لقاء الإمام الخامنئي (دام ظلّه) مع الشركات الإنتاجيّة (عبر تقنيّة الاتّصال المتلفزة) 6/5/2020م
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وآله الطاهرين، ولا سيّما بقيّة الله في الأرضين.
اللقاء الذي أعدّه الأصدقاء اليوم، كان برنامجًا جميلًا ومشوّقًا جدًّا. أنا العبد أشكر الذين نظّموا هذا البرنامج، وتحمّلوا أعباءه، وأشكر كذلك المديرين المحترمين، وبقيّة الأعزاء الذين قدّموا التقارير. كانت التقارير جيّدة جدًّا، وأنا أصرُّ على نشرها. أرجو ألّا يُكتَفى بنشر كلمتنا فقط، بل نشر ما قاله الأصدقاء كلّه أيضًا: المديرون المحترمون، العمّال المحترمون، المسؤولون عن الأجهزة التنفيذية، والمقدِّمون، ووضعه بمتناول أيدي الناس؛ لكي يستفيدوا منه؛ فهذا كلّه سيؤثّر حتمًا في نظرة الناس إلى مستقبلِ عملِ البلد، والجهود المبذولة.
الاهتمام بحلّ مشكلات طبقة العمّال الكادحة
في البداية، أبارك لجميع العمّال ذكرى «أسبوع العمّال»، وأتمنى أن تُحَلَّ بعضُ المشكلات لدى طبقة العمّال الكادحة، إن شاء الله، من خلال هذه المسائل التي طُرِحَت، والإجراءات التي نُفِّذَت، ولا تزال تُنَفَّذ في هذا الأسبوع، وفي هذه الأيام. فهناك العديد من المشاكل، وإحدى قضايانا المهمّة هي حلّ مشاكل مجتمع العمّال، ويجب الاهتمام بها. سأتحدّث هنا عن موضوعَين: الأوّل حول العامل، سأطرح بعض الأفكار حول قضايا العمّال والعمل، ومن ثمّ سأتكلّم قليلًا حول «النقلة النوعيّة في الإنتاج»، التي هي شعار هذه السنة.
مفهوم «العمل» في الإسلام بالمعنى العامّ، وبالمعنى الاقتصاديّ الخاصّ
العمل في الإسلام هو مفهوم معروف بمعنيَين: العمل بالمعنى العامّ؛ أي إنّه يشمل العمل المعنويّ والدنيويّ والأخرويّ والاقتصاديّ والفكريّ والجسديّ والبدنيّ؛ وفي المجموع، المفهوم العامّ للعمل. وكذلك يُطرَح بمعناه الاقتصاديّ الخاصّ، حيث تُعرَض حاليًّا في العالم مسألةُ العمل والعمّال بمعناها الخاصّ. مفهوم العمل مطروح في الإسلام بكِلا المعنيين.
فيما يرتبط بالمفهوم الأوّل، الذي هو معنى عامّ، حيث هذه الآية: ﴿لَيْسَ لِلإنسَانِ إلَّا مَا سَعَى﴾(2)، التي قُرِئَت هنا في بداية هذا المحفل الشريف، أو من قول أمير المؤمنين: «العمل العمل، ثمّ النهاية النهاية»(3). العمل العمل، هذا شعار، شعار يطلقه أمير المؤمنين، العمل العمل، ثمّ النهاية؛ يعني إتمام العمل. إحدى مشاكلنا هي أنّنا أحيانًا نبدأ العمل، ثم يُترَك في منتصفه غير مكتمل. إحدى مسائلنا ومشاكلنا في البلد اليوم، هي المشاريع غير المكتملة، أو غير المنجزة؛ بقاء العمل من دون إتمام هو أحد عيوب عملنا. هنا، يقول أمير المؤمنين: العمل وإتمام العمل. بناءً عليه، هذا هو المعنى العامّ للعمل، ولا يخصّ العمل بمفهومه الاقتصاديّ فقط، بل العمل العمليّ، والعمل الدينيّ، والعمل الدنيويّ، والعمل الجماعيّ، والعمل الجَمعيّ، والعمل السياسيّ، العمل الجهاديّ، هذا العمل يشمل جميع أنواع الأعمال والأفعال. تلاحظون في القرآن أيضًا، كم تكرّرَت ﴿عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾4، ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾. تكرّرَت الآيات حول العمل في القرآن، وطُرِحَ بحثُ العمل في القرآن مرارًا وتكرارًا.
المطالبة نتيجة للعمل، واجتناب البطالة، والنتائج المجّانية
حسنًا، وفق مفهوم العمل هذا، فالعمل يمثّل النقطة المعاكسة للبطالة وحالة الخمول وانتظار مساعدة الآخرين. يجب أن ننتبه بألّا نتوقّع الحصول على شيء بالمجّان؛ سواء في مجال القضايا الدينيّة والأجر الأخرويّ، أو في القضايا الدنيويّة، أو القضايا الوطنيّة المهمة، والقضايا السياسيّة والاجتماعيّة. فيجب العمل، ويجب السعي وبذل الجهد في العمل، وهنا يجب المطالبة بنتيجة العمل؛ الخمول وتوقُّع العَون المجّانيّ أمرٌ خطأ؛ الاعتماد على العمل بهذا المعنى، هو لأجل هذه الميزة.
أّما المفهوم الثاني للعمل -المفهوم الاقتصاديّ- فهو موجودٌ أيضًا في الإسلام؛ حين يمسك النبيّ الأكرم يدَ العامل ويقبّلها، هذا أمرٌ في غاية الأهمّيّة، أو قول النبيّ الكريم: «ولَكِنَّ اللهَ یُحِبُّ عَبدًا، إذا عَمِلَ عَمَلًا، أحكمَه»(5). فالله يحبّ ذلك الإنسان الذي يعمل، الذي يعمل ويتقن ذلك العمل ويحكمه، الذي يشعر بالمسؤوليّة في عمله. بناءً على هذا، فالإسلام طرح العمل بكِلا المفهومَين، ولكنّني اليوم سأتعرّض لعدّة أفكار حول المفهوم الثاني.
هدف اقتصاد البلاد: إنتاج الثروة، وتقسيمها بالعدل بين الناس
حسنًا، ما هو هدف اقتصاد البلاد؟ هدف الاقتصاد هو إنتاج الثروة، وتقسيمها بعدالة. اقتصادٌ سليمٌ هو ذلك الاقتصاد الذي يتمكّن من إنتاج الثروة في البلاد، وتوزيعها بعدالة وبطريقة صحيحة بين الناس في البلاد؛ هذا الاقتصاد هو اقتصادٌ سليم.
«العامِل» من عناصر الدرجة الأولى في إنتاج الثروة
للوصول إلى هذا الاقتصاد السليم وتحقيقه، هناك ركيزتان أو ثلاث ركائز رئيسيّة. هناك ركيزة رئيسيّة، هي ركيزة العامل؛ ولهذا، فإنّ العامل هو من عناصر الدرجة الأولى في إنتاج الثروة في البلاد. بالطبع، كلّما كان العامل ماهرًا ومبتكرًا ومبدعًا -كما شاهدنا اليوم في التقرير، كان العمّال مبدعين ومبتكرين وماهرين في عملهم- تكون نتيجة العمل أفضل وأعلى، بالطبع. لذلك، فإنّ أحد واجباتنا في مجال قضايا العمّال، هو أن نتمكّن من الارتقاء بعلوم مواردنا البشرية ومهاراتها، وهذا أحد الواجبات، وقد لاحظتُ أنّ بعضَ المؤسّسات الاقتصاديّة تولي اهتمامًا به، وكان ضمن تقاريرها. إحدى مَهمّات المؤسّسات الاقتصاديّة أن تتمكّن من الارتقاء وزيادة المعرفة والمهارات عند القوى العاملة والموارد البشريّة الموجودة لديها؛ هذا يمكن أن يحقِّق النتيجة المطلوبة.
في المقابل، هناك العامل أيضًا، فطبعًا، بمزيد من المهارة، ومع شعور أكبر بالمسؤوليّة -هذا الشعور هو الذي جاء في الرواية: «فَأَحْكَمَهُ» أو «فَأَتْقَنَهُ»- يُحكِم العمل، وينجزه بإتقان وبأسلوب صحيح، ولا يتساهل فيه؛ هذه مَهمَّة مشتركة بين العامل وربّ العمل.
زيادة الإنتاج رهنٌ بالتعاون المتبادَل والحقيقيّ بين القوى العاملة والمستثمر
التعاون المتبادَل والحقيقيّ بين القوى العاملة والمستثمر -الذي يُطلَق عليه مصطلح ربّ العمل- يمكن أن يضاعف الإنتاج والقيمة المضافة؛ التعاون المتبادَل بين العامل وربّ العمل أو المستثمر. على القوى العاملة والعمّال زيادة مهاراتهم، ورفع مستوى شعورهم بالمسؤوليّة ودقّتهم، والعمل بمسؤوليّة أكبر. وعلى ربّ العمل زيادة حصّة القوى العاملة من أرباح المؤسّسة الاقتصاديّة، وهذا أحد الأمور المطلوبة.
رأيت أصدقاء يَشْكُون من بعض المقرّرات التي لم تأخذ آراء العمّال بالاعتبار. حسنًا، يجب وضع هذه المقرّرات بطريقة عادلة، ويجب على المسؤولين في المؤسّسات الانتباه إلى هذه النقطة. لذلك، قلنا الشيء نفسه في سياسات «الاقتصاد المقاوم» -أي تعاون هذَين الطرفَين- إذ في تلك الحالة، كان هذان الاثنان -أي العامل وربّ العمل- يشكّلان الركيزة الأساسيّة للازدهار والتقدُّم الاقتصاديّ.
من النقاط الجيّدة التي يَحْسُنُ التركيز عليها في مجال العمّال، وبمناسبة أسبوع العمّال، مراعاةُ حقوق القوى العاملة. تجب مراعاة الحقوق الطبيعيّة للقوى العاملة؛ أي: الأجور العادلة، والدفع المنتظم من دون تأخير، والاستقرار الوظيفيّ؛ أي الأمان الوظيفيّ، وهو الأمر الذي أكّدْتُه في السنوات الماضية، وهو من القضايا المهمّة جدًّا. أشار بعض السادة الذين تحدّثوا، إلى أنّهم لم يُسرِّحوا أحدًا من القوى العاملة خلال هذه المدّة؛ هذا أمرٌ جيّد للغاية، أسلوب جيّد جدًّا؛ هذا هو الأمن الوظيفيّ. قضايا التأمين، والتعليم، والخدمات الرفاهيّة، والرعاية الصحّيّة، هذه الأمور جزء من حقوق العمّال، وهذه واجبات ربّ العمل الطبيعيّة. بالطبع، إذا تمّ إيلاء المزيد من الاهتمام بالعامل، مثل تلبية احتياجات الأسرة أو تعليم الأبناء أو الزواج، وما شابه، من الطبيعيّ أن يكون لهذا تأثيرٌ أكبر في العلاقة والانسجام بين العامل وربّ العمل، وهو أمرٌ حَسَنٌ ومبارَك.
التعليم من ضرورات المؤسّسات الصناعيّة والزراعيّة والاقتصاديّة
في هذه المناسبة، أودّ أن أنبّه إلى أنّ عالَم التطوّرات التكنولوجيّة الحاليّ يتغيّر لحظةً بلحظة -طبعًا، إن لم يكن تعبيرًا مبالَغًا فيه- أي إنّ هذه التطوُّرات تحدث بسرعة. لذلك، بما أنّ هذه التطوُّرات هي في ظلّ التكنولوجيا، فإنّ التعليم المستمرّ هو إحدى ضرورات المشاريع الصناعيّة والزراعيّة والمؤسّسات الاقتصاديّة، وهذا التعليم بمعنى التعلُّم الأكاديميّ، والتعلُّم من الخبرة والتجربة كذلك. في بعض الأحيان، يتمتّع الذين لديهم خبرة في العمل، بفوائد للجيل المقبل، أكثر حتّى من التدريب والتعليم الجديد. لنفترض، مثلًا، هذه الأسرة المزارعة التي أَرسَلَت تقريرًا من خراسان. إنّ الفائدة التي اكتسبها الجيل الثالث لهذه الأسرة، من المعرفة والمعلومات الجديدة، بالتأكيد، ليست أكثر من الفائدة التي اكتسبوها من تجربة آبائهم، وتجربة جيلَين من قبلهم. لذلك، تجب الاستفادة من العلوم، وكذلك من خبرة القوى ذات التجربة العريقة.
ارتقاء جودة العمل والازدهار الاقتصاديّ رهنٌ بارتقاء إنتاجيّة القوى العاملة
النقطة الأخرى هي أنّه إن ارتقَت إنتاجيّة القوى العاملة، فسوف ترتقي جودة العمل. هذه القضية التعليميّة التي أثرناها، إذا تمّ إدراكها -من البديهيّ أنّها ستزيد إنتاجيّة القوى العاملة- سوف تقلّل سعر المنتج النهائيّ، أو تكاليف العمل؛ ومن الطبيعيّ أنّ هذا الأمر سيرتقي بجودة العمل. حين يتمّ الارتقاء بالجودة، تزداد القدرة التنافسيّة، ويتحقّق الازدهار الاقتصاديّ، وخاصّة في مجال الصادرات.
العهد الخالد بين الجمهورية الإسلامية والعمّال
هناك نقطة أخرى فيما يرتبط بالعمّال، وهي أنّه في القرنَين الماضيَين، كان للعمّال تأثيرٌ في المجال السياسيّ. في جميع أنحاء العالم، سواء في أوروبّا أو البلدان الأخرى، كان للعمّال تأثيرٌ في المجال السياسيّ. في بلدنا أيضًا، كان للعمّال تأثيرٌ بالمعنى الحقيقيّ للكلمة. أثّر العمّال في انتصار الثورة -كما ذُكِر في بداية الاجتماع- العمّال، عمّال شركة النفط وبعض المناطق الأخرى، كان لهم دور كبير في تقدُّم الثورة ونجاحها.
وفيما بعد، في زمن الجمهوريّة الإسلاميّة أيضًا، كان العمّال من أفضل الفئات مواكَبةً لأهداف الجمهورية الإسلامية، سواء في فترة الدفاع المقدّس، أو بعد تلك المرحلة. في الأحداث المختلفة، كان العمّال دائمًا في المقدّمة؛ اجتهدوا، وعملوا لمنفعة النظام، وكانوا في خدمة النظام. لذا، فإنّ العهد والوفاء دائمٌ وقويٌّ بين نظام الجمهوريّة الإسلاميّة والعمّال، وآمل أن يستمرّ هذا الارتباط، إن شاء الله.
وبالطبع، هذا يزيد واجبات مسؤولي النظام تجاه العمّال، والواجبات المتعدِّدة للجميع تجاه الطبقة العاملة، سواء من [قِبَل] مختلف المسؤولين في السلطات الثلاث، وعموم الناس، إلى أرباب العمل وأصحاب الصناعات والمناطق الزراعيّة.
فرصة مناسبة لتحقيق شعار «النقلة النوعيّة في الإنتاج»
في ما يتعلّق بالنقلة النوعيّة والنهوض بالإنتاج، حسنًا، لقد أعلنّا هذا العامَ عامَ «النقلة النوعيّة في الإنتاج»، وما زلنا الآن في شهر أرديبهشت (أيّار/مايو)، وما زلنا في أوائل السنة (الهجريّة الشمسيّة)؛ أي إنّ هناك فرصة وإمكانيّة لتحقيق قفزة في الإنتاج، بالمعنى الحقيقيّ للكلمة هذا العام؛ أي إنّنا لسنا في الوقت الضيّق بعد. إنّها فرصة رائعة الآن -لدينا عشرة أو أحد عشر شهرًا بعد- ويمكن لمختلف الأجهزة أداء المَهمّات التي تؤدّي إلى نقلة نوعيّة ونهضة في الإنتاج، وإن شاء الله، سيعملون عليها. لذلك، سأعرض بعض النقاط حول «النقلة النوعيّة في الإنتاج».
الإنتاج بمنزلة النظام الدفاعيّ والأمنيّ للاقتصاد
أوّلًا، لقد تحدّثنا كثيرًا عن الإنتاج، أنا العبد تحدّثتُ كثيرًا، والمسؤولون الحريصون والمهتَمّون أيضًا تحدّثوا كذلك. أودّ أن أقول: إنّه يمكن تشبيه الإنتاج بجهاز المناعة والدفاع في جسم الإنسان. في هذه الأيّام التي تنتشر فيها الكورونا، فإنّ للنظام الدفاعيّ للجسم دورًا مهمًّا جدًّا في مواجهة الفيروسات والجراثيم والمعتدين على الصحّة. من دون شكّ، لقد دخل فيروس كورونا هذا إلى أجسام الكثير من الناس، لكنّهم لم يمرضوا، لماذا؟ لقد كان لديهم نظامٌ دفاعيٌّ سليمٌ وجيّدٌ، واستطاع الدفاع عن الجسم، وتأمين سلامته وصحته. إذا شبَّهْنا اقتصادَ البلد بجسم الإنسان، فإنّ الإنتاج هو بمكانة النظام الدفاعيّ والأمنيّ للاقتصاد؛ أي إنّ الإنتاج هو الذي يمكنه حماية الاقتصاد من الفيروسات والجراثيم التي تهاجمه، فيعطّل عملها، ويبقي الاقتصاد سالمًا. إذا كان لدينا، دائمًا، إنتاجٌ جيّدٌ ومناسبٌ ولائقٌ ومتنامٍ في البلاد، يمكننا مقاومة هذه الفيروسات التي تكون موجودة بطبيعة الحال. للأسف طبعًا، إنّ اقتصادنا يعاني من كثير من الجراثيم والفيروسات الطبيعيّة، وهناك فيروسات مصطنعة أيضًا، مثل العقوبات، ومثل قضيّة سعر النفط، وكلّها وقائع توجِّه ضربةً إلى الاقتصاد.
إنّ قضيّة الإنتاج لها دور مؤثّر على نحو عجيب. بالطبع، يجب إيلاؤها الأهمّيّة المناسبة، والاهتمام بها. إنْ تمكّنّا من الحفاظ على هذا النظام الدفاعيّ، واستطعنا توفير السلامة لجسد اقتصاد البلاد، والمحافظة عليه جاهزًا مستعدًّا على الصعد كافّة، فإنّ هذه المشاكل والاهتزازات الدوليّة والصدمات الاقتصاديّة المختلفة لن تتمكّن من التسبُّب في ضرر جسيم وخطير على البلاد، من دون أدنى شكّ.
الدور الحيويّ للإنتاج في الاقتصاد والثقة العامّة بالنفس
حسنًا، يمكن للإنتاج أن يشكّل اقتصادًا وطنيًّا قويًّا في البلاد؛ أي إنّ الإنتاج يؤدّي الدور الأوّل في بناء اقتصاد قويّ، وله تأثير حيويّ لا يمكن إنكاره في إدارة البلاد. وأتصوّر، باعتقاد هذا العبد، إنّ مسألة الإنتاج ليست مجرّد مسألة اقتصاديّة. بالطبع، إنّ الإنتاج حيويٌّ للاقتصاد، والإنتاج المحلّيّ حيويٌّ لاقتصاد البلاد ولاقتصاد سليم، لكن هذا ليس كلّ شيء. فالإنتاج، من الناحية السياسيّة، يعزّز ثقة البلاد بنفسها، ويجعل الشعب يشعر بالعزّة. إنّه مدعاة للعزّة والفخر أن يشعر الشعب بأنّ احتياجاته تتمّ تلبيتها داخل بلده، وبصناعة بلده، مقارنةً برؤية نفسه بحاجة إلى استيراد ما يحتاج إليه من الآخرين، وأنّه يجب أن يتوسّل للآخرين كي يبيعوه؛ فالآخرون أحيانًا يعطون، وأحيانًا لا يعطون، يعني أن يعطوه كلَّ أنواع الأشياء؛ أي في بعض الأحيان، يعطون الجيّد وأحيانًا يعطون السيّئ، حقيقةً. إنّ قدرة شعبٍ على إنتاج احتياجاته الخاصّة وتلبيتها بنفسه، تمنحه الثقة بالنفس والشعور بالعزّة. لذلك، ترون أنّ قضية الإنتاج لها أبعاد تتجاوز الأبعاد الاقتصاديّة البحتة، إضافةً إلى أنّ الإنتاج يمكن أن يؤثّر في مجمل المؤشّرات الاقتصاديّة للبلاد؛ أي إنّه يمكن أن يؤثّر في مجموعة متنوِّعة من المؤشِّرات، مثل الناتج المحلّيّ الإجماليّ، والعمالة -هو أمر مهمّ للغاية- وقضيّة العرض للسلع والخدمات، والرفاهية العامّة للمجتمع، والتصدير، والتأثير الفكريّ والثقافيّ، التي من الممكن أن تفعله الصادرات.
