كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) المتلفزة الموجّهة إلى أهالي مدينة تبريز بمناسبة ذكرى انتفاضة 29 بهمن بتاريخ 17/02/2022م
حركة المقاومة في بلدان المنطقة في تنام، لا بدّ من أن نستمرّ في هذه الحركة
بسم الله الرحمن الرحيم[1]
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
ليته كان ممكناً أن نشعر بأنفاسكم الدافئة أيها الأعزاء التبريزيّون والأذربيجانيّون كما في السنوات الماضية [هنا] في هذه الحسينية! لم نتمكن من لقائكم من كثب هذا العام أيضاً. نتمنى أن يوفقكم الله المتعالي ويساعدكم ويواصل التفضّلات التي منّ بها على أهالي أذربيجان وأهالي تبريز على مرّ الزمان بأفضل نحو. هذا اللقاء بمناسبة التاسع والعشرين من شهر بهمن عام 1956 (18/02/1978م)، وهو لقاؤنا السنوي معكم، وهذا اليوم هو في الحقيقة يوم تألّق تبريز في تاريخ الثورة الإسلامية. «29 بهمن» هو يوم ذاخر بالافتخار ومبعث على تألق تبريز على مرّ تاريخ ثورتنا.
توصية للشّباب بتقوية بُنيتهم الرّوحيّة واغتنام الأعمال العباديّة في النّصف من شهر رجب
قبل الدخول في الحديث عن مناسبة إحياء هذا اليوم وذكرى «29 بهمن»، لأنّ اليوم هو النّصف من شهر رجب ويوم عملٍ وعبادة وتضرّع، أرى من المناسب أن أقول إنّ شبابنا وأعزّاءنا يحتاجون إلى تقوية البنية الروحيّة، وجميعنا نحتاج إلى ذلك. الشّباب يجذبون عوامل الروحانيّة على نحو أكبر وأفضل. قد يؤدّي أعمالَ اليوم شخصٌ مثلي، لكن عندما يؤدّيها الشابّ يكون الفيض الذي ينتهله والانتفاع الذي ينتفعه أكثر بكثير من الفيض الذي ينتهله أمثالي، أنا الذليل إلى الله. هذه هي ميزة الشباب. أوصي الشّباب باغتنام فرصة شهر رجب، وأن يغتنموا فرصة اليوم الذي هو النّصف من شهر رجب. طبعاً ربَطوا أعمال اليوم بثلاثة أيام من الصّوم، لكن يُمكن أداء أعمال أمّ داوود دون الصّوم وبقصد رجاء المطلوبية أيضاً. هذه العلاقة مع الله تُضفي البركة على حياتكم، وتضفي البركة على البلاد أيضاً، وتضفي على مستقبل الثورة بالبركة أيضاً.
حركة «29 بهمن» مدعاة لشكر الله بسبب تأثيرها في استمرار النّضال وانتصار الثّورة الإسلاميّة
أما بشأن «29 بهمن»، فأولاً إن «29 بهمن» هو يوم شكر بالنسبة إلى تبريز وإلينا جميعاً. حديثي يتعلّق بهذه المقولة، وسوف أوافيكم به الآن، إن شاء الله. يوم للشكر، لماذا للشكر؟ لأن الحادثة التي جرت في تبريز في مثل هذا اليوم أدّت إلى أن تؤتي الثورة ثمارها. وهذه الحادثة أدّت إلى أن تؤتي الثورة والفعاليات والجهود الميدانية والسياسة السابقة للثورة ثمارها. هذه كانت ميزة «29 بهمن» في تبريز. لماذا؟ لأن هذه الحركة كانت إبداعية، فقد كانت حركة مهمة وعلّمت وأظهرت للجميع استمرار انتفاضة «19 دي» في قم. لو لم تؤدِّ تبريز تلك الحركة العظيمة في «29 بهمن»، فإن سُنّة إقامة الأربعينية واستمرار النضال لدى الشعب الإيراني لم تكن لتنطلق وتصير رائجة. عندما أُقيمت الأربعينية لشهداء قم في تبريز بابتكار من التبريزيين، صارت هذه [الحركة] أنموذجاً. انطلقت هذه الحركة في مدن أخرى مختلفة – يزد وكرمان ومدن محافظة فارس ومناطق أخرى مختلفة - وقادت الناس إلى ميدان النضال والثورة، وهذا ما أدّى إلى انتصار الثورة. انتصار هذه الثورة كان بسبب حضور الناس في الساحة والميدان والشارع. لم تنتصر هذه الثورة لا بالبندقية ولا بالمتاجرة السياسية ولا بالمصالح الحزبية الضيّقة. انتصرت بحضور الناس. حضور الناس كان بسبب هذه الحركات، وكانت بداية هذه الحركات قد نشأت وابتُكرت في تبريز. لذلك، يجب علينا جميعاً، بمن في ذلك أنتم، أيها التبريزيون الأعزاء، أن نشكر الله على أن حركتكم هذه نالت البركة وأدّت إلى إتيان الثورة ثمارها.
أذربيجان؛ رائدة الوحدة والصّمود الوطنيّيْن في القرون الأخيرة
حسناً إن يوم «29 بهمن» هو حدثٌ [مهم]. مرت أذربيجان بأحداث مختلفة، وعلى مر التاريخ، منذ بضعة قرون إلى الآن - طبعاً ما يمكننا قوله بجزم، منذ ثلاثة قرون أو أربعة إلى الآن - كانت أذربيجان رائدة الوحدة والصمود الوطنيَين، أي كانت أذربيجان وتبريز نقطة أساسية في تشكيل اتحاد الشعب الإيراني، ومركزاً مهماً لتعليم صمود الشعب الإيراني تجاه مختلف الأحداث. هذا ما يصنع افتخارات لهذه المدينة وهذه المحافظة، وهو بالطبع افتخار عظيم لهما.
