؛
من الأركان أيضًا، الأجهزة المشرفة والمسؤولة عن الاستيراد، هناك أمور لا تقع ضمن
صلاحيات الحكومة، وينشط فيها القطاع الخاص ولا مناص منها، لكن يمكن لأجهزة الحكومة
أن تدير الموضوع من خلال الإشراف والتوجّه، فتتخذ إجراءً يمنع الواردات من ضرب
الإنتاج المحلي.
هناك أيضًا أجهزة الدعاية ووسائل الإعلام. الوسائل الإعلامية أيضًا مسؤولة؛ الإعلام
المرئي والمسموع، الوسائل الأخرى، يجب العمل بالمعنى الحقيقي للكلمة على تقوية
استهلاك المنتجات المحلية وتعزيز الإنتاج المحلي، وهذا العمل مؤثر.
النقطة التالية هي ثبات القوانين، وهذا يتكفّل به مجلس الشورى الإسلامي. حذارِ من
التغيير المستمر للقوانين المتعلقة بالأمور الاقتصادية، ومنها العمل، لأن المطلوب
إفساح المجال أمام من يريدون التخطيط.
لا بدّ من العمل الصعب
بكل الأحوال على المعنيين بالوضع الثقافي في البلاد التخطيط للعمل الثقافي، لمواجهة
البطالة وقلة العمل والتهرب من العمل الصعب. عزيزي! ينبغي تقبّل العمل الصعب. إذا
لم نلزم أنفسنا بالعمل الصعب، ولم نرض به، لن نحقق أي شيء؛ لا يجوز أن نفتش عن
العمل السهل فقط؛ يجب أن يرضى الإنسان بالأعمال الصعبة، مهما كان مجاله.
الذين تمكنوا من الوصول إلى القمة في الصناعة والتكنولوجيا والمسائل العملية،
التزموا القيام بأعمال صعبة. هذا يحتاج إلى بناء ثقافة. إذا اقتصرنا على الاتجاه
إلى الأعمال السهلة لن ننجز أي عمل.
مكافحة الفساد؛ بالفعل
كما أنّ المعنيّين بمكافحة الفساد لديهم دورهم في هذا المجال أيضًا. حاليًّا يجري
تداول لفظ الفساد بكثرة. لا فائدة من الحديث عن الفساد؛ اذا قلنا "هذا لصّ هذا سارق"،
لن يمتنع اللص عن السرقة؛ لا بد من الانخراط في العمل. فمسؤولو الدولة ليسوا صحيفة
لكي يتحدثوا عن الفساد؛ نعم يمكن للصحيفة أن تتحدث عن الفساد، أما أنا وأنتم
فمسؤولون وعلينا أن نقوم بعمل ما، ما حاجتنا إلى الكلام؟ يجب الانخراط في العمل؛
إذا كنّا أهلًا فلنعمل، فلنقف في وجه الفساد بالمعنى الحقيقي للكلمة5.
مفتاح الحلّ؛ التركيز على الانتاج
هذه مسؤولياتنا، ومسؤوليات القطاعات المختلفة. هذا هو علاج المشكلة الاقتصادية في
البلد، إن كان هناك من حل للمشكلة الاقتصادية فهو التركيز على الانتاج.
كلٌّ يتحمّل المسؤولية، بالنحو الذي ذكرناه؛ طبعًا بعض المسؤوليات أثقل، وبعضها أخفّ،
لكن الجميع مسؤول بنحو أو بآخر. ومفتاح حل المشاكل ليس في لوزان أو جنيف أو نيويورك
بل هو داخل البلد6.
فليعمل الجميع، وليشدوا الهمم، والحل آتٍ إن شاء الله؛ لقد تمكّن الشعب الإيراني
ومسؤولو البلد من القيام بأعمال أكبر على مدى سنوات ونجحوا؛ ويستطيعون حل مشكلة
الإنتاج. الحكومة الحالية ولله الحمد تعمل باندفاع، وتضم أفرادًا واعين؛ فليسعوا،
فليعملوا، فليتابعوا الأمور، وستحل المشاكل إن شاء الله.
عمّال البلد: شرفٌ ونبلٌ ونجابة
طبعًا، الحق والإنصاف؛ أن العمال في بلدنا شرفاء. إن العمال في بلدنا نجباء. لقد
شهدتُ الجهود التي كانت تبذل والتحريض الذي كان يهدف ومنذ اليوم الأول للثورة بل
قبل انتصار الثورة الحاسم – أيامَ عمت المظاهرات والاضطرابات الهائلة البلد عام 57
هـ.ش [1979] – من أجل تأليب الطبقة العاملة على الثورة، عرفت هذه الأمور، وعاينت
بعضها عن قرب.
وقد استمرت هذه المحاولات طوال السنوات الماضية، خلال فترة رئاستي للجمهورية وما
بعدها، كان هناك أشخاص يسعون دائمًا لجعل الطبقة العاملة خصمًا للنظام الإسلامي،
لكن العمال تحملوا المشاكل وصمدوا بكل قوة وثبات ونبل؛ هذا عمل له قيمته العالية.
طبقة العمال العظيمة هذه التي تتحمل المشاكل وتعمل وهي تستحق تقدير المسؤولين. على
المسؤولين معرفة قدر هذه الطبقة الواسعة التي تتحمل المشكلات وتتابع العمل. جزاءُ
هذه النبالة هو سعي الجميع للتخلص من هذه المشاكل إن شاء الله. ولا شك أن الله
سيعين أصحاب النوايا الحميدة الذين يريدون القيام بأعمال حسنة ويسعون لتحقيق أهداف
شريفة.
أسأل الله تعالى أن يشملكم بلطفه ورحمته جميعًا، الأعزاء والعمال الأحبة ومختلف
المسؤولين في هذا القطاع؛ وأسأله أن يحشر شهداء العمال مع الرسول، وأن يحشر إمامنا
العظيم الذي فتح هذه الطريق أمامنا مع الرسول صلى الله عليه وآله.
والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته.
1- قبل كلمة القائد؛ قدم السيد على الربيعي وزير العمل تقريرا .
2- إنَّ رَسولَ اللّه صلى الله عليه و آله لَمّا أقبَلَ مِن غَزوَةِ تَبوكَ
استَقبَلَهُ سَعدٌ الأَنصارِيُّ ، فَصافَحَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ
قالَ لَهُ: ما هذَا الَّذی أكتَبَ يَدَيكَ ؟ قالَ: يا رَسولَ اللّه ، أضرِبُ
بِالمَرِّ وَالمِسحاةِ فَاُنفِقُهُ عَلى عِيالی . فَقبَّلَ يَدَهُ رَسولُ اللّه صلى
الله عليه و آله ، وقالَ : هذِهِ يَدٌ لا تَمَسُّهَا النّارُ أبَدا. اُسد الغابة ،
ابن الاثیر ج ۲ ص ۲۶۹ ؛ تاريخ بغداد، الخطیب البغدادی، ج ۷، ص ۳۵۳.
3- في إشارة إلى معرض منجزات تكنولوجيا النانو في حسينية الإمام الخميني(قده) 10
ربيع الثاني، 1436 الموافق لـ 31 كانون الثاني، 2015.
4- الهجري الشمسي، التقويم المعتمد في إيران.
5- هتافات مدوّية: الله أكبر، خامنئي قائد..
6- هتافات مدوّية: الله أكبر، خامنئي قائد، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل.