كلمة الإمام الخامنئي في جامعة المعلّمين بمناسبة أسبوع تكريم المعلّم في إيران
09/05/2018م
بسم الله الرحمن الرحيم[1]
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى
محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين، لا سيّما بقيّة الله في الأرَضين.
لقاءُ المعلّمين تكريمٌ لهم
أعزّائي، إنّ لقائي بكم اليوم هو بالنسبة لي من أحلى اللقاءات وأجملِها؛
أوّلًا لأنّه لقاء بجماعة المعلّمين الأجلّاء؛ فالمعلّمون حاضرون هنا، وأيضًا طلّاب
جامعة إعداد المعلّمين -أي معلّمو الغد والمستقبل في هذا البلد- حاضرون، كما إنَّ
هذا الصرح هو من صروح إعداد جماعة المعلّمين الجليلة. في كلّ سنّة يتجدّد لقاؤنا
بالمعلّمين. لطالما كان هذا اللقاء السنوي بالنسبة إليّ فرصة مغتنمة، إنّه لقاءٌ
رمزيٌ، الغاية منه تكريم المعلّم وتبجيله. لكنّنا في هذه السنة جعلنا هذا اللقاء
-الذي يُقام عادة في الحسينيّة (حسينيّة الإمام الخمينيّ (قدّس سرّه))- هنا في
الجامعة، لتتضاعف رمزيّته؛ فيكون تكريمًا للمعلم، وأيضًا تكريمًا لجامعة إعداد
المعلّمين. قبل أن أبدأ كلامي أودّ أن أنوّه بكلمة أختِنا العزيزة، وكلمات إخوانِنا
الأعزّاء الذين توالوا على الحديث، فالآراء التي طُرحت كانت آراءً جيدة، وهي موضِع
تأييدنا، وقد سجّلتُ بعضها. أرجو أن يَكتبوا ما قالوه ويحدّدوه ويقدّموه لنا، وسوف
نتابعه في حدود الإمكان إن شاء الله، لقد طُرحت آراء صحيحة ومدروسة.
"للمعلّم رُتبة الأنبياء"؛ يجب تبيين هذه المكانة!
حسنًا، قال الإمام الخميني (رضوان الله عليه): «التعليم مِهنة
الأنبياء»[2]؛ وهذا ليس مجرّد شعار نتباهى به، بل هو حقيقة قرآنيّة:
«ويعَـلِّمُهُمُ الكتابَ والحِكمَة»[3]. التعليم من جملة خصائص الأنبياء والرُّسل.
أي إنّكم تسلُكون طريقًا سلكَه أرقى الأفراد في تاريخ البشرية، وقد بُعثوا من أجل
ذلك الهدف ولطيّ هذا الطريق؛ أي الأنبياء. إنّ التأثير والدور المنقطع النظير
للتربية والتعليم العامّين في تقدّم البلاد وسعادة أبنائها؛ قضيّة على جانب كبير
جدًّا من الأهميّة. وبرأيي إنَّ هذه من الواضحات والبديهيات ـ مع أنَّ البعض للأسف
لا يُدركون هذه القضيّة البديهيّة جيّدًا ـ وهي أنَّ التربية والتعليم عموماً؛ هي
البُنية التحتيّة لسعادةِ أيّ شعبٍ من الشعوب وتقدّم أيّ بلدٍ من البلدان، وهي في
الجمهورية الإسلامية حركةٌ نحو المبادئ والأهداف.
واجبنا المهم جميعاً -سواءٌ هذا العبد الحقير، أو مسؤولو الحكومة، أو المديرون
المتعاقبون في مختلف القطاعات- هو أن نعرّف بمقام المعلم ومنزلته في المجتمع، وهذا
شيء لم يتحقّق بعد. فمنزلة المعلّم لم تعرّف في المجتمع بحسب ما أعتقد وأشعر به
وألمسه. قضيّة المعيشة طبعًا مهمّة؛ لا شكَّ في هذا ـ لكنّ منزلة المعلّم ومكانته
إنْ لم تكن أهمّ من قضية المعيشة؛ فهي حتماً ليست بأقلٍّ منها. وهذه المنزلة لا
تتحقّق بالكلام فقط، وإذا قلتُ الآن «للمعلّم مثل هذه المرتبة السامية أو إنّه في
مرتبة الأنبياء»؛ فهذا لا يشكّل ذهنيةً عامّة في المجتمع، فالأمر لا يتمّ بمجرد
القول، إنّما لا بدَّ من عمل. يجب أن يترسّخ في ذهن المجتمع بأنّ المعلّم هو مرجع،
وأنّه شخصيّة رفيعة وراقية، وأنَّ التعليم مِهنة مقدّسة، وينبغي التخطيط لهذا
والقيام به من خلال الأعمال الفنية، وكتابة الكتب، وإنتاج الأفلام وإخراجها، ونَظْم
الشعر، وشتّى الأساليب المؤثّرة، وهو ما لم يحصل لحدّ الآن. وهذا أيضاً من الأعمال
الأساسيّة التي ينبغي أن تنجز بالتأكيد في أجواء التربية والتعليم، وفي الأجواء
الأخرى ذات الصلة كالمحافل الثقافية والإذاعة والتلفزيون وغيرها. أي إنّه يجب أن
تتّضح مكانة المعلم، ويتحقّق تكريم المعلّم، ويُدرج هذا المعنى في الكتب الدراسيّة
أيضًا، وفي القِصص وفي الروايات.
حسنًا، ينقسم الكلام الذي أريد قوله لكم اليوم إلى قسمين أو ثلاثة أقسام، ولأنّ وقت
الجلسة قد طال سأحاول أن لا أطيل كثيرًا: جانب من الكلام سيكون عن قضيّة التربية
والتعليم، وجانب آخر حول قضايا جامعة إعداد المعلمين وقضيّة تخريج المعلمين،
وسأعرّج قليلًا للكلام عن الأحداث الدوليّة الراهنة التي نواجِهُها، وقد أشار لها
الوزير المحترم في بداية كلِمته.
نحو تربيةٍ صانعةٍ للعدالة..
