كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمعٍ من المقترعين لأوّل مرّة وعائلات الشهداء، بتاريخ 28/02/2024م.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا، أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين.
أهلاً وسهلاً بكم كثيراً، أيّها الشباب الأعزاء، والإخوة الأعزّاء، والأخوات العزيزات، ولا سيّما عائلات الشهداء المُعظّمة الحاضرة في الجلسة. أرحّب بكم جميعاً. إنّها في الواقع جلسة الشباب، ومكان الحضور لقلوب الشباب الطّاهرة والنقيّة.
كلمتي الأولى، وأوّل ما سأقوله: استغلوا - أيّها الشباب - فرص نقاء روح شبابكم، وقرّبوا أنفسكم أكثر في أيام شهر شعبان المباركة هذه وما بعدها، [أيام] شهر رمضان، من الله المتعالي، وائنسوا بالله، واسألوه وتوكّلوا عليه. لقد تبقّت أيام قليلة من شهر شعبان، فقد مضى أكثره. [هو] شهر الدعاء، وشهر المناجاة، وشهر الاستغفار، فكذلك هو شعبان. وصيّتي الجديّة لكم - أيّها الشباب الأعزاء - في الأيام المتبقيّة هذه، سواء الفتية أو الفتيات، ألّا تغفلوا عن الدعاء والاستغفار والصلوات. «الدعاء» يُضاعف أُنسكم مع خالق الكون، ويعزّز علاقتكم بالله المتعالي. إن الدعاء والمناجاة كذلك. حينما «نستغفر»، يكون معنى الاستغفار في الواقع أنّنا نختار سبيل العودة عن الخطأ. فجميعنا لدينا أخطاء وخطايا وذنوب. معنى الاستغفار اختيار سبيل العودة عن هذه الأخطاء والذنوب، وقد جرى تأكيد الاستغفار في شهر شعبان. أنتم تقولون: «أستغفر الله وأتوب إليه»، ومعنى «أتوب إليه» أنّنا نعود إلى الله، فلقد ابتعدتُ بالخطأ والمعصية عن الله، وها أنا أعود الآن إلى الله المتعالي، وهو يقبل هذه العودة. في السلام والصلاة على محمّد وآل محمّد، إنّنا في الواقع نحيي في أذهاننا ذكرى أفضل الأُسى الإنسانيّة. كان هؤلاء العظماء خير أفراد البشريّة، وأسمى أفرادٍ خلقهم الله. فحياتهم ودرسهم وقولهم وفعلهم قدوة لنا، وهم أسوة. حينما نُصلّي [عليهم] نحن في الواقع نُحيي ذكراهم في قلوبنا. إذن، هؤلاء مغتنمون.
هذه الأدعية التي وردت والتي نسمّيها المأثورة - [الدعاء] المأثور يعني الأدعية التي وردت عن الأئمّة (عليهم السلام) ووصلت إلينا كالصحيفة السجّاديّة، وغالبية الأدعية في المفاتيح [مفاتيح الجنان] -ليست حتّى مجرد طلب، ولا [حتّى] مجرد سؤال وتواصل مع الله، إنما أكثر من هذا أيضاً، إذ إنها تحوي معارف [جمّة]، فهنالك المضامين العالية والمعارف الإسلاميّة الرفيعة في هذه الأدعية. ثمّة معارف فيها لا تجدونها في أيّ مكان آخر، فهنالك مضامين في دعاء الإمام الحسين (ع) في يوم عرفة، وفي أدعية الصحيفة السجّاديّة، والمناجاة الشعبانيّة، وتوجد معارف لا يجدها الإنسان في أيّ مكان آخر. الأُنس بالأدعية يسمو بمعرفة المسلم والمؤمن، وهو مغتنم جداً. بناء عليه، كانت كلمتنا الأولى أن اغتنموا فرصة نورانيّة قلبكم هذه، فقلوبكم نورانيّة ونقيّة. اغتنموا فرصة شهر شعبان و[فرصة] شهر رمضان التي ستأتي، وجميع الفرص الأخرى من أجل الدعاء والاستغفار والتوسّل إلى الله وبأوليائه. هذه كلمتنا الأولى لكم.
المسألة التالية، التي أرى نفسي مُلزماً قولها لكم - أيّها الحاضرون، وللشعب الإيراني قاطبة - قضية الانتخابات، ونحن بالطبع تحدّثنا عن الانتخابات، كما تحدّث الآخرون، وكذلك نجد - بحمد الله - أنّ الشباب يتحدّثون [عنها] في مختلف المراكز والجامعات والشوارع، ويتناقشون، غير أنّي سأتحدث اليوم ببضع كلمات أيضاً في هذا الصدد.
طبعاً يُشاهَد - بحمد الله - علامة الحماسة والنشاط الانتخابي في أرجاء البلاد كافة ومختلف الأماكن. حالة الرغبة في الانتخابات والحماسة الانتخابية ملموسة، فينبغي أن نشكر الله. والمطلوب أن تُجرى الانتخابات - لا هذه الانتخابات بعد يومين وحسب[1]، [بل] جميع انتخابات البلاد - بقوّة وحماسة. لماذا؟ الطبيعي أنّكم - أيُّها الشباب - أصحاب الدليل، وأنا مسرور حقيقة برؤيتي لشبابنا قد تطوّروا بعد الثورة أضعافاً عدة [من حيث] الرغبة في الدليل والبحث والدقّة. لقد كنت أجالس الشباب قبل الثورة أيضاً، وكانت جميع جلساتنا مع الشباب، وكنت أعرف الشباب تماماً. بعد الثورة ازدادت روحيّة السؤال والتحرّي والتتبُّع والبحث والتحقق من المصداقية بين الشباب أضعافاً عدة، وهذا جيد جداً، أي إنّ الشباب فضلاً عن أنّهم أصحاب اندفاع ونشاط وحماسة وصِبا في مختلف الساحات، هم أيضاً من أهل الدليل والمنطق. إنّ شهداءنا هؤلاء الذين كانوا في الغالب شباباً مثلكم - غالبنا شهدائنا في مرحلة «الدفاع المقدّس»، وكذلك في مرحلة الدفاع عن الحرم، كانوا في العشرينات من العمر، وفي الثلاثينات كأقصى حد ونحو ذلك - مضوا إلى ساحات الحرب بإثارة ومشاعر وقلب حماسي، غير أنّ ذهنهم كان يعمل، وفكرهم كذلك، وكان لديهم المنطق والاستدلال. لو قرأتم سيرتهم، لشعرتم بهذا، فقد كانوا يتحركون بالدليل. إنّ شبابنا اليوم على هذا النحو. وأنا أعرض في هذا المجال لمطالب عدة.
أولاً، إذا أردنا الحديث بكلمة واحدة عن أهميّة الانتخابات الحماسيّة والقويّة، ينبغي أن نقول: إن الانتخابات القويّة والحماسيّة أحد الأركان للإدارة الصحيحة للبلاد - سأقدم لاحقاً في حديثي شرحاً موجزاً [عن هذا] - وهي أحد الأركان الأساسيّة لتقدّمها. إنّها من أهمّ الوسائل لإزالة موانع التقدّم؛ الانتخابات القويّة تنطوي على هذه الخصائص.
أولاً، ولأنّكم لم تشهدوا ذلك العصر، لأقل لكم هذه المسألة، أيّها الشباب. إنّ صندوق الاقتراع هذا، وهذه الانتخابات، لم تأتِ بسهولة إلى وسط بلادنا وشعبنا. فما كان لشيء من هذا الكلام وجود ولا أثر. في مرحلة ما، كان هناك طغيان مطلق، لاحقاً حصلت انتخابات وكانت صورية فقط، وتفتقر إلى أيّ مضمون. فاللوائح كانت تُعدّ مسبقاً في البلاط [الملكي] وأحياناً في السفارات الأجنبية، وكانوا يقدّمون تلك اللوائح ويقولون: يجب أن يكون هؤلاء نوّاباً! هذا كلام ينطقون به بأنفسهم، لا نحن من نقوله. طبعاً كنّا نعلم بذلك حينذاك، فقد كنّا نعرف في مرحلة ما قبل الثورة معنى موضوع التصويت والانتخاب وما شابه، لكنّهم أنفسهم اعترفوا بعد الثورة ودوّنوا في كتبهم. فأن يمضي الناس بالحافز والمعرفة والإيمان والانتظار والأمل إلى الصناديق ويُدلوا بأصواتهم [هذا] لم يأتِ بيُسر، وقد بُذلت جهود جمّة في هذه البلاد من أجل هذا. بالطبع كان البدء بالجهود منذ ما بعد «الثورة الدستورية»، وإلى هذا الجانب، غير أنّ الحركة الأساسيّة للجهود والنضالات هي في نهضة الإمام [الخميني] العظيم والنّهضة الإسلامية، حين وقف الناس خلف الإمام وساروا في هذا الطريق. ومنذ عام 1341ه.ش. (1963م) حين انطلق النضال حتى الثاني والعشرين من بهمن 1357ه.ش. (11/02/1979م) حين انتصرت الثورة وهذه النضالات، بُذلت مساعٍ كبيرة في هذه البلاد، وأُنجزت أعمال كثيرة خلال هذه الأعوام الستة عشر، فهناك من دخلوا السجن وتعرّضوا للتعذيب، تحقّقت أشكال من «جهاد التبيين» وجهاد الكلام، إلى أن تهيَّأت الأرضيات. ومنذ 1356ه.ش. (1978م) بدأت النهضة العامّة للناس، وقاد الإمام العظيم هذه النّهضة والحركة خطوة بخطوة، وأرشدها وقدّم درساً، وعلّم أين ينبغي عليكم أن تتحركوا، وماذا عليكم أن تفعلوا، وبماذا تطالبون؛ [إنّه] «قائد» بالمعنى الحقيقي للكلمة.
كان عمل قائد الثورة - الإمام العظيم - وكلّ من يدّعي هذا عملاً قلبياً وعملاً فكرياً وعقلياُ يؤثّر في قلب الناس وفكرهم. وقد أثّر الإمام، ونزل الناس [إلى الميدان] حتى انتصرت الثورة. فإن كنتم قد قرأتم تاريخ الثورات، أو لو تقرؤون - طبعاً الشباب، مع الأسف، قليلاً ما يُطالعون، فينبغي لكم أن تطالعوا الكتب أكثر - وتلاحظون تاريخ هذه الثورات الإقليميّة أو العالمية وما شابه، فستجدون أنّه حينما تقع الثورة، فإنّ الديكتاتورية الثورية تحكم مدّة طويلة، أي لم يكن هناك [من أثر] للناس والأصوات [الانتخابية] وما شابه. افترضوا مثلاً أنّ الثورة الفرنسية الكبرى اندلعت في فرنسا نهاية القرن الثامن عشر، وأنّ الناس هم من ثاروا ونزلوا إلى الشوارع وكافحوا، لكنّ فئةً قليلةً تُمسِكُ بعد الثورة بأزمّة الأمور وتبقى ثلاث سنوات أو أربع، ثم تأتي فئةٌ أخرى وتقضي على تلك وتجلس مكانها وتبقى ثلاث سنوات أو أربع، ثم تأتي فئةٌ أخرى وتقضي على هؤلاء، ويستمر هذا الوضع حوالى عشر [سنوات] إلى اثنتي عشرة، ثم يظهر نابليونٌ ما ويبادر إلى القضاء على كل هؤلاء، ويُقيم الحكومة النابليونيّة المستبدّة المستقلّة. إذاً، لا وجود أبداً للانتخابات. والأسوأ من هذا الثورة البلشفيّة. هاتان الآن هما الثورتان المهمّتان في التاريخ القريب منّا.
[أما في إيران]، فانتصرت الثورة في الثاني والعشرين من بهمن (11 شباط/فبراير)، وفي الثاني عشر من فروردين (1 نيسان/أبريل) أي بعد حوالي خمسين يوماً، أعلن الإمام التصويت والاستفتاء العام من أجل أن يختار الناس نوع النظام، وقد اختاروه. لقد أتى [الإمام] بالناس [فوراً] إلى صناديق الاقتراع - هذا هو معنى الثقة بالناس ومعنى أهميّة صناديق الانتخابات - ولم تقع فاصلة. كان قد مضى حوالى عام على هذه المسألة، حين انعقدت انتخابات مجلس الخبراء من أجل الدستور، وجرت الانتخابات. ثم إنّهم وضعوا للتصويت القانون عينه الذي كان قد نَتَجَ في المجلس وجرت تلك الانتخابات اللاحقة، ثم جرت انتخابات رئاسة الجمهورية ثم انتخابات المجلس [مجلس الشورى]، [أي] انتخابات عدة في عام واحد. أي انتخابات عدة في عام واحد. هذه من بركات الثورة، التي لم يكن لها أثر [سابقا]. توجّه الناس إلى صناديق الاقتراع وصوّتوا. فبعضهم كانوا مؤيِّدين، والآخرون معارضون. [شارك الناس] بحماسة كبيرة في بعض التجارب الانتخابيّة مشاركة واسعة، وفي بعضها بحماسة ومشاركة أقل قليلاً، لكنهم توجّهوا إلى صناديق الاقتراع. أعزائي، اعلموا أنّ هذه الانتخابات ووجود صناديق الاقتراع وانتخابكم وتصويتكم وانخراطكم امتيازات لم تأتِ بسهولة! بل أتت بالمشقّة والنّضال والتّضحيات العظيمة والحركة العامة للشعب.
حسناً، لماذا نشدّد الآن على مشاركة الناس؟ لأنّه كان هناك بعضهم، وربما أيضاً، ممّن يقولون: يا سيد، فلتجر انتخاباتٌ، وليشارك جمعٌ من الناس، ثم فلتسلم حكومةٌ السلطة، ولتؤدِّ حكومةٌ مهماته أو مجلسٌ مهماته. [لكننا] نعتقد أنّه كلا، إنما ينبغي أن تكون الانتخابات حماسيّة، وأن تكون المشاركة واسعة. لماذا؟ لأنّ حضور الناس عند صناديق الاقتراع دليل على حضور الشعب في الساحات المهمة لإدارة البلاد، ويُعدّ ذلك ثروة عظيمة لها.
إذا استطعنا أن نظهر للعالم - سأشرح معنى «العالم» - أن الشعب حاضر في الساحات المهمة والمصيرية للبلاد، فقد أنقذنا البلاد ودفعنا بها إلى الأمام. عندما قلت: استطعنا أن نظهر للعالم، لمن ينبغي أن نُظهر؟ حسناً، كثير من الناس والشعوب في العالم لا شأن لهم بنا ولا يهمهم الأمر، لكن هناك حكومات وسياسات في العالم تراقب قضايا إيران بترصّد - قضايا إيران الإسلامية والجمهورية الإسلامية وهذا البلد العزيز - لترى ما يجري. أمريكا وسياسات معظم الأوروبيين وسياسات الصهاينة والرأسماليين وأصحاب الشركات الكبرى في العالم يتابعون قضايا إيران لأسباب مختلفة - محل شرحها ليس هنا الآن، فأنتم تعرفون كثيراً منها، وقد قلنا الكثير - ليعرفوا ما يجري هنا. هؤلاء المراقبون السياسيون في العالم، كما ذكرت، يخافون من حضور الشعب أكثر من أي شيء آخر، ويخافون من القوة الشعبية ويأخذونها بالحسبان. لماذا؟ لأنهم شاهدوا القوة الشعبية. لقد شاهدوا أنه إذا حضر هذا الشعب في الميدان، فسوف يتغلّب حتماً على أيّ مشكلة، مثلما حضر الشعب في الثورة الإسلامية، واستطاع أن يقهر النظام الذي كانت تسانده أمريكا وبريطانيا وأوروبا والجميع ويقضي عليه. هذا الشعب على هذا النحو. لقد شاهدوا أن هذا الشعب عندما يحضر في الميدان، ميدان «الدفاع المقدس» والحرب المفروضة، يتغلب على صدام الذي كانت تدعمه أمريكا، والاتحاد السوفييتي آنذاك، و«الناتو»، والرجعيين العرب والجميع، ويدحره من أرضه ويطرحه أرضاً ويذله. لقد شاهدوا هذا. لقد شاهد أعداء الشعب الإيراني معجزة حضور الشعب في الميدان، ولذا يأخذون حضور الشعب بالحسبان، والآن يريدون أن يروا هل الشعب حاضر أو لا. عندما تحضرون إلى صناديق الاقتراع، يُدركون أن الشعب الإيراني قد حافظ على حضوره في الميدان.
لذلك، إن حضور الناس في ميدان الانتخابات يعني القوة الوطنية، وهذا ما يأخذه العدو بالحسبان، وهو دعامة أمننا القومي. القوة الوطنية دعامة الأمن القومي. إذا شعر العدو أنكم لا تملكون قدرة، وأن الشعب الإيراني لا يملك قوة، فسوف يهدد أمنكم بالأشكال شتى. هذه القوة الوطنية هي الدعامة والضامن للأمن القومي. الأمن القومي هو كل شيء. إذا لم يكن هناك أمن، فلا شيء موجود. العدو يعارض قوتنا الوطنية. لذلك، انظروا: بما أنّ الانتخابات ستجري في شهر اسفند[2] من هذا العام 1402ه.ش.، بدأت دعاية الأعداء ضد الانتخابات منذ شهر فروردين[3] بلحن المعترض عبر إذاعاتهم وتلفزيوناتهم ومنصاتهم في الفضاء المجازي لتثبيط الناس، كي يقولوا: وما الجدوى منها، وما تأثيرها، الانتخابات غير مؤثرة، وما إلى ذلك. إنهم لا يطيقون القوة الوطنية للشعب الإيراني، ولذلك يعارضون كل ما يدل على القوة الوطنية بما في ذلك الانتخابات.
طبعاً الآن في الداخل أيضاً لا يكترث بعض الأشخاص للانتخابات. أنا لا أتّهم أحداً - بالطبع - لكنّني أذكّر الجميع: يجب أن ننظر إلى الانتخابات من زاوية المصالح الوطنيّة لا الفئويّة والحزبيّة، إنما خذوا المصالح الوطنيّة بالحسبان. فلو كانت الانتخابات ضعيفة، فسيتضرّر الجميع، وليس الأمر على نحو أن يتضرّر بعض الأشخاص من ضعف الانتخابات وينتفع آخرون جرّاء ذلك. لن ينتفع أيّ أحد. فليعلم كلّ من يحبّ إيران ويحبّ بلده وشعبه وأمنه أنّ الانتخابات لو جرت بصورة ضعيفة، فلن ينتفع أحد، بل سيتضرّر الجميع ويتلقّون ضربة. لن يتضرّر بعض الأشخاص وينتفع آخرون، كلا. حسناً، الآن هذا بشأن استعراض القوة الوطنية التي ذكرناها، فالانتخابات مظهر لاستعراض القوة الوطنية للبلاد والتباهي بها.
بالإضافة إلى ذلك، للانتخابات إنجازات أخرى. منها أنه إذا كانت الانتخابات قوية، فإن المنتخَبين سيكونون أقوياء أيضاً. إذا كان حضورنا قويّاً في انتخابات «المجلس» مثلاً - إذ إن الانتخابات المُقبلة هي «مجلس [الشورى الإسلامي]» -، فسيكون لدينا مجلس قوي أيضاً. وفي مقدور المجلس القوي أيضاً إنجاز أعمال عظيمة. في الانتخابات الرئاسية، إذا كانت حماسية وقوية وحاشدة، فستكون أيدي الرئيس والحكومة مفتوحة لأعمال وخطوات كبرى. إذاً، هكذا يكون الأمر. ولذلك، إن نتيجة الانتخابات القوية هي تقدم البلاد وانتفاعها وإزالة مشكلاتها. هذه نتيجتها. ولذلك قلنا إن الانتخابات القوية من أركان التقدم.
الإنجاز الآخر هو النضوج السياسي للمشاركين في الانتخابات، والشّباب على وجه الخصوص. إنّها لفرصة مغتنمة جدّاً لدينا أن يكتسب شبابنا نضجاً سياسيّاً خلال الانتخابات، وفي النقاشات والمقارنات والاستدلالات والتصريحات التي يطلقها المؤيّدون لمرشّحٍ في الانتخابات ومعارضوه، وخلال هذه الحوارات. هذا النّضج السياسي والقدرة على التحليل التي يكتسبها الشاب لدينا ليسا بالأمر الهيّن، بل ينطويان على قيمة عالية خاصّة لبلدنا. عندما ترتقي القدرة على التحليل عند الشاب لدينا، تُحبط وساوس العدوّ ولا يعود لها أثر. عندما يكتسب القدرة على التحليل، سيعرف العدوّ وأساليبه وأفعاله وسبل التصدّي له. في رأيي، هذه القدرة على التحليل هي في عداد هذه الإنجازات الفائقة الأهميّة. ولذلك، يجب على آحاد الشعب والمعنيّين بهذا الكلام كلهم في موضوع الانتخابات أن يعلموا أنّ الإدلاء بالرأي في الصندوق عملٌ بسيط، [لكنّه] يحمل نتائج كُبرى. ليست المشاركة في الانتخابات عملاً صعباً، بل عملٌ هيّن ولا يكلّف شيئاً أيضاً، لكنّ نتائجه عظيمة، وقد أشرتُ إلى بعضها.
حسناً، أنتم شباب وكثيرون منكم في عداد المقترعين لأوّل مرّة، وأنا أعتقد بشدّة بالجيل الشاب لدينا وجيل الشباب في بلادنا. الشباب روّاد وطلائع ويبثّون البهجة في الميادين كافة، وهم كذلك في هذا الميدان أيضاً. فليشارك جميع الشباب بأنفسهم، وليشجّعوا الآخرين أيضاً على المشاركة. هذه من الأعمال الملقاة على عاتقكم - أيها الشباب - ففي مقدوركم عبر الاستدلال تشجيع الآباء، والأمّهات، وزملاء الدراسة، والأقارب، والجيران في الحي وجميع من لديكم صلة بهم، وهذا عملٌ متاح. طبعاً قد يكون هناك أشخاصٌ أيضاً ليس في مقدورهم حقّاً المشاركة، أي إذ نشجّع الجميع على المشاركة يوجد بعض من ليس في مقدورهم حقّاً المشاركة لأيّ سبب، ونحن لا كلامَ نوجهه إليهم ونقوله لهم. لكن أولئك الذين يُبدون رغبة عن [المشاركة] في الانتخابات - للأسف [هؤلاء] موجودون، فهم أنفسهم لا يُبدون رغبة بل يثبطون الآخرين أيضاً عن المشاركة -هؤلاء ينبغي - في رأيي - أن يفكّروا أكثر بعض الشيء في هذه القضايا، فتجنب الاقتراع لا طائل منه أبداً. أنتم تقولون إنّه من الممكن أن يكون الاقتراع بلا فائدة. حسناً، من الممكن أيضاً أن يكون مفيداً، أي إنّ احتمال وجود فائدة في الاقتراع قائمٌ أيضاً، ولكن لا توجد أيّ فائدة في عدم الاقتراع. لا يوجد أيّ مكتسب من تجنب الاقتراع، لكن الاقتراع [فيه احتمال المكتسب]. حسناً، أنا أقول بحتميّة وجود مكتسب [لكن] من يراوده شكٌّ فليقل باحتماليّة وجود مكسب. إذاً، لا يوجد أيّ استدلال على تجنب الاقتراع حتى نقول: ينبغي ألّا يدلوا بآرائهم. خلاصة الأمر أن هذا لا يحلّ أيّ مشكلة، إذ إنّ رفض بعض الأشخاص الاقتراع لا يحلّ أيّ مشكلة في البلاد، بل يُلحق الضرر بها. لأنّك إذا لم تقترع في نهاية المطاف، فإنّ شخصاً آخر سيدلي برأيه، وقد يُنتخب ذاك الذي تريد ألّا يُنتخب. وإذا اقترعت، فمن الممكن أن تمنعه بصوتٍ واحد أو مجموعة من الأصوات. على أيّ حال ما أودّ قوله: ينبغي لكلّ من يحبّ إيران والجمهوريّة والثورة الإسلاميّة والقوّة الوطنيّة والتقدّم أن يكون نشطاً في الانتخابات وأن يشارك فيها بحماسة.
الانتخابات فرصة ويجب استغلالها. إنّها لمصلحة البلاد، وكذلك تؤدي إلى إحباط أعدائها أيضاً. هي تُحبط أمثال السياسيّين في أمريكا و«سي آي إي» والصهاينة الخبيثين الظالمين والآخرين الجالسين ويترصدون قضايانا واحدة تلو أخرى بمنتهى الدقّة.
المشاركة في الانتخابات تجعل الأعداء يائسين. هذا هو الموضوع الأساسيّ لدينا.
يجري أيضاً توجيه سؤال عن «الأصلح». إنّ جميع أولئك الذين يخوضون ميدان الانتخابات صالحون في طبيعة الحال، أي إنّ «مجلس صيانة الدستور» وسائر الأجهزة الرقابيّة طالعت [سيَر] هؤلاء وشخّصت أنّهم صالحون. إذاً هم صالحون لكنّكم تريدون اختيار الأصلح. من الأصلح؟ من الذي يملك صلاحيّة كبرى؟ لقد دوّنت هنا معيارين أو ثلاثة.
كلّ من يكون أفضل ومتقدّماً أكثر من ناحية الالتزام بالدين والعمل والتشرّع الديني، وكلّ من يصرّ أكثر على استقلال البلاد ورفضها التشبّث بهذه القوّة العالميّة أو تلك، ويرغب حقّاً في استقلالها، وكلّ من يعتقد بجدّية بمكافحة الفساد ووجوب مكافحته، وكلّ من هو أكثر جدّية في التعاطي مع المصالح الوطنيّة، أي يكون مستعدّاً للتضحية بمصالحه الشخصيّة مقابل الوطنيّة، ويفضّل الوطنيّة على [الشخصيّة]. كلّ من يملك هذه الخصائص يكون الأصلح: قضيّة الدين، الاستقلال، مكافحة الفساد، المصالح الوطنيّة.
فليتركوا جانباً التعصّبات الفئويّة ولينظروا في القضايا شتّى بما يتناسب مع المصالح الوطنيّة ويكون مدعاة لعزّة للبلاد ويحقّق ازدهارها وتقدّمها، وليفضّلوها في مقام التعارض بين المصالح الشخصيّة والفئويّة و[بين] الوطنيّة. هذا الأصلح في رأيي، وينبغي أيضاً أن تتوصّلوا إلى هذا الأمر عبر المطالعة والتدقيق في التصريحات والاستماع للأفراد المطّلعين، وهذا ليس صعباً ولا عملاً مستحيلاً، طبعاً بالقدر الذي يستطيع الإنسان فعله. حسناً، أنا عندما أرغب في الاقتراع، يجلبون إليّ مثلاً قوائم طهران، وهناك قوائم مختلفة، والإنسان لا يعرف الجميع. يعرف المرء بعضهم، ويسأل هذا وذاك عن بعض [الآخرين]، ويثق ببعضهم بناء على تعريف بعض الأفراد لهم. [من ثم] يحدد الشخص مجموعة من الأسماء كمرشحين مختارين ويضعها في الصندوق. يجب التدقيق بالقدر الممكن والمتاح في هذا المجال.
قضية غزة القضيةُ الرئيسية للعالم الإسلامي اليوم، كما قلنا ذلك مراراً. لقد قلت في كلمة قبل بضعة أيام[4] إن قضية غزة، وحادثة غزة، عرّفت العالم إلى الإسلام، وتبيّنَ أن الإيمان الإسلامي هو ذاك العامل الذي يصنع الاقتدار والمقاومة على هذا النحو، فقد صمد الناس تحت القصف ولم يستسلموا، ولم يرفعوا أيديهم أمام العدو، رغم الفجائع كلها التي ارتكبها. لقد عرّفت [الناس] إلى الإسلام. هذا هو الإسلام، وهذا هو الإيمان الإسلامي. كذلك فضحت الثقافة والحضارة الغربية، إذْ هما ما يجعلان السياسات المنبثقة عن هذه الثقافة ترى هذه الجرائم، لكنها غير مستعدة للإقرار بأنها إبادة جماعية، وغير مستعدة لإيقافها بالمعنى الحقيقي للكلمة. نعم، يتظاهرون بالقول لكن عندما يصل الأمر إلى وقف هذه الجريمة في «مجلس الأمن الدولي» يستخدمون «الفيتو»! هذه هي الحضارة الغربية. يصل الأمر بالسياسات الأمريكيّة الفاضحة والمناقضة لحقوق الإنسان إلى أن يُحرق ضابط القوات العسكريّة الجويّة الأمريكيّة ذاك نفسه[5]! أي يصعب الأمر حتى على ذاك الشاب الذي ترعرع في تلك الثقافة، ويتألّم ضميره أيضاً. طبعاً كان حريّاً بألفٍ أن يحرقوا أنفسهم بدلاً من واحد، لكن غرقهم في الفساد يحول دون ذلك، وقد صادف أن صحا ضمير أحدهم وأحرق نفسه. كشفت الثقافة الغربيّة عن نفسها وعرّت ذاتها وفضحت كم هي فاسدة ومنحرفة وظالمة!
نأمل أن يمنّ الله المتعالي بالنّصرة التامّة للإسلام والمسلمين وفلسطين وبخاصة غزّة، ونرجو أن يقدّر الله المتعالي للشعب الإيراني الانتخابات المرجوّة والمناسبة، التي تليق بهذا الشّعب.
والسّلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] تُجرى انتخابات الدورة الثانية عشرة لـ«مجلس الشورى الإسلاميّ»، والدورة السادسة لـ«مجلس خبراء القيادة» في الحادي عشر من اسفند (1 آذار/مارس).
[2] الانتخابات التي ستجري في 1 آذار/مارس 2024م.
[3] شهر روردين: بين 21/02/2023م و20/04/2023م.
[4] في لقائه مع القائمين على مؤتمر تكريم شهداء محافظة خوزستان، بتاريخ 24/02/2024م.
[5] احتج الضابط في سلاح الجو الأمريكي آرون بوشنل على الحرب في غزة وتواطؤ أمريكا مع الكيان الصهيوني في الجريمة والإبادة الجماعية للفلسطينيين، في السادس من مارس/آذار، أمام سفارة هذا الكيان في واشنطن، وأضرم النار في نفسه، ما أدى إلى وفاته.