محبّة أهل البيت (ع) من مزايا أهالي محافظة أذربيجان وافتخاراتهم
إن إحدى المزايا العظيمة لأذربيجان، التي من الجيد أيضاً ذكرها، هي أن راية المحبة لأهل البيت (ع) كانت دائماً في أيدي أهالي أذربيجان، ففي القرون القليلة الماضية التي ذكرتها، لم تنكفّ هذه الراية التي في أيدي أهالي محافظة أذربيجان عن الخفقان. الشيء نفسه موجود في عدد من المدن الأخرى لكن أذربيجان لها ميزة خاصة في هذا المجال، وهذه أيضاً من الافتخارات العظيمة لأذربيجان.
أهميّة استمرار أيّ حركة في تحقيق الانتصار
حسناً، حركة «29 بهمن» أدّت إلى استمرار النضال... اليوم أريد أن أتحدث قليلاً عن هذا «الاستمرار».
استمرار الحركة هو المفتاح لانتصار تلك الحركة. إذا بدأت الحركة ولم تستطع الاستمرار، ولم تتمكن من اتخاذ الخطوات التالية بانتظام بعد الخطوة الأولى، فستبقى هذه الحركة عقيمة، وستصير باطلة وغير مؤثرة. نعرف نهضات وثورات في العالم بدأت جيداً واتخذت خطوات مهمة لكنها لم تحقق الانتصار. لماذا؟ لأن أصحاب النهضة – حسناً، «أصحاب النهضة» أو قادة النهضة أو أتباع الناس وأفرادهم ممن اتبعوهم - توقفوا عن المُضيّ ومواصلة المسير. إما تعبوا وإما أصيبوا بالإحباط وإما التهوا بالألاعيب المادية وإما أصيبوا باليأس وإما أصيبوا بالخوف وإما دخلوا في صراعات داخلية. وعلى أي حال، لم يتمكنوا من اتخاذ الخطوات التالية، ولذا لم تحقّق نهضتهم الانتصار. لذلك نقول إن مواصلة الحركة واستمرارها سرٌ لانتصار أيّ حركة.
«29 بهمن» هي المؤسّس لاستمرار النّهضة الميدانيّة الشّعبيّة في النّضالات
حادثة «29 بهمن» هي المؤسس لاستمرار النهضة الميدانية الشعبية. قام أهالي تبريز على عملٍ بدأ الحركة الميدانية الشعبية. طبعاً كان النضال موجوداً منذ سنوات قبل ذلك، وكان هناك أنواع وأشكال للنضالات في أجزاء مختلفة من البلاد، لكن الحضور الميداني الشعبي بدأ من قم، ولولا حادثة تبريز، لكانت قضية قم قد نُسيت. علّم أهل تبريز الاستمرار للجميع، وكانت «29 بهمن» بداية لاستمرار الحركة العظيمة التي بدأت ومواصلتها. هذا الابتكار جرّأ الناس على القدوم إلى الميدان، ما جعل النداء المبين للإمام [الخميني] الراحل (رض) يصل بصوت أعلى من أي وقت مضى إلى الإيرانيين جميعاً - في قضية تبريز هذه، أصدر الإمام ما لا يقل عن بيانين مخاطباً الناس والشعب الإيراني ومخاطباً أهالي تبريز وأذربيجان[2] - فتجلّى مسار الثورة. صار معلوماً ما يجب فعله إذا أرادت هذه الثورة الاستمرار. «29 بهمن» علّمت هذا للجميع، وأظهرت أنه يجب التحرّك على هذا النحو، ويجب القدوم إلى وسط الميدان، وألا نخاف من وهج جهاز الطاغوت وبريقه، الذي كان في الواقع فارغاً وخاوياً.
استمرار الحركة الثوريّة من أمّهات سياسات الإمام الخمينيّ (قده)
حسناً، مسألة الاستمرار التي قلنا إنها قضية مهمة كانت أيضاً من أمّهات سياسات الإمام الثورية في منطق الإمام الجليل. بعد انتصار الثورة، وبعد تشكيل النظام الإسلامي، كانت كل جهود الإمام العظيم الشأن من أجل استمرار هذه الحركة. كانت كلمات الإمام المنيرة ترفع معنويات الجميع باستمرار، وتبيّن الطريق، وتذكّر الناس بالأهداف حتى لا ينسوا الهدف من هذا النضال وهذه الحركة، فكانت تُحرّك الجميع. أي لم يغفل الإمام عن هذه النقطة المهمة في أولى خطواته بعد انتصار الثورة. حتى بعد مرض الإمام ودخوله المستشفى وإصابته بقيود جسدية كثيرة، لم ينسَ قضية الخطوات المستمرة هذه واستمرار الحركة الثورية، فكان يتابع بحرص. وهذا ما تسبب في إحباط مكائد الأعداء وأبقى الثورة حية.
إيمان الإمام الخمينيّ بمعالجة غائلة تبريز عام 1979م بيد النّاس أنفسهم
مرة أخرى سوف أعطي مثالاً من تبريز. في أواسط 1358 (1979م)، واجهت تبريز هجوماً معادياً للثورة. بتدابير ما، وعبر مقدمات سُجلّت في بعض الأمكنة، وهي مكتوبة في بعض الأماكن ويعرفها كثيرون، والقدماء يذكرون أيضاً، واجهت تبريز حركة معادية للثورة. كان هناك في تبريز نفسها عدد قليل من العناصر الفاسدين، لكن الغالبية تدفقوا من خارج تبريز وأثاروا الفوضى فيها، وكانت تصلهم المساعدة من المركز بطريقة ما. كانت تُقدم مساعدات إلى أولئك المخلّين من بعض الأشخاص. وهناك من كان قلقاً. كنا في مجلس شورى الثورة نطرح هذه القضية في ذلك الوقت، وكان هناك من هو قلق جداً. قال الإمام إن أهل تبريز الغيورين سيعالجونها بأنفسهم، ولا داعي أن يتدخل أحد. كان هذا منطق الإمام. ولقد قال الإمام ذلك في خطابه[3] أيضاً. قال إن تبريز لا تحتاج إلى تدخل الآخرين، وتبريز ستخمد الغائلة بنفسها، وقد أخمدتها. الشهيد [السيّد مير أسد الله] مدني (رض) الذي كان إمام جمعة تبريز في ذلك اليوم بعد الشهيد [السيّد محمد علي] قاضي (رض) كان وسط الميدان في ذلك اليوم. كان الشهيد مدني نفسه وسط الميدان، وازداد التفاف الشباب من حوله لحظة تلو لحظة. آلاف الشباب [أتوا] معه وتمكنوا من التغلب على هذه المؤامرة. حركة الإمام هذه، ونظرة الإمام، وهذا النوع من تصرّف الإمام، كلها تسببت في توفيق عظيم، وكانت هذه خطوة. لقد كانت تلك طبيعة عمل الإمام.
تحويل تهديد الحرب إلى وسيلة لتقوية الثّورة واستمرارها عبر تدابير الإمام الخمينيّ (قده)
من الأمثلة المهمة جداً على تدابير الإمام في ما يتعلق باستمرار الحركة واستمرار حركة الثورة هي تلك التدابير التي كانت تُشاهد وتصدر عن الإمام (قده) في زمن «الدفاع المقدس». منذ اليوم الأول الذي بدأ فيه هجوم صدام على بعض المطارات والمناطق، وحتى اليوم الأخير من حرب السنوات الثماني وقبول قرار مجلس الأمن (598)، كان الإمام يبثّ نفساً جديداً باستمرار ويرفع المعنويات لدى المجاهدين والناس والداعمين ومسؤولي البلاد. وفي الواقع، صنع الإمام من الحرب التي فُرضت على الشعب الإيراني وسيلة لاقتدار الشعب. ففي ذلك اليوم، كانت أيدينا داخل البلد فارغة حقاً. كانت خالية من الأسلحة والإمكانات ومن منظمة عسكرية مجهّزة لمواجهة العدو. فإمكاناتنا كانت ضعيفة للغاية. كان ذلك في أوائل انتصار الثورة، وكانت هناك مشكلات كثيرة. في مثل هذا الوضع، صنع الإمام من الحرب وسائل الاقتدار والمكانة الوطنية والدولية لشعب ثوري كان يفتقد إلى الإمكانات. فالأعداء هم الذين خططوا للحرب بهدف تدمير الثورة، فيما استخدم الإمام الحرب كوسيلة لتقوية الثورة واستمرارها ولتحويل هذا التهديد إلى فرصة. هذا هو موضوع «الاستمرار» في سياسات الإمام.
دور الإمام الخمينيّ (قده) في تربية شخصيّات مثل الشّهيدين مهدي باكريّ وقاسم سليمانيّ
حسناً، مجدداً سوف أعطي مثالاً من تبريز. كنت قد رأيت الشهيد باكري قبل الثورة. ثمة صديق مشهدي كان يدرس في جامعة تبريز أحضر المرحوم مهدي باكري إلى مشهد، فرأيته. كان طالباً عادياً. لقد أنشأ الإمام وصنع من طالب جامعي شخصية عظيمة، وقائداً عظيماً وأنموذجاً. كان هذا من فِعل الإمام. الإمام هو الذي أنتج أمثال مهدي باكري والشهيد قاسم سليماني، وهو الذي صنع هؤلاء. هكذا هي حركة استمرار الثورة. إنها تحوّل الشباب باستمرار إلى شخصيات الثورة، إلى رجال الثورة، إلى روّاد الثورة، وتمضي بهم.
الالتفات الدائم إلى استمرار الحركة الثّوريّة ومواصلتها
لذلك إن مسألة استمرار الحركة الثورية ومواصلتها - إذْ قلنا إن حركة «29 بهمن» كانت الرائدة لهذا الاستمرار الثوري - هي من أهم المواضيع الرائعة في حياة بلادنا اليوم وغداً. يجب أن نضع هذا في الاعتبار دائماً، ونتابع ذلك، ونفكر في هذا الأمر، ونعمل عليه. وبالطبع، تعلّم الجميع هذا الدرس من الإمام. كلنا تعلّمناه من الإمام.
تلبية احتياجات اليوم والمستقبل لتحقيق أهداف الثّورة هي المعنى لاستمرار الحركة الثوريّة
حسناً الآن، ماذا يعني «استمرار الحركة الثورية»؟ لقد ذكرنا أمثلة، ولكن ما هي المصاديق على استمرار هذه الحركة بشكل عام؟ «استمرار الحركة الثورية» تعني أن نأخذ ونضع في الاعتبار أهداف الثورة، وننظر في احتياجات اليوم والغد كلها، واحتياجات الحاضر والمستقبل التي تقودنا إلى تلك الأهداف، ونلبي هذه الاحتياجات على أيّ نحو نستطيع. معنى هذا هو استمرار الثورة... جعل الأهداف الثورية في الاعتبار. ولتحقيق هذه الأهداف طبعاً هناك احتياجات بعضها يتعلق بالمدى القصير وبعضها بالحاضر وبعضها بالمستقبل، أي متعلق بالغد، فيجب تجهيزها للغد من اليوم. يجب أن نسعى لنوجد هذه الاحتياجات بقدر استطاعتنا، وهذا يخلق حركة مواصلة الثورة واستمرارها، وسأعرض أمثلة عليها الآن. حسناً ماذا نعني بـ«أهداف الثورة»؟ أي تقدم البلاد، والعدالة الاجتماعية في البلاد، واقتدار البلاد، وتشكيل المجتمع الإسلامي في البلاد، وفي نهاية المطاف الوصول إلى حضارة إسلامية جديدة وحضارة إسلامية عظيمة. هذه هي أهداف الثورة. يجب النظر: ما الأعمال اللازمة من أجل الوصول إلى هذه الأهداف، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحقيق التقدم الحقيقي للبلاد - لا التقدمات الفارغة والمزعومة وإنما التقدم الشامل لكل الأبعاد المادية والمعنوية - والوصول إلى مجتمع إسلامي تطبق فيه أحكام الإسلام بالمعنى الحقيقي حيث يستفيد الناس من تطبيق هذه الأحكام، وفي النهاية الوصول إلى حضارة إسلامية جديدة؟ ثم علينا أداء تلك الأعمال بقدر ما يمكننا. كل شخص بقدر استطاعته. أنا بطريقة ما، وذلك المسؤول بطريقة أخرى، وذاك الطالب بأسلوب آخر، وما إلى ذلك. سوف أتحدث عن هذا الآن.
مصاديق لاستمرار الثّورة ومواصلتها
لذا، سأذكر بعض الأمثلة الآن. جهود العلماء والباحثين... الجهد الذي يبذله العالم والباحث هو حركة لمواصلة الثورة. جهود علماء الحوزة والجامعات وتدريس علماء الحوزة والجامعات. نشاط روّاد الأعمال والعمال من الصناعة والزراعة والخدمات وأمثال ذلك. هذه كلها أشياء عندما تُنجز مع النظر إلى أهداف الثورة تكون مصاديق على استمرار الثورة. مثابرة الباحث العلمي الشاب سواء في الجامعة أو الحوزة. الناشطون في الخدمات الاجتماعية والناشطون في المساعدات الإيمانية التي شاهد الشعب الإيراني حالات كثيرة منها خلال العام أو العامين الماضيين في قضايا مختلفة. الناشطون في مجال الدفاع العسكري. الناشطون في جهاد التبيين. هذه الأشياء التي قالها السيد آل هاشم الآن في حديثه وأفاد بأنها تُنجز حالياً. الموظفون الحكوميون الخدومون في الحكومة والسلطات الثلاث. الموظفون الذين يخدمون بصدق وإخلاص. تنويرات المنوِّرين في المجال السياسي. هناك العديد من الأشخاص الذين يقومون بالتنوير في المجال السياسي، ويوضحون الحقائق للناس في مختلف وسائل الإعلام، ولحسن الحظ اليوم في الفضاء المجازي يجري هذا العمل بنحو جيّد على يد الأشخاص الذين يشعرون بالمسؤولية، وكذلك في الصحافة، وبصورة رئيسية في وسائل الإعلام الوطنية. مساعدة مراكز المقاومة... إن الذين يساعدون مراكز المقاومة في منطقتنا والعالم الإسلامي يعملون في الحقيقة من أجل مواصلة الثورة واستمرارها. كذلك أولئك المستعدون للحضور إلى الميادين في مختلف الأحداث. على سبيل المثال، تحدث قضية الدفاع عن العتبات المقدسة، فيأتي الناس ويدخلون الميدان. تحدث أحياناً قضايا مختلفة داخل البلاد. مثلاً في يوم التاسع من دي (30/12/2009م) - طبعاً في تبريز نزلوا إلى الميدان في الثامن من دي قبل الجميع بيوم - يأتي أشخاص وينزلون إلى الميدان. كل هذه الحركات هي حركات استمرار الثورة. كلها مكونات لحركة عامة نسميها «حركة مواصلة الثورة واستمرارها»، وكلها تُنجز بالنظر إلى الأهداف العظيمة للثورة والأهداف السامية لها.
أمثلة على الجهود المبذولة لتلبية احتياجات البلاد اليوم
بالطبع هذه الجهود من نوعين. بعض هذه الجهود تتعلق باليوم، أي القضايا اليومية الساخنة، وبعضها بقضايا المستقبل. عادة ما يشخّص احتياجات الحاضر، الاحتياجات الآنية، أفرادُ الشعب بسرعة أو مع بعض التلميحات، ويدخلون الميدان دون خوف. هكذا كانت الحال في «الدفاع المقدس». كانت إشارة من الإمام العظيم تُرسل سيلاً من الناس إلى ساحات القتال. وكان الأمر على النحو نفسه في هذه القضايا الأخيرة أيضاً، وكان كذلك في قضايا الدفاع عن العتبات المقدسة. طبعاً في هذا الصدد وعيُ الشعب الإيراني مذهل حقاً! كيف يدخلون الميدان بوعي في الحالات اللازمة، والمثال البارز على ذلك، كما ذكرت، في العقود الماضية مسألة الحضور في الجبهة، والحضور لمواجهة أعداء الثورة. قضية تبريز عام 1979م هي مثال على ذلك، وكانت هناك أيضاً أمثلة وفعاليات مختلفة في أجزاء أخرى من البلاد. كان التاسع من دي إحدى هذه الفعاليات. جاء الناس بعفوية ودخلوا الميدان من تلقاء أنفسهم. لقد شعروا بالحاجة فلبّوها.
الفعاليات العلمية التي تحتاجها البلاد هي كذلك. على سبيل المثال، في قضية كورونا هذه، بدأ العلماء الشباب في البلاد العمل فوراً. فقد كنا مطلعين من كثب على ما كانوا يفعلون. بمجرد أن طُرحت قضية أنه يجب وجود إنتاج ضخم من اللقاحات، بدؤوا العمل من أماكن وأقسام مختلفة، والآن ترون أن الناتج هو مجموعة متنوعة من اللقاحات في البلاد وقد استخدمها الناس وصارت البلاد غير مضطرة أن تمد يد العوز إلى هذا وذاك، فالآخرون يمنّنون بأن يعطوا أو لا يعطوا قليلاً من اللقاحات، ولم يكونوا ليعطونا لو لم ننتجها بأنفسنا. هذه هي الحاجة الآنيّة التي يشعرون أنها حاجة البلاد وينتجونها.
أحدَثُ هذه الأعمال الساخنة هو هذا الحضور في مراسم 22 بهمن قبل أيام قليلة. في هذا العام، الثاني والعشرون من بهمن... كان مذهلاً. لقد كانت حقاً حركة عفوية. لقد كانت حركة عفوية للناس بالمعنى الحقيقي للكلمة، وكانت جديرة بالثناء حقاً. هذه الحركة جديرة بالثناء حقاً. رغم المشكلات التي أحاطت الناس - كورونا من ناحية، والمشكلات المعيشية من ناحية، والتشنيع من الأجانب من ناحية، والمساهمة المؤسفة لبعض العناصر الداخلية مع ذلك التشنيع من ناحية - وفي خضم حصار كل هذه العقبات والمشكلات، يخوض الشعب هذه المسيرات العظيمة. فأولئك الذين يملكون مقياساً لتعداد المحتشدين ويقدمون التقارير كل عام، إذ يستطيعون تخمين العدد القريب من الواقع للمحتشدين عبر الكاميرا وما شابه، أفادونا بتقرير أنه في جميع محافظات البلاد باستثناء محافظتين أو ثلاث كان عدد المحتشدين هذا العام أكبر من الماضي. كان بعضهم ضِعف ما كانوا عليه العام الماضي، وبعضهم أكبر بنسبة خمسين في المئة، وبعضهم أكبر بنسبة أربعين في المئة. كان [الأمر] على هذا النحو في كل مكان. إن حركة الناس هذه فطنة مذهلة. وهي جديرة بالثناء حقاً، وهذه الحركة ذات مغزى كبير. حسناً إنها مرتبطة باحتياجات الحاضر التي يشخّصها الناس فيدخلون الميدان بأنفسهم ويأخذون زمام المبادرة.
أمثلة على القضايا الأساسيّة لتلبية الاحتياجات المستقبليّة للبلد
هناك أيضاً أشياء هي احتياجات المستقبل. يعمد كثيرون إلى تشخيصها وتلبيتها، وثمة من يغفل عنها أيضاً. إنّ مُرادي من هذه الاحتياجات المرتبطة بالمستقبل تلك الاحتياجات التي إن لم تلتفتوا إليها اليوم ولم تفعلوا شيئاً من أجلها، فستضطرون إليها غداً، أي ستتعطلون غداً. إذا لم تنتبهوا إليها اليوم، فستحدث لكم مشكلة في الغد. على سبيل المثال تربية العالم والباحث من هذا القبيل. اليوم، إذا لم نُدرب الباحثين، ولم نبدأ حركة علمية عظيمة ونهضةً علمية، ففي غضون خمسة عشر عاماً، أو عشرين عاماً، لن يكون لدينا علماء بارزون يمكنهم اللحاق بحدود العلم المتقدّمة في العلم أو تعدّيها. يُعدّ هذا العمل اليوم - تدريب الباحثين والعلماء - مهمة طويلة الأمد.
قضيّة الإنجاب وتكثير النسل، التي أؤكد عليها كثيراً، من هذا القبيل. إذا لم نفكر في الإنجاب وتكثير النسل اليوم، فبعد 15 سنة، 20 سنة أخرى، سيكون ذلك متأخّراً. سنصبح بلداً ليس لديه ما يكفي من العناصر الضرورية من أجل حركة التقدّم، أي الشباب. من اليوم علينا أن نفكر في الغد.
أو قضيّة الطاقة النووية حيث يصير العالم أكثر اعتماداً على الطاقة النووية يوماً بعد يوم. نحن أيضاً سنكون عاجلاً أم آجلاً في حاجة ماسة إلى الطاقة النووية السلمية. إذا لم نفكر في هذا الأمر اليوم، ولم نتابع [الأمر]، فسيكون ذلك متأخّراً غداً، وستكون أيدينا فارغة. عندما يهيمن العالم على جوانب هذه القضية كلها، سيكون من الصعب علينا المضي قدماً في ذلك اليوم. لذا ترون مدى الإصرار الجائر لجبهة العدو في موضوع طاقتنا النووية، الحظر بسبب الطاقة النووية التي يعلمون أنّها سلميّة! الآن يقولون إن [إيران] تفصلها المسافة الفلانيّة عن إنتاج القنبلة! هذا كلام سخيف ولا معنى له. هم أنفسهم يعرفون أننا لا نبحث عن هذه القضية، ولا نبحث عن أسلحة نووية، بل نبحث عن استخدامات سلمية [للطاقة] النووية. إنهم يفهمون هذا، ويعلمونه. إنهم يمارسون الضغوط ولا يريدون للشعب الإيراني أن يحقّق هذا التقدم العلمي الكبير واللافت، لأن الشعب سيحتاجه غداً، وهم لا يريدون لهذه الحركة أن تستمر. إذا ما قصّرنا اليوم في هذه القضايا المرتبطة بالمستقبل والمدى البعيد، فسنواجه المشكلات غداً. بشأن قضايا الاتفاق النووي الإشكالُ الذي كنت أطرحه خلال عامي 2015 و2016 أنه كان واجباً مراعاة بعض النقاط في الاتفاق حتى لا تنشأ مشكلات لاحقاً. كان هذا اعتراضي الأساسي، وكنت أقول إنه يجب أخذ هذه النقاط بالاعتبار، وقد قلت تلك الملاحظات مراراً. حسناً، لم تُؤخذ بعض هذه النقاط بالحسبان، ولم يتمّ الالتفات إليها، وحدثت المشكلات المتعاقبة التي يشاهدها الجميع. لذلك من المهم النظر إلى المستقبل والاستعداد له.
الاهتمام بالتقدّم المُحرز خلال العقود الأربعة الماضية
حسناً، دعوني أوضح نقطة مهمة هنا، هي أنه خلال هذه العقود الأربعة التي مرّت على انتصار الثورة، تم إنجاز كثير من الأعمال من أجل استمرار الثورة، والفعاليات المثمرة أيضاً. بعض هذه الأنشطة كانت شعبيّة عفويّة، وبعضها حكوميّة. لقد تمت أشياء عظيمة في هذه العقود ويريد بعضهم إنكارها والتستر عليها. لقد قلت في خطاب ألقيته قبل بضعة أيام إنه لا ينبغي السماح لبعض المشكلات الحالية في البلاد أن تغطّي هذه الأنشطة المهمة والعظيمة التي تم إنجازها خلال هذه السنوات[4]، ولا ينبغي تجاهلها.
لقد حققنا كثيراً من التقدم، وكان لدينا كثير من الأمثلة. ومن أنواعها تقدم العلم. في سنوات ما بعد الثورة، كنا متقدمين على دول العالم كافة لجهة التقدم العلمي. هذا ليس رأيي. إنه رأي المراكز الدولية، وفيه أن سرعتنا وتسارع تقدمنا العلمي يبلغ أضعاف المتوسط العالمي، ووفق ما قاله بعضهم عشرة أضعاف، وهناك من قال ثلاثة عشر ضعفاً. حسناً، العلم مهم جداً؛ «العِلمُ سُلطان»[5]. العلم هو قوّة بالمعنى الواقعي للكلمة. هذه القصيدة الشهيرة «كان قادراً كل من كان عالماً»[6] هي كلام صحيح. «كان قادراً كل من كان عالماً»، فالعلم يجلب القدرة إلى البلاد. لقد أحرزنا تقدماً في مجالات علمية مختلفة لم يكن في إمكاننا تخيّلها بداية الثورة. كنا حاضرين في الساحات الأمامية للثورة. لم نكن نصدق إطلاقاً أنه يمكننا التقدّم على هذا النحو في قضية الطاقة النووية، وتكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا الحيوية، وفي القضايا المختلفة من الطب المعقد والعمليات الجراحية الصعبة للغاية، والعقم، والخلايا الجذعية، ومختلف المجالات العلمية المهمة. تقدّمنا بحمد الله. شبابنا قد بذلوا الهمّة وتحرّكوا وتقدّموا.
البنية التحتية الأساسية... القضايا العلمية نوع، ونوع آخر هو البُنى التحتيّة الأساسيّة للبلاد. بالطبع، لا أنوي المقارنة بينها، فليقارنها من هم أهل الإحصاء. ستكون مقارنتها ممتعةً وجذّابةً أيضاً. في مجال الطرق الآمنة والطرق السريعة والطرق السيارة والسكك الحديدية، وقضايا السدود والإسكان والمياه والكهرباء وإمدادات الغاز... إلى مختلف النقاط. إن التقدم الذي تم في هذه العقود مذهل ومهم للغاية، وبالتأكيد لو لم تكن الثورة، والحركة الثورية والجهادية، ما تحقق هذا التقدم. إيران صارت مركزاً للخدمات الصحية والطبيّة. [سابقًا] كان أولئك الذين يستطيعون ويملكون المال يذهبون خارج البلاد لإجراء أصغر عملية جراحية. اليوم يأتي أشخاص من دول المنطقة إلى إيران لإجراء العمليات الجراحية الأكثر تعقيداً. بعض هذه الخدمات التي تم إنجازها والتقدم الذي تم إحرازه في الحقيقة عشرات الأضعاف مما كان قبل الثورة، وهذه [أمور] مهمة للغاية. حسناً، تم إنجاز هذه الأعمال، وهذه الخدمات لا ينبغي تجاهلها. والشيء نفسه حتى في مجال الاقتصاد. حسناً، أنا أحد أولئك الذين يوجّهون النقد إلى أنفسنا دائماً في القضايا الاقتصادية، وفي مجال العدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروة، وحرمان الطبقات الضعيفة، وأمثالها، وقد وجّهت الانتقادات في خطابات مختلفة، ولكن في مقولة الاقتصاد هذه نفسها، إن رأي المراكز الاقتصادية الشهيرة في العالم هو أن إيران أحرزت، في مؤشّرات مهمّة من المؤشّرات الاقتصاديّة، تقدماً كبيراً عمّا قبل، وخطت خطوات كبيرة وأنجزت تحرّكات عظيمة. بالإضافة إلى ذلك اكتفاؤنا الذاتي في إنتاج أشياء كثيرة، وثقة المنتج الإيراني بالنفس، التي يجب أن تنعكس [في الإعلام]. بالطبع لوسائل الإعلام الوطنية واجب كبير في هذا الصدد لتعكس ذلك [لكن] ربّما لم يفعلوه على النحو الذي ينبغي، لذا عليهم أن يفعلوا ذلك. ينبغي أن يعملوا ذلك. هذه من المهمات الضرورية الملقاة على كاهل وسائل الإعلام الوطنية. كل الناشطين الذين عملوا في هذه القطاعات ساهموا في استمرار الثورة ومواصلتها. وبالطبع، كان لدينا تقصير وغفلة على مرّ هذه السنين المتمادية. أحياناً كانت هناك نيات سيّئة. كان لدينا مثل هذه الأشياء، ولكن تم إنجاز هذه الأعمال العظيمة أيضاً. طبعاً، لولا هذه الغفلة، لكان الوضع أفضل.
عداوة الأعداء وتعلّق الأجيال الجديدة في البلاد بمُثل الثّورة دليلان على حيويّة الثّورة
أود القول إن مواصلة الثورة واستمرارها يكونان بهذه الحركة. اليوم - بحمد الله - الثورة حيّة وولّادة ومنتجة أيضاً. إنكم ترون أن جبهة الاستكبار تقف على هذا النحو ضد الثورة وضد الشعب الإيراني الثوري، وتمارس هذا العداء، لأن الثورة ما زالت حية. لو لم تكن الثورة [حيّة]، لم يكن هناك داعٍ لديهم ليمارسوا هذا القدر من الخباثة والمَلعنة ضد الشعب الإيراني.
ماذا يعني «بقاء الثورة حيّة» الآن؟ إنه يعني ارتباط الأجيال الجديدة في البلاد بمُثُل الثورة. اليوم يرتبط الناس بتلك المُثُل نفسها التي طرحتها الثورة. إنها تعني الاستقلال الوطني، والكرامة الوطنية، والرفاهية الوطنية، والعدالة الاجتماعية، وتحقّق مجتمع إسلامي، وفي النهاية كما قلنا بناء حضارة إسلامية جديدة. هذه هي الأهداف الكبرى للثورة.
إن شعبنا اليوم عاقدٌ الأمل على هذه الأهداف ومهتمّ بها، وإذا كانوا قادرين على فعل شيء – أيّ شخص يقدر على فعل شيء – فإنهم يفعلونه حقّاً. فالغالبية العظمى في البلاد لديها هذا [التعلّق]. الآن قد يكون هنا وهناك أشخاص بطيئون بعض الشيء في التحرك أو لا يشاركون فيه، لكن الشعب الإيراني مرتبط عموماً بهذه المُثُل. الشعب متعلّق، والثورة حيّة، والدليل على أن الثورة حيّة هو عداء جبهة الاستكبار نفسه بسبب ثبات النظام على هذه الأهداف.
لا صحّة للكلام حول ابتعاد الثّورة عن أهدافها
بالطبع، يسمع الإنسان من بعضهم أنّ الثورة ابتعدت عن أهدافها. لا، ليس كذلك. لو انحرفت البلاد عن أهداف الثورة، ما كان أعداء الثورة معادين لنظام البلاد والجمهورية الإسلامية وإيران الإسلامية بهذا القدر. هذه الأعمال العدائية بحد ذاتها هي علامة على أن البلاد والنظام الإسلامي كانا وفيّين وملتزمَين هذه الأهداف. الآن يسمع الإنسان أفراداً يقولون إن النظام قد ابتعد عن أهداف الثورة. يريدون إظهار أنهم متعلّقون بالثورة. أنا لا أقبل هذا الكلام. أنا لا أقبل تعلّقهم بالثورة. من ينتهج حياة أرستقراطية وحركته حركة أرستقراطية في الأساس لا يمكنه أن يقبل شعار دعم الحُفاة. شعار الثورة هو نصرة المستضعفين وحُفاة الأقدام. لا يمكن لمن يسعون إلى حياة أرستقراطية وحركتهم حركة أرستقراطية أن يكونوا أوفياء لهذا الشعار. شعار الثورة مواجهة الاستكبار، والمواجهة مع هذه الحركة الاستكبارية وقوى الاستكبار. أولئك الذين يلهجون بالاستسلام مقابل الاستكبار، وبالاستسلام مقابل أمريكا، لا يمكنهم التمسك بهذه الثورة وأهدافها. لا يمكن قبول هذا الكلام. نشكر الله أنه منّ على الشعب الإيراني وجعله يمتلك الاستقامة فصمد واستقام واستطاع أن يصل بالبلاد إلى هنا. وإن شاء الله، يجب أن تستمر هذه الاستقامة يوماً بعد يوم. ليس داخل البلاد فحسب بل أثّرت استقامة الشعب الإيراني في المنطقة [أيضاً]. اليوم ترون حركة المقاومة في دول المنطقة في تنامٍ، وأبّهة أمريكا وأبّهة الاستكبار في المنطقة انكسرت، وصارت الشعوب جريئة وانطلقت ألسنتها ضد أمريكا وضد حركة هؤلاء.
تحرّك الشّعب مقابل الضّغوط الاقتصاديّة والإعلاميّة للعدوّ
حسناً يجب أن نقدر هذا، ونستمر في حركة استمرار الثورة هذه. نصيحتي لشبابنا الأعزاء هي أن يروا اليوم في أي خط يتحرك العدو، وما الذي يستهدفه، وليعملوا وليتحرّكوا في النقطة المقابلة لذاك العمل. في نظري، وكما أرى الأوضاع، إن العدو يستهدف الشعب، والرأي العام، وفكر الشباب. لقد أنفقوا مليارات الدولارات. إنّهم يبذلون الجهد في غرف تفكيرهم هذه - ما تسمى الغرف الفكرية ومجموعات التفكير – من أجل أن يثنوا الشعب الإيراني، وبخاصة الشباب، عن هذا الطريق. الوسيلة التي يتبعونها في الوقت الحاضر هي نوعان: الأول الضغوط الاقتصادية للتضييق على الناس وسلخهم عن النظام الإسلامي، والثاني التشنيع [الإعلامي]... وأنواع التشنيع، وبثّ الأكاذيب، وكيْل التهم إذ يوجّهون التهم إلى أركان الثورة وإلى أبعاض الثورة. إنهم يكيلون التهم إلى المراكز المؤثرة في تقدّم الثورة: يوماً إلى «مجلس الشورى الإسلامي»، ويوماً إلى «مجلس صيانة الدستور»، ويوماً إلى «حرس الثورة». اليوم، حان دور الحرس، فيوجّهون التهم والتشنيع إليه، ومن بينها إلى شهيد كبير وعظيم مثل الشهيد سليماني. إذا كانوا يجرؤون، ولولا خوفهم من غضب الناس وردّ فعلهم، لكانوا سيوجّهون الإهانة إلى الإمام [الخميني] أيضاً، لكنهم لا يجرؤون ويعرفون أن ردّ فعل الناس قاسٍ ضد هذا. لذلك إن هاتين الوسيلتين تحت تصرف العدو لفصل الشعب عن النظام، وللتلاعب بعقول الناس وأفكارهم. اتخذ العدو خطوتين: [الأولى] الضغط الاقتصادي - من طرقه هذا الحظر وما شابه – و[الثانية] التشنيع الإعلامي وبثّ الأكاذيب، أي العداء الاقتصادي والعداء الإعلامي. فعلى الشباب الوقوف في وجه ذلك، وعلى الشعب الإيراني أن يقف ضد هاتين الحركتين. يجب إبطال أثر الضغط الاقتصادي بالجهود الداخلية، أي عبر الجهود الداخلية وإبطال مفاعيل الحظر، وبالطبع الجهود الدبلوماسية كما يفعل إخواننا الطيبون. إخواننا الثوريون يعملون على إلغاء الحظر، واستجابة الطرف المقابل، وهذا أمر جيد، لكن المهمة الرئيسية هي إبطال مفاعيل الحظر بإيجاد حركة للإنتاج المحلي، وبالتحرّك الاقتصادي المحلي. [الشركات] القائمة على المعرفة مهمّة للغاية. حقّاً إن حركة الاقتصاد المعرفي والشركات المعرفية التي تمّ إيجادها مهمّة، وعليهم تطويرها والتوسّع فيها. هذا من ناحية، وإبطال مفاعيل حركة العدو الإعلاميّة وتشنيعه [من ناحية أخرى].
نسأل الله المتعالي أن يزيد توفيقاته وتفضّله ورحمته على الشعب الإيراني يوماً بعد يوم - إن شاء الله - وأن يوفّق الشعب الإيراني كي يكون قادراً على عبور القمم، إن شاء الله. نسأل الله أن يحشر شهداءنا الأعزاء مع النبي (ص)، وأن يحشر إمامنا العظيم الذي هو سبب لهذه الحركة العظيمة مع النبي وأولياء الله، وأن ينال أجره وثوابه العظيم، وأن تشمل الألطاف الإلهية دائماً الشعب الإيراني وأهالي أذربيجان وأهالي تبريز، إن شاء الله. أتمنى لكم جميعاً التوفيق، إن شاء الله. أتوجّه بالشكر إليكم جميعاً على كل البرامج التي قدمتموها: تلاوة القرآن، وهذا النشيد الجيّد جداً، وبيانات السيد [محمد علي] آل هاشم، والعزاء الذي تلاه ذاك الأخ العزيز. أسأل الله المتعالي التوفيق لكم جميعاً، إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[1] تحدّث في بداية هذا اللقاء الذي عقد عبر تقنية الاتصال بالفيديو مع الحاضرين في مصلى تبريز بسبب مراعاة الإجراءات الصحية حجةُ الإسلام والمسلمين السيد محمد علي آل هاشم، إمام جمعة مدينة تبريز وممثل قائد الثورة الإسلامية في محافظة أذربيجان الشرقية.
[2] نداء الإمام الخميني (قده) إلى أهالي أذربيجان (27/02/1978م)، ونداء الإمام الخميني (قده) إلى الشعب الإيراني بمناسبة أربعينية شهداء تبريز (24/03/1978م).
[3] كلمة الإمام الخميني (قده) في جموع أهالي تبريز وأفراد الشرطة (23/05/1979م).
[4] كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع قادة ومنتسبي القوّات الجويّة والدفاع الجوي لجيش الجمهورية الإسلامية (08/02/2022م).
[5] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج20، ص319.
[6] الفردوسي، الشاهنامة: كان قادراً كل من كان عالماً فالعلم يجعل قلب الأشيب بالشباب مفعماً