كلمة الإمام الخامنئي(دام ظله الشريف) في أعضاء المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام) واتحاد الإذاعات والقنوات المرئية الإسلامية_17-08-2015
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام علی سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفی محمّد وعلی آله الأطيبين
الأطهرين المنتجبين سيّما بقيّة الله في الأرضين.
أرحّب بالحضور الكرام من الإخوة والأخوات الأعزاء، سواء الذين تفضّلوا بالمجيء إلى
هنا من المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) أو العاملين في اتحاد الإذاعات
والقنوات المرئية للبلدان الإسلامية أو عوائل الشهداء المكرّمين الحاضرين في هذا
المجلس، سائلاً الله تعالى أن يغمركم جميعاً ببركاته.
أودّ أن أطرح بعض النقاط بشأن المجمع العالمي لأهل البيت وكذلك اتحاد الإذاعات
والقنوات المرئية.
الإنتساب إلى أهل البيت له لوازمه
في ما يخصّ المجمع العالمي لأهل البيت، فإنّ أهميته تكمن في انتسابه لأهل البيت (عليهم
السلام)؛ ذلك أنّ لله تعالى في كتابه بيانًا شديدَ الصراحة بشأن أهل بيت النبي
قلّما نجده قد تكرّر بشأن مجموعة أخرى وهو قوله:
﴿إِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ
عَنکُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَکُم تَطهيرً﴾1. فإن أهل البيت قد
عُرفوا بطهارتهم وتطهير الله لهم، ولهذا التطهير أبعاد كثيرة. ويجب على المجموعة
التي تنتسب لأهل البيت (عليهم السلام) أن تلتزم ببعض اللوازم، وهذا ما نقوله، فإنّ
هناك لوازم لا بد من الالتزام بها.
لقد تمحور عمل الأئمة (عليهم السلام) في الجهاد وصولاً للأهداف التالية: الأول
إحياء المعارف الإسلامية الحقة والأسس والمبادئ الإسلامية وصيانتها. فقد حاولت
الحكومات الظالمة وطواغيت الأمة القضاء على المعارف الإسلامية أو قلبها وتغييرها
وتحريفها. وإن من أهمّ ما قام به الأئمة (عليهم السلام) هو الوقوف أمام هذا التيار،
والحفاظ على المعارف الإسلامية وإحيائها.
والخطوة الأخرى التي قطعها أهل البيت (عليهم السلام) هي إقامة أحكام الله والسعي
لتطبيقها، سواء خلال الفترة التي كان زمام الحكم بأيديهم، أو في الفترة التي كانوا
مُبعَدين عن الحكومة والسلطة، فقد بذلوا جهودهم لتطبيق أحكام الله في المجتمع.
ومن الأمور الأخرى التي بادر إليها الأئمة الأطهار (عليهم السلام) هي الجهاد في
سبيل الله، حيث نقرأ في زيارتهم: «أشهَدُ أنّكَ جاهَدتَ فِي اللهِ حَقَّ جِهادِه»،
وحق الجهاد يعني أنهم لم يدّخروا أيّ جهد في هذا السبيل، ووظّفوا كلّ قواهم
وقدراتهم وطاقاتهم في الجهاد في سبيل الله.
مصداق الجهاد: مواجهة المستكبر
ومن أهمّ جوانب هذا الجهاد الذي يمثل بحد ذاته عنواناً منفصلاً، هو مكافحة الظلم
ومقارعة الظالم، فقد زخرت حياة الأئمة (عليهم السلام) بمجابهة الظلمة ومواجهة الظلم.
ولقد كان هذا سبب التعرض لتلك الضغوط ودسّ السمّ والقتل، إذ كانوا يقفون في وجه
الظلم والظالم؛ هذه هي حياة الأئمة. وحيث إنّنا نروم الآن أن نكون من أتباع أهل
البيت، علينا أن نلتزم بهذه الأمور. فلا بد لنا أن نقوم بترويج المعارف الإسلامية،
وأن نجعل إقامة أحكام الله هدفاً من أهدافنا، وأن نبادر إلى الجهاد في سبيل الله
بكل كياننا، وأن نواجه الظلم، ونجابه الظالم ونحاربه؛ هذه هي الوظيفة الملقاة على
عاتقنا. علماً بأن الجهاد لا يتلخّص في الحرب العسكرية، بل يشمل صنوف المواجهات
الثقافية والسياسية والاقتصادية، فإنها تنضوي كلها تحت عنوان الجهاد. ولا ينصرف
الذهن إلى الحرب العسكرية فقط، وقد يتفق اندلاع الحرب العسكرية في مكان ما، بيد أن
الجهاد لا يقتصر على ذلك.
