كلمة
الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) لدى لقائه الوفد الرياضيّ الإيرانيّ، المشارك في دورة
الألعاب الآسيويّة بإندونيسيا 24/04/2018م
بسم الله الرحمن الرحيم
يعتبر اليوم بالنسبة إليّ يوماً عذباً للغاية، ولا يُنسى أبداً.
أوّلاً، يجب أن نشكر الله -سبحانه وتعالى-، فقد مرَّت أيّام محرّم لهذا العام،
والعشرة الأولى منه، بعظمة ومجْد، وحضور جماهيريّ فاعل وزاخر بالمعاني يفوق الأعوام
السالفة، وهذه من مواطِن الشكر. فأنتم أبناء الإسلام وأبناء عاشوراء وأبناء القِيَم
الإسلاميّة، ونحن نفتخر بكم.
حادثة الأهواز.. عملٌ جبان!
أودّ أن أشير إلى حادثة الأهواز المريرة التي حدثت قبل يومين: يدلّ هذا
(الهجوم) على أنّ لنا في هذا الطريق الذي نسلكه، وهو طريق الفخر والسمو والتقدّم،
أعداء كثيرين، وهذا ما يجب عليكم جميعاً أن تلتفتوا إليه على الدوام. علماً بأنّ
عملهم هذا كان عملاً جباناً، فإنّ هجمتم بالرشّاشات على جماعة لا تحمل السلاح ولا
تستطيع الدفاع عن نفسها، فمن الواضح أنّ عدداً منهم سينال الشهادة، ولذا فإنّ هذا
العمل لا ينمّ عن شجاعة، بل كان عملاً جباناً، وإنّما شبابنا هم الذين قاموا بأعمال
شجاعة، كلٌّ في ميدان من الميادين: أنتم في ميدان الرياضة، ومجموعة في ميدان الدفاع
المقدّس، وأخرى في ميدان العلم؛ تلك هي الأعمال التي تتّسم بالشجاعة والقيمة. وبحسب
المعلومات التي بلَغَتني حتى اليوم، فإنّ هذه العملية التي نفّذها العدوّ، هي من
صنيع نفس أولئك الذين يبادر الأمريكيون إلى إنقاذهم أينما تورّطوا في سوريا والعراق،
والذين تموّلهم السعوديّة والإمارات العربيّة من جيبها. طبعاً سيتمّ الردّ، وسيكون
ردّنا شديداً إن شاء الله.
أنتم الميداليّة الحقيقيّة!
وفيما يتعلّق بعملكم دوّنتُ بضع نقاط لأستعرضها لكم: أوّلاً، وكما ذكرتُ،
فإنّ الميداليّة الحقيقيّة هي أنتم الذين تمثّلون طاقة بشريّة كفوءة مؤمِنة ذكيّة
جادّة مثابرة؛ ذلك أنّ أسمى قيمة لأيّ بلد؛ هي أن تتوافر فيه طاقة بشريّة على هذا
الشكل. وأيّ ميدان نخوضه بهذه الطاقة البشريّة، سنمضي قُدماً كما تقدّمنا اليوم في
الساحة الرياضيّة والحمد لله. ولقد شاهدتم بأنّنا فُزنا في ألعابٍ (رياضيّة)، ليس
لدينا فيها سابقة كبيرة، على مؤسّسيها أنفسهم، فإنّ السيّدات والفتيات والفتيان
يحوزون على ميداليّات في شتّى الألعاب (الرياضيّة)، وهذا مدعاة للفخر والاعتزاز.
وبالتالي فإنّكم فزتم والحمد لله.
فوزكم يُغيظ الأعداء...
والنقطة (الأخرى) أن تعلموا -وأنتم تعلمون- بأنّ أيّ فوزٍ وانتصارٍ
نحقّقه يُغيظ جبهة الاستكبار العالميّ ويُغضبها؛ سواء الفوز في ميدان الرياضة أو في
جبهة الحرب أو في ساحة العِلم. ففي أيّ ساحة نتغلّب فيها تثور ثائرتهم، وعلى هذا
فانتصاركم إنّما هو انتصار على جبهة الاستكبار، حيث ألحقتم بهم الهزيمة وأغضبتموهم
وجرّعتموهم الغُصص. تعلمون بأنّهم مستعدّون لرشوة الحكام، ولفعلِ أيّ شيء يحول دون
فوزكم في شتّى الميادين... هكذا يمارسون عداءهم. وإن حقّقتم الفوز؛ فقد هزمتموهم،
في الحقيقة، من الناحية الروحيّة والعاطفيّة؛ ذلك أنَّكم لا تهزمون منافسكم في
الساحة وحسب، وإنّما تهزمون جبهة واسعة تقف وراء الكواليس أيضاً، ومن أجل هذا نحن
نفتخر بكم.
