كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه أهالي مدينة نجف آباد_24/02/2016
بسم الله الرحمن الرحیم
والحمد لله ربّ العالمین،
والصلاة والسلام علی سیّدنا محمد وآله الطاهرین، ولعنة الله علی أعدائهم أجمعین.
أرحّب بجميع الإخوة والأخوات الأعزاء من أهالي نجف آباد؛ يا من كنتم ولا تزالون
تمثلون حقاً، ومن دون أي مجاملة ومسايرة، نموذجاً من الرجال والنساء الثوريين
المؤمنين الأوفياء في كل مراحل الثورة، لا سيما عوائل الشهداء المكرمين والعلماء
المحترمين والفئات المختلفة العزيزة الذين تفضلوا بالقدوم الى هذا المكان.
أهالي نجف آباد؛ رواد وأهل بصيرة
إن ما قاله سماحة الشيخ حسناتي1 حول هذه المدينة، هو محل
تأييدي بالكامل، فإني أشهد حقاً بأن أهالي نجف آباد، يمتازون على الكثير من مناطق
البلاد في صدقهم وفي وفائهم وفي انتمائهم العريق للثورة. ففي تلك الحقبة التي كان
النضال الإسلامي والنهضة الإسلامية تعيش الغربة، كانت مدينة نجف آباد موطناً
لازدهار هذه الأفكار الثورية. فقد زرت هذه المدينة في تلك الفترة وقبل أعوام من
انتصار الثورة، وشاهدت عن كثب اندفاع الناس ووعيهم وحضورهم وإدراكهم لقضايا الثورة،
وهذا ما وجدته في جميع الفئات والطبقات، ولم يكن الأمر مختصّاً بشريحة الشباب آنذاك
أو بطبقة المثقفين في ذلك اليوم، فحينما يتحدث المرء مع بعض القرويين والبعض من
عامة الناس بشأن مسائل الثورة، يجد أنهم ذوو بصيرة ووعي والتزام. رحمة الله على
أولئك الذين بذلوا جهودهم ومساعيهم في هذا الطريق وعمدوا إلى توعية الناس وتنويرهم.
وبعد انتصار الثورة أيضاً كانت هذه المدينة تسير في الصفوف المتقدمة. ولقد أشاروا
إلى "فرقة النجف" وإلى الشهيد كاظمي2 وغيره من شهداء هذه الفرقة؛ أولئك
القادة الصادقين المؤمنين الأوفياء الغيارى الأكفاء. وأنا العبد قد زرت هذه الفرقة
في الجبهة وفي منطقة العمليات أكثر من مرة، وشاهدتُ فيها مؤشرات هذه الخصائص
والمزايا نفسها. فلقد ثبتّم، وصمدتم، وعملتم بصدق ووفاء، وقدّمتم الشهداء والجرحى،
فأجركم على الله، وأسماؤكم تتلألأ في الصفحات الذهبية من تاريخ الثورة. وعليكم
مواصلة الطريق، لأننا لم نصل حتى الآن إلى المنزل الأخير، وما زال واجبنا هو أن
نتقدم إلى الأمام، وأن نبذل سعينا، وأن نجاهد؛ فقد اختلفت الساحات، ولكن أصل الجهاد
قائم حاضر. إذا استطعنا تسليم هذه الأمانة إلى الجيل القادم، نكون قد أدّينا واجبنا.
ونحمد الله على أن شبابكم يتحلون بالحيوية والنشاط والوعي واليقظة، البلد هو ملك
للشباب.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينزل عليكم من بركات شهدائكم وأعلامكم والعلماء الكبار
الذين قدّمتهم هذه المدينة - سواء أولئك الذين كانوا في نجف آباد، أو الذين كانوا
في أصفهان، أو الذين كانوا في مشهد، أو الذين كانوا في قم، أي تصديركم العلماء
والمجتهدين من هذه المدينة المباركة - وأن نشهد نتائج هذه البركات في كل أرجاء
البلاد.