إضافة إلى ذلك، كما قلت، إنّ الإنتاج المحلّيّ هو مصدر فخر وطنيّ؛ ما يمنح أفراد المجتمع الثقة بالنفس، وما إلى ذلك. فماذا يمكن للمرء أن يقول أكثر من هذا عن أهمّيّة الإنتاج؟ حقًّا، إنّ الإنتاج المحلّيّ أمرٌ حيويٌّ للبلاد.
حسنًا، نحن قلنا: «النقلة النوعيّة في الإنتاج»، فلماذا نقول ذلك؟ لأنّنا متأخِّرون في الإنتاج. هذه الأعمال التي ذكرها الأصدقاء، والتي أُنجِزَت، هي بارزةٌ جدًّا وجيّدةٌ، ولكنّها ليست كافية، فنحن بحاجة إلى المزيد من تطوير الإنتاج، وتعزيزه، وزيادة التقدُّم فيه. والآن، سأوضح بعض النقاط في هذا الصدد.
تشغيل محرّك اقتصاد البلاد رهنٌ بمشاركة الشعب
النقطة الأولى هي أن نعرف أنّه حتّى أقوى الحكومات، لا يمكنها تشغيل محرِّك اقتصاد المجتمع، من دون مشاركة الشعب؛ لا يمكن لأيّ حكومة تنظيم اقتصاد البلاد، من دون مشاركة الشعب. إنّ بعض الآليّات الفكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة، مثل أحد أنواع الاشتراكية -طبعًا ليس كلّ أنواع الاشتراكيّة- تصوَّرَت أنّ الحكومات قادرة على التصدّي للعمل الاقتصاديّ، ولكنّها فشلَت. هذا الأمر غير ممكن، من دون مشاركة الشعب، لن تتمكّن أيُّ حكومة من تنظيم اقتصاد البلاد وتشغيل محرك الاقتصاد. لذلك، إنّ قضيّة إشراك طاقات الناس ومواهبهم وابتكاراتهم وقدراتهم المتنوِّعة، في مجال اقتصاد البلاد، يجب أن تكون من أهمّ قضايانا.
واجبات الدولة في «النقلة النوعيّة في الإنتاج»
1) الدعم وإزالة العقبات
حسنًا، صحيحٌ أنّ هذا العمل هو عمل الناس، ولكن على الدولة واجبات مُهمّة أيضًا. الدولة، كما نقول، نقصد بها السلطات الثلاث، وليس الحكومة والسلطة التنفيذيّة فقط، بل السلطات التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة؛ أي بعنوان دولة الجمهوريّة الإسلاميّة؛ هؤلاء لديهم واجبات مُهمّة. إحدى هذه المهمّات -التي إن لم تقم الدولة بها، ولم يقم بها مسؤولو الدولة، فلن تتحقَّق النهضة في الإنتاج- أنّه يجب على الدولة تقديم الدعم للإنتاج والمنتج. يمكن اختصار ذلك بجملة واحدة على هذا النحو: «الدعم الرسميّ». فماذا يعني هذا الدعم؟ ما إن نقول: «الدعم»، حتّى يتصوَّر بعضهم أنّه ضخُّ السيولة وتقديم الأموال. حسنًا، نعم، قد يكون من الضروريّ، في بعض الأماكن، ضخّ الموارد الماليّة، ولكن في أماكن أخرى، قد يكون ضارًّا أيضًا. المقصود من الدعم لا يقتصر على ضخّ الموارد الماليّة فحسب، بل يتعلّق بفتح المجال. إذا تصوَّرْنا أنّ القوى العاملة الشعبيّة والمستثمر والمهندس والمفكِّر والعامل، مجرّدُ عدّاء سريع، فليس عليكم أن تعلّموه ماذا يفعل، فهو لديه شغف ورغبة وميل للحركة. أنتم افتحوا المجال، وأزيلوا العقبات، ومهِّدوا الطريق، ودعوه يقوم بحركته. إذا قامت الحكومة بذلك -هذا أمرٌ مهمّ للغاية، وسأشير الآن إلى بعض الأمثلة- حينئذٍ، ستتمّ تلك الحركة بالطريقة الصحيحة. لذلك، فإنّ الدعم الذي نتحدّث عنه هو إزالة العقبات. إزالة العقبات مثل ماذا؟ مثل إزالة المقرّرات والقوانين المرهِقة. هناك بعض المقرّرات التي لا فائدة منها، بل هي ضارّة أيضًا، إنّ وجود هذه المقرّرات يمنع قطاع الإنتاج وجهاز الاقتصاد الفعّال والمفيد من القيام بعمله.
2) مكافحة التهريب 3) منع الاستيراد المتفلِّت والعشوائيّ
أحد أهمّ أنواع الدعم، هو مكافحة التهريب؛ ما يعني بالفعل، أنّ التهريب هو آفة للبلاد، وتجب محاربة هذه الآفة بكلّ ما للكلمة من معنى. أحد الأعمال الضروريّة، منع الاستيراد المتفلِّت وغير المنضبط بجدّيّة. لقد أكّدتُ كثيرًا على ضرورة معالجة مسألة الاستيراد العشوائيّ وغير المنضبط. دائمًا، يرى المرء أنّ الاستيراد يتمّ بذرائع مختلفة. يكتبون إلينا ويشكون. على سبيل المثال، يقول أحد المديرين في أحد الأجهزة: لقد بذلنا جهدًا كبيرًا من أجل صناعة هذه الآلة، وبنصف السعر، وبثلث السعر، ولكنّ الجهاز الحكوميّ الفلانيّ، الذي يحتاج إلى هذه الآلة، يذهب للتعاقد مع مصنع أجنبيّ ويستوردها؛ يجب ألّا يحدث ذلك. إذا حدث ذلك في حالات مُهمّة، يجب اعتبارها جريمة وخيانة! طبعًا، ليست الحال هكذا دائمًا، إنّما يحدث ذلك في بعض الأحيان، عن طريق الغفلة، لكنّه أحيانًا يكون جريمة وخيانة فعلًا.
