كلمة الإمام الخامنئي في لقاء التلاميذ والطلاب الجامعيّين بمناسبة اليوم الوطني لمكافحة الاستكبار 1395/08/12 ه ش (2/11/2016م)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة
والسلام على سيدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد وآله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيّما
بقية الله في الأرضين.
إنّه لقاء نوراني جدًّا بحضوركم أيها الشباب والناشئة؛ انعكاس الأنوار الإلهية على
قلوب الشباب النورانية، قلوب الشباب الصافية، يتلألأ وينوّر الأجواء، فينتفع أمثال
(العبد) الحقير أيضًا من صفاء قلوبكم وتلألؤ الأنوار الإلهية على قلوبكم الطاهرة
أجمل الترحيب وأهلًا وسهلًا؛ لقد بدأتم اللقاء أيضًا بشكل جيد جدًّا، هذه التلاوة
الرائعة والمحترفة كـ[تلاوة]الأساتذة، التلاوة الجميلة لأخينا العزيز، وكذلك الآيات
التي قد اختارها، ثم إلقاء هذا النشيد الجماعي الجميل – فهو جيد في المضمون وجميل
في اللحن أيضًا- وبحمد الله فقد تعطّر اللقاء بعطر إبداعاتكم الشبابية.
يوم مكافحة الاستكبار؛ يوم الشباب
حسنًا، هذا اللقاء بمناسبة 13 آبان (3 تشرين الثاني)، وهو تاريخ تتقاطع
فيه أحداث عدة؛ نفي إمامنا العظيم من إيران، مجزرة قتل نظام الشاه لتلاميذ المدارس
في شوارع طهران؛ ولكن الحدث الذي أبرز هذا اليوم أكثر من غیره هو احتلال السفارة
الأمريكية, والأصح أن نقول: وكر التجسّس الأمريكي. ولهذا فقد أطلق على هذا اليوم في
بلدنا "يوم مكافحة الاستكبار"؛ وبرأيي، مع أنّ هذا الاسم صحيح، إلا أنه "يوم
الشباب" أيضاً؛ يوم الشباب المؤمن، الشباب الثوري، الشباب الشجاع الباسل، الشباب
المبدع الذي ينطلق ليقوم بما يمنع العدو من الحركة وابتكار العمل. وبهذا المعنى فهو
"يوم الشباب".
الثورة الثانية!
لقد مضت سنوات على ذلك اليوم (استيلاء الشباب الإيراني للسفارة
الأمريكية في طهران)، لكن معناه باقٍ. حين تسمعون أنّ الإمام(قدّس سرّه) قد أطلق
على هذه الحركة اسم الثورة الثانية، فإنّ هذا له معنًى ودلالة عميقين؛ فمنذ الساعات
الأولى لانتصار الثورة، بل حتى قبل الثورة، كان العدو يعدّ لمؤامرة ضدّها. لقد أرسل
الأمريكيون وقبل أيام من انتصار الثورة، أحد الأشخاص إلى طهران لعلّه يتمكّن من
القيام بانقلاب يُفشل بواسطته حركة الشعب. وبالطبع فإنّه لم يستطع ذلك. ثم قاموا
بعد انتصار الثورة بأنواع وأشكال المحاولات والأعمال؛ سواءٌ الأعمال السياسية
الرسمية والمواقف التي اتخذها مجلس الشيوخ الأمريكي في الأيام الأولى ضد الجمهورية
الإسلامية، حيث أعلن العداوة والحظر والعقوبات على إيران –وكانت هذه مواقف وأعمال
رسمية وعلنية- أو الأعمال غير العلنية، حيث اتصل الأمريكيون بعملائهم وجماعاتهم
داخل البلاد، علّهم يتمكّنون من إشعال نار الفتنة بين القوميات المتعدّدة ليقع
الصراع بين فئات الشعب نفسه، لكنهم تلقّوا صفعة مدوّية؛ حيث وقفت قومياتنا نفسها
–عربنا وأتراكنا وأكرادنا ولورنا وتركماننا الذين كانوا هدفًا لهذه المؤامرة- في
مواجهة أمريكا وكذلك قام الشباب المؤمن، الذي لم يكن قد اتّخذ لنفسه في تلك الأيام
اسم "حرس الثورة"، قام الشباب وأفشل المؤامرة الأمريكية. بناءً على هذا، فإنّ
الأمريكيين قد بدأوا عدوانهم منذ الساعات الأولى للثورة وكل هذا كان مضافًا إلى
الأعمال التي كانت تجري داخل سفارة أمريكا هنا في طهران.
لماذا لا يوجد أثر لهذه الوثائق في مناهجنا؟
بعد أن نهض شبابنا وقاموا باحتلال هذا المركز وبجهد كبير استطاعوا إعادة
تجميع وتلصيق تلك الأوراق والوثائق التي كانت قد تمزقت في آلات تلف الأوراق،
فأعادوا جمعها وأصدروها في كتب، حينها عُرف حجم ونوع المؤامرات التي كانت تخطّط
طوال تلك المدة داخل السفارة الأمريكية. لقد بلغت تلك الوثائق حوالي السبعين
كتابًا! هل قرأتم هذه الكتب؟! لماذا لا يوجد أي أثر لمختارات من محتويات هذه الكتب
في مناهجنا التعليمية؟ في مدارسنا وثانوياتنا وجامعاتنا؟ لماذا؟ إنّ هذا أحد
اعتراضاتي، فوزير التربية والتعليم الجديد المحترم (1) حاضر في هذا اللقاء؛ لماذا
لا تضعون معلومات هذه الكتب ضمن الكتب الدراسية؟ لماذا لا تدعون جيل شبابنا وجيلنا
الجديد يفهم ويعرف ماذا فعلت أمريكا هنا وكم حاكت من المؤامرات؟
لقد كانت حركة الطلاب باحتلال السفارة ردة فعل على كل هذه الأحقاد الخبيثة وقد
تكلّلت حركتهم بالانتصار؛ أي أنها منعت حركة القوة العظمى الوقحة والمتسلّطة
لأمريكا داخل البلاد؛ الثورة تعني هذا. تلك القوة العظمى التي كانت قد اعتادت طوال
25 عامًا، 30 عامًا، أن تقوم بكل ما يحلو لها في إيران، فكانت تعدّ إيران ملكًا
لها؛ دولةً وحكومةً وملكًا ونفطًا ومعادن ومستقبلًا! كل شيء كان لها وقد سُلب الآن
منها، وتريد الهجوم والانتقام، فإذا بها ترى كيف وقف الشباب وصدّوا هجومها ومنعوها
من الحركة، وكيف صمد الشعب الإيراني وكان الإمام العظيم هو قائد هذه الحركة الكبرى.
أنا العبد على اطّلاع دقيق على تفاصيل أحداث ذلك اليوم؛ لقد ذهبت مرارًا وتكرارًا
في تلك الأيام إلى وكر التجسّس؛ ذهبنا وجلسنا وتحدّثنا مع الشباب الذين كانوا هناك
ومع الآخرين، في مجلس قيادة الثورة –حيث كنت عضوًا في قيادة الثورة في تلك الأيام-
وأعرف كم هي التحركات والمداخلات التي جرت هنا وهناك لإفشال هذه الحركة؛ لكن الإمام
وقف صامدًا. يا أعزائي هذه هي قضية أمريكا!
خطأين للتصحيح..
أريد اليوم أن أصحّح خطأين؛ حيث يتمّ حاليًّا بثّ ونشر هذين الخطأين في
أوساط الناس والرأي العام. العامل الأول لهذا النشر والترويج هو الاستكبار وأمريكا
بالدرجة الأولى؛ وفي الدرجة الثانية هناك بعض الأشخاص في الداخل؛ من الذين – وأنا
لا أتهم الجميع- بعضهم مرتبط بأجهزة المخابرات والشبكات التجسسية أو السياسية أو
المراكز الأمريكية الخاصة، وبعضهم ليس كذلك، فهو ليس مرتبطا ولا تابعًا؛ بل من
الذين ملّوا وتعبوا، من النادمين على تاريخهم الثوري، من الذين شمّوا رائحة الدنيا
وملذّاتها. أولئك يضخّون هذا الفكر وهذين الخطأين إلى هؤلاء الذين يقومون بدورهم
بنشره وترويجه على المنابر المختلفة والمواقع المتنوعة؛ داخل الجامعات وخارجها، في
المطبوعات والأماكن المختلفة. أنا اليوم أريد تصحيح هذين الخطأين.