شهادة الصدّيقة الطاهرة؛ آلام عميقة وإرادة صلبة
أشير هنا إلى أيام شهادة جوهرة أهل البيت، فاطمة الزهراء (سلام الله
عليها)، تلك الصدّيقة الطاهرة. فإن هذه الأيام طبقاً لرواية وفاتها بعد خمسة وسبعين
يوماً من رحيل الرسول الأكرم، هي أيام شهادة تلك السيدة الجليلة. يودّع أمير
المؤمنين في هذه الأيام حبيبته، بقلبٍ منكسر وبصدرٍ حافل بالأحزان، ويعيد للنبي
وديعته الغالية. قلب أمير المؤمنين مغمورٌ بالآلام والأحزان، إلا أنّ إرادته وهمّته
لم تضعفا مطلقاً، هذا درسٌ لي ولكم. فقد يكون القلب مليئاً بالهموم، وهذا ما يحدث
أحياناً في حياة الإنسان، سواء في الحياة الفردية أو الحياة الاجتماعية، ولكن يجب
أن تبقى عزيمته وإرادته راسخة، وأن يخطو للأمام بقوة واقتدار. هناك هموم ومصائب تهدّ
الجبال، ولكن لا يمكنها أن تهزّ الإنسان المؤمن. لا بد من مواصلة الطريق.
الانتخابات مظهر القوة
نحن على أبواب الانتخابات، وهي قضية بالغة الأهمية، ومن هنا أحببت اليوم
أن أستعرض جملة من النقاط في هذا المجال.
النقطة الأولى تختص بأهمية هذه الانتخابات بحد ذاتها، فالقضية ليست مجرد أن نحضر
عند صناديق الاقتراع، ونُدلي بأصواتنا لشخص أو لأشخاص، بل القضية أن الانتخابات في
بلدنا تمثل نهوضاً ووقفة وطنية، والشعب من خلال الانتخابات يجعل صدره درعاً ويستعرض
قوّته أمام العدو، وهنا تكمن أهمية الانتخابات. فإن العدوّ حينما يرى أنه بعد مضي
37 عاماً، ورغم كل الضغوط، والعقوبات الجائرة، والإعلام المغرض الخبيث، لم يتمكن من
صدّ الشعب عن مبايعة النظام، تتجلى أمام ناظريه عظمة الثورة وهيبتها، فيكتسب الشعب
الإيراني العظمة، وتكتسب ثورته المجد والرِّفعة؛ هذه هي الانتخابات. فالانتخابات
تعني دعم العزة الوطنية والاستقلال الوطني، وتعني صمود الشعب الإيراني واستقامته.
الانتخابات؛ مظهر وفاء الشعب
اُنظروا! حينما تحدّث الآن الشيخ حسناتي عن وفاء أهالي نجف آباد وصمودهم،
شعرتم في قلوبكم بالفخر والاعتزاز، وأنا الحقير أيضاً شعرتُ في قلبي بالفخر
والاعتزاز. فإنه حين يتجلى وفاء مجموعة وصمودهم وقوة عزمهم وإرادتهم، يشعر كل مشاهد
وكل مستمع بالفخر والاعتزاز، والانتخابات موطنٌ لتجلي وفاء الشعب الإيراني. فإن هذه
الانتخابات تعني أنّ شعباً يناهز الثمانين مليون نسمة، في هذه الساحة المليئة
بالأعداء، وفي وسط حقل الألغام، وفي ميدان العِداء والخصومات المغرضة والخبيثة،
يُعلن عن حضوره بكل شجاعة وبسالة، فانظروا كم تتسم بالأهمية!
يجب على كل من يحرص على عزة إيران الإسلامية أن يشارك في هذه الانتخابات، وسوف
يشارك بالفعل، وستشهدون ذلك إن شاء الله. وسيرى العالم يوم الجمعة كيف أن الشعب
الإيراني يسارع بكل شوق ومحبة إلى القيام بالواجب وإحقاق الحق - فالانتخابات واجب
وهي حق من جانب آخر -. وهذه باعتقادي أهم نقطة لا بد من بيانها في شأن الانتخابات،
ولقد تعرّضت لها مراراً وسوف أتعرض لها أيضاً، وهي أصل الانتخابات.