وباعتقادنا فإن مصداق الجهاد الماثل أمامنا نحن المسلمون وأتباع أهل البيت في الظرف
الراهن، هو عبارة عن الوقوف بوجه مخططات الاستكبار في المنطقة الإسلامية، وهو يمثل
اليوم أحد أكبر صنوف الجهاد. فلا بد من مواجهة مخططات الاستكبار. ويجب علينا أولاً
معرفة هذه المخططات، ومعرفة نوايا العدوّ، والوقوف على ما يريد العدوّ أداءه، ثم
نخطط لمواجهة أهدافه، ولا يقتصر ذلك على حالة الدفاع والانفعال، بل يشمل الجهاد
والدفاع والهجوم، فقد يتطلب الأمر أن يتموضع الإنسان في المواضع الدفاعية، وقد
يستلزم الأمر أن يصبح في المواقع الهجومية، والهدف في كلتا الحالتين عبارة عن
مواجهة برامج الاستكبار الذي يشكل العدوّ الرئيسي اللدود في هذه المنطقة، وفي جميع
الأقطار الإسلامية، سيما في منطقة غرب آسيا؛ المنطقة التي يصرّ الأوروبيون أن
يطلقوا عليها اسم الشرق الأوسط، وهو شرقٌ بالنسبة إلى أوروبا حسب مقياسهم، وعلى هذا
الأساس يقسمون المنطقة إلى شرق أقصى وشرق أوسط وشرق أدنى، وهذا يدلّ على تكبر
الأوروبيّين، حيث أطلقوا منذ البداية على هذه المنطقة اسم «الشرق الأوسط» وهو اسم
مغلوط، وتعتبر هذه المنطقة غرب آسيا. فإن آسيا قارة كبيرة ونحن نعيش في غربها.
وتمتاز هذه المنطقة بموقع بالغ الحساسية، وهي منطقة مهمة من الناحية الاستراتيجية،
ومن الناحية العسكرية، ومن ناحية المصادر الجوفية، ومن حيث أنها تربط بين قارات
ثلاث - آسيا وأوروبا وأفريقيا - ومن هنا فإنهم يضعون البرامج ويرسمون الخطط حول هذه
المنطقة، وما علينا إلا ملاحظة هذه المخططات والتصدي لمواجهتها، وهذا هو الجهاد.
فإن القرآن يخاطبنا قائلاً:
﴿جٰهِدوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِه﴾2، وهذا هو الجهاد في
الله في الوقت الراهن.
الولايات المتّحدة الأمريكيّة: العدو!
إن حياكة المؤامرات ضد العالم الإسلامي وضد هذه المنطقة بالخصوص ليس بالأمر الجديد،
بل منذ أعوام مضت - أي منذ ما قبل مئة عام، ومنذ الحرب العالمية الأولى فما بعدها -
أصبحت هذه المنطقة غرضاً للضغوط الكثيرة من قبل القوى المستكبرة، ففي يوم كانت
بريطانيا، وفي يوم أمريكا، وفي يوم فرنسا، وهكذا تعاقبت عليها القوى الاستكبارية
لمدة مئة عام أو أكثر. غير أن هذه الضغوط وهذه المخطّطات وهذه المؤامرات قد تصاعدت
وتيرتها بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، لأن حادثة انتصار الإسلام في بلد
مهم وكبير وحساس كإيران قد أربكت الاستكبار، وسلبت منهم في أوائل الأمر وإلى مدة
قوة التحليل، حيث كنا نتابع القضايا ونشاهدها، فقد أصابهم الدوّار في بداية الأمر.