الخطأ الأول؛ أنهم يروّجون أنّ الإمام حين قال
"أفرغوا كل ما لديكم من صراخ على رأس أمريكا (2) - هذا الحكم لا زال مستمرًا اليوم
أيضًا- فإنه قالها نتيجة التعصّب والعنفوان؛ أي أنه لا يوجد منطق قوي يدعم هذا
الكلام؛ إنهم يريدون ترويج هذا الأمر. يريدون القول: إنّ شبابنا وثوريّينا وشعبنا
ومسؤولينا الذين ينهضون ويقفون مقابل أمريكا ويفضحون مؤامراتها وخططها، إنما هم
أناس متعصّبون وأفعالهم ناشئة عن الحميّة الجاهلية والتعصّب؛ هذا ما يهدفون إلى
بيانه. والحال أنّ القضية هي على العكس من هذا بنسبة 180 درجة. حين قال الإمام
الخميني: "كل ما لديكم من صراخ أفرغوه على رأس أمريكا"، فإنّ هناك منطقًا محكمًا في
هذه القضية، وهو أنّ أساس سياسة أمريكا قائم على التوسّع والسيطرة والتطاول على
الآخرين. تاريخ أمريكا والذي مضي عليه حتى الآن 250 سنة يدلّ على هذا الأمر –بالطبع
كان الأمر أخفّ في البداية ولكنّه منذ حوالي المئة عام أو أقلّ بقليل صار أوضح
بكثير- وهو أنّ السياسة العامة لأمريكا تقوم على تأمين أمنها الداخلي بواسطة
التطاول والتدخّل في بلدان العالم واحتلال مناطق كثيرة؛ هكذا يعملون؛ هذه هي
سياستهم. وقد مارسوا هذه السياسة في منطقة غرب آسيا، وفي إيران في زمان الطاغوت،
وكذلك في البلاد المحيطة بنا، وكانوا يتنازعون مع الاتحاد السوفياتي السابق على هذه
القضية –هم يشدون لجهتهم وهو يشدّ لجهته- وقد كانت إيران خاضعة للنفوذ الأمريكي.
كان يكفي القليل من الغفلة بعد انتصار الثورة، ليعود العدو إلى بلدنا من النافذة
بعد أن طردناه من الباب! الإمام لم يسمح بهذا ومنع تحقّقه.
حين قال: "اصمدوا في وجه أمريكا وكل ما لديكم من صراخ أفرغوه على رأس أمريكا"، فهذا
يعني الدفاع عن القيم؛ ليس فقط دفاعًا عن القيم الخاصة بالمسلمين؛ بل دفاعًا عن
القيم الإنسانية. اليوم وباعتراف الأمريكيين أنفسهم، فإنّ الحكومة الأمريكية
والنظام الأمريكي بعيدان فراسخ عن القيم الإنسانية.
مرشحا أمريكا يفضحون أمريكا
هل شاهدتم هذه المناظرة بين مرشّحَي رئاسة الجمهورية في أمريكا (3)؟ هل
رأيتم وسمعتم تلك الحقائق التي يطلقانها على ألسنتهما؟ إنّ هذين المرشّحين قد فضحا
أمريكا. لقد قالا أضعاف الأشياء التي كنّا نقولها نحن وكان بعضهم لا يصدقها ولا
يريد أن يصدقها. واللافت للنظر أنّ الذي يتكلم بصراحة أكثر قد نال اهتمام وتأييد
الأمريكيين أكثر؛ لأنّ ذلك الرجل تحدّث بشكل أوضح وأكثر صراحة، فإنّ الشعب الأمريكي
قد انجذب إليه بشكل أقوى. قالت منافسته إنه يمارس خداع العوام والجماهير وإنّ هذا
بوبوليستي (4)؛ ونهج العوام! لماذا نهج العوام؟ لأنّ الناس يستمعون إلى كلامه
فيجدونه صحيحًا! فهم يشاهدون هذا في وقائع حياتهم المُعاشة. إنّ القيم الإنسانية
قضي عليها وسُحقت بالأقدام في ذلك البلد؛ حيث يوجد هناك تمييز عنصري. منذ أيام قال
هذا الرجل في حملته الإعلامية الانتخابية: "إنكم إن كنتم من ذوي البشرة الملوّنة،
من البشرة السوداء أو الهنود الحمر، وتسيرون في شوارع نيويورك وشيكاغو وواشنطن
وكاليفورنيا وغيرها؛ لا يمكنكم الاطمئنان والتأكد من أنكم ستبقون أحياء بعد عدة
دقائق!" انظروا! هذا الكلام يطلقه من يتوقّع أنه بعد أيام سيدخل البيت الأبيض ويقود
أمريكا. هذا هو التمييز العنصري في أمريكا!
كذلك تحدّث عن فقر الأمريكيين؛ قال إنّ هناك 44 مليون جائع في أمريكا. هو قال
والآخرون كذلك قالوا إنّ أقل من واحد بالمئة من الشعب الأمريكي يملك تسعين بالمئة
من ثروة أمريكا. تمّ الدوس على القيم الإنسانية هناك؛ التمييز العنصري والصراعات
والتعصّب العنصري، ونقض حقوق الإنسان. ما تصرخون به من شعار "الموت لأمريكا" وما
قاله الإمام "كل ما لديكم من صراخ أفرغوه على رأس أمريكا"، يعني الموت لهذه
الأشياء، ولأجل هذا قال الإمام تلك العبارة.
كل هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك عامل مهم آخر، هو أنّ الأمريكيين ومنذ الأيام
الأولى للثورة، ساهموا في التحضير لضربة كبرى ضد الشعب الإيراني، حيث استقبلوا محمد
رضا (الشاه) كي يحافظوا عليه ومن ثم يهيّئوا الأرضية والشروط المناسبة فيقوّون
عملاءهم هنا، ويكرّرون ما قاموا به في 28 مرداد عام 1332ه.ش. (1953م.) -أي قبل 25
سنة منذ ذلك الزمان- حيث كان محمد رضا قد هرب من إيران أيضًا في 28 مرداد؛ فتعاون
الأمريكيون والإنكليز معًا وتسللوا سرّا إلى داخل البلاد، استخدموا السفارات
المختلفة، وجهّزوا جماعاتهم واستغلّوا غفلة الشعب في ذلك الحين وأعادوا محمد رضا
إلى الحكم، وتسبّب ذلك باستمرار نهب هذا الشعب وإعادة إذلاله وقمعه لمدة 25 سنة
أخرى. لقد كانوا يريدون تكرار هذا السيناريو مرة أخرى ولكن الإمام وقف سدًّا منيعًا
في وجههم، حيث أيقظ الشعب الإيراني الذي نهض وصمد وقاوم. وبناءً على هذا، فإنّ هذا
الشعار ضد أمريكا، وهذا الصراخ في وجه أمريكا ليس تعصّبًا وليس ناشئًا عن الجهالة
والعناد؛ بل هو قائم على المنطق ومستند إلى أساس فكري وقاعدة منطقية متينة. وعليه،
فليعلم شبابنا الأعزاء وليعلم أيضًا كل الذين يكتبون ويتحدثون ولديهم منابر للكلام
–منبر المطبوعات، منبر الجامعة، منبر الصف، المنابر المتعددة- فليعلموا ويلتفتوا
جيدًا، لهذا كان شعبنا يطلق الشعارات ضد أمريكا اليوم وخلال أكثر من ثلاثين سنة
مضت، فإنه يستند إلى منطق متين وقوي.
طوال هذه السنوات، تعرّضنا لحرب الأعوام الثمانية من قبل صدام، وكان الأمريكيّون
يقفون بكل قوة خلف صدام لدعمه ومساعدته بكل ما يستطيعون. لقد شهر الأمريكيون عداءهم
بعد الحرب بشكل آخر، وقبل الحرب بشكل مختلف، خلال الحرب بشكل، وحتى اليوم بشكل آخر،
في قضية برجام (الاتفاق النووي) بشكل ثانٍ وما بعد برجام بشكل مختلف. قبل أيام صرّح
ذلك السيد المفاوض الأمريكي (5) بشكل واضح وصريح –وقد بثّ تلفازنا أيضًا كلامه-
قائلًا إننا قد فرضنا أنواعًا من الحظر والعقوبات على إيران بعد برجام أيضًا. هذه
هي أمريكا. إنّ وقوف الشعب الإيراني في وجه أمريكا هو وقوف مستند إلى منطق قوي.
وعليه؛ فالخطأ الأول أنهم يريدون الإيهام أنّ الناس تواجه أمريكا تعصّبًا وعنادًا.
والقضية هي عكس ذلك في الواقع؛ لقد واجه الناس أمريكا اعتمادًا على المنطلق المتين.
هذا تصحيح الخطأ الأول.
الخطأ الثاني؛ هو الفكرة الغلط والخاطئة وخطأ
التي يبثها الأمريكيين، وهناك أشخاص يروّجون له في الداخل، وهو أخطر من الخطأ
الأول، وهو أننا إذا تصالحنا مع أمريكا فإن مشاكل بلدنا سوف تُحل.
إن هذا من الأخطاء العجيبة الغريبة والبالغة الخطورة. يقولون إننا إن انسجمنا مع
أمريكا سوف تُحل مشاكل البلاد. حسنًا، يمكن الآن تعداد عشرة أدلة بأن هذا الكلام
غلط وأنه كذب وخداع. إنّ المصالحة مع أمريكا لا تحل مشاكل البلاد بأي وجه من
الوجوه؛ لا المشاكل الاقتصادية ولا المشاكل السياسية ولا المشاكل الأمنية ولا
المشاكل الأخلاقية؛ بل إن الأوضاع ستصبح أسوأ وأصعب.
يوجد عشرة أدلة، بل خمسة عشر دليلًا على هذا ويمكن تعدادها وتبويبها في هذا المجال؛
آخر هذه الأدلة ما حدث في مسألة "برجام" هذه. لطالما قلت وكرّرت القول خلال
المفاوضات إنّهم ناكثون للعهود وإنّهم كاذبون ولا يلتزمون بما يقولون؛ إنكم ترون
الآن ماذا يجري!
اليوم، لست أنا فقط من يقول إنّهم ناكثون للعهود؛ بل مسؤولو البلاد المحترمون،
المفاوضون أنفسهم الذين بذلوا كل هذه الجهود، وعملوا خلال سنة وعدة أشهر، الذين
ذهبوا وفاوضوا وأجروا المباحثات؛ كانوا يبقون لأيام وأسابيع خارج البلاد، وراء
طاولة المفاوضات، تعبوا وتصبّبوا عرقًا وبذلوا جهودًا مضنية، ها هم اليوم يقولون
هذا الكلام: إنّ الأمريكيين قد نقضوا العهود والاتفاقات.
في هذا اللقاء الذي عقد بين وزراء الخارجية في نيويورك قبل حوالي الشهر (6) وشارك
فيه وزير خارجيتنا المحترم وكانوا هم أيضًا ضمن اللقاء، قام وزير خارجيتنا وطرح
عليهم لائحة ادعاء واتهامات كبرى، قال إنّكم قمتم بذلك العمل الذي لم يكن يجب أن
تقموا به، ولم تعملوا ما كان يجب أن تعملوه؛ أورد لائحة ادعاء واتهام، ولم يكن
لديهم أي جواب؛ حسنًا، هكذا هم هؤلاء؛ تعالوا نتفق حول سورية، تعالوا نتفق حول حزب
الله، نتفق حول أفغانستان وباكستان؛ حول العراق، تعالوا نتصالح ونتوافق حول المسائل
الداخلية، مع من؟ مع أولئك الذين لا يتوقفون لحظة واحدة عن الاعتداء والتآمر؟! إنّ
هدفهم منع هذا الشعب من الوصول للرشد و التقدم، هدفهم أن لا يسمحوا بحل المشاكل
الاقتصادية لهذا البلد، وبعد هذا يأتون لمساعدتنا في حل المشاكل؟
أولًا، إنّ هذا الطرف كاذب، مخادع، ناقض
العهد، يطعن بخنجره في الظهر في الوقت الذي يصافح بيدٍ، فإنهم وكما يقولون هم:
يمسكون الحجر باليد الأخرى ليضربوا به رأس الطرف المقابل لهم. إن غريمنا هو شخص
كهذا.
ثانيًا: أمريكا هي من يريد حل مشاكل الشعب
الإيراني؟ أمريكا نفسها تمر بأزمة، لماذا لا يقولون هذا؟ أمريكا الآن في أزمة، أزمة
اقتصادية، أزمة عالمية، أزمة سياسية، أزمة أخلاقية، أمريكا نفسها غارقة في الأزمات.
ديون الحكومة الأمريكية حاليًا تبلغ ما يساوي الإنتاج غير الصافي لكل أمريكا
تقريبًا! هذه علامة الأزمة، هذا ما يقوله علماء الاقتصاد، يقولون عندما تقترب ديون
دولة ما إلى قيمة الإنتاج غير الصافي للبلد، فإن هذه الدولة في أزمة، واقتصادها
يصبح اقتصادًا متأزما؛ هكذا هو وضع أمريكا اليوم. تبلغ قيمة ديونها ما يقارب الستين
وأكثر من ستين بالمئة من الإنتاج الوطني غير الصافي؛ هذه تريد أن تساعد أحد؟! إنها
تريد أن تنهب الثروات وتمصّ الموارد كي تنقذ نفسها، هذه تريد أن تأتي لتساعد اقتصاد
بلدٍ ما؟ هذا في المجال الاقتصادي. كذلك فهم يتعرّضون لأزمة على الصعيد السياسي.
اليوم وبدون أي استثناء، في كل مكان في العالم- ضد النظام والحكومة، فإن شعاره هو
"الموت لأمريكا"؛ في يوم من الأيام كان شعار "الموت لأمريكا" مختصًّا ببلدنا فقط؛
أما اليوم، ففي منطقة غرب آسيا وفي منطقة شرق آسيا، وحتى في أوروبا نفسها، وفي
منطقة أمريكا اللاتينية، في أفريقيا، كل الشعوب التي تثور وتنهض، فإنّ أوّل
شعاراتها "الموت لأمريكا"؛ هذا هو الوضع السياسي لأمريكا. هل هناك أزمة أكبر من
هذا؟
خطة أمريكا لغرب آسيا
لقد كان لأمريكا خطة لمنطقة غرب آسيا. لاحظوا، أنتم لا تذكرون، مع العلم
أنّ هذا ليس من زمن طويل، بل منذ عشرة واثني عشر عامًا. ولكن أنتم شباب ولا تذكرون
تلك الأيام. قامت وزيرة خارجية أمريكا حينها وقالت "نحن نريد بناء الشرق الأوسط
الكبير"؛ أثناء قضية لبنان وحرب 33 يومًا، ذكرت اسم الشرق الأوسط الكبير. ماذا يعني
الشرق الأوسط الكبير؟ إنّهم يطلقون على منطقة غرب آسيا اسم الشرق الأوسط؛ الشرق
الأوسط الكبير، يعني المنطقة الممتدة من حدود باكستان وحتى البحر الأبيض المتوسط؛
أي إنّ تمام بلدان هذه المنطقة تشكل الشرق الأوسط. وأمريكا قد وضعت خطة عامة لتسيطر
على كل هذه البلدان وفق محورية إسرائيل؛ هذا هو معنى الشرق الأوسط الكبير. واليوم
فإنّ وضع هذا الشرق الأوسط الكبير لوزيرة الخارجية تلك – تلك السيدة المسكينة قالت
هذا الكلام (7)- قد وصل إلى درجة قد عجِزت [أمريكا]في قضية سوريا وعجزوا في قضية
العراق وكذلك في لبنان وفي شمال أفريقيا؛ وفي قضية ليبيا غرقوا في الوحول، تدخلوا
في اليمن وها هم قد فشلوا؛ هذا هو الوضع السياسي العالمي لأمريكا. هل هناك أزمة
أكبر من هذه؟ أمريكا هذه تريد أن تأتي لمساعدتكم؟ أمريكا هذه تريد أن تأتي لتحل
مشاكل البلاد؟
إيران تتألق.. وهُم في أزمة!
أما نحن ففي النقطة المقابلة، الشكر لله؛ هذا عمل الله؛ هذا لطف الله
حيث وهب الشجاعة لهذا الشعب، منحه البصيرة، والاستقامة، فتحمّل المشاكل، استطاع
رجال ونساء هذا الشعب المؤمن أن يتقدموا ويتحركوا بطريقة جعلت الشعب الإيراني اليوم
عزيزًا مرفوع الرأس في هذا الشرق الأوسط، في العراق، في سوريا، في لبنان، في اليمن،
في منطقة الخليج الفارسي، وأينما نظرتم، ترون أن إيران ذات وجه متألق مشرق، [وهم]
يتعرضون لأزمة على الصعيد الاقتصادي، وكذلك على الصعيد السياسي وعلى الصعيد العالمي
وفي مجال الأخلاقي كذلك. بالنسبة للوضع الأخلاقي سواء المجالات المتعلقة بالأخلاق
الجنسية أو مسائل الفساد المالي – وبالطبع فهو أقل بكثير من الواقع الحقيقي- وكذلك
ما يصرح به حاليًا هذان المرشحان المحترمان لرئاسة جمهوريتهما (8) واللذان سيصبح
أحدهما بعد عدة أيام رئيسًا للجمهورية ويدخل البيت الأبيض، لا شك أنهما لا يتكلمان
جزافًا؛ هما متنافسان وخصمان، لكنهما وضعا يديهما بيد بعض وتعاونا على فضح أمريكا
وإراقة ماء وجهها وقد نجحا في هذا أيضًا (9). كيف يريد بلد كهذا أن يساعد إيران؟
لماذا يضعون هذه الفكرة الخاطئة في الأذهان بأنه "إذا أصلحنا مشاكلنا مع أمريكا
واتفقنا معها، فسوف تحل مشاكل البلاد"؟ كلا يا سيدي العزيز! إن التوافق مع أمريكا
لا يحل مشاكل البلاد، بل يزيد هذه المشاكل؛ إن كان لدينا مشاكل سياسية أو اقتصادية؛
يجب علينا نحن أن نحل مشاكلنا بأيدينا، إن عليكم أنتم أيها الشباب أن تحلوا هذه
المشاكل.
جهزوا أنفسكم للمستقبل
دعوني أقول لكم بعض الكلمات أيها الشباب، أنتم أعز الناس علينا، أنتم
مثل أولادي، أنتم أولادنا، أنتم شاببنا وأهلنا، إنّ مستقبلنا بأيديكم أنتم، مستقبل
البلد بأيديكم. نحن سوف نرحل وأنتم ستبقون، أنتم ستديرون هذا البلد. أتوجه إليكم
بهذه الكلمات. يا أعزائي! أعدّوا أنفسكم للمستقبل، جهّزوا أنفسكم لإدارة هذا البلد.
إنّ علاج مشاكل هذا البلاد – سواء المشاكل الحالية أو التي سنصل لها لاحقًا، أو
المشاكل التي يواجهها أي بلد وأي شعب، وبالطبع لا يوجد بلد دون مشاكل- وحلّها رهن
بتفجّر الإرادة والاستقامة لدى الشعب؛ يجب أن تنبع الإرادة والاستقامة والعزم
الراسخ والصمود من داخل الشعب؛ أن تكون العيون ناظرة بصيرة، والثقة بالنفس قوية
ومتينة. إذا توكلنا على الله واعتمدنا على أنفسنا، ستكون روحياتنا قوية ثابتة في
المجالات العلمية والمجالات الإدارية والقيادية.
من يصنع الزمان؟؟
ما أؤكد عليه هو الروحية الثورية؛ يجب المحافظة على هذه الروحية. ما
معنى الروحية الثورية؟ معناها أنّ الإنسان الثوري، الذي يمتلك الشجاعة والمبادرة؛
أن يكون أيضا من أهل العمل، أن يبدع ويبتكر، أن يخترق الطرق المسدودة، يفكّك العقد
الصعبة، لا يخاف من أي شيء، يتمتّع بالأمل بالمستقبل، يتحرك بوضوح وأمله بالله نحو
المستقبل؛ هذه هي الثورية؛ هذا هو الإنسان الثوري، يجب المحافظة على هذه الروحية
الثورية. بعضهم يعمل عكس هذا، ويتكلم بعكس هذا، بعضهم يمارس الإدارة بعكس هذا، إنهم
يضعفون ثقة الشباب بالمستقبل، يضعفون ثقة الشباب بالثورة، يبعدون الشباب عن الأنفاس
الحارة للإمام الخميني، حسنًا؛ إنّ هذا يصبح تخريبًا! ثم يقومون بعدها بالشكوى
والتذمر من الزمان! ينوحون على هذا الزمان! من هو الذي يصنع الزمان؟! كما يقول
الشاعر صائب التبريزي: "جُرم صانع الزمان ولكنه يُنسب إلى الزمان" (10) من الذي
يصنع الزمان؟ أنا وأنتم نصنع الزمان؛ نحن صنّاع الزمان -إذا كان الزمان سيئًا- يجب
النظر إلي وإليكم؛ نحن من يصنع الزمان. عندما لا نخطو بشكل قوي وثابت، عندما نتجاهل
توصيات الإمام الخميني ونعرض عنها- [الإمام]صاحبُ النظرة الثاقبة، ذو القلب الحكيم
والفؤاد المفعم بالحكمة؛ كان يبصر جيدًا ويدرك عميقًا ويحدد المطلوب بشكل صحيح؛ لقد
أوضح لنا الطريق وأنارها؛ إن وصية الإمام في متناول أيدينا؛ حسنًا؛ من لديه حيرة
وتردد فليطالع هذه الوصية، وليَر ماذا قال الإمام- حين يُبعدُ الناس عن هذه الأصول،
وحين يُبعد الشباب عنها، عندما نسوق الشباب نحو اللامبالاة، نقود الشباب الذين
لديهم ميل للعفاف نحو اللامبالاة تجاه مسائل العفاف وما شابه، واضح ومعلوم أنّ
النتيجة ستكون سيّئة وأنّ الزمان سيخرب، بالطبع ولحسن الحظ فهم حتى اليوم لم يقدروا
على هذا، ولن يقدّروا في المستقبل أيضًا؛ شبابنا شباب ممتاز جدًا، إذا قمنا بترويج
اللامبالاة باسم الحرية، إذا ألقينا في الأذهان فكرة التوافق مع العدو والتسليم له
باسم العقل والنظرة العقلائية، فإن الزمان سيخرب ويسوء بالطبع؛ يجب متابعة هذا
الطريق بقوة وعزم.
