كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء رئيس السلطة القضائيّة ومسؤوليها، 28/06/2022م.
بسم الله الرّحمن الرّحيم[1]
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين، ولا سيما بقية الله في الأرضين.
أهلاً وسهلاً بكم، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، الشخصيّات المؤثّرة في قضايا البلاد المُهمّة، إذْ إنّ واحداً من شؤون السلطة القضائيّة أنها مؤثرة في أهم قضايا البلاد. أنتم لديكم مثل هذا الدور. موفقون إن شاء الله. هذا توفيق. إنني سعيد لأنه صار -بحمد الله- هناك بعض الانحسار في معضلة المرض المعدي هذه، ونلنا توفيق لقائكم من كثب.
أولاً أحتفي بذكرى الشهيد العزيز المرحوم آية الله بهشتي (رض) وكذلك بكافة الشهداء الذين استشهدوا معه وشهداء السلطة القضائية أيضاً. أسأل الله أن يرفع درجاتهم جميعاً، إن شاء الله. لقد كان الشهيد بهشتي (رض) من الشخصيات البارزة. للحق والإنصاف، كان إنساناً بارزاً. خلال هذه السنوات -من قبل انتصار الثورة ومنذ جاء من الخارج إلى حين استشهاده- كان لدينا تعاون وثيق ومستمر معه والمرء يرى أنه شخصية بارزة حقاً وإنصافاً. كان كذلك أيضاً في التشكيلات التي كنا نعمل وإياه معاً. في مجلس الثورة، انتخب الجمعُ المرحومَ آية الله الطالقاني رئيساً للمجلس لكن الجمع نفسه كان معتقداً بالإجماع أنه بحاجة إلى نائب للرئيس، وأن نائب الرئيس هو السيد بهشتي، فانتخبوه. كانت إدارة مجلس الثورة على عاتق المرحوم السيد بهشتي حتى في حياة المرحوم السيد الطالقاني. كان شخصية بارزة. أعلى الله درجاته، إن شاء الله.
في هذه المناسبة، أود أن نلقي نظرة خاطفة على ظروف ذلك اليوم، وهي نظرة تعلّمنا المعرفة؛ إن الأخذ بالاعتبار ظروف السابع من تير (28/06/1981م) الذي حدث قبل 41 عاماً وسيلةٌ للمضي قُدماً. أولاً كانت الحرب المفروضة في تلك الأيام في أصعب ظروفها وأسوئها. كان نظام صدام [حسين] قد جلبَ قواته إلى مقربة من مدننا الكبرى في الجنوب والغرب. بعض المدن كانوا قد استولوا عليها أساساً، وبعض المدن مثل الأهواز ودزفول ومدن أخرى في غربي البلاد كانت القوات قد وصلت إلى مقربة منها.
في هذه الأشهر الأولى من 1360هـ.ش. -فروردين وارديبهشت وخرداد[2]- كنتُ في المنطقة الغربية. لا أنسى -إنني حقاً الآن إذْ أتحدث إليكم لا تزال آثار ذلك الحزن التي تخيّم في الأجواء ذلك اليوم في قلبي- أنّ سحابة من الحزن غطت على المنطقة الغربية بأكملها وأين ما كان يذهب المرء. من جنب هذه المرتفعات المعروفة باسم «بر آفتاب» (جوار الشمس)، وهي قريبة من كرمانشاه، عندما كنا نذهب بالسيارة إلى نقطة ما، لم تكن هناك أيّ خطوة آمنة في هذا الطريق الطويل، ففي كل لحظة ثمة احتمال أن تسقط هناك [قذيفة] مدفعية أو هاون العدو. كانوا قد أحاطوا [بنا] على هذا النحو. كان الجو كله محزّناً حقاً. فقوات العدو مسيطرة، وقواتنا غير مستعدة، وإمكاناتنا في منتهى الضعف، وإمكاناته كثيرة. كان لواء جيشنا في الأهواز الذي يجب أن يكون لديه مثلاً نحو 150 دبابة... أظنّ كان لديه نحو ثلاثين أو عشرين ونيفاً - لا أذكر بدقة - ما يقارب هذا العدد من الدبابات. هكذا كان وضعنا، هذا في ما يتعلق بالحرب.
داخل البلاد، في طهران نفسها، كانت ثمة حرب أهلية. كانت هناك حرب أهلية في شوارع طهران نفسها. انهالَ المنافقون بكل ما يقع بأيديهم - من شفرة قص الموكيت إلى كل شيء آخر في متناولهم - على الناس وعناصر «لجنة الثورة» وعناصر «حرس الثورة»... بالطبع كانت حرباً. كانت هناك حرب في طهران. هذا هو الوضع في أيام «7 تير».
كان الوضع السياسي للبلاد [أنه] حتى قبل نحو أسبوع من «7 تير» نُزعت الأهلية [السياسية] من رئيس الجمهورية [3] آنذاك في مجلس النواب وأُقيل، أي كانت البلاد بلا رئيس للجمهورية. هذا هو الوضع. في مثل هذه الظروف، فقدت البلاد محوراً مثل بهشتي. لقد كان بهشتي محوراً، حقاً كان محوراً. لا يمكن حساب قيمة محاور الثورة التي تُثبّت الثورة! كان الشهيد بهشتي أحد هذه المحاور. رحل بهشتي في مثل تلك الظروف.
بعد قرابة شهرين، استشهد الرئيس الجديد ورئيس الوزراء - الشهيد رجائي والشهيد باهنر - معاً خلال اجتماع. قد يتذكر كثيرون منكم هذه الأشياء الآن لكن الشباب الأعزاء لم يروها، وهم غير مطّلعون على التاريخ وتفاصيله بدقة. فكّروا في هذه الأمور، أيها الشباب الأعزاء، ويا أبناءنا الأعزاء! بعد نحو شهرين، اغتيل الشهيد رجائي والشهيد باهنر - رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء آنذاك - في اجتماع وَرَحَلا. ثم بعد ذلك بقليل أو بمدة قصيرة استُشهد عدد من كبار قادة الحرب من الجيش و«حرس الثورة الإسلامية» في حادث سقوط طائرة: الشهيد فلاحي والشهيد فكوري والشهيد كلاهدوز، وأمثالهم[4]. أيْ في أقل من ثلاثة أشهر [جرت] هذه الأحداث المريرة كلها والأحداث المروعة كافة والضربات المدمرة شتى! حسناً، أيّ دولة وأيّ حكومة تعرفون أنها تستطيع أن تصمد وألا تسقط أمام هذه الأحداث جميعاً؟ أنتم، السلطة القضائية في مثل هذا النظام. لقد ثبتَ الناس، ووقف الإمام [الخميني] مرفوع الهامة مثل جبل دماوند، وثبتَ المسؤولون الحريصون والشباب الثوريون، وغيّروا ظروف البلاد مئة وثمانين درجة، وحوّلوا الإخفاقات المتتالية إلى انتصارات متتالية، وأزالوا المنافقين من الشوارع، وجعلوا الجيش و«حرس الثورة» أكثر تنظيماً وترتيباً يوماً بعد يوم، ووضعوا البلاد على النمط الطبيعي والمعتاد.
هناك نقطة في هذه [القضايا] هي أنه عندما كانت هذه الأحداث - سواء استشهاد الشهيد بهشتي أو الأحداث اللاحقة - كان العدو ينبهر والأعداء يبتهجون ويحذوهم الأمل في أن هذا النظام الثوري صار قيد الرحيل، لكنهم أُصيبوا بخيبة الأمل. لقد أصيبوا بخيبة أمل في ذلك اليوم، وتكررت خيبة الأمل هذه مراراً في هذه العقود الأربعة. في مرحلة ما، كان العدو يعقد الأمل على شيء: ضعف أو نقص في نظام الجمهورية الإسلامية، ثم خاب أمله. لقد حدث هذا مراراً لكن مشكلة العدو أنه لا يستطيع أن يفهم السر في هذه الخيبة ولا تحديده. لا يستطيع أن يفهم لماذا وما السبب في أن الجمهورية الإسلامية تستطيع كل مرة أن تنهض من تحت ثقل هذا الضغط كله وتتأهّب وتواصل طريقها. إنه لا يفهم ذلك. هم لا يستطيعون أن يفهموا أنه في عالم البشر هناك حسابات وعلاقات أخرى غير الحسابات والعلاقات السياسية، هي السنن الإلهية، وسوف أشرح ذلك الآن قليلاً.
السنن تعني القانون، أي القاعدة. الله المتعالي لديه قوانين في عالم الطبيعة وعالم الإنسان: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ (39)﴾[5]. هذه كلّها قوانين. ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ﴾[6]. هذه قوانين. إنها قوانين جارية إلّا أنّها أمام أعيننا. قانون الجاذبية أمام الأعين والجميع يفهمونه. [لكن] لديه أيضاً قوانين لا يستطيع الجميع فهمها. القرآن كله حقاً مليء بتبيان هذه القوانين: [مثلاً] ﴿أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾[7]، ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾[8]، وأمثالها، وسوف أقدّم بعضها الآن. هذه أيضاً قوانين. ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلً﴾[9] مَن أصدق من الله؟ الله يقول إن هذا قانون. أحد هذه القوانين هو: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾[10]؛ ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ﴾ -مع بعض علامات التأكيد- أو ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾[11]. هذه سنّة إلهية. إذا كان الطريق الذي تسيرون فيه والعمل الذي تفعلونه وتوجُّهكم هو نصرة الله -نصرة الله أيْ نصرة دين الله والقيم الإلهية، فهذا ما تعنيه- وإذا تحركتم في هذا الاتجاه، فسوف تنتصرون وسيساعدكم الله. طبعاً بشرط أن تتحركوا وتعملوا لا أن ترددوا ذلك [فقط]. فلتعملوا؛ هذه سنّة إلهية. ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾[12]؛ إذا صرفتم النعمة الإلهية في محلّها، فسوف يزيد الله تلك النعمة عليكم. هذه سنّة إلهية. ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[13]. هذه [أيضاً] سنّة إلهية. إنها كلها سنن إلهية.
لقد قلت ذات مرة في اجتماع في هذه الحسينية نفسها[14] إنه عندما أخذ النبي موسى (ع) بني إسرائيل وذهب بهم ليلاً نحو البحر ليهربوا ويرحلوا من هناك - ربما كان اليوم التالي أو اليوم ما بعد التالي، فالتاريخ غير محدد بدقة - عرف الفرعونيّون بذلك ولاحقوهم، لكن أولئك كانوا سيراً على الأقدام وبمعاناة، وهؤلاء على الخيل والركب. وعندما صاروا على مقربة منهم ومترائين لهم؛ ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ﴾[15]، التفت أصحاب موسى (ع) إليه وقالوا: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾[16]؛ الآن يأتون ويقبضون علينا. لقد قُضي أمرنا! قال النبي موسى: ﴿كَلَّ﴾...، أبداً! ...﴿إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾[17]، الله معي. هذه سنّة إلهية. إنها سنن إلهية.
السنة الإلهية تعني القانون. كيف يعمل القانون؟ للقانون قضية وحكم. لديه مسألة ونتيجة. اجعلوا أنفسكم منطبقين مع ذلك الموضوع وسوف تترتب النتيجة قطعاً؛ ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[18]. ﴿تَنْصُرُوا اللَّهَ﴾ هي القضية، والحكم والنتيجة: ﴿يَنْصُرْكُمْ﴾. إذا طبّقتم أنفسكم مع هذه، فسوف تترتّب نتيجتها حتماً. القضية محسومة، فهذا وعد إلهي. القرآن هو الكلام الصريح للرب -جل جلاله- لنا. لا يوجد فيه - العياذ بالله - ذرة من المبالغة والتناقض ونحو ذلك، لكن الشرط هو أن تطابقوا أنفسكم مع تلك القضية. إذا طابقتم، فستتحصل تلك النتيجة.
تحركت الجمهورية الإسلامية على هذا النحو في ذلك اليوم. في كل مرة انتصرنا فيها، كنا قد تحركنا هكذا؛ [أي] جعلنا أنفسنا متطابقين مع مصداق من السنة الإلهية، وقد رتب الله المتعالي النتيجة أيضاً؛ ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقً﴾[19]. [يقول: إذا] استقمتم، فإن الله سيسقيكم ماء وفيراً ويجعلكم غير محتاجين. استقمنا فالله جعلنا غير محتاجين. العكس على هذا النحو أيضاً. بطبيعة الحال إن سنن الله المتعالي لها أنواع وأصناف. هناك يقول: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾، ثم: ﴿وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾[20]. هذه أيضاً سنّة - ﴿كَفَرْتُمْ﴾ يعني كفران النعمة - فإذا كفرتم بالنعمة أيضاً ولم تستفيدوا منها وأسأتم استعمالها والاستفادة منها... إذا وقعت هذه الأفعال؛ ﴿إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾. تلك أيضاً سنّة إلهية. إذا جعلنا أنفسنا وفقاً لتلك القضية، فسوف تترتب تلك النتيجة على الأمر، فكلتا الحالتين سنّة إلهية، والجانب الآخر من القضية على هذا النحو أيضاً.
حسناً هناك حالتان في سورة آل عمران، والعجيب أن هاتين الحالتين في سورة واحدة وتكادان تكونان مرتبطتين بقضية واحدة. طبعاً إنهما قضيتان لكنهما مرتبطتان ببعضهما بعضاً. يعبّر عن نوعين من السنن: سنّة النصر وسنّة الهزيمة. إحداهما في الآية 173 من سورة آل عمران: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾[21]. لا بد أنكم سمعتم قصتها. انتهت معركة أحد واستشهد في هذه المعركة شخص مثل حمزة سيد الشهداء (ع)، وجُرحَ الرسول (ص) وأمير المؤمنين (ع)، واستشهد عدد كبير، وعادوا مُتعَبين ومرهقين ومجروحين إلى المدينة. الآن، قريش هذا العدو الذي لم يستطع فعل شيء - كان قد أوقعَ ضربة لكنه لم يستطع الانتصار على المسلمين - تجمّع خارج المدينة على بعد كيلومترات قليلة منها، وقالوا: الليلة سنهجم، فهؤلاء مُتعَبون ولا يمكنهم فعل شيء، فلننهِ المسألة. جاء عناصرهم إلى داخل المدينة وبدؤوا يبثون الخوف: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ﴾. جاؤوا وقالوا: هل عندكم خبر؟ هل لديكم اطلاع؟ لقد اجتمع هؤلاء وأعدوا جيشاً ويريدون أن يفتكوا بكم! الليلة سينهالون ويفعلون كذا وكذا! بثُّ الخوف. قال الذين كانوا المخاطبين لبث الخوف هذا: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾. [قالوا:] كلا، نحن لا نخاف؛ الله معنا. قال النبي (ص) فليجتمع الذين جُرحوا في أحد اليوم، فاجتمعوا، وقال: اذهبوا لمواجهة هؤلاء. ذهبوا وهزموهم وعادوا: ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ﴾؛ أخذوا مقداراً من الغنائم ولم تحدث لهم أيّ مشكلة، بل هزموا العدو وعادوا. هذه سنّة إلهية.
