كلمة الإمام الخامنئي في لقائه قادة القوة البحرية في حرس الثورة الإسلامية وجمع من العاملين فيها وعوائلهم_ 07-10-2015
إن التفاوض مع أمريكا أمرٌ محظور!
بسم الله الرحمن الرحیم
والحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
قدمتم خير مقدم يا أعزائي، الإخوة الأعزاء، والأخوات العزيزات، والعوائل المبجّلة،
والوجوه الحازمة التي تحكي العزيمة والإرادة والإيمان، والتي تمثل كلها ثروة وطنية
عظمية؛ أولئك الناس المؤمنون، وتلك الدوافع والقلوب الراسخة. فلا يمكن أن تصل أية
ثروة وفي أي بلد إلى مستوى الثروة الهائلة للطاقات الإنسانية المؤهلة والكفؤة [التي
لدينا].
نعيش أياماً تتسم بالأهمية بدءاً من ذكرى حادثة المباهلة المذهلة، ونزول سورة هل
أتى، واقتراب أيام محرم، إلى أوضاع المنطقة وحساسية الأحداث التي تجري فيها، فهي
برهة زمنية هامة.
أمن البحر؛ أهميّة استراتيجيّة
وأما المسألة المهمة في خصوص القوة البحرية التابعة للحرس الثوري، فهي حضور أبناء
الثورة وقواتها في البحر، وهذه نقطة أساسية بالغة الأهمية. فالأمن يشكل البنية
التحتية لكافة حالات التقدم لدى أي شعب من الشعوب، ولو فُقد الأمن، لما بقي أثرٌ لا
للاقتصاد ولا للثقافة ولا للسعادة الشخصية ولا للسعادة العامة للشعب والناس في
المجتمع.
علماً بأن أمن البحر بالنسبة إلى الدول الساحلية يزداد أهمية لعدة جهات. والبحر
يعتبر وسيلة للتواصل الدولي العام. وإن وجود القوى والشعوب في البحر ليس قضية
استثنائية، وإنما هو أمرٌ شائع ودارج. فإذا لم تتمكن دولةٌ ساحليةٌ من تحقيق أمن
البحر المجاور لها، فإنها في الحقيقة لن تتمكن من إرساء ركائز أمنها الداخلي. ومن
هنا فإن أمن البحر يعتبر غاية في الأهمية. ونحمد الله على أن شبابنا في قوات حرس
الثورة الإسلامية قد بذلوا جهودهم وحققوا إنجازات بارزة وقيمة في هذا المضمار، فلا
ينبغي أن تخضع هذه المسائل للتجاهل والإهمال في تاريخ ما بعد الثورة الحساس.
وإن حضور العوائل المكرمة حالياً في منطقة الجنوب يعدّ واحداً من الإنجازات
والأعمال الجهادية الكبيرة، وهذا ما ينبغي أن أقوله في حضور هذه العوائل المبجلة.
فإن من الأمور التي تتسم بالقيمة والأهمية البالغة استقرار القوة البحرية للحرس
الثوري في مدينة بندر عباس والأماكن الساحلية والمناطق الصعبة، ومرافقة عوائلهم لهم
وتحمّل هذه الشدائد والصعاب، وهو ليس بالأمر الذي نمرّ عليه بسهولة.
المنطقة الساحليّة؛ آمنة بهمّة شبابها
ثم إن منطقة الجنوب، ومحافظة بوشهر، ومدينة بندر عباس، وهذه المناطق
التي هي عرضة لأحداث البحر، قد خرجت من الامتحانات التي واجهتها طيلة سنوات الثورة
مرفوعة الرأس. فإن الثورة في أوائل عمرها لم يكن لها حضور فاعل وملموس في البحر.
بيد أن المنطقة بعد ذلك شهدت حضور أبناء الثورة وشبانها والمترعرعين في أحضانها،
فتغيرت أوضاعها. وعندما أتيحت الفرصة، هبّ أهالي المنطقة وشبابها، وتدفّقت المحفزات
الجياشة الكامنة في المنطقة، وسلكت كلها النهج الصحيح. وفي مثل هذه الأوضاع، وفي
منطقة بوشهر مثلاً، يسطع نجمُ شهيدٍ بارزٍ كبير كالشهيد نادر مهدوي. فإن أمثال هذه
الوجوه اللامعة، وأمثال نادر مهدوي ورفاقه الذين قاموا بأعمال جسام، يعتبرون في نظر
المتمسكين بمفاهيم الشهادة والجهاد ونحو ذلك ممن قد ألقوا الرعب في قلوب العدو،
ومنحوا العزة والكرامة للشعب الإيراني، وعرضوا أمام الأعداء قوة واقتدار النظام
الإسلامي والجمهورية الإسلامية، فلا بد من تخليد ذكراهم، وإبراز أسمائهم وذكرهم في
التاريخ المدوّن والتاريخ الشفهي، كما ولا بد من الوقوف على عداء الأعداء أيضاً.
ففي منطقة الخليج الفارسي، حاول كل أولئك الذين دعموا هذا الكائن المنحوس المشؤوم
صدام ودافعوا عنه، وأولئك الذين ينادون بحقوق الإنسان، وأولئك الذين اصطفوا بعد ذلك
لمواجهة صدام بعد أن ساندوه في مواجهة الجمهورية الإسلامية أعواماً طويلة، سعوا إلى
تحويل الخليج الفارسي إلى منطقة غير آمنة للجمهورية الإسلامية. وهذا يكشف عن مدى
أهمية تحقيق الأمن في الخليج الفارسي ليكون الهدف من وراء عدائهم هو جعل هذه
المنطقة غير آمنة لإيران التي تحتل أطول ساحل بحري في الخليج الفارسي وبحر عمان.
بيد أن وجود الشباب الثوري وقوات حرس الثورة الإسلامية والقوة البحرية وتشكيل هذه
القوى والنزول إلى الساحة، أدى إلى أن يغدو البحر غير آمن بالنسبة لهم، وتسبب في
إلحاق الضرر ببارجتهم، ومروحيتهم، وناقلة نفطهم، فأدركوا أن الجمهورية الإسلامية
ليست ذلك البلد الذي يتلاعبون بمصيره كيفما شاءوا، وهذا ينبئ عن الاقتدار المعنوي
لنظام الجمهورية الإسلامية. وفي ما القرآن يأمرنا:
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا
اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ
اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ دلالة على أن وجودكم، وأوضاعكم، وحركتكم لا بد وأن تكون
بالطريقة التي تُلقي الرعب في قلوب الأعداء. فإن العدوّ معتدٍ بالطبع، وإن طبيعة
ناهبي خيرات العالم هي العدوان، والهجوم، والاحتلال، والنهش بالمخالب، فإذا ما
وجدوا في ساتركم ثغرة، نفذوا منها. فلا بد أن تتحركوا بطريقة يشعر العدو من خلالها
بعدم قدرته على النفوذ والتغلغل. وقد أدى تشكيل الجبهة الثورية في جنوب البلاد،
ووجود العناصر الثورية على هيئة قوة بحرية في الحرس الثوري وأبناء المحافظات
الساحلية - هؤلاء الشباب البسلاء العازفون عن الدنيا - إلى تحقق هذا الهدف القرآني
القائل:
﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾، وهذا طريق يجب مواصلته.
لطالما ذكرت أننا لن نكون البادئين بقتال، ولنا أدلتنا في ذلك، فإننا لا نشرع بأي
حرب، ولكن يجب أن نسلب العدوّ الجرأة على المبادرة إلى الحرب، وأن نعرف العدو،
وندرك طبيعته.