وعندما أفاقوا من سباتهم بدأوا بفرض الضغوط، وكانت جمهورية إيران الإسلامية هي
المركز والمحور في هذه الضغوط. حيث عقدوا هممهم في الدرجة الأولى على أن لا تتكرر
هذه التجربة في البلدان الأخرى، وتابعوا هذه المسألة. ولهذا خططوا لفرض مزيد من
الضغوط على إيران. فإنها 35 عاماً؛ ونحن قد اعتدنا على ضغوط العدوّ، واعتاد الشعب
الإيراني على أنواع الضغوط من التهديد والحظر والضغوط الأمنية والمؤامرات السياسية
المختلفة. 35 عاماً ونحن نواجه شتى ألوان الضغوط، وكل هذا يعود إلى فترة انتصار
الثورة الإسلامية، ولكن بعد نهضة الصحوة الإسلامية التي اندلعت قبل أربع أو خمس
سنوات في شمال أفريقيا بما فيها مصر وتونس وبعض البلدان الأخرى، ضاعف العدوّ من شدة
عمله، واستولى عليه الإرباك والاضطراب بكل ما للكلمة من معنى، وقام بممارسات كثيرة
وما زال يتابعها. وهو يزعم بالطبع أنه قمع الصحوة الإسلامية، إلا أن الصحوة
الإسلامية باعتقادي أنا الحقير عصية على القمع. فإنهم قد قاموا ببعض الأعمال، غير
أن هذه النهضة تواصل مسيرتها، وسوف تتبوّأ مكانتها عاجلاً أو آجلاً. ولكنهم على كل
حال قد ضاعفوا من مساعيهم وقاموا بالكثير من الأعمال في السنين الأخيرة وأدخلوا
عوامل جديدة في المعادلات.
وأقولها منذ البداية بأننا حينما نتحدث عن العدوّ، لا نشير إلى موجود خيالي وهمي.
بل نقصد من العدو نظام الاستكبار، والقوى الاستكبارية التي تقوم حياتها على أساس
فرض السيطرة على الآخرين، والتدخل في شؤون الآخرين، والقبض على المصادر المالية
والحيوية للآخرين؛ هؤلاء يمثلون الاستكبار، أو بعبارة أخرى، زعماء نظام الهيمنة.
فإن لدينا في أدبياتنا السياسية عنواناً رسمه "نظام الهيمنة"، ويراد به تقسيم
العالم إلى مهيمن وخاضع للهيمنة؛ هذا نظام الهيمنة. وأولئك الذين يتربّعون على كرسي
هذا النظام هم العدو. ولو أردنا تحديد مصداق خارجي له فهو نظام الولايات المتحدة
الأمريكية التي تعدّ تجسيداً تاماً لنظام الهيمنة. علماً بأن هناك بعض الدول الأخرى
أيضاً، إلا أن أمريكا هي المصداق الأتم والأوضح والأجلى لذلك، فإنها لا تتسم بأي
خُلُق إنساني، ولا يردعها أيّ رادع في اقتراف الجرائم بشتى ألوانها، بل وتخفي
جرائمها وضغوطها وقسوتها بكل سهولة تحت غطاء الابتسامة والأقوال المتداولة والكلمات
المعسولة البراقة، فهي مظهر لنظام الهيمنة. إذن هذا هو المراد بالعدوّ الذي نتحدث
عنه.
مخطّط العدو؛ إثارة النعرات والخلافات
وغالباً ما ترتكز خطة العدوّ في هذه المنطقة على ركيزتين - علماً بأن لها شُعَبًا
كثيرة ولكنها في الأغلب تستند إلى هاتين الركيزتين - الأولى هي عبارة عن بثّ الخلاف
والشقاق، والثانية هي عبارة عن النفوذ والتوغّل. فإنّ أساس خطة العدو في هذه
المنطقة تقوم على: إثارة الاختلاف بين الحكومات وبعد ذلك بين الشعوب، والاختلاف بين
الشعوب أشدّ خطراً من الاختلاف بين الحكومات؛ ومعنى ذلك إثارة الأحقاد والضغائن
والنعرات الطائفية بين الشعوب بمختلف العناوين والأسماء، فتارة يعزفون على وتر
القومية الإيرانية والعربية والتركية وما شاكل، وأخرى يثيرون قضية الشيعة والسنة
وأمثالها، وبالتالي يؤجّجون نيران الاختلاف تحت أي عنوان يمكنهم استغلاله. هذه هي
واحدة من خطواتهم التي يتابعونها اليوم بقوة.