لذلك، إذا صرتم أمام بثّ العدو للخوف معتقدين بالمعنى الحقيقي لعبارة ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾، وقمتم على واجباتكم، فهذه هي النتيجة. هذا [الجزء] من سورة آل عمران يبين لنا هذه السنّة. كان هذا بشأن قضية ما بعد أُحد... مثلاً ربما بعد ساعات قليلة من نهاية أُحد.
[الجزء الآخر] من القضية يتعلق بداخل أُحد نفسها. في حرب أُحد، انتصر المسلمون في البداية، أي هاجموا العدو وهزموه أولاً، وبعد ذلك عندما فقدوا ذلك المضيق بسبب طلب الدنيا، انعكست المسألة. مرة أخرى في سورة آل عمران يبين القرآن هذا ويقول: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾[22]؛ لقد أوفى الله وعده - لقد وعد أنكم إذا جاهدتم في سبيل الله، فسوف ننصركم؛ لقد أوفينا وعدنا - ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾؛ استطعتم أن تضعوهم تحت الضغط وتُنهكوهم، بإذن الله. لقد استطعتم ذلك في بادئ الأمر. حسناً، هنا أدى الله عمله. أوفى الله وعده الذي أعطاه لكم ولكن ماذا فعلتم بعد ذلك؟ بدلاً من تقديم الشكر على هذا الوعد الإلهي [وبدلاً من] أن تقدّموا الشكر على هذا اللطف الإلهي... ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾، أي ضعفت أقدامكم ووقعت أعينكم على الغنيمة ورأيتم أن بعضكم يجمعون الغنائم، فضعفت أقدامكم أيضاً؛ ﴿فَشِلْتُمْ﴾: فشل شديد، ﴿وَتَنَازَعْتُمْ﴾: بدأتم تتنازعون مع بعضكم بعضاً، ووقع بينكم خلاف. انظروا! يجب إجراء رؤى علمية سوسيولوجية على هذه التعابير القرآنية. ماذا يحدث حتى يتقدم بلد أو دولة أو حكومة ما، وماذا يحدث حتى يتوقف، وماذا يحدث حتى يسقط؟ هذه يمكن العثور عليها في هذه الآيات القرآنية. ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ﴾، أي عصيتم وخالفتم الأوامر. كان النبي (ص) قد قال لكم أن تفعلوا هذا ولم تفعلوا. ثم عندما صار الأمر هكذا، ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾، أي بعدما أعطاكم الله ما كنتم تريدونه - هو ذلك النصر الإلهي - وأظهره لكم وكدتم أن تصلوا إلى النصر التام لكنكم تصرفتم على هذا النحو، حينئذ: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ﴾[23]. هنا مرة أخرى عملَ الله المتعالي بسنّته: ﴿صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ﴾، أي جعل يدكم قصيرة عنهم، أيْ غُلِبتم. فهذه سنّة إلهية. هناك كانت السنّة الإلهية أن اثبتوا أمام الخوف من العدو وامضوا قُدماً. هنا السنّة الإلهية هي ألا تدمِّروا أنفسكم والآخرين مقابل الرغبة في الدنيا وطلبها وطلب الراحة وترك العمل وتكبّد العناء، والسعي وراء المطامع، وما شابه. تُبيّن آيتان قريبتان من بعضهما بعضاً في سورة آل عمران هاتين السنّتين.
القرآن مليء [بالسنن الإلهية]. لقد قلت: لو ألقيتم نظرة من أول القرآن إلى آخره، فإن السنن الإلهية دائماً يجري تبيينها وتكرارها. جاء في مواضع عدة: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلً﴾[24] - يوجد من هذا القبيل أربعة مواضع أو خمسة أيضاً - [ويقول] الله إن السنن الإلهية غير قابلة للتغيير وإن القوانين الإلهية قوانين متقنة. الله ليس له قرابة مع أحد. أن نقول إننا مسلمون وشيعة وجمهورية إسلامية فنفعل أيّ فعل نهواه... كلا! نحن لا نختلف عن الآخرين أبداً. إذا طابقنا أنفسنا مع قضية تلك السنن من الفئة الأولى، فإن نتيجة ذلك هي تلك. إذا طابقنا أنفسنا مع قضية السنن من الفئة الثانية، فإن نتيجة ذلك هي تلك. المسألة محسومة.
نحن عامَ 1981م في مواجهة هذه الأحداث كلّها والشدة تمكّنا من الوقوف على قدمينا وأن نحبط العدو، واليوم يمكننا ذلك أيضاً. إله سنة 1981م هو نفسه إله هذه السنة. إن إله فترات الصعوبة والفترات المختلفة واحد، والسنن الإلهية كلها لا تزال مكانها أيضاً. فلنسعَ أن نجعل أنفسنا مصداقاً للسنن الإلهية في طريق التقدم، وليكن هذا سعينا.
فلنتطرق [الآن] إلى قضايا السلطة القضائية. حسناً، لقد قدم الشيخ محسني تقريراً جيداً. بعض هذه النقاط التي كنت قد دوّنتها حتى أنبّه إليها ذكرها سماحته في تقريره وقال إنه تم إنجازها. والآن سأقولها مرة أخرى.
السلطة القضائية مثل سائر السلطات، لأنها أحد الأركان الرئيسية للبلاد. ليس في بلدنا فقط بل في كل مكان. إن نجاحاتكم وإخفاقاتكم كلتيهما محكوم عليهما بأحكام السنن الإلهية، وهي تؤثر في البلد كله. توضح هذه الآية الشريفة من سورة الحج مصيرنا جميعاً: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾[25]. ﴿أَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ تعني إقامة الصلاة. هذه إشارة إلى أن الحكومة الإلهية والإسلامية يجب أن تعزز التعبّد والتوجه إلى الله والاهتمام بالمعنوية. إقامة الصلاة لهذا الهدف. يجب أن تتعزز روح التعبّد في الجمهورية الإسلامية. ﴿وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾، أي إعطاء الزكاة. والزكاة معروفٌ ما هي لكن الإشارة والنقطة في ﴿آتَوُا الزَّكَاةَ﴾ هذه أو عبارات ﴿آتَوُا الزَّكَاةَ﴾ المتنوعة في القرآن[26] هي أنه في المجتمع الإسلامي ينبغي أن تكون العدالة في التوزيع مأخوذة بالحسبان، هكذا هي.
﴿وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ﴾؛ الأمر بالمعروف. الآن، بشأن الصلاة والزكاة وما شابه حدثت بعض الأعمال بطبيعة الحال [لكن بشأن] ﴿وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ نحن متأخرون. ما المعروف؟ العدالة والإنصاف والأخوة والقيم الإسلامية. هذه هي المعروف. علينا الأمر بالمعروف. توجد في دستورنا في المادة الثامنة مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه ضمن الواجبات. ﴿نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾؛ انهوا عن المنكر أيضاً. ما المنكر؟ إنه الظلم والفساد والتمييز وترك الإنصاف ورفض طاعة الله. هذه ظلم ومنكر. يجب النهي عن هذه، أيْ هي [ضمن] الواجبات. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ضمن الواجبات كالصلاة والزكاة. الآن وفقاً لرواية فإنّ الأمر بالمعروف أعلى من هذه الأحكام الإلهية كلها حتى من الجهاد[27]. الآن لا نريد الخوض في هذه التفاصيل. على أيّ حال هذا واجب، وهو أيضاً ضمن واجبات السلطة القضائية، وإذا لم نعمل به، فسنتلقى ضربة.
الآن أنتم لديكم التمكين. السلطة القضائية تعني أنّ قضاء البلاد، وعدالة البلاد بين أيديكم، فلديكم التمكين وعليكم استخدامه إلى أقصى حد، كما يجب أن تحققوا أقصى استفادة في هذا الاتجاه؛ ﴿أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾[28] وبقية الأمور التي ذُكرت في القرآن بوصفها واجباً. عليكم الاستفادة، وإن لم تفعلوا، فقد ضُيّعت النعمة.
عادة ما تتلقى القوى الضربات من ناحيتين: الناحية الأولى إساءة استخدام السلطة، والناحية الأخرى ترك استخدامها. أحياناً يكون للإنسان سلطة ما فيسيء استخدامها ويستخدمها لأهوائه الشخصية ونزوات جماعته للفساد وما شابه. هذا مضيعة للقوة. وإحدى الطرق ألا يستخدم الإنسان هذه القدرة فيبقيها معطلةً أساساً. هذا [أيضاً] مضيعة للقوة. هذان كفران بالنعمة الإلهية أيضاً؛ لا فرق. الكسل والإهمال يؤديان إلى زوال هذا الاقتدار.
حسناً، السلطة القضائية عامل اقتدار مهم في إدارة البلاد. أنا -العبدَ- قدّمت دوماً توصيات في الاجتماعات المؤلفة من شخصين وثلاثة، التي أجريناها مع الشيخ محسني [إجئي]، أو الاجتماعات العامة التي التقينا فيها مرات عدة مع الأعضاء المحترمين في السلطة القضائية. ولحسن الحظ الشيخ محسني، رئيس السلطة [القضائية]، عنصر مؤمن وثوري. إنه حقّاً مؤمن وثوري ومثابر وشعبي وبعيد عن «التشريفات». هذا مهم للغاية. هو عنصر شعبي وقد قال هنا إنه يأنس بالناس ويكون بينهم. هو عارفٌ بزوايا السلطة القضائية، فقد كان لسنوات متمادية فيها ويعرف الأجزاء المختلفة داخلها ولديه أُذُن تسمع. إنه يسمع كلّ ما يقوله المنتقدون وأمثالهم. هذه سماته المميزة. لذلك، يجب أن تصير التوصيات التي أقدّمها -سواء إلى شخصه المحترم، أو إليكم، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء- عمليةً، إن شاء الله. ينبغي أن يتجاوز الأمر مجرد النصح والوعظ.
النقطة الأولى هي «وثيقة التحول» هذه التي ذكرتها. «وثيقة التحول» هذه واحدة من أكثر وثائق التحول تقدمية. تم إعدادها ابتداءً، وجرى لاحقاً تنقيحها في زمن السيد رئيسي حين أُضيفت نقاط مهمة في هذا التنقيح وجرى استكمالها. يجب العمل بها. حسناً، الرئيس المحترم للسلطة ملتزم إياها ويتابعها، ولكن لا بدّ من متابعتها في المستويات المختلفة للسلطة القضائية، سواء القضاة أو العمال أو المديرين. الآن بما يصل إلينا من تقارير ثمة مقدار ما في هذا الصدد ليس على النحو الذي يعتقد الإنسان أنه يجب أن يكون عليه. وفقاً لهذه الوثيقة يجب إعداد الشخصيات، أو بالتعبير الأجنبي إعداد الكادر.
طبقاً لهذا يجب أن تصير هذه الوثيقة عملية، أي ألا تكون السلطة انفعالية في مواجهة الشائعات والكلام والمعارضة وما شابه. أمامها طريق مستقيم وعليها أن تسير وتتحرّك بقوّة فيه، لا أن تتأثر بالشائعات وبأربعة أشخاص قد يفرحون وأربعة آخرين قد يستاؤون! هذه التوصية الأولى.
التوصية الثانية: يجب التعامل مع قضية مكافحة الفساد على محمل الجد؛ هناك فساد. قال لي الشيخ محسني في واحد من هذه الاجتماعات الأخيرة، قال في هذا المضمون تقريباً إننا قرّرنا مكافحة الفساد داخل السلطة القضائية ابتداءً. نعم، هذا هو الصحيح. ليس الأمر أنه لا يوجد فساد داخل السلطة. بالطبع، إن غالبية القضاة عفيفون ونجباء ومؤمنون ومثابرون وشرفاء حقّاً. لا شك في ذلك، ولكن في مجموعة من ألف شخص إذا عُثر على عشرة سيئين، يمكنهم إلحاق الضرر بالبقية في السمعة والعمل ونحو ذلك. يجب البحث عن هؤلاء العشرة. والأساس أيضاً هو مواجهة الهيكليات المولّدة للفساد. أحياناً في بعض الأماكن - سواء السلطة القضائية أو التنفيذية أو أي مكان آخر - توجد هيكليات تتسبب في الفساد تلقائياً. لا بدّ من تفتيت تلك الهيكليات، فابحثوا عنها واعثروا عليها لإزالتها. هذه الملاحظة الثانية.
النقطة الثالثة: تعزيز المعرفة القضائية. يجب تعزيز هذه المعرفة. كثير من هذه الأحكام ضعيفة أو مخدوشة. عندما ينظر الإنسان إلى بعض هذه الأحكام - تصلنا مصادفة بعضها أحياناً طبقاً لتقرير ما أو أمرٍ ما - يرى أنها ضعيفة جدّاً. [مثلاً] الاستدلالات العشرة التي قدّمها القاضي لحكم ما تكون غالبيتها استدلالات قابلة للطعن وضعيفة. يجب أن يكون الاستدلال متقناً وقوياً. ليس في ما يخص المحكمة فقط بل حتى في ما يخص النيابة العامة. يجب أن تكون الأدلة التي يقدمها الادعاء في لائحة الاتهام أدلّة مُتقنة يمكنه الدفاع عنها. [طبعاً] هذا لا يعني أن كل ما قاله الادعاء سيُقبل حتماً، بل ينبغي أن يكون هناك أدلة قابلة للاستدلال والدفاع. إنّ أهميّة هذا الأمر أكبر بكثير في ما يخص القاضي والمحكمة. هذا في ما يخص الإحاطة العلمية والقضائية سواء للموضوع أو الحكم، ويعني وجوب تعزيز المعرفة القضائية.
النقطة الرابعة هي موضوع التحفيز والعقاب داخل السلطة. أشرنا إلى مسألة العقاب. ينبغي تشجيعهم أيضاً. التفتوا! يرى المرء أنّ بعض الأشخاص - إنّه يعلم [ولا] يرى لأننا على اطلاع بالأمر من بعد - يبذلون الجهد حقّاً، ويعملون بجد، ويمضون في بعض الأحيان فترة استراحتهم في متابعة الأمور القضائية. حسناً، تجب معرفة هؤلاء وتشجيعهم بأنواع التحفيز المختلفة. ليس التحفيز مجرد تحفيز مالي. هناك تحفيز السمعة والتعريف بهم ونحو ذلك. يجب تشجيعهم [في النهاية]. هذه هي النقطة التالية.
النقطة الخامسة أنه لا يجوز تعليق أي جزء من صلاحيات السلطة القضائية ومهماتها على النحو المحدد في الدستور والقوانين ذات الصلة. لا يجب تعليق أي جزء. لنفترض الآن أنه في مجال حقوق العامة هناك واجبات على المدعي العام [وينبغي] أن يكون لديه الإشراف التام على حقوق العامة - هذا ما سأشير لاحقاً إلى بعض موارده - حتى لا تتبدد حقوق العامة. أينما شعروا بانتهاك حقوق العامة، يجب أن يدخلوا الميدان بجد استناداً إلى القانون. أنا لا أوافق على استخدام العواطف والشعارات في هذه الحالات لكن عليهم أن يتدخلوا استناداً إلى قانون محكم. هذا عمل مهم... أو مسألة الوقاية من الجريمة وهي من واجبات السلطة القضائية وذُكرت في الدستور أيضاً. يجب أخذها على محمل الجد ومنع أي إهمال [فيها].
بخصوص القوانين العادية والأعمال الاعتيادية للسلطة كما يُصطلح، هذا القانون المُرتبط بالأراضي حيث يُحدّد في المدن والقرى كلّ متر من الأرض ما حكمه وإلى من يعود وغير ذلك؛ يجب أن يصل إلى نتيجة. هذا يجب أن يصل إلى نهايته ولا بدّ من متابعته. إذا تمّ هذا العمل، فستزول تلك التعديات على الأراضي والجبال وأمثال ذلك. تلك التعديات نفسها على الأراضي تؤسس أيضاً لمشكلات أخرى.
النقطة السادسة: نوع العلاقة بين السلطة القضائية والضباط العدليين مهمّ جدّاً. يجب أخذ زوايا عدّة بالاعتبار. من ناحية، تنبغي مراقبة سلوك الضباط والرقابة عليهم، وقد أصدر جنابه بعض الأوامر قبل مدة وجيزة - سمعت بذلك من التلفاز - بشأن بعض الأشياء التي يفعلها الضباط ولا ينبغي فعلها مع المتهمّ. حسناً، هذا جزء من القضية، أي مراقبة سلوك الضابط [العدلي] كي لا تحدث قسوة وتجاوز وما شابه.
ناحية أخرى هي ألا تتأثر السلطة برأي الضابط. حسناً الضباط أجهزة مؤثرة ومهمة ولديهم صلاحيات، ولديهم آراؤهم حول الأشخاص والقضايا. السلطة القضائية، لا. يجب أن تتصرف باستقلالية وألا تتأثر بآرائهم. هذه ناحية أيضاً. جانب آخر من القضية هو أن هؤلاء الضباط أنفسهم لديهم أحياناً آراء تخصصية تم البحث فيها، فلا تتجاهلوا آراء الخبراء هذه. يجب أن تستفيد السلطة القضائية من آراء الخبراء هذه، سواء في الشرطة أو وزارة الأمن أو أماكن أخرى حيث يكون الضباط. لديهم أحياناً آراء تخصصية ومدروسة، فلا بد من الانتباه إليها.
مسألة أخرى هي أن الضباط يشْكون لنا أنّه مثلاً عندما نعترض عليهم: لماذا لم تتدخّلوا في المورد الفلاني؟ يقولون: قد تدخلنا وأحلنا الأمر إلى السلطة القضائية لكنها تركته. نسأل السلطة القضائية: لماذا؟ يقولون: ليس لدينا قانون! حسناً، إذا لم يكن لديكم قانون، فمن الذي يجب أن يوفر القانون؟ أنتم من عليكم ذلك. أعدّوا مقترح قانون وقدِّموه إلى «مجلس الشورى الإسلامي» من أجل أن يقرّه لكم، فيجب ألا يكون الأمر على نحو يبذل فيه الضابط مجهوداً وجهداً ويؤدي عملاً ثم يأتي إلى السلطة القضائية فيذهب الأمر سدى بسبب تغافل القضاء أو عدم تخصص القاضي في تلك الحالة تحديداً. لذا، هذه هي النقطة السادسة [أي] النظرة الشاملة إلى العلاقة بين القضاء والضباط [العدليين].
النقطة السابعة هي موضوع الأمن النفسي للناس. هذه من الحقوق العامة التي قلت إنني سأشير إليها. من الحقوق العامة للناس أن يتمتعوا بالأمن النفسي. ماذا يعني الأمن النفسي؟ أي ألا تُبثّ كل يوم إشاعة ما في الأذهان، وكذبة ما، وكلمة مخيفة ما. حتى الأمس كانت الصحف فقط هي من تفعل ذلك والآن أضيف إليها الفضاء المجازي. بين حين وآخر، أو كل بضعة أيام، وأحياناً كل بضع ساعات، ينشر شخص محدّد أو مجهول شائعة ما أو كذبة ما أو كلاماً في الفضاء المجازي، فيجعل الناس قلقين ويشوّش أذهانهم. يروي كذبة ما وينشرها فيزول الأمن النفسي للناس. من واجبات القضاء التعامل مع هذه القضية. طبعاً، سمعت هنا بعضهم يقولون: ليس لدينا قانون. أولاً يمكن استخدام القوانين الموجودة نفسها ومعرفة الحكم في ذلك. وإذا لم يكن لديكم قانون، فأعدّوه بسرعة؛ هذه أمور مهمّة. إنها قضية أيضاً. بالطبع أحياناً تكون السلطة القضائية نفسها مصدر بعض هذه الأخبار. هذا يعني أنه في بعض الأحيان يذكر شخص ما في السلطة أمراً عن شخص ما أو مجموعة ما، ما يؤثر بحد ذاته في الرأي العام.
آخر موضوع هو متابعة الملف الذي تفتحونه حتى النهاية والفراغ منه. الملفات المختلفة التي تدخلها السلطة القضائية وتخص الشأن العام. [مثلاً] في ما يخص بعض المصانع أو بعض التصرفات وأمثال ذلك... أوصلوها إلى نهايتها، لا أن تفتحوا الجرح ثم تتركوه. بالطبع، عادة ما يحدث ضجيج في البداية ثم يُنسى مع مرور الوقت. كلا، أيّ عمل تبدؤون به وقضية تتابعونها بشكل خاص - الآن قد قال بمحورية المشكلة، وهذا جيّد؛ محورية المشكلة أمر جيد جداً - بسبب أولويتها، تابعوها إلى النهاية واعملوا على إتمام الملف، ثم تفرّغوا منه.
عملكم صعب. إن عملكم شاق! السلطة القضائية أحد الأعمال الشاقة حقاً. أنا - العبدَ - على اطلاع على القضايا التنفيذية الجارية منذ بداية الثورة، ودوماً قلت إنّني أخشى التصدي للقضايا المرتبطة بالسلطة القضائية وأجتنب ذلك لأنه صعب وثقيل جداً. لقد أخذتم على عاتقكم عملاً ثقيلاً. حسناً، أجره ثقيل كذلك. إنّه بما يتناسب مع ثقل العمل... الأجر الإلهي ثقيل أيضاً، إن شاء الله.
تابعوا العمل لله وبالهداية الإلهية وسوف يشملكم الأجر الإلهي، إن شاء الله. قد تقوم على عمل جيد ولا يعرف أحد. حتى مديرك الأعلى أو رئيسك في العمل أو مرؤوسوك لا يعرفون أنّك عملت بضع ساعات إضافية مثلاً. قد فعلت ذلك بدقّة وواجهت بجد هذا الفساد والانحراف. من الممكن ألا يعرف أحد بذلك لكنّ الكرام الكاتبين يعرفون، والله المتعالي أيضاً حاضر وناظرٌ ويرى من ورائهم جميعاً، وأجرك عند الله، إن شاء الله.
نسأل الله المتعالي أن يُفرح الروح الطاهرة للإمام [الخميني] العظيم، وأن يحشر الروح الطيّبة للشهداء مع أوليائه، وأن يحشر روح الشهيد بهشتي العزيز مع أوليائه - إن شاء الله - وأن يمنّ علينا وعليكم جميعاً بحسن العاقبة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء، قدّم تقريراً رئيس السلطة القضائية، حجة الإسلام والمسلمين الشيخ غلام حسين محسني إجِئي.
[2] نيسان/أبريل وأيار/مايو وحزيران/يونيو من العام 1981م.
[3] السيد أبو الحسن بني صدر.
[4] سقطت الطائرة التي تقل القادة العسكريين: اللواء ولي الله فلاحي، والعميد جواد فكوري، والعميد السيد موسى نامجو، ويوسف كلاهدوز، ومحمد جهان آرا، بتاريخ 29/09/1981م، أثناء سفرهم إلى طهران لتقديم تقاريرهم إلى الإمام الخميني (قده). وقد سقطت في منطقة كهريزك بطهران واستشهد أغلب ركابها.
[5] سورة يس، الآيتان 38-39.
[6] سورة يس، الآية 40.
[7] سورة البقرة، الآية 194. سورة التوبة، الآية 36. سورة التوبة، الآية 123.
[8] سورة العنكبوت، الآية 6.
[9] سورة النساء، الآية 122.
[10] سورة الحج، الآية 40.
[11] سورة محمد، الآية 7.
[12] سورة إبراهيم، الآية 7.
[13] سورة العنكبوت، الآية 69.
[14] في لقائه مع التعبويين، بتاريخ 23/11/2016م.
[15] سورة الشعراء، الآية 61.
[16] سورة الشعراء، الآية 61.
[17] سورة الشعراء، الآية 62.
[18] سورة محمد، الآية 7.
[19] سورة الجن، الآية 16.
[20] سورة إبراهيم، الآية 7.
[21] سورة آل عمران، الآيتان 173-174.
[22] سورة آل عمران، الآية 152.
[23] سورة آل عمران، الآية 152.
[24] سورة الفتح، الآية 23.
[25] سورة الحجّ، الآية 41.
[26] سورة البقرة، الآيات 43، 83، 110، 277. سورة النساء، الآية 77. سورة التوبة، الآيتان 5، 11. سورة الحج، الآيتان 41، 78. سورة النور، الآية 56. سورة المجادلة، الآية 13. سورة المزمل، الآية 20.
[27] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص542، الحكمة 374.
[28] سورة الحجّ، الآية 41.