الانتخابات قائمة... ومكائد لا تتوقف؛
والنقطة الثانية هي أنه كما إن لنا نحن الشعب الإيراني حساسيتنا حيال
هذه الانتخابات وإزاء كل عمليات الانتخات على مدى الأعوام السبعة والثلاثين، فإنّ
للحاقدين على الشعب الإيراني أيضاً حساسيتهم تجاه ذلك، كانوا يهدفون دوماً وعبر
الألاعيب والمكائد المختلفة، إلى الطعن في هذه الانتخابات، استخدموا أنواع الدسائس
في هذا المجال: ففي فترة حاولوا القول "إنّ الانتخابات كاذبة، وأساساً لا وجود
للانتخابات في إيران"، إلا أن الانتخابات كانت قائمة على مرأى من الجميع؛ هكذا
كانوا يروّجون في إعلامهم خلال السنين الأولى [من الثورة]. وفي فترة أخرى حاولوا أن
يصدّوا الناس في وسائل إعلامهم عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع بصراحة، بل وفي مرحلة
من المراحل، صرّح الرئيس الأمريكي قبل يومين أو ثلاثة من الانتخابات، مخاطباً الشعب
الإيراني بأن لا تذهبوا للإدلاء بأصواتكم! ولكن ماذا فعل الناس؟ شاركوا هذه المرة
في عملية التصويت أكثر من أي وقت آخر رغمًا عن أنف الأعداء. هذه أيضاً مكيدة لصدّ
الناس عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع بشتى الحِيَل والدعايات المختلفة. والمكيدة
الأخرى هي تلقين وإقناع أبناء الشعب بعدم جدوى مشاركتكم في الانتخابات، فلو صوّتّم
لـ"زيد"، يخرج من الصندوق اسم عمرو؛ هذا ما كانوا يقولونه، أفهل تتذكرون ذلك؟ لعل
الشباب لا يتذكرون ولم يشهدوا تلك الأيام، غير أن الأغلبية تتذكر هذه الأمور، حيث
كانوا يردّدون هذه المسألة على نحو شعار، وهناك للأسف جماعة غافلة في داخل البلاد
يضمّون صوتهم إلى أصواتهم. وهذا أيضاً أسلوب اتبعوه لفترة معينة. إلا أن أياً من
هذه الدسائس لم يُجدِ نفعاً، ولم تتمكن هذه المكائد من تثبيط عزائم الناس، ومن أن
تُلقي بظلالها على فهم الشعب وإدراكه لأهمية هذه المسألة، ها هم اليوم يجرّبون
سُبلاً وأساليب أخرى.
... على فتات موائد الحكومات
علماً بأن الساسة الأمريكيين قد توصّلوا بحكم التجربة إلى ضرورة عدم
الإعلان عن آرائهم، لأنهم كلما صرحوا وأظهروا رأيهم، عمل الناس بالعكس وعلى خلاف ما
يقولونه! ولذلك سكتوا والتزموا جانب الصمت في هذه المرة، وأعرضوا عن التفوّه بأي
كلمة، خوفاً من أنهم لو أطلقوا كلمة لعمل الناس خلافها. بيد أنّ الذين يقتاتون على
فتات مائدة الاستكبار؛ أولئك الذين ارتموا في أحضانهم، ودخلوا في زمرة المعتاشين
على موائد الحكومة الأمريكية والحكومة البريطانية، عاكفون ليلاً ونهاراً على العمل
في الإذاعات وفي وسائل الإعلام المختلفة وفي شبكات التواصل الاجتماعي وفي الشبكة
العنكبوتية وأمثال ذلك، من أعمالهم حالياً عرض استطلاعات كاذبة، استبيانات مزيفة،
والخروج منها بنتيجة أن الناس لا رغبة لهم في المشاركة بالانتخابات!
قطبية ثنائيّة كاذبة
وإن من المكائد التي تعلّموها في الآونة الأخيرة وأخذوا يمارسونها، هي
إيجاد قطبية ثنائية3 زائفة كاذبة، وهذه نقطة هامة، سأتناول الحديث عنها
بمزيد من التفصيل: قطبية ثنائية كاذبة.
الانتخابات سباق، ومن الواضح في المسابقات أن الجميع يبذل سعيه ليكون هو الفائز وهو
المتقدم. وطبيعة السباق هي الحيوية والنشاط والمثابرة وأمثال ذلك. والانتخابات سباق،
يتقدم فيه شخص ويتأخر فيه آخر، وهذا ليس عداءً وعناداً، ولا يعني حدوث قطبية ثنائية.
]والأعداء[ دوماً ما يشيعون في الإذاعات وفي شاشات التلفاز وفي وسائل الإعلام
المختلفة أجواء وجود قطبية ثنائية في الشعب الإيراني - ومعنى ذلك انقسام الشعب
والتناحر فيما بينه وعمل بعضه ضدّ بعضه الآخر -. أجل، توجد في إيران الإسلامية
قطبية ثنائية بين الثورة والاستكبار. فإن الحثالات المتبقية من فترة هيمنة
الاستكبار، وكل من يتّبعهم، ويصطفّ في الفكر إلى جانبهم، يعادون الثورة، وهذه هي
القطبية الثنائية، بيد أن عموم الشعب الإيراني قاطبة، شعبٌ ثوريّ موال للنظام
الإسلامي، عاشق للإمام الخميني وذكرياته - أولئك الذين لم يروا الإمام حتى للحظة
واحدة ووُلدوا بعد رحيله - وكلماته وصوته ووصاياه والأسس التي أسسها، فإن أغلبية
الشعب الإيراني عاشقة لهذه القيم والأصول. وهناك بالطبع ثنائية بين الموالين للإمام
وللثورة، وبين المعارضين لأصل الثورة وأساس النظام، قطبية ثنائية من هذا النمط.
علماً بأني قلتُ حتى لأولئك الذين لا يؤيدون النظام، بأنكم بالتالي تؤيّدون إيران،
فانزلوا إلى هذه الساحة في سبيل العزة الإيرانية؛ البعض يستمع لذلك والبعض الآخر لا
يستمع.
واليوم في هذه المرحلة من الانتخابات يطرحون ويروّجون للقطبية الثنائية، وهذه
القطبية الثنائية أصلها من الخارج، وأحياناً تتكرر في الداخل أيضاً، غير أن
المطّلعين على إعلام الأعداء، والذين يتابعون أقوالهم، وتصل إليهم أنباؤهم، يعلمون
بأنها نابعة منهم، وهي القطبية بين مجلس الشورى الموالي للحكومة والمجلس المعادي
للحكومة، وكأن هناك في إيران جماعة مناصرة للمجلس الحكومي، وأخرى مؤيدة للمجلس
المعادي للحكومة؛ كلا، فالشعب الإيراني لا يريد مجلساً حكومياً، ولا يريد مجلساً
معارضاً للحكومة، وإنما يريد مجلساً عارفاً بواجباته، عالماً بما يقع على عاتقه من
مهام في الدستور، ملتزماً، متديناً، شجاعاً، لا يهاب أمريكا، حريصاً على تقدم
البلاد بكل معنى الكلمة، ويعتبر التقدم مرهوناً بالتربية العلمية للشباب المستعدين
في هذا البلد وبين أبناء هذا الشعب. هذا هو المجلس الذي يطلبونه؛ مجلسٌ يشعر بآلام
الشعب ومشاكل البلاد، ويهدف إلى إزالة هذه الآلام ومعالجتها، وهذا هو المراد من
عملية التقنين والتشريع. والناس يريدون مثل هذا المجلس. فما معنى المجلس الحكومي
والمجلس المعارض للحكومة! هذه قطبية ثنائية كاذبة. ولكم أن تسألوا كل فرد من أفراد
الشعب الإيراني بأنكم تريدون مجلساً عارفاً بآلام البلاد ومسائله ومشاكل الشعب،
ويهدف إلى حلها ومعالجتها، أو مجلساً يؤيد زيداً أو عَمْراً؟ فيا ترى ماذا سيكون
جواب الناس؟ واضحٌ بأن الناس يطلبون الأول، وهذا هو الذي يهمّهم، بأن يكون مجلساً
متديناً، ملتزماً، شجاعاً، لا يقع فريسة ألاعيب العدو وحبائله، ومجلساً يكنّ
اهتمامه بالعزة الوطنية والاستقلال الوطني، ومجلساً لا يهين العزة الوطنية، ولا
يستخف بالاستقلال الوطني، ويقف أمام أطماع الاستكبار وطموحاته، وأمام أطماع القوى
التي قُطعت أياديها من إيران وباتت تبذل جهدها للعودة ثانية والإمساك بزمام السلطة
في هذا البلد؛ يريدون مثل هذا المجلس. ولقد طرحنا قضية الاقتصاد المنتج من الداخل
والقدرة الذاتية، والشعب يريد مجلساً يخصّص جهداً ووقتاً لذلك، ويعبّد الطريق له
بكل ما للكلمة من معنى، وعند ذاك تكون الحكومة مكلفة بالحركة على هذا الأساس؛ هذا
هو ما يريده الناس.
لخطط العدو وسائط؛ التغلغل!
والنقطة الأخرى التي ذكرتها قبل فترة هي أن تراقبوا العناصر المتغلغلة4،
وهذا ما أثار حفيظة البعض عبثاً، ولكنه أمر في غير محله. فقد وضع الأميركيون لما
بعد فترة المفاوضات النووية خطة لداخل إيران وخطة للمنطقة، وهذا ما كان واضحاً
لدينا واتضح أمره. فقد كانت وما زالت لهم خطتهم وبرامجهم في إيران، وكانت وما زالت
لهم خطتهم في المنطقة، وهم يسعون سعيهم ويكيدون كيدهم، ويعلمون من الذي يقف أمام
أهدافهم الخبيثة في المنطقة بقوة واقتدار؛ هذا ما يعرفونه جيداً. فإن كانت للعدو
خطته في داخل البلاد، ماذا يصنع؟ يستغل العناصر النافذة والمخترقة. وليس بالضرورة
أن يكون العنصر النافذ ممن يتقاضى الأموال للتسلل إلى الجهاز الفلاني عن علم منه
بما يفعل؛ كلا، بل قد يكون عنصراً مخترقاً من دون أن يعلم بذلك! ولقد قالها الإمام
الخميني (رضوان الله عليه) بأن كلمة5 العدو قد تخرج بعدة وسائط من فم
أشخاص وجهاء ولهم شأنهم! وكان الإمام بصيراً ذا تجربة وخبرة. فالعدوّ يقول شيئاً،
ويطلب شيئاً، فيوظّف شتى الوسائل، ويستخدم عدداً من الوسائط، ليخرج مطلبه على لسان
الشخص الفلاني الذي له مكانته واحترامه من دون أن يتقاضى مالاً من العدو، أو أن
يلتزم للعدو بأي بشيء. ألم نشهد هذه المسائل؟ ألم نجرّب هذه القضايا؟ ألم نرَ في
مجلس الشورى الإسلامي هذا نائباً رمى النظام بتهمة الكذب! قائلاً بأننا نكذب على
العالم لعشر سنوات أو ثلاث عشرة سنة، وذلك من على منبر مجلس الشورى الإسلامي! على
هذا المنبر العام! فإنه بالتالي أخذ يكرر كلام العدو، لأن العدو كان يقول لنا بأنكم
تكذبون! وإذا بشخصٍ من عندنا يتهم النظام بالكذب! أفلا يعتبر هذا عنصراً مندساً؟
وقد لا يعلم هو بذلك.
لقد كان لدينا مجلسٌ، في خضم المفاوضات النووية الساخنة والعصيبة، وفي الفترة التي
كان فيها رئيس الجمهورية المحترم الحالي رئيساً على الفريق المفاوض الذي كان يبذل
جهوده ويباحث بقوة ويجادل الأطراف التي تواجهه ويكافحهم في حقيقة الأمر لإثبات ما
تقوله إيران، وإذْ يُطرح في المجلس مشروعاً فورياً للغاية تأييداً لكلام الطرف
الآخر! وفي ذلك الوقت، قام رئيس الفريق المفاوض، وهو رئيس الجمهورية المحترم
الحالي، غاضباً معاتباً قائلاً: نحن نناضل في ذلك المكان، والسادة هنا يطرحون
مشروعاً يصب في مصلحة العدو. فإن لم يكن هذا نفوذاً واختراقاً فما هو إذاً؟
وهل يظهر الاختراق واضحًا صريحًا، حتى يثير مجرّد طرح هذا الموضوع ثائرة البعض
معترضين لماذا وكيف قلتم نفوذ وتغلغل؟ لماذا تكررون مسألة الاختراق والنفوذ؟ ولهذا
لا بد من توخي الحيطة والحذر.
التشكيك بامتداح العدو؛ قاعدة أصيلة
إذاً فالعدوّ يصبو إلى النفوذ والتغلغل، ولكن من الذي يجب عليه أن يكون
منتبهاً مراقباً؟ يجب على الناس أن يراقبوا عن وعي، وكذلك على المسؤولين والسياسيين
والشخصيات السياسية أن تضاعف من رقابتها. وذلك من خلال منع العدو من تحقيق أهدافه
التي يعلمون بها. فإن شاهدتم العدو يتكلم بكلمة من أجل إيجاد الانقسام والتفرقة،
كأن يقوم بامتداحكم، وهو يهدف من وراء ذلك الى بث الشك والتردّد، لأن العدو ليس
بصديقكم، فإن رأيتم العدو يستخدم هذه المكيدة، أعلنوا براءتكم منه على الفور ومن
دون تريّث، وقولوا لا نريد ذلك. فإنكم القائلون بأن العدو يريد من هذا العمل إثارة
الشقاق وشق الصفوف، لا تذروا الشك والتردد يتغلغل إلى أذهان الناس. هذه أمورٌ لا بد
من التنبّه لها. فلنرجع إلى كلمات الإمام الخميني الذي كان يقول إذا امتدحكم العدوّ،
شكّكوا في سلوككم وأعمالكم، وراجعوا أنفسكم لتروا ما هو الخطأ الذي ارتكبتموه حتى
أثار إعجاب العدو وأدى إلى امتداحه لكم؟ هذا أصل وقاعدة للثورة، وعلى هذا يجب العمل
والتقدّم إلى الأمام، لا ينبغي التغافل عن ذلك. فإن إدارة البلاد ليست بالعمل
الهيّن، وتسيير شعبٍ بهذه العظمة والبسالة ليس بالعمل البسيط الصغير، ولهذا تجب
المراقبة والحذر، ويجب التحرك بأعين مفتوحة وبعزيمة راسخة أمام العدو. وهذه بدورها
نقطة هامة طرحتها عليكم.
عدم تكرار أدبيات العدو
والنقطة الأخرى هي أن لا نستخدم أدبيات العدوّ السياسية، وهذه مسألة
أؤكّد عليها بالخصوص للسادة الأعزاء ولإخواننا المحترمين العاملين في القطاعات
المختلفة السياسية والحكومية وغيرها، وأطالبهم بألا يستخدموا أدبيات العدو. فإن
أعداء الثورة ومنذ اليوم الأول أخذوا يستخدمون تعبير «المتشدّد» و«المعتدل» أو
الوسطي، قائلين بأن فلاناً من المتشددين، والتيار الفلاني متشدد، والتيار الفلاني
معتدل. ولقد كانوا بالأمس يعتبرون الإمام الخميني العظيم، واليوم يعتبرونني أنا
العبد الحقير أكثر تشدداً من الآخرين. والمعتدل مفردة جميلة، غير أن الإسلام لا
يتحدث بهذه الطريقة، فلنفهم المعارف الإسلامية. إن الإسلام يناصر الاعتدال ويؤيد «الوسطية»:
﴿وَکَذلِكَ جَعَلنٰکُم أُمَّةً وَسَطًا﴾6. ولكن ما هو «الوسط» في
الإسلام؟ هل يقابل المتطرف والمتشدد؟ كلا، بل يقابل المنحرف: «اَلیَمینُ وَالشِّمالُ
مَضَلَّةٌ وَالطَّریقُ الوُسطیٰ هِيَ الجادَّة»7، كما ورد في نهج
البلاغة. والطريق الوسطى هي الصراط المستقيم. فلو انحرفتم عن هذا الصراط المستقيم
إلى اليمين أو إلى الشمال فقد خرجتم عن الحدّ الوسط. إذاً فالمعتدل لا يقابل
المتشدّد، بل يقابل المنحرف. والخارج عن حدّ الاعتدال هو المنحرف عن الصراط
المستقيم وعن الجادة، وأما في وسط الجادّة فالبعض يمشي متسارعاً والبعض الآخر
متباطئاً، والتشدد والتسارع في الصراط المستقيم ليس بالأمر السيّئ:
﴿سابِقوا إِلی
مَغفِرَةٍ مِن رَبِّکُم﴾8، وحُثّوا الخطى نحو الأمام.
ثم إن أولئك الذين يتحدثون اليوم خارج حدود البلاد عن المتشددين، يقصدون معنىً
ومفهوماً خاصاً. وليحذر أعزاءنا وإخواننا في الداخل من أن لا يكّرروا مقصودهم على
ألسنتهم. فإن أولئك الذين يتحدثون عن المتشددين، يقصدون بهم العاقدين عزمهم
والثابتين في طريق الثورة أكثر من غيرهم، ويعنون بهم الحزب اللهيين، كما ويقصدون
بالمعتدلين، هم الذين يستسلمون أمامهم. ففي الخطاب السياسي الأمريكي والبريطاني
وأمثالهما، يرد المتشدد والمعتدل بهذا المعنى، فالمتشدد هو الملتزم بمبادئ الثورة،
والمعتدل هو المستسلم لمطالبهم وإرادتهم. ولكن من ذا الذي يستسلم أمامهم؟ إنهم
ولحسن الحظ يعترفون بأنفسهم ويقولون لا يوجد إنسان معتدل في إيران، والكل متشدد.
وهو كلام صحيح، إذ لا يوجد في الشعب الإيراني من يؤيّد التبعية لهم. فقد تكون هناك
غفلة، وقد تزلّ الأقدام، وقد يُخطئ البعض، لكن كل أبناء الشعب الإيراني يؤيدون
الثورة ويتبعون نهجها ويتمسكون بمبادئها بإصرار واستقامة، وهذا ما يعبّرون عنه
بالتشدّد والتطرف. فلماذا نكرّر نحن قولهم؟ إنهم يصفون "داعش" أيضاً بالتشدد، فهل
تنظيم"داعش" متشدد؟ داعش منحرف عن الإسلام وعن القرآن وعن الصراط المستقيم. لا يوجد
لدينا متشدد بهذا المعنى. فلنلتفت لأن لا نكرّر أدبيات العدو التي يستخدمها ويقصد
منها معنىً خاصاً.
أنتم تنتخبون لأنفسكم!
وأستعرض نقطة أخرى وهي النقطة الأخيرة. أيها الإخوة الأعزاء! أيتها
الأخوات العزيزات! يا أبنائي الأحباء! أيها الشباب! إن كل من ما تنتخبونه فأنتم
تنتخبون لأنفسكم. انتخابكم الجيّد يعود بالنفع إليكم، وانتخابكم الناتج عن غفلة
والذي يؤدي إلى نتيجة سيئة، يعود شرّه لكم أيضاً، وهذه هي ميزة هذا العمل. فإنكم
تقومون بعمل باختياركم وإرادتكم، فاجهدوا لأن تنجزوه بشكل صحيح. إن قمتم بعملكم هذا
بصحة ودقة، ستربحون فائدتين: الأولى أن الله سبحانه وتعالى يرضى عنكم لكونكم أنجزتم
العمل بصورة صحيحة، والثانية أن عملكم غالباً سيؤدي إلى ثمرة وفائدة ونتيجة صحيحة.
من الممكن أيضاً إن قمنا بهذه المهمة بالحيطة والدقة، ألا نبلغ النتيجة المرجوّة،
ولكن يبقى ذلك الأجر الأول على حاله، فإنكم إن أنجزتم هذا العمل بدقة وبصيرة، سوف
يتقبله الله تعالى منكم، حتى ولو بدر منكم خطأ أثناء العمل، وأما إذا قمتم بهذه
العملية من دون توخي الدقة، فإن الله سوف لا يرضى عنكم، وسيقلّ احتمال مطابقتها
للحق.
... واعلموا أنّ النصر النهائي لهذا البلد!
حين تشاركون بالانتخابات، انتخبوا عن معرفة، تأكدوا أولاً لتثقوا بدين
المرشحين والتزامهم ووفائهم للثورة وثباتهم في سبيل الثورة وعزمهم وإرادتهم
وشجاعتهم وعدم خوفهم من الأعداء ثم صوّتوا لهم، سواء أكان في انتخابات مجلس الشورى
الإسلامي أو انتخبات مجلس خبراء القيادة، ولا فرق بينهما، فكلاهما يتسمان بالأهمية،
ولقد تحدثتُ فيما مضى عن أهميتهما. وفيما لو لم تعرفوا [المرشحين]، لا تقولوا بأننا
لا نعرفهم إذاً لا نصوّت؛ كلا، بل راجعوا أولئك الذين تثقون بدينهم والتزامهم
وبصيرتهم واسألوهم في هذا المجال؛ هذا هو سبيل الحلّ.
إذاً فالطريق واضح، والهدف جليّ، والواجب والتكليف بيّن، والإنجاز عظيم أيضاً. فإذا
ما نهض الإنسان بهذا الإنجاز العظيم وهذا العمل الإلهي بشكل صحيح -
﴿إِن تَنصُرُوا
اللهَ یَنصُرکُم﴾9– وحثّ خطاه في سبيل نصرة الله، سوف ينصره الله سبحانه
وتعالى لا محالة. عندئذ ستكون نتيجة الانتخابات - كيف ما كانت - نتيجة تعود بالنفع
إلى البلاد إن شاء الله. واعلموا - وهذا ما أعتقد به عقيدة راسخة - بأنه رغم كل
الجهود التي يبذلها العدو بصورة متواصلة على مدى سبعة وثلاثين عاماً للنيل من
الثورة، وقد تقدمت الثورة والبلاد رغم أنفه، اعلموا بأن الله سبحانه وتعالى في
المستقبل أيضاً قد قدّر لكم أنتم الشعب الإيراني ولهذا البلد النصر النهائي، وأنكم
سوف تصلون إلى النتيجة المرجوة بإذن الله، وإن الله عز وجل سوف يهزم أعداءكم، وأن
العدوّ لن يستطيع تسديد أي ضربة لهذه الثورة ولهذا النظام الإسلامي بفضل الله.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرفع من درجات شهدائنا الأبرار وإمامنا الخميني العظيم
الذي فتح لنا هذا الطريق، وأن يمنّ على الشعب الإيراني بالتوفيق في جميع قضاياه،
وبالأخص في هذا الاستحقاق الذي سيؤديه بعد يومين.
والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته
1- إمام جمعة نجف
آباد.
2- الشهيد أحمد كاظمي، قائد القوة البرية في حرس الثورة الإسلامية.
3- ـ أو ستقطاب ثنائي
4- أو المندسة والنافذة
5- أي مراد العدو وشعاراته
6- سورة البقرة؛ جزء من الآية 143.
7- نهج البلاغة الخطبة 16
8- سورة الحديد، جزء من الآية 21.
9- سورة محمد؛ جزء من الآية السابعة.