كلمة سماحة الإمام الخامنئي 21/08/2017م في ختام جلسة الأُنس بالقرآن الكريم في
حسينيّة الامام الخمينيّ (قدّس سرّه) مع بداية شهر رمضان المبارك 17/05/2018م
بسم الله الرحمن الرحيم[1]
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
نحمَدُ الله تعالى أنْ مَنَّ علينا بالعمر وأتاح لنا الفرصة لنشارك في شهر رمضان
آخر، ومرّة جديدة في هذه الجلسة النورانيّة، وننهل من فيض القرآن [الكريم] بقَدْر
استيعابنا. أشكُر من صميم القلب كلَّ الذين قدَّموا تلاواتهم والذين شاركوا في
إجراء هذا البرنامج، وساهموا في إضفاء الجمال المعنوي على هذه الجلسة النورانيّة.
نشكر الله تعالى لِكوْن القرآن ومفاهيمه والشوق إليه وتعلُّمه وحفظه والتدبُّر فيه؛
يزدادُ في هذه البلاد يوماً بعد يوم، وهذا من بركات الثورة الإسلاميّة. لكن بالرّغم
من ذلك، نحن بعيدون عن القرآن كثيراً، وتفصِلُنا عنه مسافة، فقبل هذا، يجب أن نجعل
القرآن هادياً وملجأ وإماماً لنا في كلّ شؤون حياتنا، الذهنيّة منها والعمليّة، وفي
أعمالنا وأفكارنا وعزائمنا وسلوكيّاتنا، وهذا شيءٌ غير مُتحقَّق في الوقت الحاضر
للأسف. يجب أن نقترب من القرآن.
أيُّها الشباب! الأُنس بالقرآن..
أنتم الشباب أكثروا يومًا بعد يوم من الأُنس بالقرآن والتدبّر فيه. لا تنسوا تلاوة
القرآن والتدبُّر فيه. في هذه الخطبة التي قُرئت هنا للإمام أمير المؤمنين (عليه
السلام) يقول: «ما جالَسَ أحَدٌ هذَا القُرآنَ إلّا قامَ عَنهُ بِزيادَةٍ أو نُقصانٍ؛
زيادَةٍ في هُدًى ونُقصانٍ من عَمًى»[2]. عندما نجالس القرآن، ونقوم عنه بعد
الانتفاع منه فيجب أن تكون هدايتنا قد ازدادت، وعمى قلوبنا قد قلَّ، ومعرفتنا قد
تضاعفت، وأنسُنا بالمعارف الحقّة قد ازداد، وقربُنا من الله تعالى قد ازداد،
وشوقُنا للعبادة قد تضاعف.
البُعد عن القرآن؛ نكبةُ المسلمين!
إنّ بلاء العالم الإسلامي اليوم هو بُعده عن القرآن. ونكبة بعض المجتمعات
الإسلاميّة سببُها البُعد عن القرآن. لاحظوا وضع فلسطين! شعبٌ يُبعد عن دياره،
والذين بقوا منه في هذه الديار يتعرّضون لمختلف أنواع الضغوط، وقد شاهدنا نموذجاً
لذلك قبل أيام قليلة، شهداء كُثر، وعدّة آلافٍ من الجرحى والمصابين، على يدِ كيانٍ
غاصبٍ خبيثٍ مصطَنعٍ زائف، والمسلمون ينظرون هكذا ويتفرّجون. يُعاتب البعض ويشتكي
أنْ «لماذا لم تتّخذ أميركا موقفاً؟!»، وهل يجب على أميركا أن تتّخذ موقفاً؟ أميركا
نفسها شريكة في هذه الجريمة، والكثير من الحكومات الغربيّة شريكة في الجريمة،
أتتوقّعون أن يتّخذوا موقفاً؟! المسلمون هم الذين يجب أن يتّخذوا موقفاً، والأُمّة
الإسلاميّة هي من ينبغي أن تتّخذ موقفاً، الأُمّة الإسلاميّة والحكومات والدول
الإسلاميّة هي التي يجب أن تقف [بوجهه ولكنّها] لا تقف. لماذا؟ لأنّها بعيدةٌ عن
القرآن، لأنّها لا تؤمن بالقرآن [ولا تعتقد به].
لقد تُليت هذه الآية الشريفة من سورة الفتح: «أشِدّاءُ على الكفّارِ رُحَماءُ
بَينَهُم»[3]. ينبغي أن نكون أشدّاء مقابل الكفار، ورحماء فيما بيننا. لكنّهم
يعملون بعكس ذلك. يُطلِق الأعداء فيما بيننا حروباً وخلافات ومعارك [ونزاعات] بين
الشيعة والسُّنّة، وبين العرب والعجم وما شابه، وتنطلي على الحُكّام البعيدين عن
القرآن والبعيدين عن التعقُّل والبعيدين عن العقل خدعة الكفار ويستسلمون لهم. إنّنا
بعيدون عن القرآن. لقد حدّد القرآن واجبنا، وقد عرّفهم القرآن لنا بقوله: «قَد
بَدَتِ البَغضاءُ مِن أفواهِهِم وما تُخفي صُدورُهُم أكـبَر»[4]. لقد تُليت هذه
الآيات اليوم وهي آياتٌ قرآنيّة. عداؤهم للإسلام والمسلمين لا ينتهي «وَما نَقَموا
مِنهُم إلّا أن يؤمِنوا بِاللهِ العَزيزِ الحَميد»[5]. سبب عدائهم هو مَيْل
المسلمين للإسلام. نحن بعيدون عن القرآن، والأمّة الإسلاميّة بعيدة عن القرآن. لو
اقتربنا من القرآن فسوف ننتصر على العدو بلا شك؛ أياً كان هذا العدو «وَلَو
قاتَلَكمُ الَّذينَ كفَروا لَوَلَّوُا الأدبارَ ثُمَّ لا يجِدونَ وَلِيًا وَلا
نَصيرًا سُنَّةَ اللهِ الَّتي قَد خَلَت مِن قَبلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ
تَبديلاً»[6]. هذا وعدٌ إلهي ووعدٌ قرآني «وَلَينصُرَنَّ اللهُ مَن ينصُرُه»[7].
هذه مفاهيم يجب أن نتعلّمها من القرآن، وأن نعمل بها، وهذه الجلسات مُقدِّمة، وهذه
البرامج والاجتماعات و[جلسات]التعليم مقدِّمة، وهذه القراءات والتلاوات مقدّمة، [إنّها]
مقدّمةٌ للتدبّر والفهم والوعي والعمل.
فلسطين ستتحرّر! لا محالة
لنواصل مسيرنا نحو القرآن. أعزّائي، أيُّها الشباب الإيراني، أيُّها الشباب المؤمن،
أيُّها الشباب الثوريّ! زيدوا يوماً بعد يوم من معرفتِكُم بالقرآن وأُنسِكم به
واستفادتِكُم منه. فهذا هو مصدر قوّتكم واقتداركم وعزّتكم. نتمنّى أن نصحو جميعاً
إن شاء الله، ويصحو العالم الإسلامي، ونتمكّن من القيام بهذه الأعمال. على كلّ حال
سوف تتحرّر فلسطين بإذن الله تعالى وتوفيقه من أيدي [قيود] الأعداء، وبيت المقدِس
هو عاصمة فلسطين، ولن تستطيع أميركا ولا الأكبر مِنها ولا الأصغر، ولا أذنابها
ارتكاب أيّة حماقة حِيال هذه الحقيقة والسُّنَّة الإلهيّة المتعلّقة بفلسطين.
نسأل الله تعالى المغفرة لكلّ شهداء الإسلام ولشهداء فلسطين، وخصوصاً شهداء الأيام
القليلة الماضية. ونسأل الله تعالى لمجاهدي طريق الحق والمجاهدين في سبيل الله
مزيداً من الاستقامة والثبات على هذا الدرب.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية هذه الجلسة التي أُقيمت في اليوم الأول من شهر رمضان المبارك، قدَّم
عددٌ من قراء القرآن الكريم ومجموعات التلاوة الجماعيّة تلاواتهم وتواشيحهم.
[2] نهج البلاغة، الخطبة رقم 176 بقليل من الاختلاف.
[3] سورة الفتح، الآية 29.
[4] سورة آل عمران، الآية 118.
[5] سورة البروج، الآية 8.
[6] سورة الفتح، الآيتان 22 و 23.
[7] سورة الحج، الآية 40.