النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع جمعٍ من أهالي محافظتَي خوزستان وكرمان، بتاريخ 23/12/2023م.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا، أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين (عجّل الله المتعالي فَرَجَه الشريف).
أهلاً وسهلاً بكم كثيراً، أيّها الإخوة الأعزاء، والأخوات العزيزات، وأهالي خوزستان الأعزاء، وأهالي كرمان الأعزاء. الاجتماع حميميٌّ للغاية ومشمول باللطف الإلهيّ، إن شاء الله. إنّها لمدعاة سروري أن تتسنى زيارة جمع من أهالي هاتين المحافظتين المهمّتين إلينا. أرحب بكم جميعاً وبكل واحد منكم وبخاصة عائلات الشهداء والجرحى الأعزاء.
أغتنم هذا الاجتماع العذب والحميمي للغاية أولاً للحديث قليلاً عن هاتين المحافظتين. من الضروري أن يتعرّف جيلنا الشاب والجديد أكثر إلى مفاخر أجياله ومفاخره التاريخية والتراثية؛ هذا ضروري اليوم كما غداً. إنّ [توضيح] التسلسل التاريخي للإرث القيّم لمختلف ربوع البلاد من الأعمال التي يجب أن تكون قد حُدّدت هدفاً لدى الحريصين على البلاد والثورة جميعاً. أذكر بضع جمل عن خوزستان وأيضاً كرمان، ثمَّ سأشير إلى مسألة وطنية ومهمة هي الانتخابات[1] المرتقبة، ثمَّ أشير لهذه القضية الإسلامية الدولية المهمة، أي قضية غزة. هذا برنامج حديثنا وكلامنا اليوم معكم، أيّها الإخوة والأخوات الأعزاء.
أمّا عن خوزستان، فربما يمكن القول إنّه في تاريخ السنوات المئة والعشرين أو الثلاثين الأخيرة لبلادنا كانت خوزستان من أكثر مراكز المقاومة للشعب الإيراني أساسيّةً وأهمها، وأهالي خوزستان مظهر مقاومة للشعب الإيراني خلال هذه المدة. لئن كان شبابنا مطّلعين على التاريخ، فهم يعلمون أنّه قبل نحو مئة سنة ونيّف، وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى، حين جاء البريطانيّون وشنوا هجوماً على هذه المنطقة من إيران والعراق، كان دفاع أهالي خوزستان هو ما دحر البريطانيّين. حمل أهالي خوزستان الغيورون فتوى علماء النجف بأيديهم ورفعوا الراية ووقفوا في وجه البريطانيّين. هناك كان البريطانيّون قد اقتحموا بالجيش والمعدات العسكرية ولم يكن ثمة بعدُ الإعلام وما شابه، وكانوا قد سيطروا على العراق ويريدون أيضاً هذه المنطقة من إيران، فوقف أهالي خوزستان بناء على فتوى علماء النجف - المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازي والآخرين - في وجه البريطانيّين. في الزيارة التي أجريتها إلى خوزستان قبل سنوات[2]، أتوا براية ذلك النضال العظيم، ونحن أهدينا بدورنا تلك الراية إلى العتبة الرضوية المقدسة، تلك الراية التي تخص أهالي خوزستان الآن. هذه [الأمور] مهمة في التاريخ. إنّها قيّمة للغاية. تصدّت خوزستان للبريطانيّين ليس للدفاع عن خوزستان فحسب [بل] إيران.
في حركة تأميم النفط الوطنية، وفي السنوات الأخيرة للعقد الخامس [من القرن العشرين]، كانت خوزستان مكاناً للمواجهات الميدانية بين إيران وبريطانيا للسيطرة على مصفاة آبادان - كانت بيد البريطانيّين - والمناطق والمراكز التي كان البريطانيّون قد أحدثوها لأنفسهم. هنا أيضاً كان الخوزستانيون الصف الأمامي وفي الصف المتقدّم.
كان صمود أهالي خوزستان في وجه هجوم صدام عام 1980م أهم من هذا كله. فأول مجموعة للدفاع هي من الخوزستانيين أنفسهم. كان صدام قد أجرى حسابات غير صائبة، فظن أنّه إذا شنّ هجوماً على مدن خوزستان - آبادان وخرّمشهر والأهواز وغيرها - فإنّ السكان العرب في هذه المناطق سوف يتماشون ويتّحدون معه ضد بلادهم! ارتكب صدام هذا الخطأ؛ كان يخال أنّ خوزستان ستقع تحت تصرفه، وأنَّ أهالي خوزستان العرب الإيرانيين سيقدّمون العون إليه. فكان أوّل من تصدّى له هؤلاء الناس أنفسهم الذين عَقد عليهم الأمل. القائد الشهيد العزيز علي هاشمي (رض) نموذج. كان الصدّاميون قد سمعوا بشهرته في أوائل الحرب، وكانوا يبحثون عنه بضع سنوات فيسألون كل من يأسرونه: أين علي هاشمي؟ كانوا يبحثون عنه. كانت والدة الشهيد حيّة حتى هذه المدة الأخيرة. لقد كانت القوميات الخوزستانية من العرب وغير العرب، ومن اللُّور والبختياريين والآخرين، أوّل من وقفوا في وجه صدام وشكّلوا صفاً واحداً؛ إنّ هذا لفخر عظيم، ولمنقبة عظيمة، وما هو بالأمر الهيّن.
خوزستان من ناحية أخرى أيضاً محافظة متميّزة، إذ إنّ دماء الشهداء من محافظات البلاد كافة سالت فوق ترابها، فما معنى هذا؟ معناه أنّ خوزستان رمز تلاحم وتضامن للشعب الإيراني بأسره. جاء إلى هناك الشباب والطّلائع والمضحّون من ربوع البلاد كلها، وحاربوا بإيمانهم وبدافعهم، وضحّوا بمهجهم في سبيل الإسلام وإيران والجمهورية الإسلامية؛ غدت خوزستان رمز تلاحمٍ للشعب الإيراني. إنّ كلّ ما سمعناه على مرّ التاريخ عن بطولات الشعب الإيراني - التضحيات، ومواقف الإيثار والصمود - شاهدناه في خوزستان بأمّ أعيننا في مرحلة «الدفاع المقدّس». بناء عليه غدت خوزستان مظهر الخصائص البارزة للشعب الإيراني. هذا عن خوزستان. فليقرن شبابنا الأعزاء بضع الجمل هذه مع عشرات الأضعاف أو المئات من مناقب تلك المنطقة المهمّة من البلاد.
أمّا كرمان، فلقد شاهدتُ عياناً، على مدى سنوات الأُلفة بكرمان والكرمانيين، نقاطاً متألّقة في هذه المحافظة وأهاليها. ليست مسموعة إنّما مرئية ومحسوسة. ولئن أردنا أن نذكر ببضع جمل أهم هذه الخصائص، يتعيّن عليّ القول إنّها أوّلاً الهويّة الثقافيّة العميقة لكرمان، وثانياً تربية كرمان للنخبة - من خصائص هذه المحافظة تربية النّخب - [وكذلك] النبل الأخلاقي والإيمان الصادق لأهالي كرمان وتقدّمهم في الالتحاق بالنهضة الإسلامية والثورية. لا أنسى أنّه عام 1342ه.ش (1963م) وفي مدرسة المعصومية بكرمان - لو بقي هذا الاسم في ذهني بشكل صحيح - كان الشباب واليافعون الكرمانيون هؤلاء يتردّدون باستمرار إلى هذه المدرسة كسلسلة مع العناصر المناضلين وطلاب الحوزات والفاضلين المناضلين هناك ويعطون إعلاناً ويأخذون آخر، ويأخذون رسالة ويتلقون دروساً ويذهبون وينشرونها على مستوى المحافظة. هؤلاء هم أرضية الظهور لشخصية عظيمة كالحاج قاسم سليماني. إنّ تربية النّخب والتواصل مع المفاهيم الإسلامية البارزة والارتباط بها والنضال في سبيلها لهي سمات عظيمة شاهدتها بأمّ عينيّ في أهالي كرمان.
أجل، يكفي قاسم سليماني واحد لتفتخر وتتباهى به لا محافظة كرمان فحسب بل الشعب الإيراني؛ هذا صحيح، غير أنّه ثمة مسألة مهمّة أخرى إلى جانب هذا: ماهية الأرضية الثقافية التي تُربي قاسم سليماني؟ يجب التركيز على هذه الأرضية. إنّ ذاك الإيمان الصادق ومواقف الإيثار والسلامة الفكرية والهداية الإلهية التي يمنّ بها الله المتعالي على شعبٍ تمثّل أرضيات ثقافية. بالطبع هذه الأرضيات موجودة دائماً، غاية الأمر أنّه حينما لا تكون الثورة والجمهورية الإسلامية، لا تتجلّى هذه الطاقات، وحينما تتحقّق الجمهورية الإسلامية، تظهر هذه الشخصيات واحدة إثر أخرى وتتجلّى: الشهيد حسين علم الهدى ذاك، والشهيد علي هاشمي ذاك، والشهيد همّت ذاك، والشهيد الحاج قاسم سليماني ذاك...
أود أن أقول لكم، أيّها الشباب الأعزاء، ويا شباب خوزستان وكرمان: فلتفخروا ولتتفاخروا ولتتباهوا بهذه السّمات، واعرفوا قدر إرث الأجيال هذا، وهذا الإرث التاريخي، واستعينوا بهذه السمات لبناء مستقبل بلادكم. يجب أن تُبنى هذه البلاد. إننا نعاني من نقص وتأخّر كبير. لقد أبقت عشرات السنين بل المئات من حكم الجبابرة بلادنا متخلّفة في كثير من الأمور. نظراً إلى السوابق التاريخية كان علينا أن نكون اليوم على صعيد العلم روّاد قافلة علوم الدنيا - لكنّنا لسنا كذلك - وأن نبرهن اليوم عياناً أحكام الإسلام ومعارفه في كل بقعة من حياة بلادنا. كان علينا أن نُظهر قدرة الإسلام على إدارة البلاد وبنائها. [للأسف] لم نتمكن ونحن متأخرون؛ يجب تعويض أشكال التأخر هذه. أيّها الشباب، في مقدوركم والشعب الإيراني [ذلك] [3]. حفظكم الله - إن شاء الله - وزاد هذه الجهوزية، فلتصل إلى مرحلة العمل في القطاعات كافة. حسناً، هذه الآن بضع جمل عن خوزستان وكرمان.
أمّا مسألة الانتخابات المهمّة وكذلك المصيرية، فلدينا بعد نحو شهرين [عمليتان] انتخابيتان مهمّتان في البلاد. أشرت أوائل العام [الجاري] إلى هذه الانتخابات[4]، وكان يفصلنا [عنها حينذاك] وقت طويل، والآن تقلّص الوقت. ينبغي أن يكون الشعب الإيراني مستعداً لإجراء هاتين [العمليتين] الانتخابيتين على النحو الأمثل. إحداهما انتخابات «مجلس خبراء القيادة». تكمن أهمية هذا المجلس هنا أنّ في إمكانه انتخاب القائد المناسب للبلاد في الوقت اللازم، ويستطيع أيضاً على مر الزمن بل يجب أن يكون مشرفاً على المحافظة على الشروط المصيرية لقيادة الثورة في شخص القائد الموجود. هذه أهمية «خبراء القيادة»، وينبغي للشعب الإيراني، وعلى أهالي المحافظات، أن يدقّقوا وينتبهوا ويُجروا هذه الانتخابات بالصورة المثلى. أمّا انتخابات «مجلس الشورى الإسلامي» - هاتان [العمليتان] الانتخابيتان تجريان معاً - فهي مهمة للغاية. إنّ «الشورى الإسلامي» وفقاً للدستور هو الواضع للسكة الحديدية لمستقبل البلاد. فلئن كانت البلاد تواجه مشكلات، فهي بحاجة إلى سنّ القوانين والحضور التدبيري لهذا المجلس من أجل حلّ هذه المشكلات، وتكمن في هذا الأمر أهميّة هذه الانتخابات. ينبغي أن تُجرى هاتان [العمليتان] الانتخابيتان بجلال.
استعرضت للشعب الإيراني أوائل هذا العام أربع خصائص لهذه الانتخابات: أولاً المشاركة القوية، وثانياً المنافسة الحقيقية، وثالثاً النزاهة بالمعنى الحقيقي للكلمة، ورابعاً أمن الانتخابات. يجب أن تتحقّق هذه الخصائص الأربع. قبل أن أتحدث عنها - أذكر اليوم بضع جمل ثم مرة أخرى على مدى هذين الشهرين، إن كنا أحياء وحالفنا التوفيق، فسأتحدث مجدداً مع شعبنا العزيز - فليجرِ التوضيح لأساس منطق الانتخابات في الجمهوريّة الإسلاميّة. لماذا نُجري الانتخابات؟ ما أودّ قوله هو أنّ كلمتي «جمهوريّة» و«إسلاميّة» مرتبطتان بالانتخابات. «الجمهوريّة» تعنى السيادة الشعبيّة، أي إنّ حكم البلاد في أيدي الناس. حسناً، كيف يتدخّل الناس في نظام الحكم؟ لا سبيل سوى الانتخابات، ولا مسار إلا الانتخابات. يختلق بعض الأشخاص الإشكالات بشأن ضرورة الانتخابات، ويبثّون الإحباط، ولا يلتفتون إلى أنّه لو لم تكن الانتخابات في البلاد، فسيؤول المصير إلى الدكتاتوريّة أو الفوضى وانعدام الأمن. الانتخابات هي التي تمنع الفوضى والشغب وانعدام الأمن. إن الانتخابات هي ذاك المسار الصحيح الذي يستطيع الشعب من خلاله وعبره ضمان السيادة الوطنية والسيادة الشعبية والجمهورية في البلاد.
هذه هي قضية «الجمهوريّة». في وسع الانتخابات أن تنتخب الولي الفقيه في البلاد، وأن تأتي به، أي تؤمّن «الإسلاميّة» [إسلامية النظام]، وفي وسعها أن تضع في «مجلس الشورى الإسلامي» نواباً يسنّون وفقاً للضوابط والمعارف الإسلامية القوانين لإدارة البلاد. بناء عليه، «الجمهوريّة» كما «الإسلاميّة» تعتمدان على الانتخابات. على هذا الأساس الانتخابات ضرورية في نظام الجمهورية الإسلامية.
في هذه الانتخابات، إن تلك النقاط الأربع التي ذكرناها مهمّة طبعاً. أولاً المشاركة وتعني حضور الناس الحماسيّ في الانتخابات. فلئن كان حضور الناس الحماسي قائماً في الانتخابات، فهذا يُثبت هذه الوحدة الوطنية، ويُبرهن هذا الدافع للشعب الإيراني للحضور في الميدان. إنّ دافع الشعب الإيراني والوحدة الوطنية يصنعان الاقتدار الوطني، وهذا الاقتدار يؤدي إلى أمن البلاد، وحينما تنعم البلاد بالأمن، يتقدّم العلم فيعلو ويزدهر الاقتصاد وتغدو مختلف المشكلات الثقافية والاقتصادية والسياسية فيها قابلة للحل، فالمشاركة تصنع مثل هذه المعجزة. الانتخابات تُحدث تحوّلاً في البلاد. بعضهم يأتون على ذكر اسم التحوّل ويُعربون عن نصرتهم إياه، لكنّ الأمر الذي هو المقدمة الحتمية للتحوّل يواجه عملياً قلة اكتراث من قِبلهم، أي الانتخابات. يمكن بالانتخابات صناعة تحوّل في البلاد. يريد أصحاب الآراء السياسية والاقتصادية والثقافية المختلفة صناعة التحوّل لمصلحة آرائهم السياسية أو الثقافية أو الاقتصادية... جيد جداً، ما السبيل إليه؟ سبيله أن يأتوا عبر الانتخابات - سواء أكانت انتخابات المجلس، أم «مجلس الخبراء»، أم رئاسة الجمهورية، أم المجالس - إلى العمل بمن يتماشون مع فكرهم السياسي ذاك وتوجّههم السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي، فيصير هذا تحولاً. بناء عليه الانتخابات هي عماد التحوّل.
إنّ كل من لديهم جمهور مكلّفون دعوةَ الناس إلى الانتخابات: العلماء الأعلام، أساتذة الجامعة، أساتذة الحوزة، الإذاعة والتلفزيون، العاملون في الصحافة، الشباب، الأفراد داخل الأسرة... يمكن لكل هؤلاء أن يُنادوا للانتخابات وأن يدعوا جمهورهم إليها، عندئذ ستكون الانتخابات حماسية. إذا كانت المشاركة ضعيفة، فسيكون المجلس ضعيفاً، ولن يكون للمجلس الضعيف القدرة الكاملة على حل المشكلات. فلئن أردنا حل المشكلات، فعلينا أن نرفع مستوى المشاركة؛ هذه وظيفة الجميع. هذا سبيل كل من يريد أن تُحل مشكلات البلاد. هذا فيما يخص مسألة المشاركة. بالطبع، وإن كان في المستقبل عُمر وفرصة، فسأعرض [الأمر] مرة أخرى.
أما عن المنافسة، فما معناها؟ تعني المنافسة أن تُجري التيارات السياسية سباقاً بينها للمشاركة في الانتخابات، فتُجري التوجهات السياسية والاقتصادية المتنوعة سباقاً في الانتخابات بينها، وتكون الساحة مفتوحة لسباق التيارات والآراء ووجهات النظر السياسية وكذلك الاقتصادية والثقافية. هذا هو معنى المنافسة. تعني المنافسة أن يُجري الشباب الذين يريدون الولوج إلى المعترك الانتخابي سباقاً مع المحنّكين ومن لهم تجربة، فهؤلاء يبذلون جهداً، وأولئك أيضاً. إنّ مجلساً جيداً وقوياً لهو ذاك الذي يكون داخله الشباب كما يكون أولئك المحنّكون ومن لهم تجارب. هذا معنى المنافسة. من أهم القضايا في الانتخابات إجراء هذا السباق. تعني المنافسة أن تتسنى الدعاية [الانتخابية] للجميع لكنِ الدعاية الصحيحة. سأتحدث لاحقاً - إن شاء الله - عن الدعاية [الانتخابية] لو بقي في العمر بقية. يجب أن تترافق الدعاية مع الأخلاق والدين. الدعاية تختلف عن إلصاق التهمة والكذب والوعد الكاذب. إنها تعني أن يبيّن الإنسان آراءه للناس، فهذا معنى الدعاية، ويجب أن تكون - إن شاء الله - متاحة للجميع. طبعاً ثمة كلام كثير في هذا المجال. أيضاً سأعرض لاحقاً لمطالب - إن شاء الله - عن نزاهة الانتخابات وأمنها، لو ظلّ في العمر بقية.
بناء عليه، ضعوا في بالكم قضيّة الانتخابات. ثمة من يثبّط آمال الناس إزاء الانتخابات، وهذا عمل خاطئ، وهو خطأ، ويلحق الضرر بالبلاد. يُضر بالبلاد نفسها [وليس حصراً] يُلحق الضرر بالشخص أو الإنسان الفلاني إنما يلحق بالبلاد. بعضهم من أجل أن يثبطوا عزيمة الناس إزاء الانتخابات لا يفتؤون يضعون أمام الأعين مشكلات البلاد. جيد، إن كانت المشكلات موجودة، فما السبيل لحلها؟ سبيل الحل هو الانتخابات. بالمناسبة، ومن أجل حل المشكلات، تجب المشاركة في الانتخابات. هذا عن الانتخابات.
أمّا في ما يرتبط بقضيّة غزّة الدوليّة والإسلاميّة، فقد مرّ شهران ونصف على بدء حادثة غزّة. هذه الحادثة ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ الحديث للعالم الإسلامي، ونحن لا نجد في التاريخ الحديث - ربّما في هذا القرن الأخير - شبيهاً لهذه الحادثة. إنّها استثنائيّة ومنقطعة النّظير. كيف تكون منقطعة النّظير؟ هذه الحادثة منقطعة النظير من ناحيتين. أولاً من ناحية الكيان الصهيوني، فهذه الحادثة فريدة من نوعها، لماذا؟ لأن هذا النحو من الوحشية، وهذا النحو من الإجرام، وهذا النحو من سفك الدماء لم يسبق له مثيل في هذه الفترة التاريخية التي ذكرتها؛ وهذا النحو من قتل الأطفال وإلقاء الصواريخ المدمرة للتحصينات على رؤوس مرضى المستشفيات وهذا النحو من الخُبث والاستبداد، لم يسبق له مثيل ولم يُشاهد شبيه له. هذا من ناحية الكيان الصّهيوني. في الجهة المقابلة، [أي] من ناحية الشعب والمناضلين الفلسطينيين، لم يُرَ مثل هذا الصمود والصبر والمقاومة، والدَفع بالعدو نحو الجنون. أهالي غزة ومناضلوها صامدون كالصخور والجبال. هذا أمرٌ مهمّ. لا يصلهم الماء والغذاء والدواء والوقود - حتّى الماء! - لكنهم صامدون ولا يستسلمون. إنّه أمرٌ في غاية الأهميّة. إن رفض الاستسلام هذا سيؤدّي إلى تحقيق النصر، كما أنّ علامات النّصر تظهر اليوم؛ ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[5]. الكيان الصّهيوني ورغم التجهيزات والإمكانات كلها بقيَ عاجزاً أمام المناضلين الفلسطينيّين الذين يُمكن القول إنّ تجهيزاتهم لا تُقارن مع الكيان الصّهيوني. لا بدّ أنّكم سمعتم أنّه سحب المجموعات المهمّة والفعّالة لجيشه من الميدان[6]، لأنّه لاحظ أنهم عاجزون عن إنجاز أيّ شيء ويتكبّدون الخسائر فحسب. هذه أمور مهمّة، وهذه التجلّيات منقطعة النظير.
ثمة نقطة أساسيّة هي أنّ هزيمة الكيان الصّهيوني في هذه الحادثة ليست هزيمة له فقط بل هزيمة لأمريكا. لا أحد في العالم اليوم يفرّق بين الكيان الصهيوني وأمريكا أو بريطانيا. الجميع يعلمون أن هؤلاء واحد. تستخدم أمريكا «الفيتو» بكل وقاحة مقابل قرار مجلس الأمن وقفَ القصف وإطلاق النار[7]! بكلّ وقاحة. لا فرق بينهم؛ هؤلاء واحد. ماذا يعني أنها تستخدم «الفيتو»؟ يعني أنها تشارك في إلقاء القنابل على الأطفال والنساء والمرضى والشيوخ والعزّل. لقد أُريقَ ماء وجه أمريكا، وهوى القناع عن وجه الحضارة الغربيّة في هذه الحادثة. إن الانتصار الكبير للشعب الفلسطيني هو إراقة ماء الوجه للغرب وأمريكا وفضح ادعاءاتهم الكاذبة كافة المتعلقة بحقوق الإنسان. بات الجميع يعلمون الآن حقيقة أنواع التظاهر هذه وشعارات حقوق الإنسان وأمثالها، فقد انكشف الوجه القبيح للوحش الأمريكي والبريطاني المشؤوم أمام شعوب العالم أجمع. لم تكن "إسرائيل" لتقدر على ارتكاب هذه المجازر دون أمريكا، ولو لم توافق أمريكا، ما تجرّأت على ذلك. إنما استطاع الكيان الصهيوني بدعم أمريكا ارتكاب كل هذه الجرائم طوال شهرين ونصف، وهذا ما يعرفه الجميع حول العالم. لقد أُريقَ ماء وجه أمريكا وهذا أكبر نجاح وأعظم انتصار لجبهة الحقّ وجبهة المقاومة. تبرز في الميدان علامات الهزيمة لهؤلاء المجرمين واحدة تلو أخرى، كما أنهم تلقّوا هزيمة صارخة في المشهد الإنساني، [هزيمة] صارخة، هذا هو واقع المشهد. لقد انكشفت ماهيّة البيت الأبيض أمام الملأ، واتّضح باطن الحكومتين الأمريكيّة والبريطانيّة.
حسناً، ما المسؤوليّة اليوم؟ دعم المقاومة. على كلّ شخص أن يساعد المقاومة كما يستطيع. دعم المقاومة مسؤوليّة، ودعم الكيان الصهيوني جريمة وخيانة. ترتكب بعض الحكومات المسلمة هذه الجريمة للأسف [لكن] فليعلموا أنّ الشعوب المسلمة لن تنسى هذا. إن من واجب هذه الحكومات اليوم ألّا تسمح بوصول البضائع والنفط والوقود... إلى الكيان الصهيوني مثلما لا يسمح هو بوصول مياه الشرب إلى أهالي غزة. إنّه واجب الحكومات المسلمة. كما على الشعوب الإسلامية أن تطلب من حكوماتها قطع أيّ مساعدات للكيان الصهيوني، لا بل قطع علاقاتها به. وإذا لم يتمكّنوا من قطع العلاقات نهائياً، فليقطعوها مؤقتاً على الأقل. فليضغطوا بعلاقاتهم على هذا الكيان الخبيث والظالم والدموي والسفّاح.
تلاحظون اليوم كيف تألّمت الضمائر في العالم وكيف تشعر بالوجع. ينزل الناس إلى الشوارع في أمريكا والدول الأوروبيّة، وهذه ليست مزحة، كما أنّ الشخصيّات السياسيّة في بعض هذه الحكومات والدول تستقيل بسبب دعم حكوماتها [الكيان]، وكذلك حال رؤساء الجامعات والعلماء والمشاهير. إنّهم ينتقدون ويعترضون. لقد تألّمت الضمائر في العالم، وفي الوقت عينه، يعاود بعضهم تقديم أنواع الدّعم نفسها إلى هذا النظام السفّاح والظّالم.
ما أودّ قوله لكم: لّا يراودنّكم أدنى شكّ أن النصر حليف جبهة الحقّ، ولّا يراودنّكم أدنى شكّ أنّ الكيان الصهيوني الغاصب والمعاند سيُجتثّ من فوق هذه الأرض يوماً ما. وإن شاء الله، فهذا جزء من المستقبل المحتوم، ونأمل أن تشهدوا - أنتم الشبابَ - ذاك اليوم بأمّ العين.
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] تُجرى انتخابات الدورة الثانية عشرة لـ«مجلس الشورى الإسلامي»، والدورة السادسة لـ«مجلس خبراء القيادة» في الحادي عشر من اسفند 1402ه.ش. (01/03/2024م).
[2] زيارة ثمانية أيام إلى محافظة خوزستان بتاريخ 08/03/1997م.
[3] شعار الحاضرين: «أيّها القائد الحر، إنّا مستعدّون، مستعدّون».
[4] كلمة في لقاء مسؤولي النظام والقائمين على الأعمال فيه، بتاريخ 04/04/2023م.
[5] سورة البقرة، الآية 153.
[6] في إشارة إلى سحب لواء «جولاني» من قطاع غزة.
[7] من ضمنه «الفيتو» الذي استخدمته أمريكا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد مشروع قرار لوقف النار في قطاع غزة بتاريخ 08/12/2023م.