كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاءٍ مع المجموعة البحريّة 86 التابعة لجيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة، بتاريخ 2023/08/06م.
بسم الله الرحمن الرحيم[1]
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا، أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين، ولا سيّما بقية الله في الأرضين.
أرحّب بكم فرداً فرداً، أيها الأعزاء، الإخوة والأخوات الأعزّاء، أبناء الشعب الإيرانيّ الباعثون على المفخرة. موفقين ومؤيدين جميعاً، إن شاء الله.
الهدف من هذا اللقاء هو تقديم الشكر والتقدير إلى المجموعة البحرية 86 التي أنجزت مَهمةً عظيمة وأبحرت حول الكرة الأرضية بنجاح[2]، وهو أمر لم يسبق له مثيلٌ في تاريخ الملاحة لبلادنا. أقدّم خالص الشكر إليكم فرداً فرداً، كما أشكر عائلاتكم، وسوف أتحدث عن العائلات في ما بعد، وكذلك قائد القوة البحرية المحترم، وأيضاً المقر الاستراتيجيّ الذي جرى تشكيله في الجيش، [أي] مقر «ذو الفقار» الاستراتيجي الذي كان على اتصال مستمر مع المجموعة البحرية، وقد استفسرت منه مرات عدة ورأيت أنهم كانوا على اطلاع تام حول تفاصيل المجموعة البحرية. كما أشكر الأجهزة التي ساندت - سواء الأجهزة التقنية أو مقرات تتبُّع الطقس والمناخ وأمثالها - حتى يكتمل إنجاز هذا العمل العظيم بمشاركة مجموعة من الأفراد، وتتمكنوا [يا] طاقم وعناصر المجموعة البحرية 86 من تحقيق هذا النجاح والعملية العظيمة بفخر - إن شاء الله - ولقد حققتم ذلك.
في هذه المناسبة، أرى أن من اللازم أن أذكر شهداء القوة البحرية، شهداء فرقاطة «بيكان»[3] الذين كانوا شباباً أيضاً ورجالاً مضحيّن، [وكذلك] شهداء جيش الجمهورية الإسلامية المرفوع الهامة؛ كلنا مدينون لهم ولعائلاتهم. أعزائي، إن أعمال أسلافكم خلال الأحداث المهمة للثورة حتى اليوم ومبادراتهم هي أساس نجاحكم اليوم. يجب أن تكنّوا لهم التقدير. قدّم الجيش والحرس كثيراً من التضحيات في البحر، وأثمرت هذه التضحيات. أنتم زهرة منبثقة من النبتة الخضراء التي أوجدوها. إنكم ثمرة حلوة من الشجرة التي زرعوها. إننا اليوم نقف عند نقطة باعثة على الفخر، ورغم التصريحات الجيدة لقائد القوة [البحرية] المحترم وقائد المجموعة البحرية المحترم، وجرى الحديث عن ذلك إلى حدّ ما على التلفاز أيضاً، لكن، كلا، ليس كذلك تُختم قصة حركتكم؛ إنها تحتوي على شرح أكثر ولها قصة أكثر تفصيلاً يجب تبيينها وبيانها. هذه النقطة نقطة باعثة على الفخر. لدينا هذه النقطة ببركة المساعي والجهود السابقة.
حسناً، إنّ العمل العظيم الذي أنجزته المجموعة البحريّة 86 فخرٌ تحقّق للمرّة الأولى في تاريخ بلادنا وملاحتنا البحريّة. حسناً، لندع جانباً السنوات المشؤومة لحكم البهلويّين والقاجاريّين، فقد كانت لدينا ملاحة بحريّة سابقاً، ولم تكن سيّئة، لكن ما لدينا سابقاً تفصله مسافة شاسعة عمّا فعلتموه. كان هذا فخراً عظيماً سطّرته مجموعتكم البحريّة. أن تتمكّن مجموعة مكوّنة من 350 برفقة قائد مجرّب وذي خبرة من قطع 65 ألف كيلومتر، وأن تجوب العالم عبر المسار البحري، وأن تبقى فوق الماء قرابة ثمانية أشهر، أي 232 يوماً بالدقّة، هذه أعمالٌ عظيمة. إنها قليلةٌ القوات البحريّة المشهورة حول العالم التي تنجز هذا العمل ويُمكنها فعله. أنتم أنجزتموه! لقد جبتم ثلاثة محيطات وعدتم إلى الوطن مرفوعي الرؤوس. هذا، أي ما فعلتموه، عملٌ مليءٌ بالمعاني ولا يُمكن النظر إليه بتهاون كأنّه حدثٌ بحري وعسكريّ. إنّه ذو عمق. أريد أن أشير إلى هذا العمق.