ما نودّ عرضه حول التربية والتعليم؛ هو أنّ اتّجاه التربية والتعليم في
البلاد يجب أن يكون متوجّهاً نحو التحلّي بالعدالة، بمعنى أن تسعى مؤسّسات التربية
والتعليم في البلاد لتربية الأجيال على العدالة، وتُخرِّج مطالبين بالعدالة
وصنّاعًا للعدالة، لأنَّ العدالة هي تلك القيمة السامية التي كان كلّ أبناء البشر
دائماً، منذ فجر التاريخ وإلى اليوم، يتطلّعون إليها. تتغيّر القِيَم بمرور الزمان
وبتعاقُب الأجيال، لكنّ بعض القِيَم تبقى ثابتة من البداية حتى النهاية، والعدالة
من هذه القِيَم الثابتة. لاحظوا، الأديان التي تؤمِن بالمهدويّة ـ وجميع الأديان
الإلهيّة تقريباً تؤمِن بالمهدويّة ـ تعتقد أنَّ المنقِذ عندما يأتي يملأ العالم
قسطاً وعدلًا، ولم تقل يملأها ديناً، بل يملأها قسطاً وعدلًا. وفي هذا دلالة على
أهميّة القسط والعدل. وبالطبع فإنَّ العدل لا يتحقّق إلّا في ظلّ الدين، وهذا أمر
يُستدلّ عليه في مكانه، لكنّ قضية القسط والعدل مهمّة جدًا. وعلى [مؤسّسات] تربيتنا
وتعليمنا أن تكون في هذا الاتجاه. يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج
البلاغة: «وَمَا أخَذَ اللهُ عَلَى العُلَماءِ ألّا يقارّوا على كظَّةِ ظالِمٍ ولا
سَغَبِ مَظلوم»[4]. إنّه يبيّن واجب العلماء بأن لا يصبروا على جوع الجياع وتُخمة
المتخمين، وهذا معناه العدالة.
أهداف التربية والتعليم هي أهداف النظام الإسلامي
للتربية والتعليم العام في البلاد أهداف، إنّها تسعى إلى أهداف، فما هي
هذه الأهداف؟ هذه الأهداف هي نفسها تمام أهداف النظام الإسلامي، وينبغي أن تتوافر
هذه الأهداف في التربية والتعليم ويجري الاهتمام بها. إنّنا نربّي ونخرّج الطلَبة
الجامعيّين والتلاميذ والمتعلّمين لهدف معيّن وباتّجاه مبدأ ومَثَل أعلى معيّن،
وهذا الهدف عبارة عن الهدف نفسه الذي تأسّس النظام الإسلامي من أجله. يهدف النظام
الإسلامي إلى بناء عالمٍ ومجتمعٍ رائدٍ، ذو قيمٍ ساميةٍ، متديّن، ملتزم بالشرائع
الإلهية، ومتحلٍّ بآفاق نظر لا متناهية. إنّ نظرة الإنسان الذي يعيش في المجتمع
الإسلامي والنظام الإسلامي للمستقبل لا يحدّها شيء، في أيّ اتّجاه كانت. وليس فقط
من حيث الاتجاهات المعنوية، بل لا يحدّها شيء من حيث الاتّجاهات الماديّة
والاتجاهات العلميّة أيضاً؛ فأُفُق النظر أكثر تقدماً وريادة وسِعةً بكثيرٍ ممّا
يؤمِن ويقول به أصحاب الهِمَم العالية في العالم للمجال العلمي مثلًا. آفاق النظر
في المجتمع الإسلامي أوسع بكثير.
على التلميذ طِوال هذه الاثنتي عشرة سنة؛ أن يجد مكانته في هذه القافلة العظيمة
السائرة نحو التقدُّم في المجتمع الإسلامي، ويجب أن يعلَم ما هو دورهُ ووظيفتهُ في
هذه المجموعة العظيمة وفي هذه المسيرة الضخمة؟ ما هي مكانته؟ وما هو شأنه؟ يجب أن
يقرّر ويرسُم لنفسه دوراً، وينبغي أن نربّي أبناءنا بهذه الطريقة. إنّ التلميذ
يتربّى في المدرسة بواسطتكم وعلى أيديكم، فيجب أن يتربّى على الشعور بالمسؤولية،
وعلى أن يمتلك روح حرّيّة التفكير، وعلى صِدْق القول، وعلى علوّ الهمّة، وعلى
الشجاعة والتضحية والطهارة والعفّة والورع. الجيل الذي هو في طور التربية هو بين
أيديكُم وتحت تصرّفِكُم، ويجب أن يتربّوا على هذه الخصائص والخصال، فهذه هي آفاق
الرؤية.
التربية على الهوية الوطنيّة؛ ضمانةُ عدمِ الانحراف
حسناً، هناك معركة كبرى في هذا المجال. أعزّائي، أيّها الشباب الواعون
الأذكياء المتحفّزون المؤمنون المنضَوون تحت لواء جماعة المعلّمين، وكلّ الذين
يريدون ممارسة دور في مؤسّسة التربية والتعليم وضمن شريحة المعلّمين، خُذوا هذه
المعركة على محمل الجدّ. ثمّة حرب تجري الآن. البعض يريد أن يحدو لنا ويترنّم
بأغاني الهَدهَدة لكي نغفو ونغطّ في سُبات عميق! فلا نفهم ماذا يفعل الأعداء. ثمّة
حربٌ قائمة في مجال تربية الأجيال الراقية، أصحاب الهِمم العالية، من الشجعان
والنبلاء، من الشباب الهادفين، ثمّة حرب ومعركة في مضمار هذه التربية المهمّة وهذه
العملية العظيمة. والبعض يريد تحقّق عكس ذلك تمامًا فلا يتربّى الشابّ المؤمن،
والشابّ المسلم، والشابّ الإيراني، على هذه الخصائص. إنّهم يعملون ويسعون بأساليب
وطرق شتّى. قضية الهويّة هذه التي أشدّد عليها بشكلٍ متكرّر تتعلّق بهذه القضية.
على تلميذنا أن يكبر وينمو ويتربّى ويمضي قُدُمًا على الإحساس بالهوية الوطنية.