علماً بأن الخبير المحنّك في هذا العمل هم البريطانيون الذين لهم اليد الطولى في
إثارة النعرات الطائفية، حتى تعلّم الأمريكان منهم ذلك وباتوا يمارسون هذه العملية
اليوم بكل ما أوتوا من قوة. فإن الجماعات التكفيرية التي تشاهدونها هي من صنيعهم.
علماً بأننا أشرنا إلى هذه القضية قبل عدة أعوام وشكّك البعض فيها، بيد أن
الأمريكيين أنفسهم أخذوا يعترفون اليوم ويقرّون بأنهم هم من صنع داعش، وهم من أسّس
جبهة النصرة، وهم من أوجد التكفيريين وصنعهم، وقد انخدع بهم بعض المسلمين السذّج
حتى ولو كانوا صادقين في نواياهم، وهذه هي القضية المهمة.
البصيرة سبيل نجاة
إن الأمر الذي يمكننا أن نستلهم منه الكثير من الدروس والعبر ويجب علينا أن نتنبّه
له هو أن الإنسان الصادق في نيته قد يؤدي دورًا في خطة العدوّ لفقدان البصيرة، وهذا
ما حدث بالفعل. والمثال الواضح على ذلك قضية سوريا، فعندما سقطت الحكومات الطاغوتية
في تونس ومصر بشعارات إسلامية، بادر الأمريكيون والأيادي الإسرائيلية على الفور
باستخدام نفس هذه المعادلة في سبيل القضاء على حكومات المقاومة ودول الممانعة،
فذهبوا إلى سوريا، وانجرف بعض المسلمين البسطاء الفاقدين للبصيرة في هذه الخطة،
وأوصلوا الأمر في سوريا إلى ما تشاهدونه في الحال الحاضر حيث أوقعوا بلداً طوال
أربع أو خمس سنوات في مثل هذه الزوبعة التي لا تُعلَم غايتها ونهايتها. هذه مبادرة
تصدى لها العدوّ، وانجرّ بعض المغفّلين من المسلمين للانخراط في هذه المؤامرة
وملأوا بذلك جدول العدوّ3. وهذا حدثٌ يتحقق في كثير من المَواطِن. فإنهم هم الذين
صنعوا هذه التيارات التكفيرية، وأسسوا هذه الجماعات الهتاكة والجرارة والجبارة من
أجل أن تنخر في جسد الأمة الإسلامية، ورغم ذلك يوحون بأنها حرب طائفية.
وأقول لكم إن هذه الاختلافات التي تشاهدونها اليوم في العراق وفي سوريا وفي بلدان
أخرى والتي يحاولون إطلاق عنوان الصراع الطائفي عليها، لا تُعتبر صراعاً طائفياً
بأي وجه من الوجوه، وإنما هي صراع سياسي. فإن الحرب القائمة في اليمن حرب سياسية
وليست حرباً طائفية، وهم يدّعون كذباً بأنها صراع بين الشيعة والسنة، والأمر ليس
كذلك. فإنّ الذين يُفقدون في اليمن تحت القصف السعودي هم الأطفال والنساء والرضّع
والمستشفيات والمدارس، بعضهم من الشافعية وبعضهم الآخر من الزيدية، وليست القضية
شيعة وسنة، وإنما هي معركة سياسية وصراع بين السياسات.
﴿أَشِدّاءُ عَلَی الکُفّارِ رُحَماءُ بَينَهُمْ ﴾؛ النهج المؤكّد
لقد خلقوا اليوم مثل هذه الأوضاع في المنطقة، وأجّجوا نيران الاختلاف، ولا بد من
صبّ الجهود للقضاء على هذه الاختلافات. ولقد أعلنّا للجميع بكل صراحة: إننا نمدّ يد
الصداقة إلى كافة الدول الإسلامية في المنطقة، ولا يوجد لدينا أية مشكلة مع
الحكومات المسلمة. إضافة إلى أن علاقاتنا مع الكثير من جيرتنا، بل معظمها علاقات
أخوية ودّية. وإن للدول المحيطة بالجمهورية الإسلامية من الشمال والجنوب والغرب
والشرق معنا علاقاتٍ وطيدة. وبالطبع فإن البعض منهم يصبّ الزيت على الاختلافات من
قريب أو بعيد، ويلجأ إلى العناد والخبث، إلا أن الأساس من جانبنا يقوم على العلاقات
الحسنة مع الدول الجارة وشعوبها، كما وتربط بين بلادنا والشعوب الأخرى علاقات
وثيقة.
علماً بأننا نؤمن بالثبات على المبادئ والالتزام بالأصول، ونقول بضرورة الحفاظ
عليها. وقد استطاع إمامنا الخميني العظيم بفضل الثبات على المبادئ سوق الثورة إلى
النصر وصيانتها وإرساء دعائم الجمهورية الإسلامية، فلقد كان ملتزماً بالمبادئ
والأسس. ومن هذه المبادئ:
﴿أَشِدّاءُ عَلَی الکُفّارِ رُحَماءُ بَينَهُمْ﴾. فإننا
لا نبني بنياننا مع الأعداء والمستكبرين على أساس المصالحة والمساومة، ومع الإخوان
المسلمين على أساس العداوة والخصومة، بل نفتح معهم باب الصداقة والرفاقة والأخوّة،
لأننا نعتقد بضرورة أن يكون الناس
﴿أَشِدّاءُ عَلَی الکُفّارِ رُحَماءُ
بَينَهُمْ﴾4، فإن هذا هو الدرس الذي نقتبسه من إمامنا الجليل، وهو النهج المؤكّد
للجمهورية الإسلامية. إذ إننا في دعم المظلوم لا ولم ننظر إلى مذهب الطرف الآخر،
وهذا هو نهج إمامنا العظيم، حيث تعامل مع المقاومة الشيعية في لبنان كما تعامل مع
المقاومة السنية في فلسطين دون أي فارق. وقد دعمنا إخواننا في لبنان كما دعمنا
إخواننا في غزة دون أيّ اختلاف، رغم أن أولئك كانوا من أهل السنة وهؤلاء من الشيعة.
بيد أن القضية بالنسبة لنا هي الدفاع عن الهوية الإسلامية ومناصرة المظلوم ودعم
القضية الفلسطينية التي تقف اليوم على رأس قضايا المنطقة الإسلامية؛ هذه هي قضيتنا
الرئيسة. ولا يوجد فرق في عدائنا أيضاً، فقد حارب الإمام الخميني العظيم محمد رضا
بهلوي الذي كان شيعياً في ظاهره كما حارب صدام حسين الذي كان سنياً بحسب الظاهر،
وبالطبع لا ذاك كان شيعياً ولا هذا كان سنيًّا، بل كانا كلاهما أجنبيّين عن
الإسلام، غير أنّ هذا يتظاهر بالتسنّن وذاك يتظاهر بالتشيع، وقد واجههما الإمام على
حدّ سواء. فالقضية ليست قضية شيعية وسنية وقضية طائفية وما إلى ذلك، وإنما هي قضية
الأسس الإسلامية: "کونوا لِلظّالِـمِ خَصمًا وَلِلمَظلُومِ عَونًا"5.. هذا هو دستور
الإسلام، وهذا هو سبيلنا ونهجنا.
إن تصعيد الخلافات في العالم الإسلامي أمرٌ محظور. ونحن نعارض سلوكيات بعض الجماعات
الشيعية التي تؤول إلى شقّ الصفوف. ولقد قلنا بصراحة إننا نعارض الإساءة لمقدسات
أهل السنّة. إذ تنطلق فئة من هذا الجانب وفئة من ذاك لتأجيج نيران العداء وتصعيدها،
ويحمل الكثير منهم نوايا حسنة، سوى أنهم فاقدون للبصيرة. فلا بد من التحلي
بالبصيرة، ولا بد من الوقوف على مخطط العدوّ الرامي في الدرجة الأولى إلى إثارة
الخلافات.
لم نسمح بفرض السيطرة على بلدنا!