والحقّ يُقال إنّ رسائل الشكر التي أبعثها لكم أحياناً بعد فوزكم، إنّما هي نابعة
من أعماق القلب؛ أي إنّي أشكركم بكلّ ما للكلمة من معنى، لأنّكم، في الحقيقة،
تُهدون فوزاً وطنيّاً لأبناء الشعب الإيرانيّ وتُدخلون السرور إلى قلوبهم.. هذه
نقطة.
والنقطة الأخرى هي أنّ فوزنا، في بعض المسابقات الرياضيّة، يُفرح الملايين من الناس
في البلدان الأخرى. فإنّ مباراة كرة القدم التاريخيّة المعروفة بين إيران وأمريكا
أفرَحت الناس في مصر وفي بيروت وفي الكثير من البلدان الأخرى، فإنّهم من جانبٍ لا
تربطهم بنا أيّة قرابة، ولكنّهم يفرحون لفوزنا. وعليه؛ فإنّ فوزكم يُحزن جبهةً -وأيّ
شيء أفضل من أن يحزن أعداء البشريّة- ويفرح جماعة عظيمة من الناس يعتبرون ذلك فوزاً
لهم أيضاً.
فوزٌ لا يستطيع أحد إنكاره
ثمّة نقطة أخرى وهي أنّ انتصاراتنا غالباً ما يتمّ التعتيم عليها من
قِبل أجهزة الأعداء الإعلاميّة. فقد حقّقنا اليوم إنجازات كبرى على الصعيد العِلمي،
بيد أنّ الكثير من أبناء شعبنا لا يعلمون بها حتى، لكنّنا نعلم ذلك. نحن نُعَدُّ
ضمن عددٍ ملحوظ من فروع العلم الحديثة في هذا العصر، من بين العشر الأوائل في
العالم؛ بمعنى أنّ بلدنا بين مئتي بلدٍ ونيّف؛ يدخل ضمن الدول العشر الأوائل،
وأحياناً الستّ أو السبع الأوائل في العالم، وهذا ما يتكتّمون عليه في الأعمّ
الأغلب، ولا يبوحون بالانتصارات المختلفة في شتّى المجالات، ولكن لا يستطيع أحدٌ
التكتّم على الفوز في الميادين الرياضيّة، وهذه هي ميزة عملكم؛ أي إنّكم إذا فزتم
في ميدان الرياضة لا يستطيع أحد إنكار ذلك، لأنه جرى على مرأى من العالم برمّته
وأمام أنظار الملايين من الناس، وهذا ما يُضاعف من قيمة عملِكم.
سلوككم يَعكس هويّتنا
هنالك نقطة أخرى ،كبيرة الأهميّة برأيي، وهي تتمثّل في سلوككم، فإنّكم
في المباريات الرياضية، هذا العام، -وفي الماضي كذلك- قد عكستم هويّتكم الإيرانيّة
والإسلاميّة بالمعنى الحقيقي للكلمة. الشخصيّة الإسلاميّة والإيرانيّة كما تجلّت في
أعمالكم أنتم الرجال، تجلّت أيضاً في أعمال هؤلاء السيدات. قمتم بالسجود والدعاء
لله، وفتاتنا الإيرانيّة امتنعت عن مصافحة رئيس الجمهوريّة لأنه لم يكن من محارمها،
وهذه أمورٌ قيّمةٌ وبالغة الأهميّة. تلك السجدة التي بثّتها شاشات التلفزة لهؤلاء
السيّدات التي قام بها فريق الكابادي، كانت على قدرٍ كبيرٍ من الأهميّة، من الناحية
القيميّة لا تُقَدَّر بثمن وهي أعلى من أيّ حساب ماديّ. إنّ سيّداتنا المشاركات، في
ميدان الرياضة، حضرنَ بوقار ومتانة؛ فقدّمنَ، وكلّهن بالحجاب الإسلاميّ وبعضهنّ
بالحجاب الإسلاميّ الإيرانيّ الخاصّ وهو الشادور، نموذج المرأة الإيرانيّة إلى كلّ
العالم، وهذا يمثّل قيمة كبيرة.
ثم إنّ إهداءكم الميداليّات إلى الشهداء أو إلى المدافعين عن المقدّسات، حيث أهدى
أحد الأبطال والحائزين على الميداليّات ميداليّته إلى شهيدٍ مدافع عن المقدّسات،
وأهداها آخر إلى عمِّه الشهيد، يعتبر قضيّة ذات قيمة كبيرة، ويعبّر عن هويّتكم
الثوريّة والإسلاميّة والإيرانيّة، وهذه أمور ترتقي بالشعب إلى الأعلى. أمّا الخضوع
والخنوع أمام إملاءات الاستكبار؛ فهي لا تعدّ فخراً، وإنّما هذه هي المفخَرة وهذه
هي البطولة الأصيلة. ذلك إنّ لبعض الدول أبطالًا، ولكنّهم أبطال مستأجَرون، حيث
يستأجرونهم من هذا البلد وذاك، والبطل المستأجَر لا يستطيع استعراض هويّة ذلك الشعب.