عندما يشعر الشابّ بهويّته فسوف يتجنّب الانحراف والخيانة والتراخي والكسل. غالبية
هذه الإشكاليات التي تقع أحياناً، إنّما تحصل بسبب عدم شعور الإنسان بالهويّة
الحقيقية، وعدم شعوره بهويّته الوطنية. عندما لا يشعر الإنسان بهويّته سيتمكّن
الآخرون من جرّه لهذا الاتّجاه وذاك الاتّجاه. (ترجمة بيت شعر):
"وسوسات هذا وذاك ، أهواء نفس تجعلني كريشة في مهبّ الريح".
هناك أحاسيس، وهناك غرائز، وثمّة دوافع داخليّة، وثمّة شيطان أهوائنا النفسية،
وهناك في الخارج عشرات الأيدي تجرّنا بهذا الاتّجاه وذاك الاتجاه، والشيء الذي لا
يدعنا ننحرف هو التزامنا وشعورنا بالهويّة، ينبغي تربية الشابّ بهذه الطريقة. وأنتم
من يجب أن تربّوه.
.. هؤلاء هم النموذج!
لحسن الحظ لدينا اليوم نموذج وأُسوة في محيط حياتنا، لدينا نماذج مميّزة
بارزة. لا نعاني حاليًّا من فقدان النموذج لنجري وراء الشخصيّة الفلانيّة
التاريخيّة الأجنبيّة، فلدينا اليوم في حياتنا وأمام أنظارنا نموذج. شهداء الطاقة
النوويّة هم من نماذجنا الكبرى، والشهيد شِمران أحد النماذج، كان الشهيد الدكتور
مصطفى شمران عالمًا بالمعنى الحقيقي للكلمة. كان عالمًا، وقد درس واكتسب العلم،
لكنه كان أيضاً مقاتلًا ومجاهداً حقيقيّاً، كان مجاهداً بالمعنى الحقيقي للكلمة.
الشهيد السيد مرتضى آويني هو نموذج وقدوة، والشهيد محسن حججي هو نموذج. لاحظوا،
لدينا مختلف أنواع النماذج . أخونا العزيز هذا أوضح هنا بشكل جيّد جدًّا؛ وقال إنّ
نموذجي كان معلّمي في الصفّ الأول، لكنّ نموذجي الآن هو الشهيد حججي. نعم، لدينا
نموذج وأسوة كهذا، أشخاص شجعان ذوو شهامة وذوو شعور بالمسؤولية، ويقفون باقتدار
وعزّة مقابل العدو؛ من أجل أن يساعدوا على تحقيق الأهداف السامية لمجتمعاتهم
ونظامهم، لا من أجل أهدافهم الشخصية. لم يقضِ هؤلاء نحبَهم في معارك شخصيّة، الشهيد
شهرياري، والشهيد علي محمّدي، والشهيد أحمدي روشن (من شهداء الطاقة النووية الذين
اغتالتهم أمريكا وإسرائيل)، وآخرون، سلكوا طرقاً من أجل عزّة الشعب وشموخه ورفعته
وتقدّموا إلى الأمام، هؤلاء هم النموذج، ولدينا هذه النماذج العزيزة في مجتمعنا
وأمام أنظارنا وفي زماننا.
إصلاح التربية والتعليم؛ العِلم النافع
نقطة أخرى تتعلّق بالعلم النافع. يجب في مسألة التربية والتعليم في
البلاد متابعة العلم النافع والاهتمام به. عندما تقولون «يجب إصلاح التربية
والتعليم»[5] فمن المواد الإصلاحية المهمّة أن يكون العلم الذي يُعلّم ويُدرّس هنا
علماً نافعاً، وأن يستطيع هذا الشابّ الاستفادة من هذا العِلم لتحسين حياته ومجتمعه
والبيئة المحيطة به. هذا هو العِلم النافع. العِلم النافع هو العِلم الذي يقرّبنا
من أهدافنا، ويسهّل مسيرتنا وحركتنا، ويتقدّم بنا إلى الأمام. هذا هو العِلم
النافع. الأشياء التي توجِد فينا روح الحركة والنشاط والازدهار، وتفعّل إمكاناتنا
وطاقاتنا الكامنة هذه هي العلم النافع. وبالطّبع؛ فإنّ من العلوم النافعة الاطّلاع
والمعرفة بالتجارب الوطنية ومفاخر البلاد، وعِبر التاريخ ودروسه، فهذه أيضاً من
العلوم النافعة. العلم النافع هو ذاك الذي يفتّح استعداداتنا. هذه أيضاً نقطة.
تحدّث الأعزّاء حول قطاع التربية والتعليم، وقد تحدّث الأصدقاء أيضاً في تلك الجلسة
التي كنّا فيها قبل هذه الجلسة[6]، وقلتُ أنا أيضاً إنَّ قطاع التربية والتعليم من
الأجهزة القليلة التي تُعدُّ أجهزة من الدرجة الأولى في تقدّم البلاد وتحقيق
احتياجات البلاد. التربية والتعليم على جانبٍ كبير من الأهمية. هذا الجزء من واجبات
التربية والتعليم يقع على عاتق جهاز التربية والتعليم. لا نستطيع النظر إلى مؤسّسة
التربية والتعليم كدائرة عادية إلى جانب الدوائر والمؤسسات الأخرى، فالقضية هنا
قضيّة خاصّة.
12 سنة من عمر الناشئة؛ أفضل فرصة لنقل المبادئ والقِيَم
تتوافر لمؤسسات التربية والتعليم فرصة لا تتوافر لأيّ جهاز آخر. وهذه
الفرصة عبارة عن تلك السنوات الاثنتي عشرة التي يقضيها أطفالنا وفتياننا من المرحلة
الابتدائية إلى المرحلة الثانوية، ويكونون فيها تحت تصرُّف مؤسّسة التربية
والتعليم. لا تتوافر لأيّ جهاز آخر مثل هذه الفرصة الثمينة. هذه الفرصة أفضل فُرصة
لنقل القِيَم ولنقل مبادئنا الثورية والوطنية بشكلٍ صحيح وشامل. إنّها فرصة منقطعة
النظير لتكريس الهويّة الوطنية لدى أطفالنا، وهم رجال ونساء مستقبلنا. هذه فرصة
متاحة للتربية والتعليم. الفكر يتكوّن خلال هذه السنوات الاثنتي عشرة والدوافع
والمحفّزات تتكوّن فيها أيضاً، واتّجاه مسير الحياة -الدوافع والمـُثل العليا
والاتجاهات- تتكوّن في كيان شبابنا وأحداثنا في هذه السنوات الاثنتي عشرة بفضل
الحضور في صفوف الدراسة والاستماع إلى المعلمين، والحضور في جوّ المدرسة. لاحظوا
مدى أهميّة هذا الأمر، أي إنّ مستقبل البلاد رهنٌ بهذه السنوات الاثنتي عشرة
لشبابنا.
