كلمة الإمام الخامنئي في لقائه مسؤولي النظام وسفراء البلدان الإسلامية بمناسبة عيد الفطر السعيد (1)_05/06/2019 م
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الطّيبين الطّاهرين المعصومين لا سيّما بقية الله في الأرضين.
أبارك عيد الفطر السعيد لكم جميعاً أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، والحضور المحترمون، وسفراء البلدان الإسلامية المحترمون الحاضرون في هذه اللقاء. كما أبارك هذا العيد لكلّ أبناء الشعب الإيراني العظيم الذين، للحقّ والإنصاف، يستحقّون التكريم والتعظيم ومباركة هذا العيد لهم. لقد أمضى شعبنا شهر رمضان بإخلاص وصفاء وحال معنويّة زاخرة بالمضامين، وسوف يلقون في هذا اليوم إن شاء الله وهو يوم العيد، الأجر الإلهي والرحمة الإلهية ونظرة اللطف الإلهي. كما أبارك هذا العيد للأمة الإسلامية.
يتصالحون مع العدو ويحاربون إخوانهم!
إنّنا نصرُّ على أن يبقى هذا العنوان وهذا المضمون «الأمّة الإسلامية» حيّاً شاخصاً في أذهان كلّ أبناء الشعوب المسلمة وخصوصاً المسؤولين المسلمين، لأنّ مساعي أعداء الإسلام والمسلمين منصبّة على محو عنوان الأمّة الإسلامية من الأذهان وعلى إنساء المسلمين له، فننسى حقيقة أنّ جمعاً هائلاً من مليار ونصف المليار أو قرابة الملياري نسمة في عشرات البلدان الإسلامية يُعدّون وحدة واحدة، وللأسف فإنّ الأعداء قد نجحوا في ذلك. إذا نظرتم إلى منطقتنا في الوقت الحاضر تجدون أنّ الاصطفافات بدل أن تكون بين الإسلام والكفر وبين المؤمنين والمعتدين، تقوم بين المسلمين أنفسهم. فتجد بلداً إسلاميّاً ذا شعب مسلم، لكنّ حكّامه لاأباليون -بالمعنى الواقعي للكلمة- يصطفّ إلى جانب الكيان الصهيوني الغاصب بدل معاداته، ويعمل ويتكلّم لمصلحته، ويرفع الشعارات لمصلحته، وفي الوقت نفسه يحارب بلداً إسلاميّاً آخر. هذا نجاح أحرزه الأعداء للأسف، فشكّلوا الاصطفافات وافتعلوا المواجهات والمعارك بين البلدان الإسلامية والإخوة فيما بينهم. هذا شيء ينبغي للعالم الإسلامي معالجته.
لاحظوا! يوجد اليوم عدوّ غاصب في قلب البلدان الإسلامية وفي وسط البلدان الإسلامية أي فلسطين، لا ينفكّ عن ممارسة الأعمال الإجراميّة وهذا ما يستدعي من المسلمين كافّة أن يتحسّسوا لهذا الأمر، وأن يصطفّوا بوجه هذا العدوّ ويمنعوا جرائمه. لكن بدلاً من هذا، نرى أشخاصاً في العالم الإسلامي يتصالحون معه، ويغرزون أظفارهم في وجوه إخوانهم المسلمين، ويعلنون الحروب عليهم ويختلقون النزاعات والخلافات معهم. هذا هو الإشكال.
إنّ عيد الفطر هو عيد الأمة الإسلامية، وينبغي التفكير في اتّحاد الأمّة الإسلامية.
إنّنا ننصح هذه البلدان وهذه الحكومات التي تنسى ما طلبه القرآن منها. [أن تستذكر] هذه الآيات التي تُليت: «وَالَّذينَ مَعَه، أشِدّاءُ على الكفّارِ رُحَماءُ بَينَهُم» (2) هؤلاء «أشداء على المؤمنين رحماء مع الكفار»، أي إنّهم يعملون بالعكس، فهل هؤلاء مسلمون؟ أينما دخلت السياسات البريطانية في الماضي، والسياسات الأمريكية في الوقت الحاضر، في البلدان الإسلامية حصلت مثل هذه الفتن. فهم يفتعلون الخلافات بين البلدان الإسلامية والنفور والشقاق، وأيضاً في داخل البلد الواحد. لاحظوا ما يحدث في ليبيا! لماذا يجب أن تسفك جماعتان في بلد مسلم دماء بعضهما البعض، والحال أنّهما أبناء بلد واحد، وأرض واحدة، وماء واحدة، ومصالحهما مرتبطة بعضها بالبعض الآخر؟ من الذي يحضّهما على ذلك؟ ولماذا ينبغي أن تقصف مساجد بلد كاليمن، وتقصف أسواقه ومستشفياته ومدارسه الإبتدائية، وتقصف بناه التحتية العمرانية؟ لماذا؟ من الذي يقصفهم؟ الذي يقصفهم شخص يدّعي الإسلام، وبلد هو أيضاً بلد إسلامي، وشعبه مسلم. إنّهم يعملون ويتحرّكون في قلب العالم الإسلامي طبقاً لرغبة أعداء الإسلام وبذرائع واهية. هنا يمكن الإشكال.
.. ثُمَّ تَكونُ عَلَيهِم حَسرَة
إنّ قضية فلسطين اليوم من أهمّ القضايا في العالم الإسلامي بل هي قضية العالم الإسلامي الأولى، وإذا بهم يقيمون في البحرين مؤتمراً بأمر من أمريكا يتآمرون فيه على القضية الفلسطينيّة، وللقضاء عليها! ليعلم حكام البحرين أنّهم يقطعون الغصن الذي يجلسون عليه، فلا ينخدعوا بالسعوديين. هم والسعوديون يقطعون الغصن الذي يجلسون عليه، وسينتهي الأمر بضررهم: «فَسَينفِقونَها ثُمَّ تَكونُ عَلَيهِم حَسرَة» (3). ينفقون الأموال، ويبذلون المساعي والجهود لكنّ نتائجها ستكون معاكسة وخلافاً لرغبتهم. هذا ما يقوله القرآن بنحو قاطع. وهؤلاء أيضاً سينتهي المطاف ضدّ مصالحهم وبضررهم، لكنّهم لا يفهمون، للأسف لا يفهمون. إن يعودوا إلى رشدهم فطريق العودة مفتوح. وإن تابوا فطريق التوبة مفتوح: «إلَّا الَّذينَ تابوا وَأصلَحوا» (4) إذا أصلحوا تلك المفاسد التي أوجدوها. هذا ما يحتاجه العالم الإسلامي اليوم. مشكلات العالم الإسلامي سوف تعالج وتحلّ بتعاون المسلمين واتّحادهم فيما بينهم. ينبغي السعي في هذا السبيل وفي هذا الخصوص، وهناك واجب يقع على عاتق المثقّفين والعلماء في العالم الإسلامي.
وستعود فلسطين إلى شعبها!
لقد تعهّدنا في الجمهورية الإسلامية تكاليف الدفاع عن فلسطين. قلنا سندافع عن فلسطين فوقف العالم الاستكباري بوجهنا ووجّه ضرباته إلينا، لكنّنا قاومنا وصمدنا وثبتنا وسوف نواصل الصمود، ونعلم يقيناً بأنّ النصر النهائي سيكون حليف الشعب الفلسطيني.
لسنا كبعض القادة العرب القدامى الذين قالوا سوف نلقي اليهود في البحر، إنّنا لا نقول بذلك. [بل] نقول ينبغي مواصلة الكفاح الشامل للشعب الفلسطيني ـ الكفاح السياسي والكفاح العسكري والكفاح الأخلاقي والثقافي ـ حتى يستسلم غاصبو فلسطين لرأي الشعب الفلسطيني. يُستفتى كلُّ أبناء الشعب الفلسطيني من مسلمين ومسيحيين ويهود فلسطينيين والذين أبعدوا ونفوا إلى خارج فلسطين، وهم الذين يحدِّدون النظام الذي سيحكم فلسطين، ويرضخ الكلّ لذلك. ينبغي للكفاح أن يستمرّ إلى ذلك الحين وسوف يستمرّ، وبلطف الله تعالى وتوفيقه وبحوله وقوّته سوف ينتصر الشعب الفلسطيني في هذا الكفاح السلمي الإنساني الذي توافقه كلّ الأعراف العقلائية في العالم، وستعود فلسطين إلى الشعب الفلسطيني، وسوف ترون أنتم الشباب ذلك اليوم بتوفيق من الله إن شاء الله.
اللّهم بمحمد وآل محمد احشر الروح الطاهرة للإمام الخميني الجليل الذي عرّفنا على هذا الدرب وهذا الهدف مع أوليائه. واحشر الشهداء الذين مضوا في طريق إعلاء راية الإسلام مع الرسول.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 ـ في بداية هذا اللقاء ألقى رئيس الجمهوريّة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ حسن روحاني كلمة بالمناسبة.
2 ـ سورة الفتح، شطر من الآية 29.
3 ـ سورة الأنفال، شطر من الآية 36.
4 ـ من ذلك سورة البقرة، الآية 160.