كلمة الإمام الخامنئي في لقائه المشاركين في المسابقات الدولية للقرآن الكريم1_23-05-2015
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
أرحّب بجميع الإخوة والأخوات الأعزاء.
عندما ينشر المقرئون، وحفظة القرآن وحملته وأهل الأنس به، آيات الذكر الحكيم
بتلاوتهم؛ يفوح حقاً عبق القرآن في أرجاء الحياة.
إنّني أتقدم بالشكر لجميع المؤسّسين والقائمين على هذه المراسيم الجيدة، وكذلك
للمقرئين الكرام، ولكلّ من قدّم برنامجه في هذا اليوم.
نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن، ولا بدّ أن نكون من أهل القرآن، فإنّ تلاوة
القرآن مقدمةً وليست هدفاً، وإنما الهدف هو التخلّق بالأخلاق القرآنية.
البيئة القرآنية؛ نجاةٌ من الجاهليّة
يُنقل عن زوجات النبي المكرمات قولهنّ في شأن أخلاق النبي أنه:
"کانَ
خُلقُهُ القُرآن"2، وهذا يعني أنّ النبي كان قرآناً مجسّداً. فلتكن أعمالنا وسلوكنا
وأخلاقنا وسجايانا الشخصيّة مبنيّة على أساس القرآن، وهذا أمرٌ ضروري. فإنّ التلاوة
مقدمة لذلك. ولا يقتصر الأمر على أن تكون حياتنا الشخصية حياةً قرآنية، بل يتحتّم
أن يكون مجتمعنا وبيئة حياتنا بيئةً قرآنية كذلك.
يجب علينا الحؤول دون أن تفرض الجاهلية نفسها على مجتمعاتنا وعلى حياتنا؛ وقد فعلت
ذلك. فإنّ العالم الإسلامي اليوم يرزح تحت وطأة الأنظمة الجاهلية ويتجرع العلقم.
يعاني العالم الإسلامي في العصر الحاضر من الضعف والفقر والشقاق والحروب الداخلية,
وينفق ثرواته وقدراته وطاقاته الداخلية العظيمة بخلاف مصالحه. وهذا ما فرضوه على
العالم الإسلامي. والقرآن يريد إنقاذنا من وطأة ما يُفرَض علينا، فلا بد أن نبلغ
هذه المرحلة من تعلّم القرآن والأنس به والتسليم له والتحلّي بالعزم والإرادة للسير
في سبيل أهدافه، وعندها سنكون قادرين؛ وعندها سنكون قادرين .
وصفة العلاج: خطوةٌ إلى الأمام
إذا ما تقدّمنا خطوة إلى الأمام يمدّنا الله بقوة مضاعفة، وهذا هو الشيء
الذي لا بد للشعوب المسلمة اليوم أن تفهمه وتدركه، فلنخطُ خطوة، ولنجرّب ذلك. وهذا
ما جرّبناه -نحن الشعب الإيراني-، إذ لم نستسلم أمام أعداء الإسلام وأعداء القرآن
وثبتْنا فمنحنا الله قوةً، وكلما ازدادت مقاومتنا كلما ازدادت قوتنا وازدادت
قدراتنا وازداد أملنا بالمستقبل، وهذه هي وصفة علاج العالم الإسلامي.
تمييز العدوّ من الصديق؛ الشاخص الأوّل
إن ما يعمل عليه أعداء الإسلام دوماً في قلب الأمة الإسلامية -وهم
عاكفون عليه اليوم بكل ما أوتوا من قوة- هو إثارة الفرقة والخلاف، وهذا ما يجب صدّه.
وأيّما حنجرة تدعو إلى الخلاف والشقاق [بين المسلمين] فهي تتحدث باسم العدو- سواء
أكانت تعلم بذلك أم لم تكن تعلم. فلنحذر لئلّا تكون حناجرنا بوقاً لأعداء الإسلام
والقرآن، وأن لا ينطلق منها نداء الفرقة. فإثارة النعرات الطائفية, وبثّ الشقاق
والخلاف بين الشيعة والسنة وبين العرب والعجم, واختلاف الدول في ما بينها ونزاعات
الشعوب والطوائف والتعصبات القومية، هي من جملة ما باتوا يؤججون نيرانه في أوساط
المجتمعات المسلمة، ولا بد من الوقوف بوجهه؛ علماً بأن هذا كلامٌ سهلٌ على اللسان
وصعبٌ في ساحة العمل؛ بيد أن السبيل للعمل متاح والطريق مفتوح، والعامل الرئيس في
ذلك هو عزمنا وإرادتنا واتخاذنا للقرار. والبصيرة والعزيمة هما العاملان الأساسيان،
فلنتحلّ أولاً بالبصيرة بأن نعرف العدوّ ونعرف الصديق.