والمخطط الثاني للعدو هو التغلغل والنفوذ، حيث يهدفون إلى بسط النفوذ في الدول
الإسلامية وبلدان المنطقة لعشرات السنين. إذ فقدت أمريكا اليوم سمعتها السابقة في
هذه المنطقة، وتصبو إلى استعادتها. وهذه هي بغيتهم ونيّتهم في بلدنا إيران أيضاً،
حيث كانوا يزعمون في خضمّ المفاوضات النووية - وهذا الاتفاق الذي لم يُحسَم أمره
بعد لا هنا ولا في أمريكا، وليس من المعلوم هنا أو هناك أن يتم رفضه أو إمضاؤه -
ويهدفون من خلال هذه المفاوضات وهذا الاتفاق إلى أن يجدوا منفذاً للتوغّل في داخل
البلد، ولقد أغلقنا هذا الطريق، وسوف نصدّهم عن هذا السبيل بكل قوة. ولن نسمح
للأمريكان فرض السيطرة الاقتصادية على بلدنا، أو الهيمنة السياسية، أو التواجد
السياسي، أو النفوذ الثقافي، وبكل ما أوتينا من قوة –ولدينا اليوم الكثير منها
والحمد لله- سنقف أمامهم ولن نسمح لهم بذلك.
وكذلك الحال في المنطقة، حيث يسعون وراء بسط نفوذهم والعمل على تواجدهم وتحقيق
مآربهم فيها، ونحن بحول الله وقوته سنحول دون تحقق هذا الهدف ما استطعنا. فإن
سياستنا في المنطقة هي معاكسة تمامًا للسياسة الأمريكية. إذ يهمّنا كثيراً وحدة
أراضي بلدان المنطقة، بما في ذلك وحدة الأراضي العراقية ووحدة الأراضي السورية، وهم
يخططون للتقسيم. فإنني سبق وذكرت بأن الأمريكان يهدفون إلى تقسيم العراق، وقد أثار
ذلك تعجّب البعض، وفي الآونة الأخيرة صرّح الأمريكيون أنفسهم بأنهم يسعون وراء
تقسيم العراق! ويبتغون تقسيم العراق وتقسيم سوريا إن استطاعوا، ويريدون تأسيس
دويلات صغيرة تكون طوع أمرهم، وهذا أمرٌ لن يتحقق بحول الله وقوته.
..في حماية المقاومة ونصرة المظلوم
نحن ندافع عن المقاومة في المنطقة بما في ذلك المقاومة الفلسطينية التي شكّلت أحد
أبرز فصول تاريخ الأمة الإسلامية خلال الأعوام المنصرمة. وندعم كل من يقارع إسرائيل
ويسعى لقمع الكيان الصهيوني ويؤيد المقاومة. ونقدم أنواع المساعدات المتاحة لنا لكل
من يواجه الكيان الصهيوني وندعمه بكل أشكال الدعم الممكن. كما ونحامي عن المقاومة،
وندافع عن وحدة أراضي البلدان، ونناصر كل من يقف في وجه السياسات الأمريكية الرامية
إلى التفرقة، ونواجه ونجابه كل من يبث بذور الخلاف والشقاق.
نحن نرفض التشيع الذي تكون لندن مركزه ومقرّه الإعلامي، فإنه لا يمثل ذلك التشيع
الذي بلّغه وأراده الأئمة (عليهم السلام). إذ أن التشيع القائم على أساس شقّ الصفوف
وعلى ركيزة تمهيد السبيل وتعبيد الطريق لحضور أعداء الإسلام، لا يعدّ تشيّعاً، بل
هو انحراف. إنما التشيّع هو المظهر التام للإسلام الأصيل والقرآن.
نحن ندعم الذين يناصرون الوحدة ونعارض الذين يناهضونها، وندافع عن المظلومين كافة،
ولا نترك الساحة بما يقولونه من أنكم تتدخلون في شؤون البحرين وغيرها، علماً بأننا
لم نتدخل في شؤونهم مطلقاً ولكننا ندعمهم. ويعتصر قلبنا لما يجري على الشعب
البحريني المظلوم والشعب اليمني المظلوم، وندعو لهم، ونبذل لهم كل ما بوسعنا من
مساعدة. فإن الشعب اليمني اليوم مظلوم حقاً؛ حيث باتوا يدمّرون بلداً بأكمله،
بحماقة، تحقيقاً للأهداف الاستكبارية والسياسية، إذ كان بالإمكان متابعة الأهداف
السياسية بطريقة أخرى، ولكنهم أخذوا يتابعون هذه الأهداف بحماقة.
إن أحداث اليمن بالنسبة لنا أحداث أليمة وكذلك الكثير من أحداث العالم الإسلامي،
بما في ذلك أحداث باكستان وأفغانستان وغيرها من الأحداث الكثيرة المروّعة حقاً.
وعلى العالم الإسلامي أن يعالج هذه الأوضاع عبر الصحوة والبصيرة.
