كلمة الإمام الخامنئي في لقاء جمع من عوائل الشهداء المدافعين عن
الحرم_ 5-12-2016م.
أرحّب أجمل ترحيب، وأهلًا وسهلًا بالإخوة والأخوات الأعزاء عوائل شهداء الحرم؛ إنّ
أولئك الشباب الذين تحركوا تطوعًا وعن طيب خاطر وانطلقوا للميدان، يمتلكون خصوصيتين
أو ثلاث خصوصيات مميزة جدًا. إحداها أنّ لديهم غيرة ونخوة للدفاع عن حريم أهل البيت
(عليهم السلام).
هذه هي الغيرة؛ والبصيرة!
[بالنسبة لـ] أولئك الذين يذهبون، إن واحدة من مشاعرهم وروحيّاتهم هي
أنّهم يريدون الدفاع عن حريم أهل البيت (عليهم السلام). وهكذا هم آباؤهم وأمهاتهم.
إحدى أمهات الشهداء خاطبت السيدة زينب بهذا الكلام "لقد قدمت لك "محمد حسين"ـي!"[1]
هذا أمر بالغ القيمة؛ هذه الغيرة التي ينبغي أن توجد عند كل مؤمن تجاه أهل البيت
(عليهم السلام).
الخصوصية الثانية هي البصيرة. الأشخاص الذين ليس لديهم هذه البصيرة يقولون لأنفسهم:
نحن أين وسوريا أين وحلب أين؟ وهذا ناتج عن فقدان البصيرة. أمير المؤمنين علي عليه
السلام قال :"فواللهِ ما غُزي قومٌ في عقرِ دارِهم إلاّ ذَلُّوا"، يجب على الإنسان
ألّا ينتظر العدو ليدخل إلى بيته، ليفكّر بعدها بالدفاع عن نفسه وعن بيته. يجب ضرب
العدو وسحقه عند حدوده.
إن افتخار الجمهورية الإسلامية اليوم هو أن لدينا على حدود الكيان الصهيوني وفوق
رأسه قوات حزب الله أو قوات المقاومة أو حركة أمل. ولهذا السبب، فإن بعضهم يعترض
كثيرًا وينزعج قائلًا: لماذا تتدخل الجمهورية الإسلامية في هذه الشؤون. إن هذا
افتخار كبير للإسلام وللجمهورية الإسلامية. الشباب الذين ذهبوا إلى سوريا والعراق،
وإلى سوريا بشكل أساسي، كانوا يتمتعون بهذه البصيرة. هناك عدد من الأشخاص اليوم قد
جلسوا هنا في بيوتهم ولا يفهمون ماذا يحدث وما هي القضية!.
"الميزة الثالثة التي يتحلون بها هي الشوق للشهادة؛ بعد انتهاء الحرب المفروضة، كنا
نشعر، نحن الذين كنا حاضرين في تلك الجبهة، أنّ هناك "جادة واسعة" ذات اتجاهين
عريضين وقد أُقفلت في وجهنا! جادة الشهادة! وكأنها بوابة قد أغلقت. وقد حزنتْ
واغتمّت قلوب الذين كانوا في ذلك الحين يعشقون الجهاد والشهادة في سبيل الله. إنّ
أبناءكم هؤلاء غالبًا من الذين لم يعيشوا تلك المرحلة؛ ومع ذلك كان ذلك الشوق لديهم
كبيرًا بحيث نهضوا والتحقوا بالجبهات.
والآن، فإنّ الشباب أيضًا يكتبون لي الرسائل، مع العلم أني لا أجيب عنها، لكنهم
يكرّرون ويستمرّون، يكتبون من كل أنحاء البلاد ويلتمسون بتضرع. هم يظنون أنه أنا من
يجب أن أعطي الإذن أو أتدخل في هذا الأمر: "يا سيد اسمح لنا أن نذهب إلى سوريا
للجهاد". هذا هو شوق الشهادة وهو أمر مهم جدًا.
إذا ما وُجدتْ، عند شعب ما أو قوم أو مجموعة، قدرة وقوة التغاضي عن الحياة، فإنّ
هؤلاء لا يمكن أن يُهزموا.
نحن مقصرون..
إننا أحيانًا نقصّر في مقابل الحوادث، والسبب هو أنّنا قد أخلدنا إلى
الحياة وتمسّكنا بها وبزينتها بكل ما أوتينا من قوة؛ الحياة ليست أننا نتنفس
فقط[2]؛ [كما أن]الزوجة والأولاد والآباء والأمهات هم كذلك من حياتنا. وكذلك المال
والمنصب والاعتبار؛ لقد تعلّقنا بهذه الأشياء، وعندها فإننا نقصّر في مواجهة
الحوادث الصعبة؛ لكن الذين يتحلّون بهذه القدرة والإرادة بأن يتخلّوا عن الحياة،
فإنهم ينهضون ويتوجهون إلى ميدان الشهادة.
نجوم في الملأ الأعلى!
الشباب الذين قدمتموهم، أنتم: زوجات أو أبناء أو آباء وأمهات، اعلموا أنّهم مصدر
افتخار حقًا، وهذا ليس شعارًا فقط؛ هذه هي حقيقة القضية. هؤلاء عندما يكونون في أي
شعب –ومن الممكن ألا يكونوا معروفين في المدينة الفلانية أو القرية الفلانية، ممكن
أن يكون أحدهم يعمل في مهنة عادية وليس "نجمًا" مثل بعضهم في المجتمع والذي يعمل
ويشقى لأجل توهم أن يصبح نجمًا مشهورًا- ولكن هؤلاء هم نجوم حقيقيون؛ ليسوا نجومًا
في أعيننا؛ نحن أعيننا قصيرة النظر؛ إنهم نجومٌ في الملأ الأعلى.
إن شاء الله يرفع درجات الذين ارتحلوا عاليًا، وينزل الصبر والسكينة على آبائهم
وأمهاتهم وزوجاتهم وأبنائهم، وأنا العبد دعائي لكم دومًا أن يشمل الله قلوبكم بلطفه
وفضله ونورانيته ويمنحها الهدوء والطمأنينة.
[1] أي ابني: محمد
حسين.
[2] ليست تنفسنا فقط.