كلمة الإمام الخامنئي في لقاء المسؤولين وسفراء الدول المعتمَدين في طهران في يوم
عيد الفطر السعيد 15/6/2018م
بسم الله الرحمن الرحيم[1]
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، لا
سيما بقية الله في الأرضين.
أُبارك هذا العيد السعيد والعظيم لكم أيّها الحضور المحترمون الأعزّاء وسفراء
البلدان الإسلامية الحاضرون في هذه الجلسة، وللشعب الإيراني العظيم المؤمن، وللأمّة
الإسلامية كافّة. أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العيد مباركاً، وعيداً على الأمّة
الإسلامية بالمعنى الواقعي للكلمة.
عيد الفطر كما ورد في الدعاء الذي يُدعى به في قنوت صلاته فنقرأ «وَلِمُحَمَّدٍ
صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ ذُخراً وشَرفاً وكرامَةً ومَزيداً»[2]، هو مصدر شرف
وكرامة وذُخر للوجود المقدس للنبي المكرّم، أي للإسلام والمجتمع الإسلامي. وعلى ما
يبدو أنَّ من أهم العوامل والعناصر التي يمكنها أن تكون مبعث شرف وكرامة لرسول
الإسلام المكرَّم وللمسلمين والمجتمع والأمّة الإسلاميّة هو اتّحاد الأمّة
الإسلاميّة وإزالة الخلافات.
أيّها الإخوة الأعزّاء، أيّتها الأخوات العزيزات، سياسة الاستكبار اليوم عبارة عن
إيجاد الشقاق والاختلاف بين الشعوب المسلمة وحتى داخل الشعوب [أنفسها] وبين أبناء
الشعب الواحد نفسه. هذه هي سياسة [الاستكبار] اليوم. وهذا مخططٌ رسمه المخططون
والمتآمرون الأميركيّون المجرمون والصهاينة لمنطقتنا، والتي هي واحدة من أهم
المناطق الإسلامية. وأنتم تشاهدون مؤشّرات هذا المخطط؛ الأحداث المؤلمة في اليمن،
أحداث سوريا، الأحداث التي كانت في العراق، وباقي البلدان المسلمة. والسبيل هو أن
تكتشف الشعوب المسلمة النقطة الأساسيّة، ألا وهي عداء الاستكبار للمجتمع الإسلامي
والأمة الإسلامية. هذا هو أساس القضية. عليهم أن يقفوا بوجه سياسات الاستكبار، هذا
هو واجب الحكومات، وواجب المسؤولين السياسيين وواجب النُخب الدينية والثقافية
والسياسية في العالم الإسلامي كافّة. نقطة أساسية أخرى هي قضية الكيان الصهيوني حيث
زُرع هذا الكيان في هذه المنطقة وفي قلب العالم الإسلامي لإيجاد الخلافات وبثِّ
الفتن وخلق المشاكل.
والكيان الصهيوني ليس باقياً. هذا ما تُمليه علينا وتفهّمنا إيّاه كلّ التجارب
التاريخيّة بشكلٍ قطعيّ. الكيان الصهيوني يعاني مشكلة في أصل وجوده. يتصوّر
الأميركيّون ومسؤولو الكيان الصهيوني وبعض الحكومات الوضيعة والتابعة لأميركا اليوم؛
أنّه بإقامة علاقات دبلوماسية علنية أو خفية مع الكيان الصهيوني يمكنهم معالجة
مشكلته. كلا، فمشكلة الكيان الصهيوني لا تتمثّل في وجود علاقات دبلوماسيّة له مع
الحكومات أو عدمها، بحيث لو أقامت حكومتان أو ثلاث حكومات ، أقل أو أكثر ، علاقات
معه فسوف يمحو ذلك قُبح العلاقة مع إسرائيل، وإذا مدَّوا يدَ الصداقة للكيان
الصهيوني فسوف تُحلّ مشكلته. كلا، فمشكلة الكيان الصهيوني هي عدم شرعية هذا الكيان
من الأساس. الكيان الصهيوني كيانٌ غير مشروع، وقد كان تأسيس هذا الكيان على أساس
باطل. طردوا شعباً من بلاده بالبطش والإبادة والتهديد والقوة المسلحة، أخرجوا شعباً
تاريخياً، فالشعب الفلسطيني لم يكن شعباً مصطنعاً وحديث الولادة. وكذا الحال
بالنسبة إلى فلسطين، وهل يستطيعون محْوَ خارطة فلسطين من الذاكرة التاريخية
والجغرافيَّة للعالم؟ وهل يمكن حدوث مثل هذا الأمر؟ وحتى لو أجبروا أربعة بلدان
وضيعة في المنطقة على إقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني، فهذا لا يحلّ
مشكلتهم؛ مشكلتهم هي عدم الشرعية.