بينما البطل الأصيل الذي ينبثق من صميم الشعب، يستطيع أن يمثّل شعبه وأن يَعرِض
هويّته، وهذا ما فعلتموه أنتم، وهو عملٌ قيّمٌ جدّاً.
وأريد أن أقول لكم: لا يُرعبنّكم أحدٌ، و(لا تكترثوا) إذا قال لكم أحدٌ: إن لم
تشاركوا في المباراة الفلانيّة، وإن لم تفعلوا كذا، وإن لم تظهروا بهذا المظهر، سوف
لا يرضى عنكم الاتّحاد الدوليّ الفلانيّ والتشكيلات الدوليّة الفلانيّة.. إلى جهنّم!
[إن لم يرضوا] لا يستطيعون ارتكاب أيّة حماقة. فلقد هدّدوا السيّد علي رضا (كريمي)،
وذهب، في هذا العام، وحاز على البطولة، وعاد والحمد لله. ففي العام الماضي؛ عندما
أعرض عن المشاركة في تلك المباراة، وفي الحقيقة تقبّل الهزيمة بمعنى من المعاني في
سبيل مبدأٍ، هدّدوه وهدّدوا اتّحاد المصارعة أيضاً.. لا تستسلموا أمام هذه
التهديدات، وافعلوا فعلكم، وواصلوا نهجكم، وتابعوا هدفكم. فإنّ ميدان الرياضة ليس
ميدان الخوف والجُبن والمجاملة، وإنّما هو ميدان الشجاعة والمبادرة والتقدّم. ولا
ينبغي سحْق المبادئ والقِيَم في سبيل أن نحوز على ميداليّة في مكانٍ ما. فأن تكتبوا
على صدورِكم (شعار) «يا عليّ» و«يا زينب» له حقّاً قيمة كبيرة لا متناهية، وأن
تسجدوا (لله شكراً) بعد فوزكم له قيمة لا متناهية، وهذه كما ذكرتُ لا تُدرج ضمن
الحسابات الماديّة، فالتفتوا إلىذلك. وعلى أيّ حال، لا تَدَعوا أن تكون هذه الهويّة
القيّمة مغلوبة بالانفعال أمام رغبات البعض وإملاءاتهم الكاذبة والمغلوطة والباطلة.
إنّكم تحت المجهر... التفتوا!
ثمّة نقطة أودّ أن أوصيكم أنتم بالخصوص بها، وهي أنّ الأبطال تحتَ المجهر، وأنّكم
جميعاً تحت أنظار الناس، والناس يعرفونكم لا في ميدان الرياضة وحسب، بل في الشارع
وفي محلّ العمل وأمثال ذلك أيضاً. فبوسعكم أن تكونوا قدوة في الصلاح والوقار والشرف
والنقاء، وعليكم أن تنظّموا سلوككم في خارج ميدان البطولة والرياضة بالطريقة التي
تتطابق مع ذلك السلوك الجيّد في الساحة الرياضيّة. فقد كان لدينا أحياناً من أمثال
أولئك الذين تألّقوا جدّاً في ميدان الرياضة، ولكنّهم بعد ذلك ارتكبوا عملاً لا
يناسب (شأنهم).
بإمكان المرء أن يكون بطلاً ومتواضعاً، وبإمكانه أن يكون بطلاً ومتديّناً، وبإمكانه
أن يكون بطلاً وأمّاً صالحة - كما أثبتت إحدى هؤلاء السيّدات بأنّها أمّ صالحة -
وبإمكانه أن يكون بطلاً ومن طلائع الثوريّين.. هذه مسائل ينبغي لكم أن تضعوها نُصب
أعينكم وأن تلتفتوا إليها إن شاء الله.
الإعراض عن السباق بطولةٌ أيضاً
وأقولها هنا أيضاً، بأنّ البطولة تأتي أحياناً بالإعراض عن المشاركة في الميدان.
فإنّ سبب الضجيج الذي أثاروه حول أنّكم لماذا لا تتسابقون مع الكيان الصهيونيّ،
ولماذا لا تتصارعون معه ولماذا ولماذا، هو رغبتهم في ثَني الجمهوريّة الإسلاميّة
والشعب الإيرانيّ عن النهج القويم والطريق المستقيم الذي سلكه منذ بداية الثورة (الإسلاميّة).