تحديث جهاز التربية؛ وثيقة التحوّل
حسنًا، يحتاج قطاع التربية والتعليم للتحديث، وقد رفعتم شعارات وقُلتُم
أنّ هذا الجهاز يجب إصلاحه. نعم، يحتاج بالتأكيد إلى تحديث، فهو قديم هَرِم من جهة،
وهو أيضاً كان ذو عيوب من اليوم الأوّل الذي وُجِد فيه. كانت هناك عيوب أساسية في
قطاع التربية والتعليم عندنا منذ اليوم الأوّل الذي ظهر فيه؛ وعندما كان جديدًا ولم
يكن متآكلًا مهترئًا منقضيَ التاريخ ومتضرراً كما هو اليوم؛ كانت فيه عيوب لا تزال
باقية إلى هذا اليوم. وسيلة هذا التحديث والتغيير بالدرجة الأولى عبارة عن «وثيقة
التحوّل»[7]، ووثيقة التحوّل (وثيقة التحوّل البنيويّ في التربية والتعليم) هذه
جاهزة. وقد أشار الوزير المحترم إلى الجهود التي يبذلونها في هذا السبيل، وأعتقد
أنّ هذه الجهود من أوجب الأعمال. طبقاً للتقارير التي رُفعت إليّ، فقد نُفّذ إلى
الآن أقلّ من عشرة في المئة من إمكانيّة تحقُّق هذه الوثيقة ومن محتواها، والحال
أنّه مَضَت عدّة سنوات على المصادَقة عليها. العمل الذي أُنجز في هذا المجال قليلٌ
جدًّا وينبغي العمل أكثر. فالوثيقة هي مقرّرات مكتوبة على الورق؛ يجب أن تتحقّق
عمليًّا. وبالطبع؛ إنّ إعداد هذه الوثيقة كان ضرورة حيوية أُنجزت ومضمون الوثيقة
كما أفاد خبراء التربية والتعليم ـ وقد كان الكثيرون منهم مساهمين في إعدادها ـ من
الناحية التخصُّصيّة والعلمية والحِرفية على مستوى عالٍ جدّاً، فهو مُتقَن ومتين
وجيّد جدّاً، وبالتالي يجب إجراؤها وتطبيقها. ما أُطالب به وأتوقّعُه من مؤسّسة
التربية والتعليم هو أن تضعوا جدولًا زمنياً وتحدّدوا موعداً تُنفّذ فيه هذه
الوثيقة وتُطبّق بشكل كامل. وهذه بالطبع عمليّة صعبة، لكن يجب القيام بها. وعلى
الأجهزة والمؤسسات المختلفة أن تمدَّ كلّها يدَ العوْن للتربية والتعليم، الكلّ يجب
أن يساعد. جانب من القضية يتعلّق بجامعة إعداد المعلمين هذه والأجهزة المتنوّعة
المختصّة بإعداد المعلمين ـ وسوف أتحدّث عن هذا الجانب ـ وجانب من القضية يتعلّق
بمؤسّسة التربية والتعليم نفسها من الداخل، فعليهم إعداد وتهيئة المقدّمات
البرمجيّة والأجزاء الصلبة لهذه العملية، وأن يحدّدوا الجدول الزمنيّ، وسوف يتحقّق
هذا الأمر بصورة واقعيّة إن شاء الله. هذه هي أهم خطوة في [عملية]"التربية
والتعليم" العامّة في البلاد.
من الأعمال التي يجب إنجازها أن يتعرّف جسم التربية والتعليم إلى وثيقة التحوّل
هذه. بحسب ما رُفع إليّ من تقارير وأخبار؛ فإنّ القسم الغالب من جسم التربية
والتعليم سَمعَ فقط باسم هذه الوثيقة ولا يعلم ما هي؛ بيّنوا وقدّموا هذه الوثيقة
وروّجوها وانشروها بالنحو المناسب كي يتعرّفوا إليها ويرَوها ويقرأوها ويعلموا ما
هي. وهذا بحدّ ذاته سوف يساعد على تحقُّقها وتطبيقها، فتحقّق الوثيقة غير ممكن من
دون مساعدة جسم مؤسّسة التربية والتعليم. جسم وكادر التربية والتعليم هو من يجب أن
يطبّق هذه الوثيقة عمليًّا وينفّذها، فعرّفوه اليها.
نقطة أخرى حول التربية والتعليم هي قضيّة المعاونية التربوية، والتي أكدتُ عليها في
دورات سابقة وكذلك في الدورة الحالية، يجب أن تحملوا هذه القضية على محمل الجد.
الوزير المحترم شخصٌ متحفزٌ ونشطٌ ومستعدٌ للعمل، ويجب أن يأخذ هذه القضية بمنتهى
الجديّة. قضية المعاونية التربوية في التربية والتعليم نفسها قضية على جانبٍ كبيرٍ
من الأهمية. التربية مهمّة جدّاً وطُرق التربية طُرق علمية مهمّة.
والمسألة التالية حول التربية والتعليم، هي الاهتمام بالموهوبين وذوي الذكاء الحادّ
والنخب، وهناك نقاشات في هذا الخصوص، وعلى المسؤولين أن ينظروا لهذه القضية نظرة
شاملة جامعة، وأن يدرسوا قضية المؤسّسة الوطنية للمواهب المتألقة (سمپاد) أو أيِّ
أسلوب آخر بشكل محترِف تماماً، وبأخذ جميع الجوانب بعين الاعتبار. ليعملوا ما من
شأنه أن لا يكون هناك تمييز ولا تظهر مشاكل ولا تكون هناك حالات سمسَرة، وأن
تُتابَع قضية ذوي الذكاء الحادّ بالمعنى الحقيقي للكلمة.