الجمهوريّة الإسلاميّة.. بالمرصاد
لقد باتت الأجهزة الاستكبارية اليوم تحدّد أهدافاً خطيرة في هذه المنطقة،
وهي التلاعب في مصير الشعوب، ويوظفون لذلك أدوات بالغة الخطورة ووحشية وغير إنسانية؛
ولا يتورعون عن استخدام الأساليب التي تؤول إلى إزهاق أرواح الأبرياء مطلقا؛ ولكم
أن تلاحظوا ماذا يصنعون في منطقتنا الغربية في العراق وسوريا، وفي منطقتنا الشرقية
في أفغانستان وباكستان، فإنهم لا يعبأون ولا يقيمون لأرواح البشر أية أهمية.
ودعاواهم بمناصرة حقوق البشر وحقوق الإنسان وحقوق المواطنة وأمثال ذلك من الدعاوي
الزائفة الخاوية، كلها مخالفة للحقيقة، والشاهد على ذلك ما ترونه، حيث يقصفون
المستشفيات، ويقتلون عشرات المرضى، ثم يقولون من بعدها: نعتذر، فقد أخطأنا! وأحياناً
لا يعتذرون حتى. وهناك في غزة واليمن والبحرين وسوريا والعراق وفي مناطق أخرى
تُرتكب جرائم تبعث في الإنسان الحيرة والدهشة وتنبئ عن قسوة المرتكبين لهذه الجرائم
ووحشيتهم، كيف يمكنهم القيام بذلك؟ حيث يزجّون بإنسان في داخل القفص، ويُحرقونه
ويضرمون النار به وهو حيّ، وأجهزة حقوق الإنسان تجلس متفرجة. وأما إذا وقع كلب أو
قطة في داخل بئر، يجنّدون كافة أدواتهم لإخراجه سالماً، ليقولوا بأننا ندافع عن
الكائن الحي. فهذا الرياء وهذا الكذب وهذا النفاق الذي يتّسم به العدو، هو الخطر
الكبير المحدق بالعالم. حيث يهدفون إلى تحقيق مآربهم في المنطقة، علماً بأن
الجمهورية الإسلامية وبتوفيق الله وحوله وقوته سَتَحول دون نفوذ العدو في الداخل،
بل وستمنع إلى حدّ كبير تحقّق مخططاته في المنطقة أيضاً. وهذا هو توفيق الله
والقدرة الإلهية التي حلّت بنا بفضل هذه العزائم والإرادات التي تتّسِمون بها أنتم
الشباب. فقد أخفق الكثير من مخططاتهم وباء بالفشل بسبب اقتدار الجمهورية الإسلامية
وحضورها في المناطق التي لا بد لها من الحضور والوجود فيها. ولهذا فقد وجّهوا أكثر
عدائهم ضد نظام الجمهورية الإسلامية، وهم يبذلون قصارى جهدهم في ذلك، وحديثهم عن
التفاوض والتباحث يصبّ في سياق النفوذ والتوغل.
التفاوض غير النصيحة!!
