كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع جمع من طلّاب الجامعات 18/04/2023م.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله الطاهرين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين.
كنت أتوقّع من هذه الجلسة أيضاً أن تُطرح كلمات متقنة وبأدبيات جيدة، والحمد لله، حدث ذلك. قد لا أتفق مع نقاط كثيرة ذكرتموها وتحدثتم[1] عنها، لكنني سعيد للغاية بجودة التعبير ونظم المواضيع، وأشكر الله. حسناً، إنها نهاية شهر رمضان، وأتيحت لكم أيضاً فرصة للجلوس والتفكير والمطالعة وتنظيم المواضيع. لو كان هناك وقت، لم يكن لديّ مانع من أن يتحدث عشرة أشخاص آخرين أيضاً، لكن الإفطار يقترب تدريجياً وكان الكلام والجلسة غير مكتملين.
قبل أن أبدأ نقاط حديثي، أود أن أقول نقطتين أو ثلاثاً عن هذه المواضيع نفسها التي ذكرتموها. أولاً، بعض الأشخاص بلّغوني السّلام، وأنا أرجو أن تبلّغوا سلامي إلى أولئك الإخوة والأخوات جميعاً الذين بلّغوني السّلام عبركم، وخاصّة عائلات الشهداء. وبخصوص ميلاد هذا العبد «الحقير»، لا يستحقّ الاهتمام مطلقاً، وهو حدثٌ قليل الأهميّة وصغيرٌ إلى حدٍّ كبير. والمواضيع التي جرى الحديث عنها في نوع من الاعتراض أو الإشكال أو الاقتراح قابلة للنقاش. إذاً، أين يجب أن تناقَش؟ هذا يعني أنها ليست على نحو واضح وحتمي تماماً، ففي النهاية هي قابلة للردّ والنقاش. لقد بدا الأمر لي على هذا النحو: نبعث اقتراحاتكم إلى «منظمة التخطيط والموازنة» - يبدو أنّه وقع تحرّك جديد فيها - لكي يتابعوها، وهذا أمر جيد، أن توصلوا المواضيع إليهم أو نكون الوسيلة لذلك، فيكون مكتبنا وسيطاً ويوصلها، وأن يطلبوا منكم أن تذهبوا لتتحدثوا وتناقشوا، وإن شاء الله، فستصلون إلى نقطة مقبولة ومشتركة.
بالنسبة إلى موضوع الخصخصة الذي تحدث عنه وكرره بعض الأصدقاء، وفي الخارج، يقولون الشيء نفسه أيضاً، فإن هذا المنطق الذي عبّرتم به ليس منطقاً صائباً. حسناً، لقد طبقوا بأسلوب سيئ. نعم، صحيح، قد يجري تطبيق أيّ قانون جيد بأسلوب سيئ: تسليم إمكانات البلاد والمرافق الإنتاجية والمصانع التي كانت تعمل جيداً للدولة، فالدولة لا تستطيع إدارة المرافق والمؤسسات الإنتاجية الكبيرة... الدولة لا تستطيع، فتحدث المشكلات، وينشأ الفساد، وكم من هذه المسائل حدثت في السنوات القليلة الماضية. كان الحل الوحيد لهذه [المسائل] هو الخصخصة، ولم يكن هناك حل آخر حقاً. لم يحدث هذا العمل فجأة. كان ذلك بفكر ودراسة وتوقع وعبر ساعات من المناقشة. نعم، أوافق على أن توقعاتي من الخصخصة لم تتحقق بعد، ولكن جرى إنجاز أعمال جيدة. أما قولكم إنهم أعطوا مؤسسة حكومية للقطاع الخاص وإن تلك [المؤسسة] لا تعيد دولاراتها إلى الحكومة، فهذا ليس صحيحاً. إن المؤسسة التي لا تعيد الدولار هي المؤسسة الحكومية الحالية، وهذا إشكال قلته بنفسي للمسؤولين الحكوميين أخيراً[2]، وكررت قوله وأثرته مرات عدة، أي المؤسسات الحكومية هي التي تمارس الأعمال التجارية وتعمل وتتداول مع الخارج [لكن] لا تعيد دولاراتها إلى البنك المركزي، [فالمسألة] ليست عن القطاع الخاص. بالطبع، يشوب القطاع الخاص إشكالات أيضاً، وهذا يحتاج إلى الرقابة والتدقيق والالتزام، وهي أمور ضرورية دون شك.
بالنسبة إلى الاجتماع الاقتصادي مع رؤساء السلطات، أولاً هذا ليس أمراً دائماً؛ إنه مؤقت. ثانياً إنه ليس من أجل مقاصد خاصة، فقد حددت أربع نقاط وقلت لهم إن إحداها هي مسألة الموازنة؛ تنظيم الموازنة والميزانية وإصلاح هيكل الموازنة، فواحدة من مشكلاتنا الكبيرة مسألة هيكل الموازنة، وكذلك ثلاثة أمور أخرى. كان هذا الهدف من هذا الاجتماع. بالطبع، حتى الآن لم يتقدم الأمر كما ينبغي، لكن علاجه لا يكون بالتعطيل. علاجه هو أن نتابع حتى تُنجز هذه الأعمال. هناك بعض المسائل التي يكون إشكالها في غياب توافق المسؤولين الرفيعي المستوى. إذاً، كيف نحلها؟ الحل أن نجلس معاً ونتناقش ونتخذ قراراً موحداً ونقدم على العمل، و[تشكيل اللجان] نتيجة ذلك.
على أيّ حال، نأمل - إن شاء الله - أن يوفق الله في إنجاز ذلك المقدار الذي هو على عاتقي بشأن ما تريدونه وتقولونه - أعلم أنكم تقولونه من القلب، وأن ما تقولونه تعتقدون به حقاً فتقولونه - وكذلك المقدار الآخر الذي على عاتق المسؤولين الآخرين، إن شاء الله. كانت أدبيات كلمات اليوم ممتازة، أي كانت جيدة تماماً ومدروسة. وأنا أؤكد قضية «التعبير عن الموضوع بأدبيات جيدة»، فهذا يؤثّر.
حسناً، شهر رمضان شهر الروحانيّة والعبادة، وشارف على الانتهاء، ولكن أمامكم شهور أخرى من شهر رمضان، إن شاء الله، أمامكم العشرات من رمضان. لا بدّ أن تستفيدوا؛ إنّه ربيع الروحانيّة والعبادة. والشباب أيضاً ربيع، ربيع العمر. إذاً، للشاب في شهر رمضان ربيعٌ مضاعف: لديه ربيعٌ في ربيع، فاستفيدوا منه. هناك فرقٌ كبير بين الاستفادة التي يمكنكم أن تستفيدوها من ليلة القدر، والاستفادة التي يستفيدها مَن هو في عمري ومَن هم أمثالي. في إمكانكم الاستفادة أكثر بكثير. اغتنموا هذا الأمر.
هذه الثنائية الجميلة، أي تلاقي الربيعين، حدثت في مكان آخر: زمن «الدفاع المقدس». هناك وُضعت فرصتا التعالي والعروج جنباً إلى جنب. حسناً، جبهة الدفاع تعني جبهة بذل النفس، أيْ الذي يذهب إلى هناك غالباً ما يكون مستعداً لتقديم روحه أو صحته؛ هذه تضحية عظيمة جداً. جميع الذين يدخلون هذه التضحية تعطيهم الجبهة العروج والتسامي الروحي، ولكن عند أولئك الذين ذهبوا - كانوا في الغالب من الشباب - كانت القضية مختلفة. كانت حركة الشباب الذين خاضوا ميدان الحرب وتساميهم على نحو دفع شخصاً مثل الإمام الراحل ليغبطهم، الإمام الجليل الذي طوى في السلوك والعرفان سنوات طويلة! لا أعلم هل تقرؤون سيَر هؤلاء الشهداء، وهذه الكتب؟ أنا أقرؤها وأذرف الدموع وأستفيد منها، فهي مفيدة حقاً لي. أعتقد أن أحد الأعمال التي عليكم فعلها حتماً أن تقرؤوا سير هؤلاء الشهداء الأعزاء، وخاصة من لديهم روحانية كبيرة. لقد استفاد هؤلاء. في رأيي، فلتستفيدوا من شهر رمضان. لم يتبقَّ الآن أكثر من يومين أو ثلاثة. لكن أمامكم في المستقبل أعوام طويلة، إن شاء الله، فلتهيّئوا أنفسكم لشهر رمضان المقبل من الآن.
حسناً، قدمت نصيحة مرات عدة، ولحسن الحظ الآن، رأيت اثنين أو ثلاثة من هؤلاء الأصدقاء الذين تحدثوا هنا كرروها نفسها - هذا ما أؤيده تماماً - وهي أن الطلاب الجامعيين والتشكيلات الطالبية بحاجة إلى فكر بنيويّ صلب. هذه هي حاجتهم الأكيدة. كانت هذه نصيحتي دوماً، ومرة أخرى أود التشديد عليها. إذا كانت الأسس المعرفيّة لأيّ شاب، وخاصّة الطالب الجامعي الشاب، متينة، فإنّ قلبه سيطمئن وستغدو خطواته أكثر رسوخاً وتستمرّ حركته، ولن يكون هناك كلل. اطمئنان القلب هذا يؤدي إلى ازدياد إيمانه كذلك. الإيمان نفسه يمنح الاطمئنان. كما أن طمأنينة الفؤاد وسكينة القلب تزيدان الإيمان؛ ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾[3]. لقد كانوا مؤمنين من قبل، ولكن عندما أعطاهم الله المتعالي هذه السكينة القلبية بسبب اعتمادهم على الحقائق الروحية والإلهية، ازداد هذا الإيمان.
حسناً، الآن ما هذه الأسس المعرفية؟ يوجد في الإسلام أسسٌ معرفيّة فردية وقلبيّة واجتماعيّة وسياسيّة ودوليّة. هذه كلها في الإسلام. قضية الحرية من الأسس المعرفية المطروحة في الإسلام. تُعدّ العدالة من أهم القضايا المعرفية. يجب حل هذه [القضايا]. لا بدّ أن يفكّر الطالب الجامعي الشاب فيها ويعمل عليها حتى يبلغ عمقها. [لذلك] اقرؤوا الكتب ونهج البلاغة وتأمّلوا خلال تلاوة القرآن. افترضوا مثلاً الآن بشأن العدالة: بالطبع إن من المصاديق المهمة للعدالة التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية وما إلى ذلك، لكن هذا ليس الشيء الوحيد. هذا واحد من أبرزها. تبدأ العدالة من أحكامنا الشخصية. تبدأ العدالة من أفعالنا الشخصية وكلماتنا وأحكامنا التي نطلقها على الناس والأمور. ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا﴾[4]؛ ينبغي ألا نمارس الظلم إذا كنا نعارض أحدهم أو نعاديه، أو بيننا وبينه انفصال فكري أيضاً. أكثر القضايا كارثيّة أن يأتي كافرٌ يوم القيامة ويمسك بياقتي ويقول: يا هذا، لقد ظلمتني في المكان الفلاني، أي حقاً لا يوجد شيء أصعب من هذا [الموقف]! أو أن يكون لعدوّ الله حقٌّ في رقبتي يوم القيامة فيمسك بياقتي ويقول: لقد ظلمتني! إنّ العدالة في [الإسلام] على هذا النّحو. والعدالة الدولية! إنّ مقارعة الاستكبار التي نكرّر الحديث عنها دائماً هي من أهمّ مصاديق العدالة. بعض الأشخاص يسعون وراء العدالة لكنّهم لا يفكّرون في أنّ مقارعة الاستكبار وأميركا والصهيونيّة هي أيضاً من مصاديق المطالبة بالعدالة. هي كذلك؛ إنها على هذا النحو.
الحرية! الحريّة مهمّة جدّاً. إنّ أهمّ جزء من نظريّة الحريّة في الإسلام هو التحرّر من إطار المادّة هذا. النظرة الماديّة تقول إنك جئت إلى العالم يوماً ما وستعيش كذلك أعواماً عدة ثمّ تنعدم؛ جميعنا محكومون بالفناء. يمنحونك حريّات معيّنة ضمن هذا القفص المادّي: حريّة الشهوة والغضب والظلم وأنواع الحريّة كافة. هذه ليست حريّة. الحريّة هي الحريّة الإسلاميّة، والإسلام لا يحصرنا في إطار المادة؛ «خُلِقتُم لِلبَقاءِ لا لِلفَناء»[5]. نحن لا ننعدم ولا نزول.
يقول [الشاعر] مولوي:
حان موعد الموت والتحليق كلّ شيءٍ هالكٌ إلّا وجههُ[6]
الموتُ ليس نهاية المطاف، بل هو بداية لمرحلة جديدة، مرحلة أساسيّة [حقّاً]. عندما تنظرون بهذه النظرة، ستتمكّنون من التسامي ولن تعود هناك حدود أمام حركتكم وتقدّمكم وارتقائكم. هذه هي الحريّة. كلّ الحريّات في الحياة، سواء أكانت حريّة شخصيّة أم في المعتقد أم التحرّر من أسر التحجّر والجمود والخمود ومختلف أنواع التخلّف والتعصب الذي هو بلا جدوى، أم التحرّر من أسر القوى العظمى والدكتاتوريّين، كلها نابعة من مبدأ الحريّة الإسلاميّة هذا. لا بدّ أن تفكّروا في هذه الأمور وتعملوا من أجلها. ليس الحلّ أيضاً أن أتحدث أنا العبدَ إليكم نصف ساعة، [إنما] أنتم أنفسكم لا بدّ أن تعملوا وتفكّروا وتقرؤوا الكتب.
أو قضية انتظار الفرج. من الأسس المهمّة ضمن هذه الأسس الفكريّة والدينيّة لدينا هي انتظار الفرج. انتظار الفرج يعني أنّ الصعوبات كلها قابلة للإزالة والمعالجة. لا أن تجلسوا وتنتظروا [بل] أن تكون قلوبكم مترقّبة. مثل ما قيل في قضيّة النبيّ موسى (عليه السلام) لأمّه: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾[7]. سنرد إليكِ هذا الطفل ونجعله من المرسلين وسوف يُنجّيكم. وهذا ما ثبّت بني إسرائيل. لقد قاوم بنو إسرائيل في مصر الفرعونية لسنوات طويلة. طبعاً، ثم فسدوا لاحقاً، لكنهم قاوموا لسنوات. كانت هذه المقاومة هي التي أتت بموسى (عليه السلام) وبدأت حركته فاتّبعوه وأدت إلى هلاك فرعون والفرعونيين. هذا هو انتظار الفرج. انتظار الفرج يعني الانتظار لإزالة النواقص كافة التي ذكرتموها للتو، وهناك عشرة أضعاف من النواقص التي لم تذكروها. انتظار الفرج يعني الاستعداد والتفكير وتجنّب أن نتصوّر انسداد الطرق، فتصوّر انسداد الطرق أمرٌ في منتهى السوء. هذا معنى انتظار الفرج، ويجب أن تضعوه في الحسبان.
طبعاً، كرّر الله المتعالي في القرآن الكريم قوله: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[8]. «كَتب الله» تعني أنّ القانون الحاسم لله هو الغلبة لنهج الأنبياء. إذاً، لا نقاش في هذا الأمر. ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾[9] الله سوف يدافع عن المؤمنين. لا يوجد أيّ شك في هذا. أو: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾[10]. ليس هناك أيّ شك في ذلك؛ هذا وعد الله المتعالي. لقد شاهدنا بأنفسنا هذه الحقائق أيضاً. وكنّا يوماً ما ننقل هذه الأمور من القرآن ونهج البلاغة والصحيفة السجاديّة، لكنّنا شاهدناها في حياتنا. الآن، لا تزالون شباباً جداً، وإن شاء الله، فسوف تعمّرون أكثر من العمر الذي عشته بعشرة أعوام أو عشرين، وستشاهدون حالات كثيرة. لقد شهدنا [هذه الأمور] في عمرنا هذا، وشهدنا انتصار الثورة الإسلاميّة. كان هذا غلبة للحقّ على الباطل. لم يكن أحد يتصوّر، ولم يكن أيّ أحد يتخيّل هذا الأمر أصلاً. المرحوم طالقاني قال لي شخصيّاً، قال إنّه في ذلك اليوم الذي قال فيه الإمام [الخميني]: «على الشاه أن يرحل»[11]، قلنا ما هذا الكلام الذي يقوله السيّد! طبعاً، لم يكن السيد الطالقاني شخصية صغيرة، فرجل مثل المرحوم آية الله الطالقاني مناضل عميق وعريق وصاحب تلك التجارب، ولم يكن متأمّلاً. لكن وقع ما وقع: انتصرت الثورة؛ ﴿لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾.
أو الحرب المفروضة. طبعاً أنتم لم تكونوا ولم تشاهدوا. كانت الحرب المفروضة واقعة عجيبة. الجميع ضدّنا: أميركا ضدّنا، الاتحاد السوفييتي ضدّنا، الناتو ضدّنا، الدول المسلمة ضدّنا، تركيا جارتنا ضدّنا... الجميع الجميع، ونحن انتصرنا. لقد انتصرنا في مثل هذه الحرب التي كان فيها الجميع ضدّنا. إذاً، تجاربنا أيضاً تُثبت هذا الأمر. هذا يعني انتظار الفرج. انتظار الفرج ليس مجرد أن نجلس منتظرين وندعو أن يرسل الله إلينا الإمام (عج). طبعاً، هذا من الأعمال الواجبة. يجب أن ندعو، وأن نسأل، وأن نتابع، لكن الأمر ليس هذا فقط. انتظار الفرج يعني أنه في جميع الأعمال التي فيها مشكلة يجب أن يكون افتراض حدوث الفرج الذي نروم إليه أحد الافتراضات المسلّمة والقائمة، أي أن يكون المرء منتظِراً. طبعاً هناك شروط. علينا أن نعمل، فانتظار فرج أكل الخبز هو الذهاب إلى المخبز وشراء الخبز وإحضاره، وإلّا بالجلوس لا يأتي الخبز من تلقاء نفسه. لا بدّ أن تحدث حركة حتى يتحقق انتظار الفرج. هذه هي الأسس التي [ينبغي العمل عليها]. هناك كثير من قبيل هذه الأسس. أو مبدأ التوحيد - ممنوعية الحاكمية لغير الله، فالتوحيد يعني نفي الحاكمية لغير الله - وأمثال هذا كثيرة بالطبع. يجب أن تعملوا على هذه الأسس. أنتم الهيئاتِ ينبغي أن تعملوا خاصة على هذه الأسس، وألا تتمحوروا حول نقطة محدودة. انظروا على نطاق واسع، وإلى القضايا كافة. في رأيي، من الجيد أنهم ذكروا أسماء المرحوم الشهيد مطهري والشهيد بهشتي، والمرحوم الشيخ مصباح وأمثالهم، [فكتبهم] كتب جيدة، وتجربة شبابنا جيدة أيضاً. الآن، على سبيل المثال، افترضوا أن شاباً تعبوياً يبذل سعياً بالقرب من طهران، فهو لديه نشاط، مثل الشهيد مصطفى صدر زاده. كُتبَ عنه كتابان أو ثلاثة وقد قرأتها. إذاً [هناك] يرى المرء مدى لهفته في العمل والتحرك. على الإنسان أن ينظر إلى هذه الأمور ويمضي قدماً. كانت هذه النقطة الأولى من حديثي.
أرغب في ذكر أمور عدّة بشأن الطلاب الجامعيّين. لا بدّ أن أقولها سريعاً عسى أن نتمكّن من ذكرها كلّها. هذه هي النقطة الأولى، فلتعلموا هذا الأمر. هذا هو رأيي الحتميّ والحاسم: الفعاليّات الطالبيّة فرصة كما هو الطالب الجامعي نفسه بالنسبة إلى البلاد. إنّ إمكانيّة أن يشعر بعضهم بالتهديد من بعض الأنشطة الطالبيّة أو أيّ نشاط - طبعاً النشاط السليم، وسوف أشير الآن إلى بعض آفاته - لأمرٌ خطأ، فالأنشطة الطالبيّة فرصة للبلاد والمطالبات الطالبيّة ولغة الطالب الجامعي، وهذا الشعور بالمسؤوليّة لدى الطلاب الجامعيّين تجاه أحداث البلاد فرصة. إنّ قدومكم إلى هنا وذكركم المشكلة الفلانيّة بحماسة واشتياق واهتمام فرصة للبلاد وقيمة لها. والاشتياق في المجتمع الطلابي وبين الطلاب الجامعيين الشباب لإزالة الاضطرابات يشكّل فرصة. والحضور الحماسي للطلاب الجامعيّين في مختلف الأحداث سواء أكان في الأحداث الطبيعيّة أم السياسيّة من قبيل هذه المسيرات - [يوم] القدس وانتصار الثورة الإسلاميّة وأمثالها - كلّه فرص مهمّة. إنّ إبداء الآراء في القضايا السياسيّة والاقتصاديّة وبعض القرارات هذا كلّه فرصة. إبداء الآراء فرصة. لا أقول إنّها صحيحة [كلها]. التفتوا! قد يكون بعضها صحيحاً وبعضها غير صحيح، لكن إبداء الرأي والتفكير في القضيّة هو نفسه فرصة للبلاد. طبعاً هناك آفاتٌ أيضاً، وينبغي ألا تصاب الأنشطة الاجتماعيّة بالآفات. احرصوا على هذا الأمر. طبعاً، لا يصدّق الشباب أنّ الكهول كانوا أيضاً شباباً في يوم من الأيام، لكنّنا أيضاً خضنا التجارب ونعلم كيف تكون مرحلة الشباب.
احتمال الخطأ في مرحلة الشباب ليس قليلاً، وهو كبير وتقع حالات عدة. كونوا حذرين. لا بدّ من إزالة الآفات للأنشطة الطالبية وجعل الأجواء سليمة.
يجب ألّا تحدث ثنائيّة في الأقطاب وألّا تؤول الأنشطة الطالبيّة إلى جعل المجتمع الطالبي ثنائيّ القطب، وكذلك البلاد. هذه قضيّة مهمّة جدّاً. ثنائيّة الأقطاب هذه تمثّل إرادة العدوّ.
يجب أن تكون [الأنشطة] قائمة على نظرة واقعيّة. أنتم تأتون إلى هنا على سبيل المثال وتقدّمون وصفة. حسناً، إن العمل بهذه الوصفة يستغرق وقتاً وتكاليف وقد لا يكون دفع تكاليفها متاحاً وبمتناول اليد. يجب أن تلتفتوا إلى هذه الأمور، فالأنشطة والمطالبات الطالبيّة لا بدّ أن تترافق مع النظرة الواقعيّة.
فلتكن مترافقة مع عرض حلول علميّة وعمليّة قدر الإمكان. الحلّ العلميّ أوّلاً، أي أن تكون عالمة وقائمة على الفكر، وثانياً [أن تكون] عمليّة، أي ليست على الورقة فقط، إنما عمل يمكن تنفيذه. فليَخُض كلّ واحد منكم ميدان العمل - كان هذا مطلب بعضكم أيضاً: لماذا لا يأتون بالشباب ويدخلونهم أوساط العمل، ولا بدّ لهم أن يأتوا بهم طبعاً - وستختلف وجهة نظركم عن الآن [لأنكم] سترون الحقائق والمشكلات وصعوبة العمل.
ذات مرّة زاروا الإمام [الخميني] - في زمن حياة حياته المباركة - واشتكوا من الحكومة. أنصت الإمام إلى كلام ذاك الرجل - كما نقلوا إلينا - ثمّ قال في معرض الردّ عليه جملة واحدة. قال: «يا سيّد! إدارة البلاد صعبة». هي صعبة بالفعل[12]. إذا أردنا أن نتجادل هكذا فإنّ الأعمال لن تُنجز. لا بدّ أن ينصتوا إلى كلام الناس. أين كلام النّاس؟ حسناً، لا كلام للناس في القضايا كلّها. [بالمناسبة] كلامهم ليس كلاماً واحداً، ويجب أن يفكّروا ويطالعوا. هناك آليّة لكلام الناس. كلام الناس هو المشهود الآن، أي هم يعيّنون شخصاً بصفته رئيساً للجمهوريّة. هذا هو كلام الناس. يختارون عدداً من الأشخاص نوّاباً في المجلس. هذا هو كلام الناس. هكذا يمكن إدراك كلام الناس بطبيعة الحال.
الآن وقد قال أحد الإخوة: الاستفتاء. كان يقول كذلك: «لو أنكم من البداية أجريتم استفتاءات حول جميع القضايا التي تَحدث، ما كانت هناك حساسية تجاه الاستفتاء». أين يفعلون هذا في العالم؟ هل قضايا البلاد المختلفة قابلة للاستفتاء؟ هل كل الذين لا بد أن يشاركوا في الاستفتاء وسيشاركون فيه لديهم إمكانية تحليل القضية؟ ما هذا القول؟ كيف يمكن إجراء الاستفتاء؟ في القضايا التي يمكن بث الدعاية حولها والحديث عنها من كل حدب وصوب، أصلاً هم يُشغلون بلداً ستة أشهر بالسجالات والجدالات والنقاشات وجعله ثنائي القطب من أجل إجراء استفتاء حول قضية ما. هل نجري استفتاء بشأن القضايا كافة؟
إنّ القضايا ليست على نحو يمكن للمرء أن يتخطّاها بهذه البساطة. العجلة من الآفات، فلا ينبغي الاستعجال. يجب ألّا يكون لسان الطالب الجامعي منبراً للمشكلات فقط. لا نقول: لا تذكروا المشكلات، لكن لا تكتفوا بذكرها فقط. هناك في البلاد نقاطٌ لامعة جيّدة، فليذكرها أيضاً الطالب الجامعي، فليذكر تلك وهذه، فلا يكوننّ على هذا النحو: أن يكون مجرّد ناشرٍ لهذه الأمور [والمشكلات]. يجب ألا يكون هناك عنف وسذاجة وألا يجعل المشكلة المحليّة وطنيّة. على سبيل المثال، تقع أحياناً حادثة في زاوية من زوايا البلاد، فيأتي التشكيل الطالبي الفلاني ويجعلها قضيّة وطنيّة. هذا خطأ ويضرّ بالبلاد. ليس هذا هرباً من عبء المشكلة أو معالجتها. من المضرّ بالبلاد تحويل مشكلة محليّة إلى وطنيّة.
لا يكوننّ قصد الطالب الجامعي هو الظهور. لاحظوا! أشدّد على هذا الأمر. يجب ألا يكون شخص الطالب الجامعي ولا التشكيل الجامعي على هذا النحو: أن يقول كلاماً لكي يُرى، فهذا يسلب العمل والكلام البركة ويجعلهما بلا أثر، وهو مضرٌّ أيضاً بالطبع.
يجب ألّا يغرق الطلاب في الفضاء المجازي. حسناً، الفضاء المجازي الآن مع كلّ الكلام الذي يُقال هنا وهناك موجودٌ في البلاد بطبيعة الحال، وشبكات التواصل الاجتماعي موجودة بطبيعة الحال. الفضاء المجازي موجود. بعض الأشخاص جالسون وينتظرون تدفّق التحليلات والأخبار والمواضيع والمبادئ من ناحية الفضاء المجازي. هذا خطأ. فلتركبوا بأنفسكم موجة الساحة المجازية ولتوجّهوها، ولتنطلق الأفكار والأخبار والتحليلات باتجاه الساحة المجازية من عندكم، لا العكس. هذه آفة الأنشطة الطالبية. الطالب الجامعي المؤمن ذو الهواجس، إذ يسألوننا أحياناً ما مسؤوليّتنا - يكتبون أحياناً ويأتون في أحيان أخرى إلى المكتب ويكلّمون الإخوة فيشعر المرء أنّهم يحملون الهواجس ويرغبون في عملٍ ما - وهذه إحدى المسؤوليّات: أن يُفرغوا الأعمال الطالبيّة المهمّة والأنشطة الطالبيّة التي تشكّل فرصة مغتنمة للبلاد وقيمة لها من آفاتها.
كلامٌ آخر حول الطالب الجامعي، وأنا بما أقوله الآن لا أرغب في الردّ على أسئلتكم - إنّني لست الآن في وارد هذا الأمر ولا يمكن فعله ضمن هذه الأجواء المحدودة - بل أرغب في أن تجعلوا حركتكم مبنائيّة، أي أن تنظّموا حركتكم مع التطلّع باتجاه الآفاق البعيدة أمامكم. أنتم من أهل الحركة، فأفضل شباب البلاد هم في الغالب من طلابنا الجامعيّين، وأنتم الطلاب الجامعيّون المؤمنون ترغبون في التحرّك. أنا أرغب في تأمين هذه الغاية: التطلّع إلى الآفاق البعيدة. يسألونني: في رأيكم، ما مسؤوليّة الطالب الجامعي المثالي وصاحب الهمّة العالية والمستشرف للمستقبل؟ جوابي: بداية إحداث التحوّل في الأذهان وواقع مجتمعه. هذا أوّلاً. ثمّ إحداث التحوّل في أذهان العالم وواقعه. تتعجبون؟ هل يُمكن للطالب الجامعي مثلاً تغيير واقع العالم؟ لا عَجَب في ذلك. أنتم اليوم طلاب جامعيّون، لكن هذا الطالب الجامعي نفسه اليوم مديرٌ سياسيٌّ غداً، والمدير لقطاع مهمّ من البلاد. هؤلاء الذين هم المسؤولون في البلاد اليوم كانوا طلاباً جامعيّين في الأمس مثلكم تماماً، وهم الآن مشغولون بإدارة البلاد والإدارة السياسيّة والاقتصاديّة والدبلوماسيّة. الطالب الجامعي اليوم فيلسوف الغد وباحث الغد، وهو الناشط الثقافي أو الصحافي والإعلامي المؤثّر في الغد. الطالب الجامعيّ اليوم رئيس الغد والعقل المفكّر والعنصر المؤثّر في الغد. ليس من المقرر أن يبقى الإنسان شابّاً وجامعيّاً إلى الأبد، فأنتم قادرون اليوم على تمهيد الأرضيّة كي تتحوّلوا في الغد إلى هذه العناصر التي ذكرتها، فتتركون أثراً بالمعنى الحقيقي للكلمة وتبدّلون أذهان المجتمع أيضاً وواقعه كذلك. الجميع اليوم يقولون - نحن قلنا هذا الأمر والجميع أيضاً يقولونه - إنّ العالم في طور التحوّل. مَن يُحدث هذا التحول؟ الأدمغة المفكّرة، الفاعلون، أولئك المنخرطون في الأعمال العظيمة، هم الذين يصنعون هذا التحول. أولئك هم أنتم. أنتم اليوم طلّاب جامعيّون وفي الغد ستكونون أولئك القادرين على إحداث التحوّل. عليه، نتوقّع أن تنظروا إلى المستقبل بهذا النحو.
طبعاً هذا الذي يمكنه إحداث التغيير غداً ليس بالضرورة أن يكون إنساناً تقيّاً وبارزاً ومؤمناً ووفيّاً، ففي بعض الأحيان ينحرف بعض الأشخاص. يجب أن تسعوا لكيلا تنحرفوا ولتتحرّكوا ضمن النهج القويم والصراط الإلهي المستقيم، فأنتم تتجهون نحو غد من ذاك القبيل. اعملوا بدءاً من اليوم على تقوية بنيتكم الفكريّة والإيمانيّة والعقلانيّة لكي تكونوا مستعدّين لغد من هذا القبيل. هنا يبدو لي أنّه توجد أربع نقاط: الدين والحكمة والعلم والعزم. لا بدّ أن تعملوا على تقوية الأسس الدينيّة والعلميّة والعقليّة وأُسس الإرادة والعزم؛ العزم الراسخ والإرادة الراسخة. كل من يبني نفسه أكثر في هذه الأعمال ستتوفّر لديه في الغد إمكانيّة كبرى للتأثير. بعض الأشخاص يبلغون القمّة وآخرون قد لا يبلغونها لكنّهم يؤثّرون إلى حدّ ما. الأمر مشروطٌ بالمدى الذي تعدّون فيه أنفسكم. هذا أيضاً أحد المواضيع.
الموضوع الآخر مرتبطٌ بالمجموعات الطالبيّة. حسناً، عندما نتحدّث عن الطالب الجامعي، يجعل عنوان «الطالب الجامعي» سلسلة من العناوين تتبادر أمام أعيننا وفي أذهاننا. عندما نقول: «طالب جامعي»، يتبادر إلى ذهن الإنسان طلب المعرفة والشباب والفعاليّة وطلب الحداثة وتجديد القوى والمشاعر الإنسانيّة من قبيل معاداة الفساد وغياب العدالة وأمثال هذه الأمور، لكن الأهمّ من هذا كلّه هو - في رأيي - امتلاك أُسُس فكريّة أشرت إليها في البداية أيضاً. لا بدّ أن تُجعل الأسس الفكريّة صلبة ومُحكمة. التفتوا: لا أرغب في القول أنْ دعوا حاليّاً البرامج الأخرى جانباً وانطلقوا نحو الانشغال بالتفكير والمطالعة. لا، يجب أن تجري هذه بالتزامن، أي للفكر والمطالعة وبناء الذات حين العمل فرصة وإقبال أكبر على التقدّم من أن يجلس المرء ويوقف الأعمال والأنشطة الطالبيّة كافة ويكتفي مثلاً بمطالعة الكتب الجيّدة. فلتأنسوا بالمصادر الدينيّة ولتقيموا علاقة مع المفكّرين العميقين والأمناء. لدينا اليوم أشخاص جيّدون بين الأفراد والعلماء المفكّرين.
الموضوع الآخر الذي دوّنته هنا لأذكره هو أنْ لا بدّ لنا أن نكون مواكبين العصرَ في معرفة مخطّط العدوّ وإستراتيجيّته. يجب أن نكون جميعاً مواكبين العصر. طبعاً بعض الأشخاص ما إنْ نذكر اسم العدوّ، يغضبون: لقد ألقوا مرّة أخرى [بالتقصير] على عاتق الأعداء الأجانب! كأنّنا حينما نقول: «لدينا عدوّ»، نسعى إلى إنكار نقاط ضعفنا وتراخينا وتقصيراتنا في العمل. كلا، هذه كلّها موجودة، لكن ينبغي ألا ننسى ذاك. العدوّ موجود، أشئنا أم أبينا، أأدركنا أم لم ندرك. العدوّ موجود وهو منشغلٌ بالعمل أيضاً ويعمل باستمرار. ينفقون الأموال ويوفّرون الإمكانات وهم يعملون ضدّ جبهة الحق. لو غفلنا أيضاً، فهو لن يغفل. «مَن نام لم يُنمْ عنه»[13]، هذا ما يقوله أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة. «مَن نامَ لَم یُنَم عَنه»! ليس الأمر على هذا النحو، أن لو نمتَ في المتراس، يكون النوم قد غلب متراس العدوّ أيضاً وهو كذلك غارقٌ في النوم. لا، قد تكون نائماً وهو صاحٍ. عليه، العدوّ موجود ولا يمكن إنكار هذا الأمر.
إستراتيجية العدوّ هي أن نسيء الظنّ في أنفسنا. الآن وقد تحدّث أحد الإخوة هنا عن قضيّة الأمل، وبالطّبع كان كلامه جيّداً أيضاً وأنا لا أنكره، لكن كون فقدان الأمل ذا منشأ داخلي في الغالب، فهذا ما لا أؤيده. نعم، لا شكّ حتماً في وجود مشكلات في الداخل، ونحن نعلم هذه المشكلات، لكنّ القضيّة ليست على هذا النحو: أن تجعل هذه المشكلات الطالبَ الجامعي الشاب المليء بالدوافع ييأس. الطالب الجامعي الشاب المليء بالدوافع ييأس بطريقة مختلفة. افترضوا مثلاً أنّ الأستاذ أو الشخص الفلاني غير المسؤول يزعزع قلب الشاب فردياً، وطبعاً هذا العمل نفسه يحدث على نحو جماعي وواسع، [فيقولون]: يا هذا، بأيّ أمل تدرس هنا؟ دع كلّ شيء وغادر. أيّها الشاب المناضل، على ماذا تعقد الأمل؟ سعر الدولار بلغ الحدّ الفلاني والتضخّم المستمر سنوات بلغ النسبة الفلانية، فبأيّ أمل وبماذا تمنّي نفسك إذ تدرس وتعمل؟ هكذا يُبَث اليأس، وهو مؤثّر. طبعاً، إنّ ردّ الشابّ المؤمن والمناضل والواعي واللبيب بليغٌ ولا يشوبه التلعثم. نعم، المشكلات موجودة وأنا أدرس في البلاد لأنني أنوي أن أعيش عشرات السنين من عمري في هذا البلد، وسيعيش أبنائي وأحفادي وذريتي وشركائي في الوطن في هذه البلاد مئات الأعوام، وأنا أرغب في إزالة المشكلات وسأدرس لكي أحلّ المشكلة وأناضل كي أحلّها. هذا هو ردّ الشاب المسلم. لكنّ ذاك يعمل عمله ويترك أثره أيضاً. إنه يؤثر في بعض الأشخاص. هذا مثال.
مثال آخر على جعلنا نتشاءم حيال أنفسنا هو أن وسائل الإعلام المختلفة ذات النيات السيئة تصر على أن تثبت أن الشعب الإيراني أعرض عن المعتقدات الدينية، وأعرض عن المشاعر الثورية. هم يصرون ويقولون هذا مراراً وتكراراً، ولديهم تابعون هنا أيضاً يقولون كذلك. يقولون في الفضاء الافتراضي، وفي الصحف، وفي الأحاديث المختلفة إنّ «الناس أعرضوا عن الدين». أجل، هم يكررون، والشخص الذي تعرّض للغفلة ولا يفكر يقبل ويصدِّق، لكن أقبلت ليلة القدر، وفجأة ترون أنّ محافل هذا العام أكثر ازدحاماً من الماضي، وأنّ تضرُّع الشباب وبكاءهم وابتهالهم ومشاركتهم ودموعهم أكثر في هذه المراسم أكثر من العام الماضي، ثم تُنظّم مسيرة «يوم القدس»، فتغدو الحشود أكثر اكتظاظاً من العام الماضي، وتنظّم مسيرة «الثاني والعشرون من بهمن»، والمشاركون ضعف العام الماضي. إذاً، يوجدُ خلاف ما يقوله [إعلام العدو] لكنه يمارس وسوسته. أنا قلت: ﴿مِنْ شَرِّ الوَسْواسِ الخَنّاسِ (4) اَلَّذي یُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الجِنَّةِ وَالنّاسِ (6)﴾ [14]. الناس هم هؤلاء الذين يعمدون باستمرار إلى الوسوسة.
مثال آخر: افترضوا مثلاً أن أربعة مستثمرين أو مقاولين غادروا البلاد، وأخذوا مالهم وذهبوا إلى بلد آخر. فيقول: انظر يا سيد، بأيِّ أمل تريد أن تمارس نشاطاً اقتصادياً هنا؟ إنهم يغادرون! طيب، صحيح، لقد غادر أربعة، وبقي أربعون وهم يمارسون النشاط [الاقتصادي]. إنّ آلاف الشركات القائمة على المعرفة آخذة في التأسيس، والشباب آخذون بالاستقطاب إلى العمل. هذه هي وقائع المجتمع، لكن العدو يسعى سعيه ليجعل الجميع يقنطون. حسناً، هذه هي مؤامرة العدو. إذاً، فليُلتفت إلى أنّ مؤامرة العدو اليوم هي جعلنا متشائمين تجاه أنفسنا. يريدون جعلنا نتشاءم تجاه أنفسنا وحكومتنا ومجتمعنا الطلابي وأُناسنا. كلا، إن البلاد تتحرك، وهي أيضاً تتحرك حركة جيدة.
بالطبع، لدينا نقص. ربما لدي أنا العبدَ من موقع التوقُّع توقع أكثر من بعضكم، وأعترض أكثر أيضاً. وعلى كل حال لا ضرورة أحياناً أن يجهر المرء بالقول لكننا نتحدث دائماً ونعترض، ومع ذلك نرى أننا آخذون بالمُضي قُدُماً، والبلد آخذ بالمضي قُدُماً، بحمد لله. لم يكن لدينا سابقاً في البلد كل هؤلاء الشباب المؤمنين الناشطين المتحفِّزين ذوي الأفكار الجيدة، لكن لدينا اليوم، بحمد الله. حسناً، هذه أيضاً مسألة أخرى.
أيضاً مسألة [أخرى] هي أنّه - في كل الأحوال - الشاب الإيراني محط ضغينة الأعداء، فاعلموا هذا، وليعلم شبابنا. انتبهوا إلى هذا أكثر من الآخرين، وليعلم عامة شباب البلاد: الأعداء والاستكبار والكارتلات الصهيونيّة التي تهيمن على أوروبا وأميركا، لا شكّ في أنّهم يضمرون السوء بشدة تجاه مسؤولي الجمهورية الإسلامية، ولو تطاولهم أيديهم، لقطعوهم إرباً. لكنّهم يضمرون السوء أكثر للشباب الإيرانيين. لماذا؟ لأنه لولا الشباب ودوافعهم، ما استطاع مسؤولو البلاد أن ينجزوا عملاً. الشباب هم من ينجزون الأعمال في واقع الأمر، والحركة والتقدّم يتمّان على أيدي الشباب، ولذلك هم يحقدون عليهم. كان الشباب منذ بداية الثورة إلى اليوم هم من أخذوا على عاتقهم المهمات الكبرى في الجبهات والمجالات المختلفة، وتقدّموا بها. أقول هذا أكثر ما أقوله لكي ينتبه مسؤولو البلاد، وبحمد الله، هم أيضاً ينتبهون، فهم يستعينون بكثير من الشباب، لكن يجب أن يستعينوا أكثر. لقد عمل الشباب الإيرانيون في مختلف المجالات.
دوّنت هنا: في مجال الإدارات الحكومية - مدير حكومي - كان لدينا شباب على غرار الشهيد موسى كلانتري والشهيد تندكويان، وكان هذان وزيرين. كلهم كانوا شباباً، أو الشهيد قندي، والشهيد عباسبور. هؤلاء كلهم استشهدوا، وقد كانوا شباباً. هؤلاء كلهم - هؤلاء الذين ذكرت أسماءهم، وسأقرأ الآن [أسماء] آخرين - كانوا في العقد الثالث أو الرابع من العمر، أي ما بين عشرين إلى تسعة وثلاثين أو أربعين عاماً. هؤلاء من كانوا في مجال الإدارة الحكومية. قال المرحوم موسى كلانتري: كنت جالساً في الصف الثاني أو الثالث لصلاة الجمعة ويجلس بقربي شخص. وكان الشهيد عباسبور الذي هو أيضاً من بين الوزراء واستشهد جالساً في الصف الأول. قال: أشار الذي كان بقربي إلى عبّاسبور وقال: انظر، يا سيد، ولاحظ أن الوزير جاء وجلس في صفوف صلاة الجماعة! انظر إلى أين وصلت [الأمور]. على كل حال، كان [هذا الحدث] في بدايات الثورة. كان للشهيد كلانتري لهجة تركية جميلة، فقلت له (للجالس بقربه): فلأحدثك بما هو أغرب منه: أنا أيضاً وزير![15] كان هؤلاء وزراء ومديرين جيدين. في الساحة العسكرية: الشهيد همّت، والشهيد خرّازي، والشهيد بابائي، والشهيد حسن باقري، والشهيد شيرودي، والشهيد أردستاني، والشهيد صياد الشيرازي - بالطبع لمّا استشهد الشهيد صيّاد كانت سنّه أكبر لكن عندما كان يُحارب، كان في تلك السنين التي ذكرت - وقد غيّر هؤلاء واقع الحرب وحوّلوها إلى يدٍ مقتدرة للجمهورية الإسلامية ضد المتّحدين كلهم من الرجعية والاستكبار.
في مجال الفن والأدب: الشهيد آويني، والمرحوم سلحشور، والمرحوم طالب زاده. بالطبع كان عمر هؤلاء أكبر في آخر حياتهم، غير أنهم قدّموا أعمالاً كثيرة في سنيّ الشباب تلك، ونظائرهم الذين هم أيضاً ليسوا قلّة. وفي ساحة العلم والأبحاث: الشهيد طهراني مقدّم، والمرحوم كاظمي آشتياني، والشهيد مجيد شهرياري، والشهيد رضائي نجاد، والشهيد أحمدي روشن. فهؤلاء هم شبابنا. إنّ هذه السلسلة مستمرة أيضاً إلى اليوم، إلى عهدكم. وفي زمنكم المعاصر هذا: الشهيد حججي، ومصطفى صدر زاده، وآرمان علي وردي، وروح الله عجميان. إنّ هؤلاء بارزون، وهم حقيقةً علائم بارزة. يوجد اليوم الآلاف المؤلفة، عشرات الآلاف، مئات الآلاف من الشباب الإيرانيين الذين يتحمّلون المسؤولية. إن هؤلاء محرِّك التحرُّك. هؤلاء هم المحرك الذي يمضي قُدماً بحركة البلاد، وحركة النظام، كلٌّ في قطاعٍ. يتعيّن عليكم جميعاً، وعلى كل واحد منكم أن تكونوا كذلك. لا أقول: استشهدوا. لا قدّر الله أن تستشهدوا - طبعاً لا مشكلة في ذلك في الشيخوخة، عندما تصيرون في السبعين أو الثمانين، فاستشهدوا عندئذ، لكن الآن ما دمتم شباباً فلنا شأنٌ معكم، فلا تستشهدوا - لكن فلتحيوا كالشهداء. فلتحيوا حقيقةً مثل هؤلاء، وتحركوا مثلهم. إنّ القوى الشيطانية تعارض بشدة هذه الطائفة.
أيّها الشباب الأعزاء، تابعوا بجديّة الطريق البيِّن، تابعوا بجديّة الطريق البيِّن للثورة والإسلام والبلاد والنظام وما شابه؛ البلد بحاجة إليكم. تحتاجون في هذا الطريق إلى روحية المثالية - من الأمور المتعددة التي هناك حاجة بالفعل إليها هي روحية المثالية - وإلى الأمل، وإلى العقلانية. هكذا. روحية المثالية تعني تلك النظرة إلى الآفاق البعيدة التي أشرت إليها، فإن لم تكن هذه، فالتحرك غير ممكن. روحية المثالية هي المحرك الذي يتقدّم بالحركة، و«الأمل» وقود هذا المحرك. من دون الأمل، لن يعمل هذا المحرّك. إذا لم يكن لديه أمل، فستبقى روحية المثالية في قلبه، ويتحسّر عليها. كذلك «العقلانية» هي مِقْوَد هذا المحرك. يتعيّن عليكم أن تفكروا بعقلانيّة، وتتعقّلوا وتمضوا قُدُماً.
انتهى الوقت. لدي كلام كثير حول الجامعة، وقد نبهتم أيضاً بإشارة، وكلامكم صحيح، وإشكالاتكم واردة. أريد أن أقول هذا: إنّ انعدام خريطة علمية شاملة بالفعل هو اليوم نقص جامعاتنا الكبير. نحن لا نعلم وفق أيّ مبنى يأتي توزيع الطلاب على الفروع العلمية. يجب أن تكون هذه الفروع العلمية موضع حاجة البلاد، وأن تسد حاجة البلاد. ما عدد الطلاب الذي نحتاجه في الفرع الفلاني؟ يجب التفكير في هذه الأمور والعمل عليها. أريد من وزير العلوم المحترم[16] - لا بد أنه هنا - أن يتابع هذه [المسائل] فهي من أهم مهماتكم التي ينبغي أن تُنفَّذ. هناك بعض التخصصات العلمية في إيران لا حاجة إليها، ووظائفها أيضاً غير موجودة، فما فائدتها؟ ثمة بعض الأعمال والتخصصات الجامعية التي لا حاجة في الأساس إلى وجودها. ربما لدينا الآن مئة ألف [حاملون] شهادة ثانوية جاهزون للعمل، ويمكن لهم أن ينخرطوا في العمل في القطاعات المختلفة، فنأتي بهم داخل الجامعة، وبعد مدة نقدّم إلى البلاد بضع مئات الآلاف من حاملي الإجازات أو الماجستير المتعطلين عن العمل ولديهم توقُّعات [للتوظيف] وهم غاضبون! فلنفكِّر ولنرَ ما الذي نحتاج إليه، ولنتحرك بناء على حاجتنا. إذا كان لدينا متخرِّج لا شغل لديه، فعليكم أن تعلموا أنّ نظام التربية والتعليم لدينا يعاني من مشكلة. إذا كان شخص يدرس من أجل مصلحة البلاد، ينبغي أن يكون شغله جاهزاً. إذا كان لدينا متخرِّج لكن لا شغل له، فمن الواضح أنّ [عملية] قبول الطلاب هذه لم تكن ضمن نظام ومحاسبة صحيحة.
حسناً، انتهى الوقت، والكلام كثير جداً. إنّا نحبكم، وندعو لكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء، أعرب ثمانية من ممثلي اللجان الطالبية عن آرائهم وانتقاداتهم ومقترحاتهم حول قضايا البلاد والجامعة.
[2] خلال لقائه مع جمع من مسؤولي البلاد، بتاريخ 04/04/2023م.
[3] سورة الفتح، الآية 4.
[4] سورة المائدة، الآية 8.
[5] التميميّ الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، ص272. الشيخ الصدوق، الاعتقادات في دين الإماميّة، ص47، باب الاعتقاد بالنفوس والأرواح (مع اختلاف بسيط).
[6] الأرجوزة المعنوية، جلال الدين الرومي (مع اختلاف بسيط).
[7] سورة القصص، الآية 7.
[8] سورة المجادلة، الآية 21.
[9] سورة الحج، الآية 37.
[10] سورة القصص، الآية 5.
[11] من جملتها في: صحيفة الإمام (النسخة الفارسية)، ج4، ص107، خطابه في جمع الجالية الإيرانية في باريس، بتاريخ 22/10/1978م.
[12] كلام أحد الطلاب الجامعيّين: «إنّه صعب لكن بشرط أن يسمعوا كلام الناس».
[13] نهج البلاغة، ص452، الرسالة 62.
[14] سورة الناس، الآيات 4 - 6.
[15] ضحكة سماحته والحاضرين.
[16] السيد الدكتور محمد علي زلفي گل.