أساس الكيان الصهيوني في هذه المنطقة أساس ضعيف ومهتزّ وخاطئ. وهذا ليس شيئاً
مفتاحه بيد الحكومات لتستطيع حلَّه. بعض بلدان المنطقة التي لها تجربة أطول في
العلاقة مع الكيان الصهيوني، ولا أريد ذكر اسمها؛ نرى من باب المصادفة أنَّ مشاعر
شعوبها ضدَّ الكيان الصهيوني أكثر حدّة من [مشاعر شعوب] باقي البلدان. القضية قضية
الشعوب. إنّ عدم شرعية الكيان الصهيوني قد حُفر في وجدان الأمّة الإسلامية وهي شيء
لا يزول. ولن يستطيعوا من خلال مساعي البيت الأبيض ونقل السفارة إلى القدس وما شاكل
أن يحلّوا هذه المشكلة. هذه المشكلة لا حلَّ لها. وممّا لا شك فيه، أنَّ هذا الكيان
الذي تكوّن على أساسٍ باطل؛ سوف يزول ويُقضى عليه بتوفيقٍ من الله وبِهِمَم الشعوب
المسلمة.
ينبغي أن يُسأل الشعب الفلسطيني، كما كل البلدان الحرة في العالم، والفلسطينيون
الحقيقيون ؛سواءً كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهوداً، أولئك الفلسطينيون منهم لا
الذين دخلوا فلسطين من أماكن أخرى. ينبغي استطلاع آراء الفلسطينيّين واستفتاؤهم
ليحدّدوا النظام الحكومي في أرض فلسطين، وهذا النظام الحكومي سوف يتّخذ قراره بشأن
الذين دخلوا هذه المنطقة أي الصهاينة ورؤساؤهم والباقون. ليس لفلسطين سوى هذا الحل،
وهو نفسه القضاء على الكيان الصهيوني الباطل الزائف الذي يتولّى الأمور اليوم. كما
لابدّ من زواله؛ وهو الأمر الذي سيتحقّق بشكل مؤكّد في المستقبل غير البعيد ـ لا
يمكن تحديد الزمن، في المستقبل غير البعيد كثيراً ـ بحول الله وقوته. وإن حصل هذا
الأمر فستتمكّن الشعوب المسلمة في هذه المنطقة من أن تكتسب وحدتها إن شاء الله.
إنّ سبب الاختلاف في هذه المنطقة هو وجود هذا العدو. العدو المشترك دائماً ما يوجد
الاتحاد،[لكنَّه]هنا عمِلَ بطريقة عكسية، فهذا العدو سببٌ للاختلاف والنفاق ومصدر
لوجود أنواع الخيانة لدى بعض المسؤولين في البلدان الإسلامية. وعندما يزول [هذا
العدو] ستتقارب البلدان وتتّحد وتحافظ على وفاقها، والعزّة الإسلامية كامنة في
اتحاد الأمة الإسلامية. ينبغي للأمة الإسلامية أن تصل إلى ذروة رِفْعتها إن شاء
الله في ظلّ الاتحاد، وستصل.
نتمنى أن يُقدِّر الله تعالى للأمّة الإسلامية خيراً في عيد الفطر هذا وفي كلّ
الأيام المباركة، وأن يوفّق كل أبناء الأمة الإسلاميّة وكلّ الشعوب المسلمة للتحرّك
الجاد في هذا الطريق.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء الذي أقيم بمناسبة عيد الفطر السعيد ـ ألقى حجّة الإسلام
والمسلمين حسن روحاني (رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران) كلمة بالمناسبة.
[2] إقبال الأعمال، ج 1، ص 289.