بدايةً إنّها حركة عظيمة تحكي وجود الهمة الرفيعة بين قواتنا العسكريّة، وكذلك قوّة الإرادة والثقة بالنّفس. هذه أمورٌ [مهمّة] جدّاً. هناك ثلاثة عوامل مهمّة: شحذ الهمم وجعل الإرادة الراسخة ركيزةً للعمل ثمّ الثّقة بالنفس أي [شعار] «نحن قادرون». هذا جانبٌ من القضيّة، والجانب الآخر منها المعرفة العسكريّة والقدرة على التخطيط. يشكّل التخطيط جانباً مهمّاً جدّاً في مثل هذه العملية، فهو أمرٌ مهمٌّ للغاية أن تتمكّن مجموعة ما من التخطيط على هذا النحو. وبعد المعرفة العسكريّة هناك ضلعٌ آخر: الشجاعة والاستقامة والقدرة على تحمّل الصعوبات.
نحن نقول الآن [بكلّ بساطة]: ثمانية أشهر فوق الماء. أولئك الذين ذهبوا وبقوا فوق المياه يومين أو ثلاثة يعرفون ما يعنيه البقاء فوق الماء ثمانية أشهر! إنّ تحمّل هذه الصّعوبات أمرٌ في غاية الأهميّة. التفتوا! إنّ عملكم يمثّل هذه الحقائق. كلّ واحدة من هذه الحقائق جديرة بالاهتمام. افترضوا مثلاً تمكّن مجموعة عسكريّة من امتلاك القدرة على التخطيط لمثل هذا العمل، والحصول على عمليّة ما. هو أمرٌ مهمّ. الاعتقاد بالذات والثقة بالنّفس أمرٌ مهمّ، ومن هذا القبيل.
الإدارة الفعالة التي ترافقها المهارة تشكّل نقطة أخرى أيضاً. الإدارة المقتدرة والفعالة والماهرة مهمّة جدّاً أيضاً. هذا في ما يرتبط بمجموعة الخط الأمامي للعمليّة. وفي الكواليس تشكيل هذا المقرّ الإستراتيجي الذي أشرت إليه والتواصل المستمرّ لقيادة القوّات ومسؤولي الجيش مع المجموعة التي تتحرك في البحار. هذا أيضاً يشكّل جانباً مهمّاً جدّاً من القضية. كما ورد في التقارير - لم أدوّنها الآن - وعلى سبيل المثال، جرى خلال بضعة الأشهر هذه عقد قرابة ثمانين جلسة في ذاك المقرّ. هذه كلّها أمورٌ تستحقّ الثناء وهي أعمالٌ مهمّة. هذا جانبٌ من أهميّة عملكم، [وكما] سأذكر لاحقاً لا بدّ من تبيين هذا العمل، وتبيينه له طريقة وسأشير إليها.
قضيّة أخرى هي دور العائلات. قالت هذه السيّدة الموقّرة بضع عبارات [لكن] الأمر يفوق هذا الحدّ. هذا القلق [ليس بالشيء الهيّن]، عزيزكم فوق الماء وفي البحر على مدى ثمانية أشهر! القلق، الأرق، انشغال البال، الاشتياق، التبرير للأطفال، الآباء والأمّهات على نحو والأزواج على آخر... هؤلاء صبروا وتحمّلوا وشعروا بالفخر. عندما عادت المجموعة البحريّة ووصلوا ساحلنا ودخلوه، شاهدت الشريط المصور للعائلات. يشعر المرء أنّ السيّدات والأزواج والآباء والأمّهات يشعرون بالفخر بأن شابّهم أنجز هذا العمل العظيم. هذا الشعور بالفخر على درجة عالية من الأهميّة. هذا الشعور بالفخر هو الذي يُولّد الدافع في أنفسكم وأنفس الآخرين أيضاً لكي ينجزوا هذه الأعمال العظيمة. لو أنّ العائلات تذمّرت وأبدت انزعاجها واستياءها، لندم ذاك الشخص نفسه الذي ذهب أيضاً. لقد اجتازت عائلاتكم - بحمد الله - الامتحان على نحو حسن، وصبروا صبراً جميلاً، وشعروا بالفخر وأظهروه.
أرى لزاماً عليّ أن أذكر هنا عائلات الشهداء الأعزّاء وأن أعظّمهم. لقد عاد أعزّاؤكم، أيتها العائلات - بحمد الله - وعانقتموهم ورأيتموهم، لكن مكان الأعزاء لعائلات الشهداء لم يُملأ. كلّ ما لدينا بفضل هذا الإيثار، وكلّ ما لدينا بفضل هذه النفوس العظمية، وجميعنا مدينون [لهم]. إنّني كلّ مرّة ألتقي عائلات الشهداء أقول لهم: أسأل الله ألّا يزيل ظلّهم من على رؤوس الشعب الإيراني.
أود أن أتحدث ببعض النقاط عن هذا العمل العظيم للبحرية. النقطة الأولى أن عملكم كان مصداقاً للآية الشريفة: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾[4]. لقد أمر القرآن بصراحة، أي دون تأويل، أن ﴿أَعِدُّوا لَهُمْ﴾؛ أعدّوا في المواجهة مع الأعداء ﴿مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾. التفتوا، هذا القرآن، وهو ليس احتمالاً دينياً أو رواية ضعيفة، بل هو نصّ القرآن الصحيح: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾؛ عليكم زيادة استعداداتكم بكل ما تستطيعون. كان عملكم هذا مصداقاً لهذه الآية الشريفة. لقد زدتم استعداداتكم وتفاخرتم بقدراتكم. مبادرتكم هذه مع أنها كانت نتاج جهود بُذلت قبلكم لكنها صارت قاعدة بحد ذاتها ومهّدت الأرضيّة لأعمال أعظم ستُنجز بعد الآن. الأمر على هذا النحو. أنتم مَن فعل هذا «الإعداد». لذلك، النقطة الأولى أن حركة المجموعة البحرية 86 كانت مصداقاً للآية الشريفة: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾.
رفع عملكم هذا الثقة بالنفس لدى قوّاتنا، وارتقى بمستوى قدراتنا العسكرية، وعزز في الأذهان [شعار] «نحن قادرون» الذي يُعد أساس التقدم، فالتقدّم يعتمد على الاعتقاد بـ«نحن قادرون». وحينما يرى العدو ذلك أيضاً، يُضطر إلى سحب يديه وقدميه. هكذا الأمر بطبيعة الحال. في هذه الآية نفسها أيضاً: ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ﴾؛ ارتقوا باستعداداتكم حتى يشعر العدو أنكم مستعدون. من الأمور التي تشجع الأعداء على الهجوم والحملة الشعور بأن الطرف المقابل منفعل ومصاب بالضعف والتردد. هذا يشجّع العدو على الإقدام [لكن] عندما يرون أنكم - كلا - يقظون ومستعدون وقادرون وحاذقون، سيعيدون حساباتهم بطبيعة الحال.
النقطة التالية أنّ عملكم هذا قدّم إلى القوات البحريّة والعسكريّة تجارب قيّمة في ميدان الملاحة البحريّة، أي نشأت تجارب جديدة: [الأولى] اجتياز عرض المحيط الهادئ، وهذا العمل لم تكن ملاحتنا البحريّة قد شهدته من قبل. [الثانية] اجتياز المضائق والمعابر المائيّة الصعبة، ولقد أشاروا إليها [في التقرير]. اجتياز هذه المضائق عملٌ صعبٌ وتقني ويحتاج إلى المهارة. أنتم أنجزتم هذا العمل، واستطعتم اجتياز هذه المضائق والمعابر الصعبة دون أيّ حادث. [الثالثة] مواجهة العوارض البحريّة في المسارات البعيدة. هناك حيث تفصلكم عن بيوتكم آلاف الكيلومترات، ظهرت لكم قضايا متعدّدة فواجهتموها وتصدّيتم لها. [الرابعة] تجربة الاكتفاء الذاتي في الوقود والكهرباء والإمكانات الصحيّة والعلاجيّة، أي استطعتم في هذه الرحلة المليئة بالأحداث أن تحافظوا على اكتفائكم الذاتي في كل من الوقود والكهرباء والطاقة والسلامة - سواء الصحّة أو العلاج - وأن تجروا عمليّة جراحيّة. هذه تجارب قيّمة جدّاً. بشأن الاتصال بالمركز أيضاً، استطعتم كذلك الأمر اكتساب تجارب جديدة. ما حدث، أي هذا التواصل بحد ذاته، كان نقطة مهمّة جدّاً. القدرة على التواصل! لقد كانت هذه تجاربكم وهي مدّخرات علميّة. هذه الأمور التي ذكرتها والمكتسبات كلّها مدّخرات علميّة ولا بدّ أن تُدرّس في الجامعات، يُمكن أن تُطرح هذه الأمور كمادّة دراسيّة في جامعات القوات البحريّة والجامعات المعنيّة بهذا العمل.
النقطة الأخرى في عملكم هذا أن خطوتكم هذه رفعت صورة إيران الدولية وارتقت بها. ما أروم قوله: القيمة السياسية لعملكم لم تكن أقل من العسكرية، إن لم نقل إنها كانت أكثر أيضاً. مجرد أنكم تمكّنتم من تنفيذ مثل هذه الحركة العظيمة في البحر هذا يصنع للبلاد سمعة دولية، فقد كان لإيران هذا الكم من القوى والشباب والقدرة العلمية والمهارة لتتمكّن من إنجاز هذا العمل العظيم.
النقطة التالية أن إبحاركم كان له دروس عدة. كان له دروس وهي جديرة بالاهتمام. كان درسه الأول درس معرفة الله. البحر هو أحد العلامات البارزة على وجود الله. نقرأ في الدعاء: «یا مَن فِي البِحارِ عَجائِبُه»[5]، فالبحر موطن غرائب الخلقة وعجائبها. عظمة البحر، وترامي المحيطات، وجماليات المناظر المختلفة للبحر، وفي مواضع غضب البحر، ولطافة البحر، والموجودات البحرية المذهلة، كلها آيات إلهية. هذه كلها علامات الله. البحر في الواقع هو معرض لآيات الخالق. إذن، أول درس لهذا الإبحار هو معرفة الله، فيتعزز إيمان الإنسان بالله، ويرى الآيات الإلهية بأم العين.
الدرس الثاني هو درس الثورة الإسلامية. لقد أوضح هذا الإبحار قيمة وأهمية الثورة الإسلامية في إيران لنا ولكم ولكل شخص يطلع على قصتكم. لماذا؟ لأن الثورة منحتنا هذه المعرفة والقدرة والثقة بالنفس. لقد أعطتنا الثورة هذه الهمة وشهامة الإقدام على مثل هذا العمل العظيم. لا شيء من هذه الأمور كان موجوداً قبل الثورة الإسلامية. رغم كل هذا الكم من الإمكانات البحرية، لم نكن نعرف هذه السواحل البحرية كلها ولم نكن على دراية بها خلال المراحل المخزية للبهلويين والقاجاريين، وكان أسطولنا البحري منشغلاً بأمور أخرى. لحسن الحظ أنتم لم تدركوا تلك الأيام. كان بينهم أناس منصفون ومن طينة نقية ويشرحون لنا ما كان يجري في البحرية في ذلك اليوم. لم يكن هناك أثر لهذه الأعمال العظيمة. الثورة الإسلامية هي التي أهدت هذا العمل، وقدّمته إلى قواتنا فاستطاعوا إنجازه. إذن، كان الدرس التالي هو الثورة. لقد أخرجت الثورة البحر من حالة الركود، وأخرجت الملاحة من غياهب النسيان.
الدرس التالي لحركتم هذه هو الحضور الصانع للأمن. كان حضوركم هذا في المناطق البعيدة، في أقاصي المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي مساهمة في أمن البلاد. لقد أثبتم أن البحر ملك للجميع، والبحار المفتوحة ليست حكراً لأحد. لو تستطيع القوى العظمى هذه، لسجّلت المحيطات باسمها أيضاً، لكي تُحجب عن متناول الآخرين، فالاستئثار بالقضايا العامة للبشرية جزء من خصال القوى العظمى وأمريكا، وأنتم كسرتم هذا الأمر. مع أنهم اتخذوا إجراءات عدائية ضدكم في هذه الرحلة، ومارسوا أفعالاً لجعل حركتكم غير مكتملة أو ليخرّبوها، [لكنكم] تفوقتم عليهم. أثبتم أنّ المياه الحرّة ملكٌ للجميع. هذه كانت إحدى النتائج الواضحة لعملكم. لقد أظهرتم أن المياه الحرّة مِلك للجميع. [إنّ قولهم:] لن نسمح للسفن الفلانيّة بالعبور من المضائق الفلانيّة كلام سخيف. لماذا؟ هي ملك للجميع وينبغي للكل أن يمرّوا بها ويتمكّنوا من الذهاب والإياب. المياه الحرّة ملكٌ للجميع. يجب أن تكون البحار والأجواء حرّة للشعوب كافة. لا بد من توفير أمن الملاحة والنقل البحري للدول كلها. يعتدي الأمريكيّون اليوم على ناقلات النفط ويقدّمون العون إلى عصابات التهريب البحريّ. هذا انتهاكهم الكبير، ويجري في منطقتنا، ونحن على علم من هنا وهناك أنّهم يفعلونه في أماكن أخرى أيضاً. هذا انتهاك لقانون بشري دولي، ولا يمكن التغاضي عنه. لقد طبّقتم هذا القانون عمليّاً. إنه قانون الأمن البحري الشامل للجميع. وهذا أيضاً درس آخر.
حسناً، يجب استخلاص نتيجة من هذه الدروس كلها التي ذكرناها وما تحدثنا عنه حول حركتكم، وهي أن نعلم جميعاً أن النجاحات والكمالات الكُبرى وأنواع التقدّم والآمال المتحقّقة للبشر تولد كلّها من رحم الجهود والمشقّات. لا يتقدم العمل بالبحث عن الراحة والجلوس في الزاوية والتفرّج والتحسّر والتنهّد وأحياناً التذمّر. لا بد من تحمّل المصاعب، ويجب السعي، وينبغي العمل حتى تحقيق النجاح. لا يكفي أن ينظر المرء إلى قمّة جبل حيث صعد بعض الأشخاص [مثلاً] إلى الأعلى ويقول: نرغب في أن نكون هناك أيضاً. هذا ما أثبتموه وهو درسٌ مهمّ.
حسناً، سأتحدث الآن في آخر حديثي عن نقطتين مقتضبتين. النقطة الأولى أن قصة سفركم هذا ثمانية أشهر يمكنها أن تكون أساساً لعمل تلفزيوني أو سينمائي جيد، فلينزل الفنانون إلى الميدان. الوقائع التي جرت لكم في هذه المدّة ليست أمراً يُضمّن في تقرير من بضع صفحات أو خطاب من عدة دقائق. كل مقطع من أحداثكم، إذْ كنتم 350 شخصاً، وكلٌّ منكم كانت لديه مشاعره، وكان لديكم ما تعملونه، وكانت لديكم أفكار، وأديتم حركة، وكانت ثمة مسرّات ومنغِّصات. كلها في المجموع حكاية طويلة وتعليمية وحافلة بالمعاني. ومن أجل التعريف بهذا العمل، يمكن أن يُعرض في إطار فني أو سينمائي أو تلفزيوني. وهنا دور عمل الفنانين أن يُنجزوا هذا العمل.