وهناك البعض ممن يتهاون في قضية التفاوض، ويتساهل في ذلك، ولا يُدرك
الأمور بشكل صحيح. وهناك بالطبع أناس في المجتمع لا يبالون ولا يكترثون مهما بلغ
الأمر، حتى ولو سُحقت مصالح البلاد، وأُهملت المصالح الوطنية، [فهؤلاء] لا شأن لنا
بهم؛ بيد أن البعض لا يدخلون في عداد هؤلاء، ولكنهم يتهاونون في التفكير، ولا
يُدركون عمق المسائل. وإذا ما دار الحديث عن التفاوض، يقولون لماذا تعارضون التفاوض
مع أمريكا، في حين تفاوض أمير المؤمنين مع الشخص الفلاني وتفاوض الإمام الحسين؟
وهذا ينبئ عن السطحية في التفكير، وعدم الغور في المسألة، إذ لا يمكن تحليل قضايا
البلاد بهذه الطريقة، ولا يتأتى الوصول إلى مصالح البلاد بهذه النظرة السطحية
البسيطة. فإنه أولاً لم يقمْ أمير المؤمنين مع الزبير، أو الإمام الحسين مع ابن سعد
إلا بالتحدث وتقديم النصائح، وليس التفاوض بمعناه المعاصر؛ ذلك أن التفاوض بالمعنى
المعاصر يعني التعامل وعقد الصفقات والأخذ والعطاء. أفهل قام أمير المؤمنين
بالتعامل مع الزبير وبالأخذ والعطاء؟ أم هل عمد الإمام الحسين إلى عقد صفقة مع ابن
سعد ليأخذ منه شيئاً ويعطيه شيئاً آخر؟ هل كان هذا هو الهدف؟ وهل تفهمون التاريخ
بهذا الشكل؟ وتحلّلون حياة الأئمة بهذه الطريقة؟ فإن الإمام الحسين قد نَهَر الطرف
المقابل ونصحه وقال له: اتّقِ الله.. كما قام أمير المؤمنين بنصيحة الزبير، وذكّره
بما جرى بينه وبين النبي، وقال له: اتّقِ الله، وبالفعل فقد أثّر فيه ذلك، حيث تخلى
عن المعركة. غير أن التفاوض اليوم لا يشير إلى هذا المعنى، ولكنّ البعض ومن أجل أن
نتفاوض مع أمريكا، هذا الشيطان الأكبر؛ وبنظرة سطحية بسيطة [عوامية] حقاً وبعيدة عن
معرفة الحقائق، يضربون الأمثال، ويكتبون في الصحف وفي المواقع الإلكترونية،
ويتحدثون في الخطابات بأنه لماذا تفاوض أمير المؤمنين مع الزبير، وأنتم لا تتفاوضون
مع أمريكا؟ أي أنهم يُخطئون في فهم هذه المسألة إلى هذا المستوى، والحال أن التفاوض
لم يكن بهذا المعنى.
"نعارض التفاوض مع أمريكا بالخصوص"
وثانياً لا نعارض التفاوض بمعناه المعاصر، ونحن حالياً في طور التفاوض
مع العالم بأجمعه، حيث نتفاوض مع الدول الأوروبية، ومع دول أمريكا اللاتينية، وهذه
كلها تندرج في عداد المفاوضات، فلا إشكال في التفاوض بالنسبة لنا. وحينما نقول
بأننا لا نتفاوض مع أمريكا، لا يعني ذلك أننا نعارض أساس التفاوض؛ كلا، وإنما نعارض
التفاوض مع أمريكا بالخصوص. ولهذا سببٌ لا بد وأن يعيه الإنسان الفطن، ولذك فنحن
نتفاوض مع الآخرين؛ الذين ليسوا في زمرة أصدقائنا المقربين، فبعضهم أعداء لنا،
وبعضهم الآخر لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، ونحن نتفاوض معهم ولا إشكال لدينا في ذلك،
بيد أن المفهوم الذي تطرحه أمريكا للتفاوض مع الجمهورية الإسلامية هو النفوذ
والتغلغل، وفتح الطريق لفرض إرادتهم. وإن الماكينة الإعلامية المهولة1 اليوم في
العالم هي بيد أمريكا، كما أن التيار الصهيوني المناهض بشدة للبشرية والمناوئ
للفضيلة قد تكاتف اليوم مع أمريكا، وهما يتقمصان ثوباً واحداً، وتخرج أيديهما من كمّ
واحد، وقد اصطفا معًا. والتفاوض معهم يعني تمهيد السبيل لبسط نفوذهم في البلد
اقتصادياً وثقافياً وسياسياً وأمنياً كذلك.
وفي هذه المفاوضات المتعلقة بالطاقة النووية، حيثما فُسح لهم المجال وأتيحت لهم
الفرصة اغتنموها للنفوذ والتوغل. ورغم أن الطرف الإيراني كان مراقباً للأمور والحمد
لله، إلا أنهم وجدوا في بعض المواطن فرصة سانحة، وقطعوا خطوة مضرة بالمصلحة الوطنية،
وهذا هو المحظور. فإن التفاوض مع أمريكا أمرٌ محظور لكثرة أضراره ولخلوّه من أية
منفعة، وهذا يختلف عن التفاوض مع الدولة الفلانية التي لا تتمتع بمثل هذه
الإمكانيات، ولا تحمل مثل هذه الدوافع؛ فهما أمران مختلفان، [هؤلاء] لا يلتفتون إلى
ذلك.
إن بلدنا في الظرف الراهن يعاني وللأسف من مشكلة وجود البعض غير المبالي والبعض
الآخر المغفل، وهم بالطبع يشكلون الأقلية تجاه الأكثرية الساحقة للجمهور الثوري
الواعي والبصير في البلد، سوى أنهم ناشطون: يكتبون، ويتحدثون، ويكررون ويكررون.
والعدو أيضاً يساعدهم في ذلك. وقد تركّز اليوم جانبٌ هامٌّ من أنشطة أعداء
الجمهورية الإسلامية2 على تغيير حسابات المسؤولين والتلاعب بأفكار الناس وزرعها في
أذهان شبابنا؛ سواء [على مستوى] الأفكار الثورية أو الدينية أو ما يرتبط منها
بمصالح البلد. والهدف الأساس من هذا الهجوم هو الشباب، ولذلك يتعيّن عليهم في مثل
هذه الظروف التحلي باليقظة التامة. وهم يَقِظون والحمد لله، فإن جامعاتنا يَقِظة،
وقواتنا المسلحة يَقِظة، وقطاعاتنا العسكرية - بما فيها الجيش والحرس والثوري وقوات
التعبئة والقوى الأمنية - مرابطة، ولا يراودني أدنى قلق وهاجس حيال ذلك.
الإيمان كلّه في الجمهوريّة الإسلاميّة
وخطابي لكم أنتم أبناء الثورة وشبابها الناشطون في إحدى أهم قضايا البلد
المتمثلة بالأمن البحري، هو أن تُدركوا أهمية عملكم في هذا اليوم. فإنه كما برز
الإيمان كله إلى الكفر كله في حادثة المباهلة، فقد برز اليوم الإيمان كله في نظام
الجمهورية الإسلامية لمواجهة الكفر. وكما استطاع الصفاء والاقتدار المعنوي للنبي
الأكرم وأهل بيته أن يزيح العدو عن الساحة، سيعمد الشعب الإيراني باقتداره ومعنويته
إلى طرد العدو من الساحة بفضل الله وحوله وقوته.
إن قوات الحرس الثوري تلعب دوراً هاماً في البحر، وإن شباب المنطقة الجنوبية - بما
فيها محافظة بوشهر وسائر المحافظات الساحلية - يؤدون بأنشطتهم دوراً بارزاً. وقد
خرج شباب المنطقة من امتحانهم مرفوعي الرأس حقاً وأثبتوا أنهم يستطيعون الدفاع عن
حيثية ومكانة بلدهم وثورتهم ونظامهم بكل ما للكلمة من معنى. كما أن للعوائل المكرمة
والعزيزة التي تقبّلت الحضور في تلك المنطقة والسكن فيها، دوراً بالغ الأهمية، فلو
لم تكن العوائل مرافقة ومواكبة لرجالها، لما تقدمت الأمور إلى الأمام. ولحسن الحظ
فإن نساء وسيدات بلدنا اليوم يحملون دوافع ومحفزات واضحة وودية وواعية جداً، كما
كانوا عليه في فترة الحرب المفروضة.
حالفني التوفيق أحياناً لزيارة عوائل الشهداء والتحادث معهم، وأجد أن أمهات الشهداء
في الأغلب إن لم يكن اندفاعهنّ وحماسهنّ أشد من آباء الشهداء، فهو لا يقل عنهم،
ووجدت في كثير من المواطن أنهنّ يتحلَّين بمزيد من الدوافع والبصائر. هؤلاء هنّ
نساء مجتمعنا، وهذا ما يوفّر لبلدنا قيمة مضاعفة.