منذ انطلاق الثورة قلنا؛ إنّنا لا نعترف بكيانين؛ لا أننا نقطع العلاقات معهما بل
لا نعترف بهما أساساً: الأوّل هو الكيان الصهيونيّ، والآخر هو كيان أفريقيا
الجنوبيّة العنصريّ. علماً بأنّ هؤلاء الذين يتشدّقون بحقوق الإنسان ويتقوّلون بهذه
الأقاويل في الوقت الراهن، كانت لهم علاقاتهم مع الكيان الصهيونيّ - وهي ما زالت
قائمة - ومع أفريقيا الجنوبيّة حتى اللحظة الأخيرة أيضاً. والأخير نظام فرضت فيه
أقليّة بيضاء هيمنتها على جماهير مليونيّة سوداء وهي صاحبة الأرض، حيث كان البيض قد
جاؤوا من بريطانيا، وكانوا من ذوي أصول بريطانيّة، وقد أحكموا قبضتهم على هذا البلد
لأعوام طويلة، لربّما تبلغ مئة عام - لا أذكر بالدّقة الآن -، فقلنا إنّنا لا نعترف
بهذا الكيان، وإنّ أفريقيا الجنوبيّة تعود إلى أبنائها، لا إلى المحتلّين
البريطانيين.
وعندما أُفرج عن السيّد "نيلسون مانديلا" (رئيس جمهوريّة أفريقيا الجنوبيّة) وخرج
من السجن، جاء وجلس في هذه الغرفة نفسها، وفي موضع جلوسكم قبل أن يتقلّد منصب رئاسة
الجمهوريّة، فشرحتُ له نهضة الإمام (الخمينيّ) وجهاده، وقلتُ إنّ الإمام في جهاده
سار على هذا المنهاج؛ ذلك إنه لم يستخدم الرصاصة والبندقيّة والانقلاب ونحوها،
وإنّما عرض (ثورته) على الناس وخاطب الشعب فنزلت الجماهير إلى المواجهة في الشارع
باللحم الحيّ. ولا يمكن لأيّ نظام يواجه ويتغلّب على شعبٍ نزل ببدنه ببسالة إلى
الشارع. فعرفتُ بأنّ (كلامي هذا) قد ترك أثراً في نفسه، وبعد أن غادر بلدنا، انطلقت
المظاهرات في أفريقيا الجنوبيّة واستمرّت حتى إسقاط نظام الفصل العنصريّ. والكيان
الصهيونيّ أيضاً، وهو حقّاً كيان قائم على التمييز والفصل العنصريّ وكيان غاصبٌ
وكذّابٌ وخبيثٌ، سيؤول مصيره إلى السقوط والزوال.
نحن لا نتسابق مع هذا الكيان، وهذه هي البطولة. فأن يتخلَّى بطلنا عن النزول إلى
الميدان وعن مصارعة هذا (الإسرائيليّ) أو التسابق معه أو المشاركة في أيّة مباراة
أخرى معه، هذه هي البطولة. وأن يكون بطلنا مستعدّاً للهزيمة في سبيل ألّا يضطرّ
للتسابق معه وفق الاتفاقيّات الدوليّة، فهذه هي البطولة.
عندما جاء السيّد علي رضا كريمي في العام الماضي إلى هذا المكان، قلتُ له: إنّك بطل.
فأن تمتنع عن المشاركة - أي أن تقوم بما لا يجعلك مجبراً على التسابق معه، حتى ولو
أدَّى ذلك للقبول بالهزيمة، فمن الصعب جداً لمصارع يكون قادراً على الغلبة ولكنَّه
يقبل الهزيمة - وأن تتحمّل هذه الصعوبة، فهذه هي البطولة الحقيقيّة.
..على الجميع ممارسة الرياضة
على أيّ حال، فإنكم جميعاً - فتيات وفتياناً - صالحون؛ في أيّ قسم من الأقسام
الرياضيّة تمارسون دوركم. واصلوا طريق الرياضة البطوليّة ما استطعتم ورغبتم؛ ذلك أنّ
الرياضة البطولية تمثّل القمّة، ولابدّ أن تتسبّب في أن يتّجه الناس باتّجاه هذه
القمّة، ولا أقصد بأن يمارس الجميع الرياضة البطوليّة، وإنما يمارس الجميع الرياضة؛
بمعنى أن الرياضة يجب أن تبدو حلوة وجميلة في أعين الناس. فعلى الجميع ممارسة
الرياضة سواء كانوا من الشباب أو من الشيوخ أمثالنا، علماً بأننّا نمارس رياضة
الشيوخ بما يناسب شيخوختنا.
نسأل الله أن تكونوا في نجاح وصلاح وسعادة، وأنا بدوري أدعو لكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته