كلمة الإمام الخامنئي (حفظه الله) بمناسبة يوم المبعث النبوي الشريف وحلول عام 1399 الهجري الشمسي_22/03/2020
بسم الله الرّحمن الرّحیم
والحمد لله ربّ العالمین والصّلاة والسّلام علی سیّدنا ونبیّنا أبي القاسم المصطفیٰ محمّد (صلّی اللّه علیه وآله) وعلی أهل بیته الطّیّبین الطّاهرین المعصومین لا سیّما بقیّة الله في الأرضین. اللّهمّ صلّ علی عليّ بن موسی الرّضا ولیّك عدد ما في علمك صلاةً دائمة بدوام ملكك وسلطانك. اللّهمّ سلّم علی ولیّك عليّ بن موسی الرّضا عدد ما في علمك سلامًا دائمًا بدوام ملکك وسلطانك وجبروتك.
جرت العادة في كلّ عام أن نقيم مراسم أول السنة الهجرية الشمسية في ظلّ حرم الإمام علي بن موسى الرضا (سلام الله عليه) وفي خدمة أهالي مشهد الكرام والزوار الأعزاء القادمين إلى مشهد من كل أنحاء البلاد؛ كان "نوروزنا" يتزين بهذا اللقاء، نحن محرومون هذه السنة!
(ترجمة شعر)
رغم بعد المكان لكننا نترنَّم بذكرك
فلا أثر لبعد المنزل في السفر المعنوي (1)
أرى أن الأفضل أن نتلو الصلوات الخاصة بزيارة الإمام من بعيد وفي أي مكان كنا:
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلىٰ عَلیِّ بن موسَى الرِّضَا المُرتَضَى الاِمامِ التَّقي النَّقيّ وَحُجَّتِكَ عَلىٰ مَن فَوقَ الأرضِ وَمَن تَحتَ الثَّرَى الصِّدّيقِ الشَّهيدِ صَلاةً كَثيرَةً ناميَةً زاكيَةً مُتَواصِلَةً مُتَواتِرَةً مُتَرادِفَةً كأفضلِ ما صلّيتَ عَلىٰ أحدٍ مِن أولِيائِك. (2)
أبارك عيد المبعث السعيد، فاليوم هو من أكبر أعيادنا الإسلامية. كما أبارك مجدّدًا عيد النوروز وحلول فصل الربيع لكل شعبنا العزيز.
المبعث؛ يومٌ عظيم ينطوي على مضمونٍ عظيم
إنّ المبعث النبوي يوم عظيم جدًا؛ ينبغي علينا أن ندرك مدى أهمية المبعث النبوي.أن نعرف؛ أنّ مبعث رسول الإسلام هو واقعةٌ، أخذ الله تعالى من كل الأنبياء الآخرين ميثاقًا وعهدًا عليها. "واِذ أخَذ اللهُ ميثـاقَ النَّبِيّينَ لما آتَيتُكُم مِن كِتبٍ وَحِكمَةٍ ثُمَّ جاءَكُم رَسولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُـم لَتُؤمِنُنَّ بِه وَلَتَنـصُرُنَّه" (3) استنادًا إلى هذه الآية المباركة، إن الله تعالى أخذ عهدًا من الأنبياء طوال التاريخ بأنه في مثل هذا اليوم سوف يبعث رسول الإسلام وعليهم الإيمان به ونُصرته. حسنًا، الإيمان واضح. أما النصرة فهي أن يعرّفوا شعوبهم وأتباعهم إلى النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ويطلبوا منهم أن يؤمنوا به؛ هذا هو الحد الأدنى من نصرة الأنبياء؛ والله أخذ منهم هذا العهد. لذلك تلاحظون من خلال الآية القرآنية: «اَلَّذي يجِدونَه مَكتوبًا عِندَهُم فِي التَّوريٰةِ وَالاِنجيل» (4) أي إنّ خصائص نبينا كانت موجودة في التوراة والإنجيل غير المحرّفين. أو في آية أخرى، يقول تعالى عن لسان النبي عيسى: «وَاِذ قالَ عيسَى بن مَريمَ يٰبَني اِسراءيلَ اِنّي رَسولُ اللهِ اِلَيكم مُصَدِّقًا لِما بَينَ يدَي مِنَ التَّوريٰةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسولٍ يأتي مِن بَعدِي اسمُه اَحمَد» (5) فالنبي عيسى بيّن اسم ذلك الرسول العظيم. ولذلك فإن هذه الواقعة مهمّة لدرجةٍ أن الإمام علي (عليه السلام) أشار لها في نهج البلاغة على هذا النحو أيضًا، حيث قال: «اِلى اَن بَعَثَ اللَهُ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَهِ صلّى الله عليه وآله لِاِنجازِ عِدَتِه وَتَمامِ نُبُوَّتِه مَأخُوذًا على النَّبيينَ مِيثاقُه» (6) أي إنّ الله تعالى أخذ من الأنبياء عهدًا وميثاقًا وأوصاهم بأن يتعاملوا معه على هذا الأساس.
حسنًا، إن هذه البعثة ذات مضمون عظيم. سوف أتحدّث باختصار عن هذا المضمون وأربط هذه المسألة بوضعنا وزماننا الحالي، حيث إنّ المسألة لها تأثير من الناحية العملية أيضًا وليست مجرّد اعتقاد فقط.
حقائق البعثة؛ تفيض بالحياة الطيّبة
المبعث والوحي الإلهي يوضحان حقائق للناس والبشرية، وهذه الحقائق هي بنحوٍ، إذا ما آمن الناس والمجتعات البشرية المتنوعة بها وعملوا على أساسها، ستحلّ عليهم الحياة الطيبة. ما معنى الحياة الطيبة؟ إنّها الحياة الحلوة والمفيدة والمنشودة، الحياة الطاهرة، تتمثّل طهارتها بكونها مرغوبة وحلوة، لأنها تساعد الإنسان في الحركة على صراط الكمال ونيل كل جمال وخير، سواء في الدنيا أو في الآخرة. هذه هي الحياة الطيبة. إذا تعرَّفت القلوب إلى هذه المعارف والحقائق، وتعلّقت بها والتزمت بمتطلباتها، فإن الحياة الطيبة ستكون في انتظارها حتمًا.
حسنًا، قسم من هذه الحقائق عبارة عن منظومة الإسلام المعرفية، حيث إنّ هذه المنظومة المعرفية تعبّر عن رأي الإسلام في الكون والإنسان. ودور الإنسان في العالم، والذات الإلهية المقدسة، والصفات والأسماء الإلهية، ونحن نقرأ في دعاء كميل أنها: "مَلأت أركانَ كُلِّ شَيء"، أو في دعاء شهر رجب: " بِهِم مَلَأتَ سَماءكَ وَأرضَك"، حيث يوجد حقائق بالغة الأهمية عن مسيرة الإنسان في الحياة وبعد الممات وأمثالها، هذه الحقائق هي سلسلة الإسلام المعرفية؛ منظومة الإسلام المعرفية؛ حيثُ إنها تعلّم البشرية وتنبّه الناس فتجعلهم واعين يقظين.
قسم آخر من الحقائق يتمثل بمنظومة الإسلام القيمية، القيم التي قام الإسلام بتثبيتها، أي التي قام بتعريفها بأنها قيم؛ قيمٌ يجب على الأفراد والمجتمعات التحقق بها والحركة تجاهها، لأن سعادتهم فيها؛ من الأخلاق الفردية التي تدعو إلى الصبر والحلم والتسامح، وأمثالها من الصفات الفردية للإنسان، وصولًا إلى المفاهيم العامة والضرورية لصناعة الحياة كالحرية والعدالة الاجتماعية، مثل الكرامة الإنسانية، ونمط الحياة؛ هذه حلقات من السلسلة القيمية الإسلامية والتي بيّنها الإسلام وشرحها لنا. البعض يملك تصوّرًا خاطئًا أنّ هذه المفاهيم الرائجة كالعدالة الاجتماعية والحرية وما إلى ذلك قد أتت من الغرب إلى العالم الإسلامي، أو أنّ المفكرين الإسلاميين قد تعلّموها من الغربيين؛ هذا خطأ فادح. الغرب تعرّف إلى هذه المفاهيم منذ ثلاثة أو أربعة قرون فقط؛ لقد تعرّف الغربيون إليها من بعد عصر النهضة، في حين أن الإسلام قد بيّن هذه المفاهيم بوضوح في القرآن قبل 1400 سنة، والفرق يكمن بأن الغربيين قد طرحوها ولكنهم لم يعملوا بها بصدق أبدًا -لم يعملوا بالحرية ولا بالعدالة الاجتماعية -هم تحدثوا عنها ولم يعملوا بها؛ وهذه المفاهيم كانت في الإسلام وكانت تُطبّق في زمن النبي. فعبارة «اُمِرتُ لِاعدِلَ بَينَكم» (7) هي عبارة القرآن؛ فالنبي مأمور بإقامة العدالة؛ هذه هي العدالة الاجتماعية والعدالة الشاملة. أو حينما تنزل: «اِنّا اَرسَلنا رُسُلَنا بِالبَينٰاتِ وَاَنزَلنا مَعَهُمُ الكـِتٰابَ وَالميزانَ لِيقومَ النّاسُ بِالقِسط» (8) "؛ فهي تعني بأن أساس بعثة جميع الأنبياء والرسل والكتب كان من أجل إقامة هذا القسط -أي هذا العدل الاجتماعي، والعدل الاقتصادي-بين الناس؛ بناء عليه فهذه المفاهيم هي مفاهيم إسلامية عريقة.
أو بالنسبة لموضوع الحرية؛ فهذا التعبير لأمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة جاء قبل ألف سنة من طرح قضية الحرية في الدول الغربية كفرنسا مثلًا أو غيرها حيث قال: «لا تَكن عَبدَ غَيرِك وَقَد جَعَلَك اللهُ حُرّا» (9)، هل يوجد أوضح من هذا؟ أي إن الناس أحرار؛ والحرية تشمل جميع أنواع الحريّات. أو تلك العبارة الشهيرة: "(متى) استعبدتم الناس وقد خلقهم الله أحرارًا "، وهذا الخطاب كان موجّهًا لبعض الحكام في ذلك العصر حيث قال " استعبدتم الناس "؛ تريدون أن تعاملوا الناس كالعبيد والله تعالى قد خلقهم أحرارًا؟ هذه هي المعارف الإسلامية. ويوجد الكثير من هذا القبيل في المعارف الإسلامية؛ وهناك العديد من هذه العبارات في نهج البلاغة وفي بقية المصادر الإسلامية. وبناءً عليه فإن سلسلة القيم وسلسلة المعارف والمنظومة المعرفية والمنظومة القيمية هي على هذا النحو. وتأتي الأحكام خلف هذه القيم والمعارف، أي كل ما "يجب" و "يحرم"؛ و"افعل" و"لا تفعل"؛ كلها أحكام -الفردية منها والاجتماعية -منطلقة من المعارف الإسلامية ومتطابقة مع تلك القيم الإسلامية، أي إنّ الأمور التي كلّف الله تعالى بها الإنسان المسلم نابعة من تلك المفاهيم الأساسية والمعرفية ومتطابقة مع المفاهيم القيميّة وميسرة مساعدة للتكامل في هذا المسير. حسنًا ، في الواقع هذه هي الباقة التي تم إهداؤها للناس في المبعث النبوي الشريف.
.. تحقيق هذه المعارف بحاجة إلى قوة سياسية
والآن إذا كنا نريد لهذه الأهداف أن تتحقق، إذا أردنا لهذه المعارف أن تتحقق في أجواء المجتمع العقائدية بكل معنى الكلمة، وأن تظهر اثار هذه القيم في أفعال الناس وسلوكها، وإذا أردنا أن تكون هذا الأحكام وسيلة للتقدم والحركة؛ فإننا نحتاج إلى القوة السياسية؛ إذا لم يكن هناك قوة سياسية، فإن المتغطرسين لن يرضخوا لها، والكسالى لن يطبقوها؛ وسوف يمشي جيشٌ من أتباع المستكبرين والمتفرعنين وعبّاد المال وراءهم، وبذلك لن تتحقق غاية النبوّة والأنبياء، ولهذا فإن الله يقول في القرآن: «ما اَرسَلنا مِن رَسولٍ اِلّا لِيطاعَ بِاِذنِ الله» (10) وهذا ينطبق على جميع الرسل وليس فقط على رسولنا، فيجب على الناس إطاعة هؤلاء الرسل في البلاد. لذلك عندما جاء وفد من يثرب لدعوة الرسول الأكرم للهجرة الى مدينتهم، قام (صلى الله عليه وآله وسلم) بإجراء مراسم البيعة معهم فورًا.
والبيعة تعني أنكم تحت أمرنا، نحن نأتي إليكم بهذا الشرط؛ عندما دخل النبي الأكرم إلى المدينة، أول عمل قام به كان تأسيس قوة سياسية واجتماعية؛ أي بناء دولة وتشكيل نظام حكم، وهذا الأمر من مستلزمات عمل النبوة. وبالطبع كان لدى الأنبياء أعداء كثر: «وَكذٰلِك جَعَلنا لِكلِّ نَبِي عَدُوًّا شَيٰطينَ الاِنسِ وَالجِنّ» (11)، وعندما يؤسّسون دولة سوف يضاف إليهم العدو الخارجي؛ وهذا واضح، فالعدو الخارجي إن رأى أنه لا يوجد شكل سياسي ولا قدرة سياسية، لن يهتم كثيرًا بما يجري؛ وليتكلّم كل أحد بما يشاء، لن يلتفت لأمره بجدية؛ ولكن من يصل إلى القدرة السياسية فحينئذ سيشهد بالطبع مخالفة العدو الخارجي له؛ [و] كل من يرفض العدالة ويرفض الحرية ويرفض حق كل إنسان بالحياة الجيدة والمستقلة.
الإمام طبّق وصفة رسول الله!
حسنًا، هذا هو لبّ كلامي اليوم: أريد القول بأن هذا الوصفة هي الوصفة ذاتها التي عمل بها الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)، لقد طبّق وصفة الرّسول الأكرم بحذافيرها، والمعارف التي طرحها هي المعارف نفسها التي أبلغها الرسول للناس من قبل الله تعالى؛ القيم هي تلك القيم نفسها؛ والأحكام هي تلك الأحكام؛ الحركة من أجل تحقيق هذه الأحكام تحتاج إلى الإيمان القوي، والهمَّة العالية، إلى القلب "المتوكل على الله"، وكل هذا قد جُمع واجتمع في الإمام، وقد أقدم على هذا الأمر، والله تعالى قد نصره فنجحت هذه الحركة. بالتأكيد، كان الإمام يعلم بأن الإيمان الإسلامي راسخ في أعماق روح الشعب الإيراني، فهو شعبٌ مؤمنٌ؛ وهذا بحدّ ذاته يستحق حديث طويل ومستقل. لقد ثبت بشكل كامل أن الشعب الإيراني، سواء بالأمس أو اليوم، وبالرغم من بعض المظاهر، يتحلى بقوة إيمانية وثبات إيمان كبير جدًّا في قلبه؛ والحمد لله هذه إحدى ميزات شعبنا.
كان الإمام يدرك كل هذا، ولذلك طرح قضيّة الإسلام والدولة الإسلامية والنظام الإسلامي، كانت الأرضية مهيّأة لذلك والإمام قد لمس تلك الأرضية الممهّدة؛ وهي عبارة عن الظلم المتفشي والفساد اللامتناهي للنظام البهلوي، حيث إنّ حكام النظام كانوا تابعين وفاسدين وظالمين، ولم يكن لديهم أدنى معرفة بالقيم الإنسانية الحقيقية أيضًا، وكان هذا يتسرّب إلى الناس، وكان الجميع يشاهد ذلك الوضع الفاسد والظالم في ذلك النظام؛ وهذه كانت أرضية جيدة والإمام استفاد من هذه الأرضية وحدثت معجزة الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية. إن تحقق الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية كان بمنزلة معجزة حقًّا؛ وقد تحققت ببركة هذه الحركة العظيمة.
بركة الحركة الإسلاميّة؛ تطوّرٌ وتنمية على جميع المستويات
المجتمع الإسلامي الأول -أي المجتمع الذي أسّسه الرسول من بضعة آلاف نسمة في المدينة؛ فالناس الذين كانوا يعيشون في المدينة لم يتجاوزوا السبعة أو الثمانية أو العشرة آلاف نسمة منذ بداية تأسيس المدينة – قد نشأ ببركة إرشاد النبي، وببركة أحكام النبي والمعارف التي أهداهم إياها (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى الرغم من حصول بعض الإشكالات الأساسية بعد رحيل النبي، ولكن هذه الحركة كانت حركة متجذّرة وقوية بحيث ظلّت تسير نحو الاقتدار وأضحت أقوى يومًا بعد يوم. بحيث إنّه في القرن الرابع الهجري -وهذه من المسلّمات في التاريخ – أي بعد ثلاثمائة سنة من بعثة النبي وظهور المجتمع الإسلامي، كان المجتمع الإسلامي يتمتع بأكبر انتشار إجتماعي في العالم على المستوى السياسي، وأقوى جيش على المستوى العسكري، وبأعلى مستوى تقدم في كل العالم في مجال العلم والثقافة؛ أي بعد ثلاثة قرون من البعثة النبوية، تحرك هذا المجتمع الإسلامي بحيث كان السبّاق من الناحية العسكرية والسياسية والعلمية والثقافية ووصل إلى كل تلك المراتب. وبالمناسبة فقد حصل هذا كله في عصر الخلفاء السيئين والفاسدين كبني أمية وبني العباس؛ ولو أنه كان بدلًا من هؤلاء [الحكّام] أئمةُ الهدى أو أشخاصٌ معينون من قبلهم في موقع الحكم والإدارة، لتضاعف هذا التقدم عشرات المرات عما تحقق. هذه هي حركة الإسلام، طبيعة هذه الحركة، طبيعة تقدّمية ومتضاعفة القوة.
الوصفة اليوم هي ذاتها أيضًا. إذا بقينا نتحرك ونعمل بكل صدقٍ ولا نتكاسل ولا نرى الأمور بقصر نظر ولا بسذاجة وتسطيح، سنتمكن من إيصال إيران إلى تلك القمة. طبعًا إيصال إيران إلى القمة العلمية والثقافية والصناعية والعسكرية والسياسية وما إلى ذلك هو هدفنا القريب المدى؛ أما الهدف البعيد المدى فهو الحضارة الإسلامية وهذا موضوع يحتاج بحث آخر.
هذا الكم من الأعداء؛ ما زادهم إلا إيمانًا وتثبيتا
يجب أن لا نتعجّب من وجود العداوات؛ حسنًا ، نحن لدينا الكثير من الأعداء ولا عجب في ذلك. قلت لكم بأن الله يقول في القرآن: «وَكذٰلِك جَعَلنا لِكلِّ نَبِي عَدُوًّا شَيٰطينَ الاِنسِ وَالجِنِّ يوحي بَعضُهُم اِلىٰ بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرورا» (12). يوجد أعداء من الجن وأعداء من الإنس أيضًا وهؤلاء يساعدون بعضهم بعضًا؛ فالأنظمة الإستخباراتية للعديد من الدول تتعاون ضدنا؛ "يوحي بَعضُهُم اِلىٰ بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرورا". لذلك وفي صدر الإسلام، في حرب الأحزاب حين تحالف جميع أعداء النبي معًا؛ كانوا من مختلف قبائل العرب من مكة والطائف ومناطق أخرى وقد ضمّوا إليهم اليهود المجاورين للمدينة أيضًا، كانت واقعة عجيبة بالنسبة إلى المسلمين ولكن المسلمين لم يتعجبوا من ذلك. فورد في القرآن: «ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله»، يعني عندما شاهدوا كيف يتحرك الأعداء نحوهم قالوا هذا ما وعدنا الله بأن ستتلقون هذه العداوات وأن أعداء كثر سيهجمون عليكم، وها هم الآن قد أتوا وهذه الحركة للعدو زادت من إيماننا لأنه " صدق الله ورسوله" فقد تحققت هذه النبوءة من الله تعالى ورسوله «وَما زادَهُم اِلّاٰ ايمانًا وَتَسليما». (13)
واليوم بالطبع فإن أمريكا هي أخبث عدو لنا وللجمهورية الأسلامية. بالتأكيد أعداؤنا ليسوا بقلّة ولكن أمريكا هي أخبث من الجميع وأكثر حقدًا وعنادًا. المسؤولون الأمريكيّون هم كاذبون وغدّارون كذلك، ووقحون أيضًا وجشعون ومتعجرفون و"بلطجية" كذلك -نظروا إلى تصرفاتهم واسمعوا تصريحاتهم فسوف ترون اسلوب النصب و"البلطجة"، يعني إن لديهم كل أقسام وأنواع الرذائل الأخلاقية- طبعًا إلى جانب ذلك فإنهم ظالمون وقساة القلوب وعديمو الرحمة وإرهابيون؛ (ترجمة بيت للشاعر شهريار): "جُمع فيك وحدك، كلّ حسنٍ لدى كل الآخرين!". نواجه حاليًا عدوًا كهذا.
.. ولربّك فاصبر
لقد أعطى الله تعالى للنبي خطّة عمل لمواجهة العداوات؛ منذ بداية البعثة، أمر الله تعالى رسوله بالصبر. فقال تعالى في سورة المدّثر وهي من أولى سور البعثة النبوية: «وَلِرَبِّك فَاصبِر».(14)؛ اصبر من أجل ربك. وقال في سورة المزّمل وهي من أولى سور القرآن أيضًا: «وَاصبِر عَلىٰ ما يقولون».(15)؛ وكذلك «وَاستَقِم كماٰ اُمِرت» (16) في سورة هود وفي سورة الشورى كذلك -استقم- وبناء عليه، فقد صدرت خطة العمل.
والآن ما هو معنى الصبر؟ الصبر لا يعني وضع الكفّ على الكفّ والجلوس بانتظار النتائج والأحداث؛ الصبر يعني الصمود والمقاومة، الصبر يعني عدم تغيير حساباتنا الدقيقة بسبب خدع العدو، الصبر يعني متابعة الأهداف التي رسمناها لأنفسنا، الصبر هو السير والاستمرار بمعنويات عالية، هذا هو معنى الصبر. إذا ترافق هذا الصمود والمقاومة مع العقل والتدبير والمشورة -كما قال في القرآن: «اَمرُهُم شورى بَينَهُم» (17) -فإن النصر سيكون من نصيبنا حتمًا. وبالتأكيد أنا العبد أقول جازمًا، بأن الشعب الإيراني شعبٌ صبور؛ ولقد أثبت بوضوح أنه يتحلى بالصبر. طبعًا نحن المسؤولين كان ينفدْ صبرنا في بعض الأحيان، ولكن الشعب لم ينفدْ صبره أبدًا؛ الشعب كان بمنتهى الصبر؛ وهذه السنوات الأربعون هي دليلنا على هذا المعنى بشكل جلي.
عشرون صابرون يغلبوا مئتين
وللأسف، فقد أظهر البعض من المتظاهرين بالثقافة والتنوير نفادَ الصبر، والبعض منهم أوصله نفادُ الصبر إلى حد التعامل والتناغم مع العدو، طبعًا البعض كان هكذا. وفي النقطة المقابلة، يوجد شبّان مؤمنون والحمد لله إنهم كثر ويزدادون عددًا يومًا بعد يوم إن شاء الله؛ حاضرون في ميادين الثقافة والعلم والتقنيات والسياسة، وفي الوعي العالمي للقضايا -أي إنهم يدركون ويفهمون القضايا الدولية بشكل صحيح -هذا النوع من الشباب موجود في النقطة المقابلة وكما قلت الحمد لله إنهم يزدادون يومًا بعد يوم. فالصبر يعني عدم الاستسلام، وعدم الضعف والتردد، والتصدي للعدو بشجاعة وعقل، والانتصار عليه، حيث قال تعالى في القرآن في ذلك الحين: «اِن يكن مِنكم عِشرونَ صٰبِرونَ يغلِبوا مِائَتَين» (18). هذه في ظروف يمكنكم مواجهتهم وإلحاق الهزيمة بهم، ففي بعض الظروف عشرة أضعاف وفي ظروف أخرى ضعفين.
وسائل القوة؛ أبعاد متنوعة وضرورية!
لقد كررتُ مرارًا في لقاءاتي الأخيرة أنه يجب أن يصبح البلد قويًّا (19) وهذا جزء من أهدافنا. وهذه من الخطوط الأساسية لوصفة البعثة النبوية؛ وقد تمّ استنباط هذا من البعثة؛ كذلك القرآن الكريم. حيث يقول: «وَاَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّة» (20) وهذه القوة قد تُفهم [على أنّها] القوة العسكرية من النظرة الأولى وللوهلة الأولى، ولكنها تبدو أوسع أكثر من مجال القوة العسكرية. فأبعاد القوة أبعاد واسعة، فيها أبعاد اقتصادية، ومنها القوة الاقتصادية والقوة العلمية والقوة الثقافية والقوة السياسية -حيث الاستقلال السياسي يمثل الأرضية الممهّدة للقوة السياسية -والقوة الإعلامية والتبليغية. ومع مرور الزمن، سوف تظهر مجالات أخرى لتقوية البلاد والشعب. لنفترض أن المحافظة على فئة الشباب في البلد اليوم هي إحدى وسائل القوة؛ ولهذا السبب، أنا العبد أعتمد كثيرًا على زيادة عدد الولادات. بلدنا اليوم هو بلد شاب؛ ولكن إذا لم يتم إنجاب المواليد الجدد بالقدر الكافي واللازم في البلد -والتي ليست بالقدرالكافي الآن -فبعد مدة، بعد بضعة أعوام سوف يصبح جيل الشباب نادرًا! والدولة التي يقلّ فيها الشباب سوف يضعف فيها التقدم. فإحدى وسائل القوة هي الحفاظ على الأكثرية الشابة في المجتمع. أو اليوم مثلًا فإن القوة في العالم الافتراضي هي مسألة ضرورية جدًا؛ فالعالم الافتراضي اليوم يسيطر على حياة الناس في كل العالم؛ والبعض يقوم بكل أعماله بواسطة العالم الافتراضي؛ لذلك فإن القوة في هذا المجال حيوية ضرورية. أو مثلًا القوة في مجال الصحة والعلاج ضرورية جدًّا؛ والحمد لله فإن باحثينا وأطباءنا والمتخصّصين في هذا المجال قد أنجزوا الكثير.
القفزة في الإنتاج. ومن وسائل القوة
وكذلك "النقلة النوعية في الإنتاج" الذي طرحتُه(اسمًا) لهذا العام، في الحقيقة من أدوات ووسائل القوة. يجب أن تحدث قفزة في الإنتاج، ليس فقط "ازدهار الإنتاج" الذي تحدَّثنا عنه العام الماضي. فازدهار الإنتاج هو أن تحدث حركة بالإنتاج وهذا ما حصل ولكنه ليس كافيًا. نحن بحاجة إلى أكثر من ذلك؛ نحن بحاجة إلى قفزة و"نقلة نوعية في الإنتاج". وهذه طبعًا عملية تحتاج مستلزماتها؛ والمسألة ليست بأن يقدم المستثمر أو صاحب المصنع على زيادة إنتاجه فقط، بل الأمر بحاجة إلى قيام جميع الأجهزة المرتبطة بمهامها وواجباتها، بأن يُمنع تهريب البضائع، أن يُوضع حدّ للاستيراد المتفلّت، وأن يُمنح المنتجون حوافز ودعم تشجيعي وأن يقف القضاء بكل حزم بوجه أولئك الذين يستغلّون الدعم المالي الحكومي لمصالحهم الخاصة. ويوجد الكثير من هذا القبيل من الأعمال التي إذا ما تمّ القيام بها -والتي يجب القيام بها في هذه السنة إن شاء الله – فسوف تتحقق "النقلة النوعية في الإنتاج".
ولنبلونكم.. وبشّر الصابرين!
وبالطبع، نحن نواجه في هذه الأيام جائحة مرض واسع العدوى والانتشار على الصعيد الدولي؛ هذا الفيروس يحصد الضحايا في جميع الدول تقريبًا وهو قيد التوسع كذلك. البعض يُصرّح بما يحدث في بلاده والبعض الآخر يُخفي ذلك؛ والإنسان يدرك من بعض التصريحات أن كلامهم غير مطابق للواقع؛ هذا الفيروس يقوم بعمله. وهذا المرض هو مصداق هذه الآية المباركة: "وَلَنَبلُوَنَّکُم بِشَیءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجوعِ وَنَقصٍ مِنَ الاَموالِ وَ الاَنفُسِ وَ الثَّمَرٰت" فإنه يجلب معه الخوف وفي الحقيقة البعض يخاف، وهذا أيضًا يتسبّب بحدوث أزمة اقتصادية، ويكون سببًا للنقص في الأموال والأنفس والثمرات، ولكن الله يقول بعدها: «وَبَشِّرِ الصابِرين» (21) فهنا أيضًا يجب الصبر. وهذا يعني وجوب القيام بالعمل الصحيح، العمل العقلاني؛ وبالتأكيد، فالمسؤولون المحترمون المتولّون لهذا الأمر قد أصدروا تعليمات وإن شاء الله يجب على الجميع العمل بهذه التعليمات؛ فهي من أجل الحفاظ على حياتهم وعلى حياة الناس في البلد، والسيطرة على هذا المرض الخطير؛ فلذلك يجب على الجميع الالتزام.
وباء الكورونا..أيها الأمريكيون! لا حاجة لنا بأدويتكم
ومن جملة المواضيع المرتبطة بالكورونا ولا بأس أن أذكرها هنا، هي بأن الزعماء الأمريكيين صرّحوا عدة مرات حتى الآن بأننا جاهزون لمساعدتكم من ناحية العلاج والدواء؛ ولقد كرروا ذلك عدة مرات بأنه ينبغي لكم فقط أن تطلبوا منا! وهذا جزء من تلك الأقوال العجيبة التي يقولونها لنا بأن نطلب منهم العلاج والدواء.
أولًا، أنتم لديكم نقصٌ فادح (في مواجهة الوباء)؛ فالأخبار التي تصل من أمريكا؛ أي التي ينشرها الأمريكيون أنفسهم، مثل رئيس بلدية المدينة الفلانية، ومدير صحة المنطقة الفلانية، ورئيس مستشفى الولاية الفلانية، هم يقولون بصريح العبارة بأن لديهم نواقص مرعبة في وسائل الوقاية وتشخيص الإصابة بالمرض، والأدوية وما شاكل ذلك. إذا كان لديكم شيء وهو كافٍ فاصرفوه على أنفسكم!
ثانيًا، أنتم أيها الأمريكيّون متّهمون بإنتاج هذا الفيروس، ولا أدري إلى أي حد هذا الاتهام حقيقي، ولكن عندما يوجد اتهام كهذا فأيّ عاقل سيثق بكم ليطلب منكم أن ترسلوا له الأدوية؛ يمكن أن تكون أدويتكم وسيلة لزيادة انتشار هذا المرض. لا توجد أي مصداقية لديكم ولا ثقة بكم. الدواء الذي ستصفونه لنا أو تدخلونه إلى بلدنا من الممكن أن يكون مثبتًا للفيروس ويمنع القضاء عليه؛ فإذا كانت هذه التهمة صحيحة وأنكم أنتم من صنع هذا الفيروس، فهذا يعني أنكم تستطيعون القيام بتلك الأفعال أيضًا. أو من الممكن أن يكون الشخص الذي ستوفدونه إلينا تحت عنوان الطبيب المعالج، قد يكون في الحقيقة يريد الحضور لمشاهدة تلك التأثيرات السمية التي صنعتموها؛ لأنه يقال بأنكم صنعتم شيئًا خاصًا بإيران وذلك من خلال حصولكم على الخصائص الجينية الإيرانية من طرق متعددة وتريدون أن تروا تأثيرها عن قرب لكي تكملوا معلوماتكم وتزيدوا من عدوانكم، بناءً عليه، ليس هناك كلام يمكن قبوله عند أحد من الشعب الإيراني.
وختام كلامي لشعبنا العزيز هو:
أعزائي! إن تجربة الأربعين سنة تثبت لنا بأن بلدنا لديه القابلية لمواجهة القضايا والتحدّيات على كل المستويات؛ أي إن البلد لديه قدرات وقابليات ممتازة لمواجهة جميع القضايا والمشاكل والتحديات الحالية-والتي يمكن أن تحصل-والتغلّب عليها. قدرات البلد كبيرة جدًّا، والمهم أن تتمّ معرفة هذه القدرات من قبل المسؤولين وأن يتم توظيفها من قبل جميع الطاقات المؤمنة والشباب الطموح، العناصر الشابة والمؤمنة والمتدينة، لأن احتمال أن يرتكب الشخص المتدين الخيانة قليل جدًّا مقابل الشخص الذي لا يؤمن بالدين. وهذا هو الشيء الذي يُقرِّبنا من هدفنا.
وأوصي مجدّدًا بأن يعمل الجميع إن شاء الله بهذه التعليمات التي أعلنها وعمّمها المسؤولون في الهيئة الوطنية لمحاربة الكورونا، حتى إنهم عطلوا التجمعات الدينية وهذه حالة لم يسبق حدوثها لدينا على مر التاريخ بأن تقفل المراقد المقدّسة وأن تعطّل صلاة الجمعة والجماعة مثلًا؛ ولكن ما باليد حيلة. هكذا حدّدوا المصلحة وهكذا قرّروا؛ فليلتزم الجميع بهذه التعليمات حتى يرفع الله تعالى هذا البلاء عن شعب إيران وعن جميع الشعوب المسلمة وكل البشرية بأقرب ما يكون إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1-ديوان حافظ الشيرازي
2 – كامل الزيارات، ص 309 .
3 – سورة آل عمران، جزء من الآية 81 .
4 – سورة الأعراف، جزء من الآية 157 .
5 – سورة الصف، جزء من الآية 6 .
6 – نهج البلاغة، الخطبة رقم 1 .
7 – سورة الشورى، جزء من الآية 15 .
8 – سورة الحديد، جزء من الآية 25 .
9 – نهج البلاغة، الكتاب رقم 31 .
10 – سورة النساء، جزء من الآية 64 .
11 – سورة الأنعام، جزء من الآية 112 .
12 – سورة الأنعام، شطر من الآية 112 .
13 – سورة الأحزاب، شطر من الآية 22 .
14 – سورة المدثر، الآية 7 .
15 – سورة المزمل، جزء من الآية 10 .
16 – سورة الشورى، جزء من الآية 15 .
17 – م ن، جزء من الآية 38 .
18 – سورة الأنفال، جزء من الآية 65 .
19 – من ذلك كلمته في لقائه بأهالي محافظة آذربيجان الشرقية بتاريخ 18/02/2020 م .
20 – سورة الأنفال، جزء من الآية 60 .
21 – سورة البقرة، الآية 155 .