يقول أمير المؤمنين(عليه السلام) في نهج البلاغة: "فتزيغ قلوب بعد استقامة وتضلّ
رجال بعد سلامة"(11)؛ فبعض القلوب تكون مستقيمة يومًا ما، وتسير في الطريق الصحيح
ولكنها تنحرف فيما بعد. "الزيغ" هو الانحراف والسقوط بعكس الطريق الصحيح؛ "ربنا لا
تُزغ قلوبنا" (12) التي وردت في القرآن، تعني: يا الله! لا تجعل قلوبنا تصل إلى
الانحراف وعكس الحقائق؛ لقد فهمنا جيدًا وبشكل صحيح، فلا تبتلنا بسوء الفهم
والانحراف في الفهم. فيشير أمير المؤمنين إلى أن البعض كان سائرًا على الطريق
الصحيح لكن قلبه انحرف وانعكس. لماذا تغيرت القلوب؟ إنّ الله لا يظلم أحدًا؛ نحن
الذين نتلوث بالدنيا، نتلوث بالمحبة الخاطئة، نصبح من طلاب الجاه والوجاهة، نُبتلى
بأصحاب السوء ورفاق المصالح والمنافع، نُصاب بآفة التحزب والتعصب لهذا التيار
وألاعيب التيارات. تنقلب قلوبنا وتزيغ وتنحرف عن ذلك الطريق وعن تلك الاستقامة
الأولى. "وتضل رجال بعد سلامة"، كانوا سالمين في يوم من الأيام ثم ضلوا الآن. هذه
هي الآفة والمشكلة؛ يجب الوقوف في وجهها والحؤول دونها، يجب الاستعاذة بالله منها.
وصيّتي للشباب؛ أن تنظروا بعيون واعية، أنظروا ببصيرة، لا تقبلوا أي كلام من أي
متكلم. إنّ مبدأ الحركة والثورة هو الإمام العظيم، اعتبروا كلامه حجة، طالعوا
واعرفوا ماذا كان الإمام يقول. فلا يقولنّ أحد لو كان الإمام اليوم، لفعل هذا وتصرف
بهذا الشكل؛ كلا، هذا غلط؛ نحن عايشنا الإمام وكنا معه لسنوات طوال ونحن نعرف
الإمام أفضل وأكثر من هؤلاء. لو كان الإمام اليوم، لأطلق ذلك النداء الإبراهيمي،
لكان أطلق تلك الصرخة المحطمة للأصنام اليوم أيضًا؛ تلك الصرخة التي أيقظت الشعب
وقادته نحو الثورة. حسنًا، أنتم تهتفون "الموت لأمريكا" ونحن موافقون معكم وليس
لدينا أي اعتراض على هذا.
1- فخر الدين أحمد آشتياني
(وزير التربية الجديد).
2- صحيفة الإمام، ج 11، ص 121.
3- دونالد ترامب وهيلاري كلينتون.
4- Populism "الشعبوية" نوع من الخطاب السياسي الذي يسعى لاسترضاء جماهير الشعب
والعوام ودغدغة مشاعرهم لكسب دعمهم وأصواتهم.
5- جون كيري (وزير الخارجية الأمريكية).
6- أول لقاء لوزراء خارجية إيران ودول 5+1 بعد التفاهم النووي "برجام".
7- ضحكات الحضور.
8- ضحك سماحة القائد.
9- ضحكات الحضور.
10- صائب التبريزي، ديوان الغزليات، ترجمة الشعر "يستسلم الشجاع لظلم الظالم جُرم
صانع الزمان وينسبه إلى الزمان".
11- نهج البلاغة، الخطبة 151.
12- سورة آل عمران، الآية 8.