آخر نقطة في هذا الجانب من كلمتي هو قضية وثيقة 2030 المنحرفة. في السنة الماضية[8]
أنا منعتُ رسميّاً وعلناً وبشكل حاسم؛ أن يُعمل بهذه الوثيقة، وقد رحّب مسؤولو
التربية والتعليم بذلك وتابعوا الموضوع، لكنّني سمعتُ أنَّ بنوداً من الوثيقة 2030
تُطبّق في قطاعات مختلفة، وهذا معناه أنّ أهم قضية في البلاد ستكون تحت تصرّف
الآخرين. هذا بالإضافة إلى مضمون [الوثيقة] 2030 ـ والذي توجد فيها طبعاً قضايا
مُنحرِفة ولا شكَّ في ذلك ـ وحتى لو كانت كُلُّها صحيحة ما من معنى لأن يقوم بلدٌ
مثل إيران بما له من هذه الثقافة وهذا التاريخ وبهذا النظام الإسلامي العزيز
المقتدر؛ بأَخذ برامجه التعليمية والتربوية وميثاقه التعليمي والتربوي من الآخرين؛
الذين جلسوا وأعدّوا شيئاً لأغراض مختلفة، هي إمّا أغراض سياسيّة أو أغراض فاسدة
أخرى. لا معنى لمثل هذا الشيء[9]. جزاكم الله خيراً، حسناً، الحلّ أن لا تموتوا،
ولا تقبَلوا بالوثيقة 2030. هذا هو الحلّ الأفضل[10].
المعلّم الحاجة الأساس؛ يجب إعداده كمًّا ونوعًا
فيما يتعلّق بقضية جامعة إعداد المعلمين وتخريج المعلمين يجب القول إنَّ
المعلم اليوم هو أهم ما تحتاجه التربية والتعليم في البلاد. المعلّم هو الحاجة
الأساس. يجب تنمية هذه الجامعة وجامعة الشهيد رجائي وأيُّ مركزٍ تصدق عليه [صفة]
إعداد المعلمين كمّاً وكيْفاً. قال السادة ــ وأنا على اطّلاع ــ إنَّ عدداً كبيراً
من المعلّمين سوف يتقاعدون خلال الأعوام الأربعة القادمة، وعددُ الذين سيتخرّجون من
هذه الجامعات، أي جامعة إعداد المعلمين وجامعة الشهيد رجائي، ويدخلون سِلْك التربية
والتعليم أقلّ بكثير من الذين سوف يخرُجون منه. وهذه أزمةٌ بالنسبة للتربية
والتعليم، ويجب عدم وقوع مثل هذا الشيء. طبعًا؛ قيل إنّهم سوف يوظّفون أشخاصاً من
خارج المؤسسة، لكنّ ذلك سيكون عملًا اضطرارياً ولا إشكال فيه طبعاً، في حال
الاضطرار والإجبار، لكنّه عمل غير صحيح لمخالفته القواعد والأصول، فالتعليم مهنة
تخصُّصية وفنيّة، لها فنونها وتحتاج إلى تعلُّمٍ وإتقان. أنتم هنا تتعلّمون فنّ
التعليم، والذي درس في الجامعة الفلانية الأخرى لا يمتلك المعلومات التي تعلمتموها
هنا، فكيف يريد أن يمارس التعليم؟ مراكز إعداد المعلمين ـ وأهمّها حالياً جامعة
إعداد المعلمين ـ هي مركز الثِّقل الرئيسي لنظام التربية والتعليم في البلاد، وقد
كان هناك تقصير في خصوص هذه الجامعة. طبقاً لمعلوماتي وما رفع لي من تقارير تعاني
هذه الجامعة من قلّة في الكوادر البشرية، أي المعلّمين والأساتذة، وتعاني أيضاً من
نقْصٍ في الميزانية، وتعاني كذلك من نقْصٍ في الأماكن التعليمية. وعلى وزارة العلوم
ومؤسّسة الإدارة ومؤسسة شؤون التوظيف أن تتعاون كلّها؛ وتساعد بشكل من الأشكال لحلّ
هذه المشكلات وإزالتها. وبالطبع؛ فقد ذكَر الأعزاء هنا، وقالوا أيضاً في الجلسة
السابقة، إنّهم يتوقّعون منّي بعض التوقّعات، وأنا جاهز وسوف أقوم بأيّ عمل أستطيع
القيام به ويكون بوسعي إنجازه، ويكون ضمن صلاحيّاتي، لأنّني أرى وأعلم أنّ هذه
القضية من أهمّ القضايا في البلاد.
أوصي بمطالعة آثار الشهيد مطهّري
ينبغي رفع معدّل التوظيف في الهيئة العلمية، وهذا على عاتق مؤسّسة شؤون
التوظيف. وينبغي للأساتذة هنا أن يكونوا الأبرز من حيث الخصائص الفكرية والعلمية،
التديُّن، والمستوى العلمي العالي، الروح الثوريّة، والتطابق مع معايير "وثيقة
التحوّل". لا يمكن أن نُعِدَّ وثيقة التحوّل ونسعى لتحقيقها وتطبيقها؛ ويبقى المكان
الذي هو أهم مراكز التربية والتعليم وأكثرها محوريّة؛ بعيدًا عن خصائص وثيقة
التحوّل ومعاييرها ومؤشِّراتها ومقاييسها، هذا غيرُ ممكن. فلتعمل مجموعات توظيف
واختيار [الكادر التعليمي] على عدم التسامح في هذا الجانب أبداً، وليختاروا أساتذة
مميّزين بارزين جيّدين ومتفرّغين طبعاً. وأوصي كلّ الأساتذة هنا، وكذلك الطلبة
الجامعيّين، بالأُنس والمطالعة لآثار شهيدنا العزيز الشهيد مطهري الذي ارتبط يوم
المعلم باسمه. تعرّفوا مهما أمكن الى هذه الآثار والكتابات. لقد مضت سنين طويلة على
الحياة المباركة للشهيد مطهري، لكنّ دمه الطاهر وشهادته كانت مصادقة على آرائه
وكلماته، فلقد كان صادقًا، ومتين الفكر، وذا موهبة وطاقة قوية من الناحية الفكرية،
والحمد لله ترك تراثاً جيداً لا يزال موضع استفادة إلى الآن. حسنًا، لقد قلنا ما
قلناه فيما يتعلّق بالتربية والتعليم وبجامعة إعداد المعلمين وانتهى الأمر.
خسئتَ.. أنت ترتكب حماقة!
يجب أن أتناول مسألتين وباختصار: إحداهما مسألة أمريكا، والثانية مسألة
الاتفاق النووي. سمعتُم أمس أنَّ الرئيس الأمريكي قال كلاماً سخيفاً فارغاً، وربما
كان في تصريحه أكثر من عشرة أكاذيب. تحدَّث عن قضية خروجه من الاتفاق النووي، وهدّد
أيضاً الشعب الإيراني ونظام الجمهورية الإسلاميّة: «سنفعل كذا ونفعل كذا ونفعل
كذا»، وأنا أقول له نيابة عن الشعب الإيراني: خسئتَ يا سيد ترامب! أنت ترتكب حماقة!
انتبهوا جيدًا، التفتوا، أريد منكم أيّها الشباب وكلّ الذين سوف يسمعون هذا الكلام
لاحقاً أن يدقّقوا ويتنبهوا جيداً لأنّها من قضايا الساعة المهمّة في الوقت الحاضر.
قضية أمريكا قضية جديّة. أمريكا عدوّتنا وهذا العداء ليس ضدّ شخص هذا الحقير [أنا]،
أو ضدّ شخص مسؤولي النظام، بل هو ضدّ النظام الإسلامي كلّه، والشعب الإيراني اليوم
يؤيّد هذا النظام ويسير في طريقه. هذه هي طبيعة هذه العداوة. وهي لا تختص بهذا
الشخص [الرئيس الأمريكي ترامب] فالحكومة الأمريكية، والنظام الأمريكي كان معاديًا
للجمهورية الإسلامية منذ انطلاقتها، وتعامل معها بشكل سيّئ وعمل [ويعمل] على
الإطاحة بها. وحتى الحكومة السابقة ـ حكومة أوباما ـ التي كتبت لي في رسالة وقالت
في تصريحاتها إنّنا لا نقصد إسقاط الجمهورية الإسلامية، كانت تكذب، فهي أيضًا كانت
تريد إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية، وقضية الاتفاق النووي وأمثاله مجرد ذريعة.
لاحظوا، عندما بدأت القضية النووية والحظر كان هناك أشخاص من المعروفين في البلاد
والمسؤولين الرفيعي المستوى يراجعونني ويقولون «لماذا تصرّون على الصمود والمحافظة
على القضية النووية؟ لماذا تصرّون عليها؟ فالأمريكيون سوف يتذرّعون بها ويمارسون
سوءهم وخبثَهُم علينا، فدعوها جانبًا ولنُرح أنفسنا». هذا ما كانوا يقولونه لي.
مشكلتهم الأساس: نظام الجمهورية الإسلامية
وبالطبع؛ فقد كان هذا كلاماً خاطئاً؛ لأنّ المسألة النووية شيء تحتاجه
البلاد، وهذا ما قلته مراراً. إنّنا سنحتاج بعد عدة سنوات لعشرين ألف ميغاواط من
الطاقة الكهروذرية، وهذه هي حسابات المسؤولين المعنيّين في البلاد، هذا ما نحتاجه،
فمن أين نأتي به؟ عندما شعرنا بالحاجة إلى هذا الأمر، كانوا يقولون لنا إنّكم اليوم
تمتلكون النفط، حسناً، هذا النفط ليس أبديّاً. عندما ينفد نفط هذه البلاد أو لا
يكون لديها نفط بهذا الكمّ والوَفْرة، عندها يجب أن نبدأ من جديد للحصول على الطاقة
النووية والإمكانيات النووية؟ هل يجب أن نبدأ في ذلك اليوم؟ ألن تلعنُنا الأجيال في
ذلك الزمن لأنّنا لم نبدأ في الوقت الذي كان يجب أن نبدأ فيه؟ كان هذا كلامًا
خاطئًا: «وما حاجتنا لذلك؟»، بلى، نحن بحاجة [للطاقة النووية]. وحتى لو افترضنا
أنّنا لسنا بحاجة إليها، فقد كنتُ أقول لهم إنّ إشكالات أمريكا ضدّنا والحظر الذي
تمارسه علينا وعداءها لنا لا يتعلّق بالطاقة النووية، فالطاقة النووية مجرّد ذريعة،
ولو تخلّينا عن هذا الأمر لوجدوا ذريعة أخرى ومارسوا العداء نفسه. كانوا يقولون
«ليس الأمر كذلك»، فهل لاحظتم الآن أنّ الأمر كذلك. خَضَعنا في قضية الطاقة النووية
وفي الاتفاق النووي "برجام" لما أراده معارضونا [في الرأي] ووافقنا، لكنّ حالات
العداء لم تنتهِ، وراحوا يطرحون قضية وجودنا في منطقة الشرق الأوسط وقضية الصواريخ.
ولو أعلنتم غداً أنّنا لن نصنع صواريخ، أو لن نصنعها بمدىً يزيد عن المدى الفلاني،
فسوف تنتهي هذه القضية، لكنّهم سوف يطرحون قضية أخرى وموضوعاً آخر. مشكلتهم معنا
مشكلة أساسيّة وجوهريّة، إنّهم يعارضون نظام الجمهورية الإسلامية.
حسنًا، لماذا يعارضون نظام الجمهورية الإسلامية؟ سبب معارضة نظام الجمهورية
الإسلامية هو أن الجمهورية الإسلامية قطعت يد هيمنة الأمريكيين عن البلاد. هذا هو
مجمل القضية. كان الأمريكيون متسلّطين تمام التسلُّط على بلدٍ بثروات وإمكانيات
وموقع إستراتيجي جغرافي حسّاس مثل إيران، وجاءت الثورة والجمهورية الإسلامية فقطعَت
يدهم، وهم لهذا السبب يريدون القضاء على الثورة والجمهورية الإسلامية. إنّهم يريدون
السيطرة والهيمنة، كما هم متسلّطون للأسف على كثير من بلدان المنطقة. يريدون أن
يأمروا «يجب أن تقوموا بهذا العمل»؛ ويقوم حاكم البلد الفلاني في هذه المنطقة
الحسّاسة بإطاعة أمرهم هذا بكلّ طيب خاطر! هذا ما يريدونه. تنبّهوا! هذه نقطة
مهمّة. ليست القضية قضيّة عواطف. ليست القضية قضية أن يتّخذ الإنسان قراراً بشكل
مفاجئ بسبب حادثة فجائيّة. إنّما القضية قضيّة أساسيّة وجذريّة. إنّهم يريدون
خدَماً مُطيعين، وقد فرضت الجمهورية الإسلامية عزّتها عليهم، وهم لا يستطيعون
تحمُّل ذلك. إنّهم يريدون أن يكون هناك حكام يأخذون أموالهم وينتفعون من
إمكانيّاتهم وطاقاتهم ويطيعون أوامرهم، ويغيّرونهم متى ما رغبوا في ذلك، كما كان
للبريطانيين ذات يوم مثل هذا الدور في المنطقة، فجاؤوا برضا خان ذات يوم، وفي يوم
آخر رغبوا في تنحيتِه وعزلِه؛ وجاؤوا بابنه مكانه. هذا ما يريدونه. وللأسف؛ فإنّ
هذه الحال موجودة في كثير من بلدان الخليج الفارسي وفي بلدان منطقة غرب آسيا. هؤلاء
خاضعون خانعون مقابل أمريكا. وما عسى الإنسان أن يقول: كالعبيد الأذلّاء!
يريدون أن تكون الإسلامية طيّعة خانعة كحكّام المنطقة
في اليومين الأخيرين، كتَب ترامب رسالة إلى حُكام بلدان الخليج الفارسي
ـ تمّ تسريبها واستطعنا الاطلاع على محتواها ـ يقول لهم في هذه الرسالة يجب أن
تتّفقوا كلّكم، ويجب أن تفعلوا هذا الفعل، وتفعلوا ذاك الفعل، فقد أنفقتُ سبعة
تريليونات دولار من أجلكم هنا. أيّها التافه! أنفقتَ سبعة تريليونات دولار لأجلهم؟
أنفقتَ سبعة تريليونات دولار لتتسلّط على العراق ولتهيمن على سوريا، لكنك لم تستطع،
فإلى جهنم! يقول يجب أن تفعلوا كذا، وتفعلوا كذا، وتفعلوا كذا. يستعمل في كلماته
يجب! وقد كتب هذه الرسالة وأرسلها لكل هؤلاء الحُكّام. وهم يريدون أن يقولوا
للجمهورية الإسلامية أيضًا «يجب»، ولأنّهم لا يستطيعون فعل ذلك يعادونها ويريدون
القضاء عليها. هذا هو سبب المشكلة. الشعب الإيراني شعبٌ مستقل وعزيز. حكام هذا
البلد السابقون ـ ملوك العهد القاجاري والعهد البهلوي ـ سلبوا عزّة هذا الشعب
وأذلّوه وتركوه متأخّراً ومتخلّفاً وأخضعوه لما تفرِضه القوى الكبرى، لذلك؛ فقد
تعوّد هؤلاء على هذا الأمر، ويريدون له أن يعود. وجاء الإسلام اليوم ـ الجمهورية
الإسلامية والنظام الإسلامي والثورة الإسلامية ـ فأعاد هذا الشعب إلى عزّته، وهذا
الشعب صامد، وهؤلاء لا يطيقون هذا. هذا هو سبب النزاع. فلا يفكّرنّ أحد [ويقول]
«لماذا تصرّون على الصمود في القضية الفلانية»! كما كان البعض يأتون إلينا ويقولون
ذلك، سامحهم الله على تقصيرهم.
.. وستبقى الجمهورية صامدة!
حسنًا، هذا عن قضية أمريكا. إذًا، ما حدث؛ أي السلوكيّات القبيحة
الهابطة للرئيس الأمريكي الحالي، لم يكن بخلاف توقُّعِنا أبداً، فهذه أعمال كانوا
يمارسونها منذ البداية، وقد كان هذا الوضع في فترة الحكومة الأمريكية السابقة بشكل
ما، والآن بشكل آخر، وكان في الفترة السابقة له؛ فترة بوش الابن بشكل معين. في كلّ
فترة كانوا يمارسون خُبثَهم وعداءَهم وألاعيبهم، ويعبّرون عنها تجاه الشعب الإيراني
بشكل من الأشكال، والشعب الإيراني واقف صامد باقتدار أمامهم جميعاً. والكثير منهم
تحوّلت عظامهم إلى رميم؛ وصارت أبدانهم تحت التراب طعاماً للديدان والنمل والأفاعي،
لكنّ الجمهورية الإسلامية بحمدِ الله بقيَت صامدة مقاومة وبقوّة. وهذا السيد
[ترامب] أيضاً سوف يتحوّل جسمه إلى تراب وطعام للأفاعي والنمل، وستبقى الجمهورية
الإسلامية صامدة. هذا فيما يتعلّق بأمريكا.
أمّا حول الاتفاق النووي فقد قلتُ منذ اليوم الأول مراراً وتكراراً: لا تثقوا
بأمريكا! قلتُ هذا في الجلسات الخاصة وقلته في اللقاءات العامة أمام الشعب. وقد
قلته في الجلسات الخاصة أكثر. قلت لا تثقوا بهؤلاء، وإذا أردتم أن تبرموا اتفاقًا
فاحصلوا على الضمانات اللازمة، ثم تباحثوا، ثم أبرِموا الاتفاق، ثم وقّعوا. لا
تثقوا بكلام هؤلاء. من الأشياء التي صرَّحتُ بها على وجه الخصوص في ذلك الحين هو
أنّني قلت إنّنا نقبل بهذا الاتفاق بهذه الشروط ـ كانت عدّة شروط ـ ومن تلك الشروط
أنّني طلبت أن يقوم الرئيس الأمريكي حينها بالكتابة والتوقيع على رفع الحظر. كان
هذا من ضمن شروطنا، ومن شروطي أنا؛ على كل حال تحمّل المسؤولون المحترمون الجهود
والمشاق وجدّوا وسعوا وتصبّبوا عرقًا لكنهم لم يتمكّنوا من ذلك، ولم يحصل هذا،
وكانت النتيجة ما تشاهدونه: مضت سنتان أو سنتان ونصف؛ عملنا خلالها بكلّ التزاماتنا
وتعهُّداتنا، ويأتي هذا الرجل التافه ويقول إنّني لا أوافق، وأخرُج من الاتفاق،
وأفعل كذا وكذا.
لا تثقوا بهم أيضًا!
قد يُقال الآن: إنّنا نريد مواصلة الاتفاق النووي مع هذه البلدان
الأوروبية الثلاثة، إنّني لا أثق بهذه البلدان الثلاثة أيضًا. وأقول لا تثقوا بهم
أيضاً. وإذا أردتم الاتّفاق معهم فاحصلوا على ضمانة ـ ضمانة واقعيّة حقيقية عملية ـ
وإلّا فسوف يفعل هؤلاء غداً الشيء نفسه الذي فعلته أمريكا، إنّما بأسلوب آخر.
الأساليب السياسية والدبلوماسية أساليب خاصّة، يبتسمون أحياناً ويغرزون الخنجر في
صدر الإنسان إلى المقبض وهم يبتسمون له. بالنهاية، هذه هي الدبلوماسية. بالأخلاق
الحسنة، وبالمديح والتمجيد بأنّك «طيب جدًّا، وصالح جدًّا، وسيّد مبجّل، ونعلم
أنّكم لن تنقضوا الاتفاق»!
إذا استطعتم الحصول منهم على ضمانة بحيث يمكن للمرء الوثوق [بذلك] فلا إشكال في
ذلك، واصلوا مسيركم، وإذا لم تستطيعوا الحصول على مثل هذه الضمانة الحاسمة ـ وأعتقد
أنّه من المستبعد جدّاً أن تستطيعوا ذلك ـ فحينذاك لن يمكن السير ومواصلة الطريق
بهذا الشكل.
عزّة الشعب واقتداره في أيديكم..
القضية حسّاسة جدّاً. ومسؤولو البلاد اليوم عُرضةً لاختبار كبير، فهل
سيحفظون عزّة هذا الشعب العزيز واقتداره أم لا؟ يجب ضمان عزّة هذا الشعب، وينبغي
ضمان مصالحه بالمعنى الحقيقي للكلمة، ومن حسن الحظ، فإنّ المسؤولين أكّدوا على
الحفاظ على المصالح الوطنية، وقالوا يجب ضمان المصالح، نعم، يجب ضمانها، بُغية
ضمانها وتأمينها لا تثقوا بكلام الرئيس الفلاني، ورئيس الوزراء الفلاني، والمستشار
الفلاني. فكلام هؤلاء لا اعتبار له، فهم اليوم يقولون شيئاً وغداً يعملون شيئًا
آخر، وهم لا يخجلون ولا يستحون أبداً. وللأسف؛ فإنّ الشيء الذي يفتقده عالم
الدبلوماسية هو الأخلاق الإنسانية، وخاصّة عند الغربيين والأوروبيين الذين لم
يشمّوا رائحة الأخلاق أصلًا في علاقاتهم الدبلوماسية المختلفة، إنّما يفكّرون فقط
في مصالحهم ويسيرون ويخطّطون طبقاً لها. يجب التعامل مع هؤلاء بدقّة وعقل. وعليه،
ينبغي الحفاظ على عزّة الشعب ومصالحه. والحفاظ عليهما بالمعنى الواقعي للكلمة، ويجب
عدم الثقة بهم.
وأقولها لكم: يا أعزّائي، أيّها الشباب، يا أبنائي، إنّني أرى المستقبل لكم، ولا
أشكُّ أبداً بأنّ مستقبل هذا البلد سيكون أفضل بكثير من حاضره؛ باتّجاه النظام
الإسلامي وباتّجاه الإسلام والقِيَم الإسلامية[11] أسأل الله تعالى أن يحفظ هذه
الجهوزية والاستعداد فيكم، ويثبّت أقدامكم وأقدامنا ويجعل عواقبنا جميعًا إلى خير،
وأن يحشرنا مع الذين نحبّهم شهدائنا الأبرار وإمامنا الخمينيّ الجليل في الدنيا
والآخرة، وأن يُرضي عنّا القلب المقدّس لإمامنا وليّ العصر.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء
الذي أقيم في جامعة إعداد المعلمين؛ ألقى السيد محمّد بطحائي (وزير التربية
والتعليم) كلمة بالمناسبة، وتحدّث أيضًا عدد من المعلمين مُعرِبين عن آرائهم
واقتراحاتهم.
[2] من ذلك صحيفة الإمام الخمينيّ، ج 8 ، ص 91.
[3] سورة البقرة، من الآية 129.
[4] نهج البلاغة، الخطبة رقم 3.
[5] إشارة إلى شعار الحضور.
[6] كلمة سماحته في لقائه بعدد من مسؤولي وزارة التربية والتعليم ومديري جامعة
إعداد المعلمين في اليوم نفسه 09/05/2018 م.
[7] وثيقة التحوّل الأساسي في التربية والتعليم التي صادق عليها المجلس الأعلى
للثورة الثقافية في العام 1390 ه.ش (2011 م).
[8] كلمته لدى لقائه حشداً من المعلّمين من جميع أنحاء البلاد والطلبة الجامعيّين
الدارسين في جامعة إعداد المعلمين بتاريخ 07/05/2017 م.
[9] شعار الحضور: «يموت المعلم ولا يقبل بالوثيقة 2030». وكان جواب القائد لهم ما
أكمله في كلمته.
[10] ضحك الإمام الخامنئي والحضور.
[11] شعار الحضور: «إنّنا مستعدون جاهزون أيّها القائد الحرّ».