4) محاربة الفساد الإداريّ والماليّ
أحد أنواع الدعم، هو المكافحة الجدّيّة للفساد الماليّ. لاحِظوا، إنّ هذه الأجهزة التي عُرِضَت التقارير عنها اليوم -ومئات الأجهزة الأخرى من هذا القبيل- هي التي تقوم على العمل الاقتصاديّ السليم في البلد. إذا كنتم تريدون أن يتمكّن هؤلاء الأشخاص، الذين يؤدّون عملًا اقتصاديًّا سليمًا، من تحقيق أهدافهم، عليكم أن تحاربوا، بجدّيّة، أولئك الذين يؤدّون الأعمال عن طريق الفساد والرشوة والاختلاس. يجب محاربة الفساد، سواء الإداريّ -أي فساد الشخص الذي يكون في الحكومة، والمرتبط بالمسائل الاقتصاديّة- أم فساد مَن يعمل في الإنتاج والنشاط الاقتصاديّ.
إحدى القضايا هي مواجهة العراقيل الإداريّة بجدّيّة. أنا أعلم جيّدًا، ولقد رأينا مرارًا وتكرارًا، على مرّ السنين، أنّ الشخص المسؤول عن جهاز حكوميّ ما، المدير الأعلى للجهاز، يسعى من أجل أمرٍ معيَّنٍ باهتمامٍ وصدقٍ كاملَين، ويريد أن يفعل شيئًا، ولكن لا يتمّ ذلك، كما أنّهم يعقدون اجتماعات ويتّخذون إجراءات، ولكنّ الناتج صفر. والسبب هو العرقلة. فمعناه، كما قال أمير المؤمنين: «ثمّ النِّهَايَةَ النِّهَايَةَ»، وهذا يعني أنّه لا يكفي أن تكون مدير الجهاز، وأن تكون لديك رغبة فقط، بل يجب أن تتابع الأعمال؛ لمنع حدوث هذه العرقلة وسط الطريق حتمًا.
5) احترام حقوق الملكيّة 6) اجتناب الصفقات المضرّة 7) الإعفاء أو الإقرار الضريبيّ
هناك قضيّة مهمّة أخرى، هي احترام حقوق الملكيّة، وهي من واجبات القوّة القضائيّة. ومن الأمور المهمّة، اجتناب التلاعب بالسندات، ومنع الصفقات المضرّة، وهذه تحتاج إلى سنّ قانون، وهو أمرٌ يتعلّق بمجلس الشورى الإسلاميّ. يجب أن يكونوا حذرين في القوانين التي يضعونها؛ كي لا تساعد على مثل هذه الصفقات، بل تكون عكس ذلك، فتساعد على الأنشطة الصحيحة. في بعض الحالات، تكون الإعفاءات الضريبيّة مطلوبة، وفي المقابل، في حالات أخرى، قد يكون إقرار الضرائب أمرًا ضروريًّا، مثل الإثراء الفاحش. طبعًا، لا أريد الآن أن أعُدّها كُلّها، فهناك عددٌ من الحالات، وأعمال يحصلون فيها على ثروة مفاجئة، ولا يدفعون الضرائب؛ يجب أن يفرضوا عليهم الضرائب. في المقابل، في بعض الحالات، يجب إلغاء الضرائب، أو تخفيضها. في كثير من الحالات الإنتاجيّة، يجب تقديم المساعدة من هذا القبيل. لذلك، إنّ الدعم الحقيقيّ للإنتاج، الذي قلنا: إنّه يجب على الدولة أن تقدمه، هو في هذه الأشياء وما شابه. حسنًا، لقد شاهدتم في أزمة كورونا هذه، لحسن الحظّ، أنّ الدولة دعمَت الشعب؛ أي إنّها فتحت المجال أمامه. فلو أنّ الحكومة قالت: «أيّ شخص يريد أن يصنع مثل هذه الكمّامة، فيجب أن يأتي ويحصل على إذنٍ منّا»، لو قاموا بهذا الأمر البسيط، لكان هذا كافيًا كي لا تُنتَج الكمّامات في البلاد، لكنّهم فتحوا المجال، وقالوا: إنّ أيَّ شخصٍ يمكنه إنتاج الكمّامات، فلينتجها. لذلك، فالأجهزة الحكوميّة أنتجتها، والمصانع أنتجتها، واللجنة التنفيذيّة (لمتابعة كورونا) أنتجتها، ومؤسّسة «المستضعفون» أنتجتها، والناس أنتجوها في المنازل، وفي المساجد؛ صار الوضع الآن أنّ لدينا كمّامات أكثر ممّا نحتاجه في البلد، ويمكننا تقديمها إلى الآخرين. هذا لأنّ الحكومة أزالت العقبات. إذا عُمِّمَ هذا الشيء في مجالات أخرى، بلا شكّ، إنّ هذا سيساعد اقتصاد البلد.
تحسين أجواء الإنتاج والعمل
النقطة الثالثة هي مسألة تحسين بيئة الأعمال. لقد أكَّدتُ مرارًا وتكرارًا، مسألة تحسين بيئة الأعمال7، وهذه الأشياء التي قلتها بالفعل في هذا الجزء الثاني [حول] الدعم وخفض القوانين وما شابه ذلك، في الواقع، هذه أمثلة على تحسين بيئة الأعمال. لقد رأيتُ تقويمات الخبراء المرسَلة إليّ من وزارة الاقتصاد، عبر مكتبنا؛ بالاستناد إلى تقويمات الخبراء، يقولون: إنّه إنْ تمّ اتّخاذ إجراءَين في مجال القضايا الاقتصاديّة، فإنّ تصنيف البلد في مؤشّر الأعمال سيرتفع أربعين أو خمسين مرتبة أعلى. هذا ما يقوله الخبراء في وزارة الاقتصاد.
أحد هذَين الأمرَين، هو «إنشاء نافذة واحدة لإصدار التراخيص». قلت، ذات مرّة، في اجتماع مع الأصدقاء في هذه الحكومة، قبل عامَين أو ثلاثة أعوام -لا أتذكّر الآن-: إنّ الشخص الذي يريد الحصول على ترخيص من أجل عمل اقتصاديّ، أعتقد أنه يجب أن يذهب إلى نحو ثلاثين أو أربعين مكانًا للحصول على ترخيص، فالإجراء الذي يجب فعله في يوم واحد، يستغرق ستّة أشهر، أو في بعض الأحيان، لا يتمّ على الإطلاق. أحد هذَين الأمرَين، هو إنشاء «نافذة واحدة لإصدار التراخيص»؛ أي أن تجتمع الأجهزة كلّها في نقطة واحدة؛ كي يمكن لأيّ شخص يريد [الترخيص]، الحصول على ترخيصه في غضون نصف يوم، وأن يختصر الوقت، ويذهب إلى متابعة عمله.