عمل اتحاد الإذاعات: مواجهة المافيا الإعلاميّة
وأما في ما يتعلق باتحاد الإذاعات والقنوات المرئية، فإنها بالغة الأهمية. وإن هذا
العمل الذي بدأتم به من تأسيس هذا الاتحاد يقف على جانب كبير من الأهمية. وانظروا
اليوم إلى شعوب البلدان الإسلامية فإنّ سبعين أو ثمانين بالمئة منها على أقل
التقادير ملتزمة بالمبادئ الدينية والمعتقدات الإسلامية، ولكم أن تجولوا بأبصاركم
في البلدان الإسلامية لتجدوا الناس ملتزمين ومتمسكين بدينهم. بيد أن الإذاعات
والقنوات المرئية التي لا بد أن تمثل إرادة الناس ورغباتهم، كم هي ملتزمة بدينها في
البلدان الإسلامية؟ فإن هذه المسافة عجيبة جداً وهذه الهوة مدهشة. حيث نجد سبعين
إلى ثمانين بالمئة من الناس لهم توجهاتهم الدينية، وإذا بالإذاعات والقنوات في نفس
هذه البلدان لا تسير بالاتجاه الديني ولا تعبر عن متطلبات الناس، وهذا أمرٌ غريب
للغاية، فإنهم باتوا يعكسون ما تريده الإمبراطورية الإعلامية الاستكبارية الخطيرة،
ويعمدون وفق ميولهم إلى تحريف الأخبار وكتمانها وبثّ الأكاذيب والترويج لسياسات
معينة عبر هذا الطريق، ورغم ذلك يتبجّحون دوماً بالحيادية!
تدعي الإذاعة البريطانية أنها محايدة، ولكنها كاذبة، فأي حياد هذا؟ إنهم يسيرون في
ساحة السياسات الاستكبارية والاستعمارية بالتحديد. وإن السياسات الأمريكية
والسياسات البريطانية ووسائل الإعلام المسموعة والمكتوبة ووكالات الأنباء وشبكات
التواصل العجيبة التي ظهرت اليوم، كلها تصب في خدمة سياساتهم وفي خدمة الاستكبار
وخدمة الصهيونية وأهدافهم.
ولا بد من المبادرة إلى عمل في مواجهة هذه الإمبراطورية الخطيرة وهذه المافيا
الإعلامية الهائلة التي هي تحت قبضة أصحاب رؤوس الأموال والشركات الأمريكية
والصهيونية. وإن هذا العمل الذي تنجزونه هو بداية للانطلاق، ولا بد من الاستمرار في
هذه الحركة وتقويتها وتعزيزها يوماً بعد آخر، وينبغي أن تضمّوا إليكم شركاءكم
والسائرين معكم في هذا الطريق.
نحن نتطلع إلى مستقبل مشرق إن شاء الله، وأقول لكم:
على الرغم من تبجّحات الاستكبار
وما يقوم به هو وأتباعه وأذنابه من مساعٍ كبيرة في الجانب المالي والعسكري والسياسي
والأمني في هذه المنطقة وفي العالم الإسلامي بأسره، فإن المستقبل للإسلام لا محالة،
وسوف يشهد الإسلام عزة وقوة متزايدة يوماً بعد آخر إن شاء الله. وهذا ما يتطلب
الجهاد بالطبع، وكُثر هم المجاهدون من الرجال والنساء والشباب في كافة أقطار العالم
الإسلامي ولله الحمد، فلا بد أن نعرف قدرهم، وأن نصبّ شعاراتنا وخطواتنا وكلماتنا
ونشاطاتنا في هذا الاتجاه، وسوف يغمرنا عون الله تعالى بالتأكيد؛
﴿إِن تَنصُرُوا
اللهَ يَنصُرکُم وَيُثَبِّت أَقدامَکُم﴾6.
والسلام عليكم ورحمة الله وبرکاته.
1- سورة الأحزاب، جزء من الآية 33
2- سورة الحج، جزء من الآية 78
3- بمعنى أصبحوا يؤدون دورًا يخدم مخطّط العدو
4- سورة الفتح، جزء من الآية 29.
5- نهج البلاغة، الإمام علي(عليه السلام)، الخطبة 47.
6- سورة محمد، جزء من الآية 7.