فلتكن لكم اليد العليا!
وإن الذي أقوله لكم هو أن تزيدوا من جهوزيتكم، سواء في الجانب العلمي
والبحوث العلمية، أو في جانب العتاد والمعدات الحربية. وكما أشار العميد القائد ]علي
فدوي قائد القوة البحرية في الحرس الثوري[، فقد بدأ الأعداء - بعد مشاهدة الآليات
التي أنزلتها قوات الحرس الثوري إلى الساحة - بدأوا يفكرون بتغيير استراتيجيتهم،
وهذا يعني أن وجود الحرس الثوري إلى جانب إبداعاته قد أرغمهم على تغيير
استراتيجيتهم. ومن هنا لا بد من مضاعفة إبداعاتكم في تصنيع الآليات والمعدات
بموازاة ما يقطعه العدو من خطوات في البحث العلمي وتصنيع المعدات والحضور العسكري،
وهذا أمرٌ ممكن، فالإبداع في ذهن الإنسان لا نهاية له. وعلى سبيل المثال كما أن
الحرس الثوري توصل ذات يوم إلى نتيجة ضرورة تصنيع الزوارق السريعة، يمكنه اليوم أن
يفكر في معدات حديثة أعلى وأفضل وأقوى من سابقاتها وينزلها إلى الساحة. فلتفكروا
دائمًا بأن تكون لكم اليد العليا، والمعيار هو
﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ﴾.
فما لم يرتعب العدو، سيتطاول وسيجرأ على العدوان. وهذه هي التوصية الثانية.
والتوصية الثالثة هي التعاون. فقد اختلفت اليوم - ولله الحمد - القوة البحرية
التابعة للجيش عما كانت عليه في السنين الأولى للثورة كالاختلاف ما بين السماء
والأرض. حيث كنتُ مطلعاً على تلك القوة البحرية بتفاصيلها، ومطلع الآن على هذه
القوة أيضاً، فهي تضم رجالاً مؤمنين ومستعدين للعمل. فتعاملوا وتعاطفوا وتعاونوا
فيما بينكم، واستفيدوا من تجارب بعضكم البعض، فإن تظافر الجهود هذا سيساعد على
مضاعفة الثروة الوطنية. هذه هي النقاط التي وددت أن أطرحها عليكم.
واعلموا أن الله تعالى يساندكم، وهذا مما لا شك فيه، لأنه:
﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ
یَنْصُرْکُمْ﴾. فلنعقد همتنا على نصرة الله. فلو تطابقت نيتنا وعملنا وحركتنا مع
﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ﴾، سيعقبها
﴿یَنْصُرْکُمْ﴾ لا محالة؛ ذلك أن وعد الله لا
يتخلّف. فتابعوا مسيرتكم وخطواتكم وجديتكم هذه، واعلموا أن المستقبل لكم، وأن أعداء
الإسلام والمسلمين في منطقة غربيّ آسيا وفي المناطق الأخرى سيُهزمون من الناحية
الأمنية والعسكرية، ومن الناحية الاقتصادية والثقافية كذلك، بتوفيق من الله، شريطة
أن نبذل جهودنا. فلو كنا مرابطين وموجودين بشكل صحيح وبالمعنى الحقيقي، سيُهزم
العدو بالتأكيد، وهذا مما لا ريب فيه.
نسأل الله تعالى أن يمنّ عليكم بالتوفيق، وأن يزيد من سعادتكم أنتم الشباب الأعزاء،
ومن تقدم الشعب الإيراني وتساميه يوماً بعد آخر، وأن يزيد من علوّ درجات الروح
الطاهرة للإمام الخميني الكبير وشهداء الثورة الأبرار وشهداء الحرس الثوري والقوة
البحرية في هذه المنظمة.
والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته
1- عبر القائد: الغول
الإعلامي المهول.
2- وقال مستطردًا: التي لم تتغيّب عنا بالطبع، ونحن نرصد ما يريدون التصدي له.