اليوم, ثمة دولٌ في العالم الإسلامي قد مني ساستها بخداع الباصرة، حيث لا يتسنّى
لهم التمييز بين الصديق والعدو، فيخالون العدوّ صديقاً والصديق عدواً، وهذا ما يؤذي
الإنسان ويضرّ به. وإن مثل هذه البلدان بهذه النظرة والرؤية ستكون عرضة لتلقي
الضربات، ولذا لا بد من التحلي بالبصيرة؛ ﴿قُل هذِه سَبیلي أَدعوا إِلَی اللهِ عَلیبَصیرَةٍ
أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَني﴾ [يوسف؛108]. فإن تحلى المرء بالبصيرة وشخّص الطريق القويم
وقَرَن ذلك بالعزم والإرادة سيسهل عليه اجتياز الطريق, وهذه هي النصرة الإلهية:
﴿إِن تَنصُرُوا اللهَ یَنصُرکُم﴾، فهل هناك قول أبلغ وأصرح من هذا القول؟ ﴿إِن
تَنصُروا اللهَ یَنصُرکُم وَیُثَبِّت أَقدامَکُم﴾ [محمد؛7]. إن النصرة الإلهية تعني
معرفة سبيل الله والوصول إليه واقتفاءه، وعدم الرضوخ لمؤامرة العدو وخداعه
وإملاءاته، وهذا ما يؤمّنه القرآن لنا.
التدبّر في القرآن والأنس به؛ أوّل الطريق
إن اجتماعنا القرآني السنوي هذا اجتماع ناجح والحمد لله. ففي مجتمعنا
أخذت حياة القرآن تتجدد بالتدريج؛ وأخذت تتسع دائرة المحبّين للقرآن والمتمسكين به
والمأنوسين به في مجتمعنا يوماً بعد آخر. ولا يعترضنّ البعض على إصرارنا على حفظ
القرآن وتلاوته بأنها ليست هي الأصول؛ فإننا نعلم أنها ليست أصلًا، ولكنها وسيلة،
ولا يتأتى التقرب إلى القرآن من دون هذه الوسائل. فإن من لم يكن واقفاً على المعارف
القرآنية، ولا يتدبر في القرآن، ولا يأنس به، كيف يتسنى له أن يكون مرشداً في مجتمع
يريد أن يسير قدماً على أساس القرآن؟
يجب على مثقفينا أن يتعرفوا على القرآن، وعلى شبابنا أن يتعلموا القرآن، ويكثروا من
الأنس به. فإن أصبح الذهن وعاءً للمعارف القرآنية، عند ذاك يكون "كل إناء بالذي فيه
ينضح". وإن أضحى الذهن غنيًّا ثراً بالمعارف القرآنية، سيترك أثره على اللسان
والعمل والعزم واتخاذ القرارات الضخمة والسلوك، وهذا هو الهدف الذي لا بد أن ننشده.
لكلٍّ دوره..
وعلى مسؤولي البلاد أن يأخذوا المسألة القرآنية مأخذ الجد -كما هو
المعهود منهم- وأن لا يستصغروها. وعليكم أنتم الشباب الأعزاء السالكون في صراط تعلم
القرآن وتلاوته والأنس به أن تواصلوا هذه المسيرة بجدية. فإن القرآن يرسم لنا
المستقبل، وينير لنا الدرب القويم والصراط المستقيم، ويسوقنا إلى حيث السعادة
والهناء.
ولقد ذكرنا بأن العالم الإسلامي اليوم يعاني من ضعف كبير، بيد أنه ولحسن الحظ قد
انطلقت المسيرة في المجتمعات الإسلامية صوب الإسلام والقرآن. وإن هذه الصحوة
الإسلامية التي اجتاحت بلدان المنطقة عصيّة على الزوال والاضمحلال، وستبقى وتواصل
طريقها وتترك آثارها إن شاء الله. وهي حقيقة ستتألق بمشيئة الله يوماً بعد آخر.
بالطبع فإنّ على العلماء مسؤوليات مضاعفة، وكذلك على المثقفين مسؤوليات مضاعفة،
وعلى الكتّاب وطلاب الجامعات والباحثين- ومنهم أنتم المقرئون الذين اتخذتم مكانتكم
في قلوب الناس- مسؤولية وواجب مضاعف كذلك، ينبغي أن تمتلكوا القدرة على بثّ الأمل
بذلك الطريق الذي بشّركم به القرآن الكريم في نفوس الناس.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ عليكم بالتوفيق والتسديد، وأن يمكّن البلدان
المسلمة والشعوب المسلمة من النهل من [فيوضات] القرآن، وأن يقرّب الدول الإسلامية
وساستها قليلاً من القرآن في العمل ويبعدهم عن الاقتصار على الادعاء، وأن يحقق
السعادة المستقبلية لعالم الإسلام تحت ظلّ القرآن.
والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته
1- أقيمت هذه الدورة
من مسابقات القرآن الكريم بين الخامس عشر والثالث والعشرين من أيار 2015 م في طهران.
وتحدث في هذا اللقاء قبيل كلمة قائد الثورة الإسلامية، حجة الإسلام علي محمدي (رئيس
منظمة الأوقاف والشؤون الخيرية) مقدماً تقريره عن هذه الدورة من المسابقات.
2- شرح نهج البلاغة، ج 6 ، ص 340 .وصحيح مسلم, شرح الحديث السابع والعشرون في
الاربعين النووية..