النقطة الأخيرة - هذه إنّما تتعلق بمسؤولي البلاد - هي الاهتمام بالبحر. نحن لا نزال لا نولي اهتماماً بالبحر كما ينبغي. تجري اليوم 90% من التجارة العالمية عبر البحر. الشحن والنقل البحري أهم قطاع للشحن والنقل الدولي. كذلك إننا من الدول التي - لحسن الحظ - تتمتع ببضعة آلاف من الكيلومترات من الحدود البحرية، وهي أيضاً بحار متنوعة. عندنا في شمالي البلاد بحر، وعندنا في جنوبيها بحر ومحيط، وعلينا أن نستفيد منه كثيراً. تجب الاستفادة من البحر بكثرة. ينبغي للمسؤولين المحترمين في القطاعات ذات الصّلة أن يجلسوا ويفكروا في هذه المسألة ويضعوا البرامج والخطط. طبعاً بدأت منذ مدة قصيرة حركة في هذا الصدد لكن ينبغي التحرك على نحو أوسع، فعلينا أن نستفيد من البحر كثيراً.
هناك دول محصورة ضمن اليابسة. في الحقيقة، يكون أحياناً بلد ما محبوساً بين بضع دول أخرى، وحيثما أراد الذهاب، فعليه أخذ الإذن للعبور من هذه الدول، إذ ليس لديه بحر. في عهد رئاستي الجمهورية، طلب رئيس دولة اللقاء بي في أحد المحافل الدولية. جاء وجلس إلى جانبي. كان من بين أُولى أسئلته: هل عندكم بحر؟ قلت: نعم، بل لدينا الجيد منه، والحمد لله، لدينا كثير أيضاً. قال: هنيئاً لكم! نحن ليس عندنا بحر. كانت هذه مشكلته. كان بين أُولى القضايا التي طرحها قضية امتلاك البحر وفقدانه، وحقيقة الأمر كذلك. تجب الاستفادة من البحر، وعلينا أن نستفيد من حدودنا البحرية المتنوعة والممتدة، وأن نعمل على هذه المسألة من أجل مصالحنا الوطنية.
كان شهر محرّم هذا العام مفعماً بالحماسة ببركة عنايات بقيّة الله، أرواحنا فداه. حاول الأعداء أن يجعلوا محرّم باهتاً، فحدث ما كان في النقطة المقابلة تماماً لما أرادوه. لقد كانت عاشوراء هذا العام أكثر حماسة وحركة ورونقاً وفائدةً من السنوات السابقة. هكذا فعل الله. إنّ العمل الذي يُؤدّى من أجل الله ويكون في اتجاه الأهداف الإلهيّة يحظى بعون الله المتعالي.
نأمل - إن شاء الله - أن تكونوا موفّقين دائماً ومرفوعي الرأس. إنكم أبنائي بالمعنى الحقيقي للكلمة. أدعو لكم، وآمل - إن شاء الله - أن تكونوا موفّقين ومؤيّدين في أحداث الحياة كافة، وفي الامتحانات الكبرى للحياة كافة مثل هذا الامتحان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء، قدّم قائد القوة البحرية في جيش جمهورية إيران الإسلامية، الأدميرال شهرام إيراني، وقائد المجموعة 86 من البوارج الحربية، الأدميرال فرهاد فتاحي، تقريراً عن مَهمة الإبحار حول الكرة الأرضية. كذلك، قرأت زوجُ أحد العناصر من المجموعة البحرية 86 نثراً من القلب.
[2] بدأت المجموعة 86 من البوارج الحربية التابعة للقوة البحرية في جيش جمهورية إيران الإسلامية مَهمتها بتاريخ 01/10/2022م بدورة 360 درجة حول الكرة الأرضية مع قطع أكثر من 65 ألف كيلومتر، وبعد 8 أشهر من الإبحار عادت ورَسَت في مرفأ «بندر عباس» بتاريخ 20/05/2023م.
[3] بتاريخ 28/11/1980م، وضمن عملية عُرفت باسم «عملیّات مروارید» [عملية اللؤلؤ]، تسببت فرقاطة «بيكان» في إلحاق أضرار جسيمة بالمعدات البحرية والقوة البحرية العراقية، ثم أصيبت في نهاية المطاف واستشهد طاقمها.
[4] سورة الأنفال، الآية 60.
[5] الشيخ الكفعميّ، البلد الأمين والدرع الحصين، ص407، دعاء «الجوشن الكبير».