ثانيًا، «إنشاء المحاكم التجاريّة لحلّ الخلافات الاقتصاديّة»، وهو أمرٌ يخصّ القوّة القضائية. قالوا: إنّه إذا تمّ هذان الأمران، سيرتفع تصنيف البلاد في بيئة الأعمال أربعين أو خمسين درجة. حسنًا، هذه الأمور مُهمّة.
منع الاستيراد العشوائيّ
النقطة الرابعة هي مسألة منع الاستيراد، الذي ذكرته سابقًا. بالطبع، نحن لسنا ضدّ الاستيراد، والجميع يعرف ذلك، ويفهمون ذلك. هذا يعني معارضة استيراد تلك السلع التي يُنتَج ما يوازيها ويشبهها في البلد، أو يمكن إنتاجها في البلد. أنا أريد أن أقول هذا: ليس فقط تلك التي تُنتَج، بل تلك التي يمكن إنتاجها كذلك. بمنع هذا النوع من الاستيراد، يمكننا مساعدة القوى النشيطة والمبدعة داخل البلد، للبدء بتنفيذ تلك الأعمال. فإذا حدث هذا الأمر، أعتقد أنّه سيساعدهم كثيرًا. في بعض الأحيان، تفتح الأجهزة التنفيذيّة الباب للاستيراد، تحت أعذار واهية. لنفترض قضيّة المنافسة؛ على سبيل المثال، افرضوا أنّه حين يُقال: لماذا سمحتم للسيّارات الأجنبيّة أن تُستَورَد بهذا النحو، يقولون: إنّها المنافَسة. أقول: حسنًا، أنتم الذين تريدون رفع مستوى الجودة عبر المنافَسة، فلتحاوِلوا رفع الجودة بطريقة أخرى. فأن تكبِّدوا الإنتاج المحلّيّ خسائر مضاعفة؛ لأنّكم تريدون زيادة الجودة مثلًا، هذا أمر غير صحيح. القفزة في الإنتاج تعني أيضًا مضاعفة الكمّيّات، وبالطبع، تعني أيضًا القفزة في النوعيّة، وكلٌّ منها لها طرقها، ولن تحقِّقوا ذلك من خلال الاستيراد. بالطبع، بعضهم لديه نيّاتٌ أخرى، تؤدّي في بعض الأحيان إلى سحق الإنتاج؛ بسبب الاستيراد غير المنضبط، ولدينا أمثلة. هناك أشخاص يأتون إلينا، طبعًا نحن نحيلهم إلى الأجهزة المختلفة، ونتابع أمورهم إلى أن تتحقّق، إن شاء الله. وبذلك، فإنّ النقطة التالية كانت قضيّة منع استيراد السلع المنتجة في الدولة، أو التي يمكن إنتاجها.
النقلة النوعيّة مطلوبة كمًّا وكيفًا
المسألة التالية هي التحوُّل والقفزة في النوعيّة التي ذكرناها، وهذا أيضًا مبدأٌ مهمّ. حين تكون لدينا نهضة في الكمّيّة، [لكن] لا يتوافر لدينا ما يوازيها في النوعيّة، فلن نتقدّم إلى الأمام؛ أي إنّه إذا لم تكن هناك قفزة في النوعيّة، سوف نبقى عالِقين في مسألة الاستهلاك المحلّيّ؛ أي إنّ المستهلِك المحلّيّ حين يرى أنّ المنتج المحلّيّ ليس بجودة عالية، من الطبيعيّ أن ينجذب إلى الأجنبيّ. حين يكون هناك مستهلك، من البديهيّ، ومن دون شكّ، أنّه سيكون هناك مستورِد أيضًا، وليس معلومًا أنّ الحكومة ستكون قادرة على منعه. يجب أن نفعل شيئًا، كي يقتنع المستهلك المحلّيّ أنّ هذه النوعيّة جيّدة. لحسن الحظّ، إنّ العديد من منتجاتنا هي كذلك اليوم؛ أي إنّ جودة الإنتاج المحلّيّ لمنتجاتنا الصناعيّة، في القطاعات المختلفة -التي لا أريد تسميتها الآن، لكنّنا نعرفها ونعرف هذه القطاعات- أفضل من الأجنبيّة، وفي الوقت نفسه، هناك بعض هذه السلع المستوردة. لذلك، إنّ مسألة النقلة في النوعيّة مُهمّة جدًّا أيضًا، فهي تؤثّر في الاستهلاك المحلّيّ، ولها تأثير مضاعف أيضًا في استهلاك الصادرات؛ أي إذا أردنا أن تكون بضائعنا قادرة على المنافسة في الخارج، علينا رفع مستوى الجودة، وهذا موضوع هامّ جدًّا. هذه أيضًا نقطة أخرى.
وجوب مضاعفة الأمل بالعمل وبذل الجهد
النقطة التالية هي أنّه يجب علينا زيادة الأمل بالسعي والعمل في البلد، يومًا بعد يوم. السبب وراء رغبتي في بثّ هذا البرنامج، أن يتمكّن الناس من مشاهدته، هو أنّ هناك أصواتًا توسوس وتهمس دائمًا في آذان الناس، بهمسات خطيرة وضارّة، ويقولون: غير مجدٍ، ولا نستطيع، وليس ممكنًا، في حين أنّ الأمر ممكن، فنحن نستطيع القيام بالكثير من الأعمال العظيمة. التفتوا! أريد أن أقول: إنه عندما يمكننا بناء قمر صناعيّ بجودة عالية، ويستطيع أن يتحرّك بسرعة 7500 متر في الثانية -أي سبعة كيلومترات ونصف في الثانية- عندما نتمكّن من وضع القمر الصناعيّ في المدار الذي نريد، فإنّنا نستطيع فعل الكثير من الأمور الأخرى. الذي يصنع هذا القمر الصناعيّ اليوم، ويرسله إلى الفضاء، هذا الإنسان، وهذه النيّة، وهذه اليد، قادرة على إيصال هذا القمر إلى مدار 36000 كيلومتر في الأيّام المقبلة، وهو ما نريده؛ نريد إيصال القمر الصناعيّ إلى المدار 36000 كيلومتر. هذا سيحدث بالتأكيد، وهذه الإمكانيّة موجودة بالتأكيد. أي إنّ هذه النية، وهذه الهمّة، وهذه اليد التي أوصلَت القمر الصناعيّ إلى مسافة 400 كيلومتر، أو 450 على سبيل المثال، هذه الهمّة نفسها ستكون قادرة على إيصاله غدًا إلى 36000 كيلومتر. عندما يكون هناك أمل، عندما يكون هناك شعور بالتقدُّم، عندما يكون هناك شعور بالقدرة، فإنّ هذا سوف يحدث، وهذا هو لبّ كلامي. الآن، يقول بعضهم، على سبيل المثال: «يا سيّد! أنت تُبدي سعادتَك بأنّكم أطلقتم قمرًا صناعيًّا، أو شيئًا من هذا القبيل، لكن هذا لا يوجب تأمين الاستقرار في البلد. يعني أنّ القمر الصناعيّ والأسلحة وما شابه لا يمكنها تأمين سلامة البلاد، والأصل هو القضايا الاقتصاديّة!». حسنًا، نحن نعرف هذه الأمور، نعرف هذه الأقوال، نعرف هذه الأشياء، نعرفها، ولا نجهلها. ولكن كلامي هو: عندما نتمكّن من فعل هذه الخطوة الكبيرة في المجال العسكريّ، أو إطلاق القمر، فلماذا، مثلًا، لا يمكننا إنتاج سيّارة تحتاج إلى خمسة ليترات من البنزين لكلّ مئة كيلومتر، بدلًا من أن نتوقّف باستمرار لتزويدها بالوقود؛ لأنّها مثلًا تستهلك اثنَي عشر ليترًا أو عشرة ليترات أو ثمانية لكلّ مئة كيلومتر؟ عندما تكون لدينا هذه القدرة، وتكون لدينا روح الابتكار هذه، فإنّها ستكون موجودة في جميع المجالات في البلاد، سواء في القطاع الصناعيّ، أو مختلف القطاعات الأخرى، كالزراعة والخدمات. هذا هو كلامنا.
إعطاء الأولويّة للقطاعات الرائدة
النقطة الأخرى هي أنّه في النقلة النوعيّة في الإنتاج هذه، تكون بعض القطاعات هي الرائدة، ويجب إعطاؤها الأولويّة. لقد ذكرتُ بعضَ القطاعات هنا: مثلًا، في قطاع النفط، تطوير قدرة المصافي، مثل مصفاة التكثيف التي تمّ افتتاحها في بندر عباس، وهناك خطوات لاحقة ستمنح البلاد، على نحوٍ طبيعيّ، المزيد من الثروة، أو مجمع "سيراف" للتكرير، الذي -كما ذكروا- أنّه مجمع هام، وسيكون له تأثير كبير، أو تنفيذ مشاريع البتروكيماويّات، التي قيل: إنّه إنْ نُفِّذَت -كما وردني بالتقارير- فإنّ إنتاج 50 مليون طنّ سيرتفع أوّلًا إلى 100 مليون، ثمّ إلى 130 مليونًا، وسيزيد ثلاثة أضعاف من حيث القيمة، وهذه مسألة مُهمّة، خاصّة في ظلّ ظروف البلد الحاليّة، وحاجته إلى العملات الصعبة، فبالطبع سيكون هذا ذا قيمة كبيرة. أو في موضوع المشاريع الزراعيّة، من أجل زيادة الاكتفاء الذاتيّ في المنتجات الأساسيّة. أحد الأشياء التي يجب القيام بها حتمًا، في القطاع الزراعيّ، هو السعي لتأمين الاكتفاء الذاتيّ في المحاصيل الأساسية. نعم، في بعض الأحيان، قد يكون سعر شراء القمح أرخص. طبعًا، ليسَت هذه الحال اليوم، ولكن هناك زمنٌ كان فيه سعر شراء القمح من الخارج، أرخص للبلد من الإنتاج. في تلك الظروف أيضًا، حين يكون الإنتاج ذا أولوية، فإنّهم يفعلون هذا الشيء نفسه في العالم؛ أي إنّهم لا يسمحون لبلدهم أن يستورد القمح من الخارج. افرضوا مِثل اليوم، حيث العناصر الخبيثة من عملاء الولايات المتّحدة، التي حظرَت علينا بعض الأشياء، يأتي يومٌ ويحظرها علينا طرف آخر أيضًا. حسنًا، هم الآن يفعلون ذلك، فيجب أن تكونوا قادرين على إدارة البلاد. لذلك، يجب تأمين المحاصيل والمنتجات الأساسيّة داخل البلاد، وتحقيق الاكتفاء الذاتيّ. طبعًا، اليوم ليست لدينا مشكلة في المياه، والحمد لله. ذات يوم، كانوا يقولون دائمًا: إنّه لا توجد مياه، وإنّ لدينا مشكلة في المياه، ولدينا نقص فيها. لحسن الحظّ، ليسَت لدينا اليوم مشكلة نقص المياه، سواء من حيث الزراعات البعليّة أو المروية؛ ولذلك، يجب أن نسعى وراء المحاصيل الأساسيّة، مثل القمح، البذور الزيتيّة، النباتات الطبّيّة، الأعلاف، والثروة السمكيّة والمائيّة؛ هذه هي الأشياء التي يجب أن نسعى لتحقيقها. وكذلك في الزراعة، والريّ الحديث، وإدارة مستجمعات المياه، وإدارة مخازن المياه الجوفيّة، وأمثال هذه أيضًا، تُعَدّ من القطاعات الهامّة والرائدة.
أحد المجالات الرائدة الأخرى، ممّا يحتاج إلى اهتمام خاصّ، هو البنية التحتيّة. الحمد لله، إنّ البلد اليوم متقدِّمٌ جدًّا في البنية التحتيّة، ولا شكّ في ذلك؛ أي إنّ البلد اليوم، من حيث البنى التحتيّة، مثل الموانئ، الطرقات، الطرقات السريعة، السدود، وما شابه ذلك... وضعنا الحاليّ لا يمكن مقارنته بتاتًا بما كان عليه قبل الثورة، فتقدُّمُه رائع، ولكن في الوقت نفسه، ما زلنا بحاجة إلى بنى تحتية، مثل الموانئ والكهرباء والنقل والشحن، وخاصّة النقل والشحن بالسكك الحديديّة، وهو أمرٌ هامٌّ للغاية.
القطاع الرائد الآخر هو قضيّة تصنيع قطع الغيار، التي وردَت في تقارير اليوم، بفضل الله. أحيانًا، تتعطّل سيّارة كبيرة بسبب قطعة صغيرة يجب علينا أن نستوردها من الخارج، على سبيل المثال. يجب أن نعمل على قضيّة تصنيع قطع الغيار في مختلف القطاعات. الآن، هذا التقرير الذي قُدِّم، في رأيي، كان الجزء الرئيس فيه يتمحور حول قطع غيار السيّارات، ولكن قضيّة تصنيع قطع الغيار لجميع أجزاء الآلات والأجهزة الكبيرة، تُعَدّ مسألةً هامّة جدًّا.
أو [مثلًا] قضيّة قطاع المناجم، إذ إنّنا ما زلنا متأخِّرين كثيرًا في قطاع المناجم، وأحد القطاعات التي يجب الاهتمام بها حتمًا هو المناجم. أو [مثلًا] قسم الدواء واللقاح، الذي سمعتُ أنّه -والحمد لله- يعمل جيّدًا في مجال إنتاج الدواء لهذا الفيروس الجديد، أو أنّهم يقومون بأبحاث حول اللقاح. الآن، يشيعون في العالَم أنّ الوصول إلى اللقاح غير ممكن حتّى مدّة معيّنة - حتّى عام، حتّى ستّة أشهر، بعضهم يقول: إنّه لا يمكن الحصول عليه حتّى مدّة فلانيّة- لا شيءَ معروفًا. فليجتمع علماؤنا الجيّدون، علماؤنا الشباب، باحثونا الأكفَّاء، وليعملوا على قضيّة إيجاد لقاح لفيروس كورونا هذا، وليعملوا على إنتاج اللقاحات المختلفة، فربّما يمكنهم الوصول إلى اللقاح في وقت أقرب بكثير، ويمكنهم الاستفادة منه. هذه القضية من بين القطاعات الهامّة.
أو مثلًا، سلسلة الألبسة والأحذية والأجهزة المنزليّة، التي هي أيضًا واحد من القطاعات الرائدة، والحمد لله، إنّ البلاد لديها الكثير من القدرات في هذا المجال، ولكن في الوقت نفسه، رغم أنّنا من بين البلدان الرائدة في مجال الملابس منذ القدم، وحقَّقنا الكثير من التقدُّم الجيّد على مرّ السنين في مجال الأحذية، والأجهزة المنزلية أيضًا، للأسف، لا تزال مشكلة الاستيراد ضارّة هنا. في رأيي، يجب منع الاستيراد في هذه القطاعات بجدّيّة، ويجب الاهتمام بهذا القطاع أيضًا، بوصفه رائدًا ومهمًّا.
الحمد لله، رأينا أنّه في هذَين العامَين الماضيَين؛ أي 1398 و1397 [هجريًّا شمسيًّا، 2019 - 2018 ميلاديًّا] عندما احتجنا إلى عدد من السترات للبنين والبنات والأطفال، قلتُ: لا تشتروا من السوق الأجنبيّ إطلاقًا، دعوهم يصنعوها وينتجوها ويخيطوها. ذهبوا وأحضروا البضاعة اللازمة، ونظّموا عمل الخيّاطين والمصمّمين، وجهّزوا المبالغ اللازمة للإنتاج. كانت، بالتأكيد، أفضل من البضائع الأجنبيّة؛ أي إنّها أجمل وأمتن وأفضل. حسنًا، هذا يتمّ إنتاجه محلّيًّا، فعندما نتمكّن من الإنتاج محلّيًّا، لماذا نستورد من الخارج؟ كانت لديّ سترتان استخدمتهما عندما كنّا نذهب إلى الجبال أحيانًا، وكانتا من صناعة أجنبيّة، وقُدِّمَتا إليَّ كهديّة، لكنّني تخلَّيتُ عنهما، وقلت: أحضِروا إليّ من هذه السترات المحلّيّة الصنع.
أودّ أن أقول هذا هنا أيضًا: للأسف، إنّ إنتاجنا المحلّيّ للملابس، الذي هو ذو خبرة وقديم ومتجذّر في البلد، لديه هذا العيب الكبير، إذ يضعون عليه، كذبًا وتزويرًا، العلامات التجاريّة الأجنبيّة، وهذا خطأ! هذه السترة التي قلتُ: إنّهم اشتروها لي، ورأيتُ عليها ملصقًا كاذبًا يقول: إنّها من إنتاج الخارج، وكنّا نعرف خيّاطها، ونعرف مَن صنعها، ومتى... قلت لهم: انزعوا الماركة عنها، فنزعوها. لذلك، إنّ أحد القطاعات الرائدة هو الألبسة أيضًا.
الاستفادة من الشباب المبدِعين والجاهِزين للعمل للنهضة بالإنتاج والحركة المضاعفة
لذلك، إنّ حركة الإنتاج في البلاد قد بدأَت، والحمد لله، ولكن أريد أن أقول هذا: لن نصل إلى أيّ مكان بالحركة العاديّة، فالنقلة النوعيّة ضروريّة، والحركة المضاعفة مطلوبة. لحسن الحظّ، هناك أرضيّة لهذه الحركة المضاعفة في البلاد. هناك طاقات إبداعيّة ممتازة، شباب جاهزون للعمل، شباب متعطِّشون للعمل في البلاد، يمكننا الاستفادة من وجودهم، لإيصال الإنتاج إلى القفزة والنهوض بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، وستكون القفزة في الإنتاج قادرة على إنعاش اقتصاد البلاد.
أودّ أن أجدِّد الشكر للأصدقاء الذين عملوا بجدٍّ اليوم، وأعدّوا هذا البرنامج، وأولئك الذين تحدّثوا وقدّموا التقارير، وكذلك جميع الذين يعملون في المجالات الاقتصاديّة. إن شاء الله، ستتحقَّق تطوّرات أساسيّة ومُهمّة في القطاعات المطلوبة في البلاد، بما فيها القطاع الاقتصاديّ، ببركة الأدعية الزاكية لشعبنا العزيز في شهر رمضان المبارك.
ونتيجة الوضع الذي تسبَّبَت به أزمة فيروس كورونا هذه، والذي حرّك الناس، فقد برز وضع جديد وغير اعتياديّ -هذه التعطيلات، وهذه الاحتياجات، وتأمين الاحتياجات، وهذا التعاون الذي كان ذا قيمة كبيرة بكلّ معنى الكلمة- آمل أن تكون مقدّمة وبداية للأعمال الجديدة والتقدُّم في مختلف المجالات، بما في ذلك المجال الاقتصاديّ، إن شاء الله. وأسأل الله أن يساعد ويبارك ويستجيب الدعوات. ونحن أيضًا، ندعو لجميع المسؤولين والقيّمين والناشطين في مختلف أنحاء البلاد، سواء في القطاعات الاقتصاديّة أو الثقافيّة، أو غيرها من القطاعات المختلفة. أسأل الله أن يوفّقَهم جميعًا، إن شاء الله، وأن يشملهم جميعًا بلطفه ورحمته وبركاته. أشكركم جميعًا مرّة أخرى، وأقدّم تحيّاتي، وأهدي سلامي إلى الروح المطهّرة للإمام العظيم والشهداء الأعزّاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1) في بداية هذا البرنامج، كان هناك لقاء عبر الشاشة مع سبع من مجموعات الإنتاج الناشطة، وعرض المديرون والعمّال فيها تقارير عن مسائل متعدِّدة.
2) سورة النجم، الآية 39.
3) نهج البلاغة، الخطبة 176.
4) سورة المائدة، الآية 9.
5) سورة البقرة، الآية 62.
6) كتاب أمالي الصدوق، ص385.
7) بعض التصريحات خلال اللقاء مع عدد من رجال الأعمال المبدِعين (16/06/1389ه).