كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمع من الطلّاب الجامعيّين، بتاريخ 09/04/2024م.
بسم الله الرحمن الرحيم[1]
والحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا، أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين.
كان لقاؤنا اليوم معكم عذباً ومفعماً بالمضامين. طبعاً، البيئة الطلابية بيئة مُنشرحة وحيّة ومفعمة بالحماسة ومُطالِبَة ومُبهِجة. هذه هي طبيعة البيئة الطلابيّة. تلك الأمور التي عرضها الأصدقاء هنا هي [بطبيعة الحال] تحليلات ومقترحات طلابية، وهي مفيدة. أيْ يجب علينا حقّاً، أمثالي - أنا العبد - وسائر المسؤولين الذين يتولّون إدارة مختلف قطاعات البلاد، أن نستمع إلى هذه [المقترحات] ونفكّر فيها ونطالعها. بعض هذه المقترحات قابلة للتنفيذ تماماً بنحو عمليّ، فليتابعوها، وبعضها قد لا يُتاح تنفيذها على أرض الواقع. بالطبع، ما قاله شابّنا العزيز بأنْ فلترسلونا إلى فلسطين، يبقى في دائرة الكلام، وإلّا كونوا على ثقة لو كان من الممكن إرسال الشباب إلى فلسطين لتمّ قبل أن تطلبوه. وللانصاف فإنّ الأصدقاء يحللون ويفكّرون - وهذا واضح من المواضيع التي يتحدث عنها ممثل كل منتدى ومن البديهي أنها أنجزت في ذلك المنتدى، ومن الطبيعي أن يكون الأمر كذلك، بأنْ تكون قد جرت دراستها من كلّ جوانبها، وتُذكر هنا؛ جيد جداً، لا إشكال في ذلك - يجب أن يُذكر هذا - ولكن يجب الحرص أولاً على أن تكون المقترحات واقعية، وثانياً أن تكون مدروسة بالمعنى الحقيقي الكلمة. حسناً، قال أحد الأصدقاء إنّ هناك تصوّراً مفادهُ وجود اختلاف في رأي قائد الثورة الإسلاميّة إزاء قضيّة «العدالة» عمّا كان عليه في العام 1380ه.ش. (2001م). إذا كان ثمّة اختلاف فإنّه لناحية الإصرار بشكل أكبر على قضيّة العدالة، ولأنّ تقدّمنا في اتجاه العدالة كان محدوداً، نحن نصرّ أكثر على هذا الأمر؛ إذْ لا يتخلّى أحدٌ عن العدالة، ولكن يجب فهم جوانب القضية ودراستها وتقييمها، وينبغي ألّا يُشار إلى الأفراد؛ يجب تجنّب الإشارة إلى الأفراد من خلال هذه التصريحات.
والتفتوا إلى هذا أيضاً بأنّه يعمل اليوم في أجهزة الحكومة أشخاصٌ شاركوا قبل أعوام قليلة مثلكم في هذا اللقاء وألقوا كلمات هنا، أي هذا هو التوقّع الذي كنت أعبّر عنه دائماً بأنْ يحضر الطلاب الجامعيّون الشباب في مراكز الإدارة الوُسطى بل العُليا ويعملوا، وقد تمّ تحقيق هذا التوقّع الآن. أي ثمّة شبابٌ كثيرون كانوا يشاركون حتى الأعوام القليلة السابقة في اللقاء الطلابي وهم مشغولون اليوم بالعمل في مراكز الإدارة ومختلف المسؤوليّات. هذه حقيقة. حسناً، ينبغي لهذه النظرة إلى هذه الوقائع أن توجّه أذهان الطلاب الجامعيّين الشباب اليوم نحو الجهة الأقرب من حل عُقد المشكلات. هذا هو توقعي. وعلى كل حال، أشكر الأشخاص الذين ألقوا كلمات هنا فرداً فرداً، وإن شاء الله سأنظر في كتاباتهم، أو أطلب تلخيصها [ثم] أنظر فيها. وأتوجّه بالشكر إلى القارئ الموقر الذي قدم تلاوة ممتازة. كما أتقدم بالشكر الجزيل إلى مقدّم النشيد ومقدّم اللقاء بأكمله.
حسناً، إنها الأيام الأخيرة من شهر رمضان. أنتم شبابٌ، ولديكم قلوبٌ نقية، وهذه ليست مجاملة، بل هي حقيقة. إن الصيام وتلاوة القرآن وأدعية الليل والسحر والنهار لها تأثير مضاعف فيكم مقارنة بأمثال هذا العبد. حتماً أنتم حصلتم على النورانية طوال [شهر رمضان] هذا العام؛ فلتسعَوا للحفاظ على هذه النورانية. والسبيل إلى ذلك هو اجتناب المعاصي. قد لا يلتفت الإنسان أحياناً إلى أن بعض المعاصي هي فعلاً معاصٍ، فالكثير من أقوالنا وتصريحاتنا التي نطلقها في الفضاء المجازي تحتاج إلى تقديم إجابات، إذاً يجب توخي الدقة؛ ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾[2]. يجب على الإنسان أن يقدّم إجابة. لا بدّ من الالتفات إلى أنّنا إذا عرفنا ما هي سلوكياتنا الخاطئة يغدو إصلاحها ممكناً، وتغدو التوبة عنها ممكنة، وكذلك الاستغفار منها يتحقق. أمّا في حال لم يعرف الإنسان أخطاءه، فإنه لن يتوب منها، وتبقى وتتراكم، وتسلب القلوب نورانيتها، وسيكون الأمر مدعاة للأسف لأنّ قلوبكم نورانية حقاً. اجتهدوا للمحافظة على هذه النورانية - التي غدت أكبر في شهر رمضان - بترك المعصية وبالصلاة في موعدها - ولتكن جماعةً قدر الإمكان - وبالمراقبة الدقيقة لتصريحاتنا. كما أشاروا[3]، أنا لا أوصيكم بالتحفّظ أبداً؛ ولا أقول لا تنتقدوا، وألّا تمتكلوا هواجسَ، ولا تُشْكِلوا؛ كلا، هذه ليست توصياتي على الإطلاق. توصيتي هي أن تتوخوا الدقة في ما تقولونه، وأن تضعوا في الحسبان ألّا نرتكب من خلال هذا القول والخطاب والكتابة، ما لن نستطيع أن نقدّم إجابة عنه لاحقاً.
طبعاً، بحمد الله، كان شهر رمضان هذا العام شهراً جيداً، وخاصة رواج القرآن، إذْ كانت تلاوة القرآن مبعثاً للسرور بشكل كبير بالنسبة لي. كثير من الأشخاص وحتى من الناشئين، وفي مدن مختلفة، كانوا يتلون القرآن بكيفية جيدة وبسلاسة، وبعضهم كانوا يتلون القرآن غيباً؛ كانت هذه من أعظم أمنياتي التي أرى أنها تتحقق، وقد تحققت، بحمد الله. أشكر الله كثيراً.
ولتأنسوا بالقرآن بقدر ما تستطيعون، فكل شيء موجود في القرآن، ويُنال بالتدبّر في القرآن. طبعاً ينبغي أن يكون هذا التدبّر مصحوباً بالإرشاد. جرى ذكر اسم المرحوم الشيخ المصباح (اليزدي) - رضوان الله عليه -، وتجدر الاستعانة بكتب سماحته. للحق والإنصاف، إنّ فكر هذا الرجل العظيم مساعدٌ للشباب على التحرك الفكري الصحيح. الهيئات النشطة في هذا الشهر، وإفطارات الشوارع في هذا الشهر، هذه كلها أمور قيّمة.
قمت بتدوين بعض المواضيع، ولا أعرف إذا كان الوقت سيكفي لها، لكنني سأختصرها. المواضيع الرئيسة التي أريد التحدث عنها؛ أحدها قضية الطلاب والتحصيل الجامعي، وبالتحديد مجال الأعمال الطلابية، والآخر عن الجامعة، وبضع نقاط أيضاً عن المنتديات الطلابية.
بما يخصّ الطالب الجامعي. حسناً، الطالب الجامعي عنصر شاب واعد مفعم بالطاقة والحافزية. أنتم تطلّعون إلى ما هو أمامكم، إن شاء الله، أمامكم ستون أو سبعون سنة من المستقبل؛ أمامكم عالمٌ [بأسره]. طبعاً، مع هذه الخصائص، ثمة توقعات من مجتمع الطلاب هذا؛ فهو شاب، ومفعم بالطاقة، وواوعد، ومتعلّم، وهو من أهل الدراسة والعلم والبحث والفكر وما إلى ذلك. وبطبيعة الحال، يجب أن يكون فعّالاً وحساساً تجاه المستقبل. ما أصّر عليه هو أن يتطلعّ الطلاب الجامعيّون إلى المستقبل. أنتم اليوم تُشْكِلون على قضايا البلاد الحالية، والمثال على ذلك الكلمات التي ألقيت هنا اليوم، ويوجد عشرة أضعاف هذا الكلام بالنسبة إلى الوضع الحالي للبلاد، وربما يوجد إشكالات أكثر - لا بل قطعاً يوجد وليس ربّما - إنها موجودة بالفعل. نعم، إذا نظرنا اليوم إلى المستقبل، وفكّرنا من أجل المستقبل، وخططنا وأعددنا للمستقبل منظومةً عمليةً وكذلك قِيَمِيّةً، حينئذ يكبر أملنا بأن هذه المشكلات ستنتفي في المستقبل. هذه الأمور هي من بين توقعاتي من مجتمع الطلاب الجامعيين. طبعاً، تحدثنا ببعض المواضيع في مثل هذه اللقاءات منذ سنوات وألاحظ اهتمامكم بها، واليوم كنتم تشيرون إليها، وفي حالات أخرى يُذكر أيضاً بالتفصيل أنكم أشرتم إلى الموضوع الفلاني؛ نعم، لقد قلنا أموراً كثيرة [ولكن] كم من تلك الأمور جرت متابعتها؟ أعني البيئة الطلابية؛ ما مدى متابعة تلك الأقوال بشأن البيئة الطلابية؟ لا يمكن الإشكال دائماً على المديرين الحكوميين، ينبغي أن نُشْكِل على أنفسنا أيضاً.
انظروا اليوم، وفكروا من أجل الغد، ومن أجل المستقبل، وارسموا تصوّراً صحيحاً، ومستقبلاً محدّداً من ناحية الأنظمة القِيَميّة كما من ناحية أنظمة البرامج والعمل، وحدّدوا السبيل للمضي نحو ذلك المستقبل، وتقدّموا خطوة إثر خطوة؛ ولا حاجة للاستعجال أيضاً. نحن لسنا في حاجة أبداً للاستعجال؛ فطريقكم العادي، يُوصلكم إلى الهدف. لا جرم أنّ الوضع بعد خمس سنوات سيكون أفضل من اليوم؛ أي لا شكَّ في ذلك؛ [طبعاً] إنْ عملنا بما نفكّر، وقد عرضتُ له.
وبالطبع ينبغي الانتباه إلى أنّ المهمّة الأساسيّة للطالب هي الدّراسة و[تحصيل] «العلم» - سأتناول لاحقاً هذا الأمر إنْ توفّر الوقت - لكن إلى جانب [الشأن] الطُّلّابي والعمل العلمي، فإنّ الرؤية المستقبلية، والنظر إلى المجتمع والناس، والمشكلات، من ضمن مهام الطالب الأكيدة. وإن أردنا لهذا الهدف أن تتحقق؛ أي أن يصبح الغد أفضل من اليوم، فينبغي لنا أن نضع لأنفسنا أهداف محدّدة. ومن أجل أن نعثر على الأهداف المحدّدة، ونعلم وراء ماذا ينبغي الرّكض، ووراء ماذا ينبغي الذهاب، ومن أجل ماذا ينبغي التّحمّس والسّعي، فنحن في حاجة إلى أن نعرف وضعنا. هذه الأمور التي أتحدث عنها، قد تكون بالنسبة لكم عملاً ممكن التحقُّق من حيث وضعكم، وفكركم، وسلوككم، بيد أنّها ليست كذلك في الوسط الطلّابي العام؛ يجب أن تسعَوا ليُصبح هذا المطلب، وهذا الهدف، شاملاً في الوسط الطلّابي، وسأعرض [لهذا] الآن.
أوّلاً، ينبغي علينا أن نتعرّف بنحو صحيح إلى موقعنا وكينونتا الراهنة. وعلى الطّالب الشاب المعاصر أن يعلم أنّه فتح عينيه في نظام ثوريّ، ونما، ووصل إلى [المرحلة] الطلّابيّة، وتوصّل إلى الوسط العلمي، وتقدّم إلى هنا؛ في نظام ثوري. ينبغي علينا أن نعرف هذا أوّلاً؛ كثيرون غافلون عنه. فما معنى النظام الثوري؟ يعني النظام الذي ظهر إثر سلسلة من النّضالات الشّاقّة والمعقّدة، ومع حقائق مريرة؛ أي النّظام الذي ظهر بالنّضال. لم يكن الأمر كذلك في عهد صِبانا، هناك حيث كنّا نعيش؛ فلم يظهر النظام حينها بكلّ مشكلاته على أثر دافعٍ ما، وعلى أثر هدفٍ ما، وتفاصيل الأمر هي الآن كثيرة؛ بيد أنّ هذا النّظام الذي تعيشون فيه، ظهر بالنّضال، وبالمشقّة، وبالسّعي. وإنّ أكثر حقائق حياتنا المعاصرة أصالة، هو أنّ النظام نظام ثوريّ. ومن الممكن، لا بل أنّ الأمر كذلك، ألّا تكون كثيرٌ من المطالب الثوريّة قد تحقّقت، نعم صحيح، ونحن حتماً على يقين من هذا، أمّا اليوم ففي النظام الموجود الانتظارات منه مرجوّة؛ لماذا؟ لأنّه نظام ثوريّ. إذن، لا بدّ من أن نلحظ دائماً «ثوريّة النظام» بوصفها حقيقة.
الصّراع الذي خلقه هذا النّظام مقابل مَنْ كان؟ هذا أيضاً مهم. من الذي حُورِب؟ ومع أيّ شيء، ومع أيّ حقيقة جرى الصّراع؟ هذا مهم؛ لنعلم كيف كنّا بالأمس. تحديد حقائق اليوم، والحكم السّديد عليها سيتحقّق في حال علمنا من أين انطلقنا، وما الحقيقة التي كانت مهيمنة على البلاد. وأنا أقول: كان طرف هذا الصّراع المشحون بالأحداث، والمُعقّد بشدّة، والذي جرى على مدى سنين طِوال، هو عبارة عن نظام فاسد وخائن - كان فاسداً كما كان خائناً - وهو الحكومة البهلوية المُرتهنة؛ ينبغي علينا ألّا ننسى هذا. كانت سِمة ذلك النّظام الفاسد ما يلي:
أوّلاً، كان يقبع على رأس البلاد أُسرة حافلة بالإشكالات والإيرادات؛ «أُسرة» واحدة! أي حكومة وراثيّة وإرثيّة، بالذّات أُسرة هي أوّلاً دون الشأن ووضيعة، وثانيّاً، كانت مُبتلاة بكلّ أشكال الفساد. هؤلاء كانوا على رأس البلاد، هكذا كانت بلادنا. عندما تنظرون إلى [وضع] إيران اليوم، انظروا كيف كان؛ كان يوجد على رأس هذا البلد العظيم، والعريق والأصيل، عناصر كهؤلاء، وكانوا يمارسون الحكم على هذا الشّعب وعلى هذا البلد.
وكانت الإدارة من حيث طبيعتها إدارة استبداديّة، ولم يكن للشعب دور فيها على الإطلاق. ها أنتم الآن تطلقون شعارات، وهي أيضاً شعارات صائبة، أنّه ينبغي على النّاس أن [يفعلوا] كذا وكذا. قارنوا هذا المقدار من المشاركة والانخراط في شؤون البلاد الذي هو اليوم للشعب مع الماضي؛ ومن أين انطلقنا، وإلى أين وصلنا. لا بد من الاقتناع بما نحن عليه؛ هذا من ضمن مسلّماتنا. لم يُكن يُؤبه مطلقاً في ذلك النظام بمطالبات الناس، ولم يكن يُعتدُّ أصلاً بالنّاس في أيّ شأن وفي أي قضية.
ومن الناحية السياسيّة، فقد كان ذلك النظام نظاماً سياسيّاً عميلاً؛ موجّهاً رسميّاً من القوى الخارجية المهيمنة؛ ففي حين إنجلترا، ومن ثمّ أميركا. مثلاً كان يأتي أحياناً [شخصٌ] كنادر شاه، ويسيطر على البلاد بقوّته؛ نعم، هذا تسلُّط، واستبداد، لكنّه هو من أتى بنفسه؛ [في حين أنّ] النظام السابق لم يكن كذلك؛ أصحاب السلطة القمعيّون، والمستبدون، والظالمون، والقَتَلة، نعم كانوا كذلك لكنهم لم يأتوا إلى السّلطة بأنفسهم، بل جيء بهم، من أمثال رضا بهلوي أو محمد رضا؛ فقد كانوا مرتهنين، وكانوا عملاء. حينها، وفي الوقت الذي يتصرفون فيه باستبداد في الداخل، كانوا أمام الأجانب خانعين مُطيعين: «ليكن رئيس الوزراء فلاناً، وليكن الوزير الكذائي فلاناً، وليكن المسؤول عن شراء الأسلحة في وزارة الدفاع فلاناً»! كانوا يقبلون تحكُّم الأجانب في كل هذا.
وكانوا من النّاحية الثقافيّة يقتاتون على فُتات المحصولات الغربيّة البالية؛ أي إنّ بقايا الثقافة الغربيّة كانت بالنسبة لهم أمور مرغوبة، وقابلة للترويج، وكانوا يُروّجون لها أيضاً.
ومن الناحية الاجتماعيّة، كانت الفوارق الطبقيّة كبيرة، وكان التمييز يفوق العادة، ولم يكن للعدالة معنىً، وكانت المحسوبيات من الأمور المتفشيّة بين الجميع. وكان كلّ من له صِلة بالقصر وبالجهاز [الحاكم] يتصرّف بسهولة في أموال الناس ويتعدّى عليها. كنت أصعد المنبر في عام 1343ه.ش. (1964م) في جرجان؛ وكان [الأهالي] يأتوننا هناك، ويذكرون القضايا [التي تجري عليهم]، ومع أنّه كان صعباً أيضاً؛ أي حقيقة كان من الخطر أيضاً حينها أن تُذكر هذه الأمور، إلّا أنّهم كانوا يأتون ويذكرونها. في طهران كانوا يضعون ورقة صغيرة في يد ضابط متقاعد، وكان يأتي إلى هناك [جرجان]، ويمضي إلى مزارع الناس، وكان يقول: هذه [الأرض] ملكي، اجمعوا [أثاثكم] وغادروا. كان [صاحب المزرعة] يقول: لماذا يا سيد؟ فهي ملكي، وهي أرضي، ورثتها عن أبي. فكان يقول: لا طائل من هذا الكلام! وكانوا يشغلون الجرّار، ويدمّرون كل ما كان يملك، ويسيطرون على المزرعة؛ تماماً كما يفعل مستوطنو الكيان الصهيوني مع النّاس في الضّفة الغربيّة، فهؤلاء أيضاً كذلك، يذهبون ويدخلون العقار المملوك، ويدمّرون البيت، ويدمّرون العقار، ويقولون: هذا ملكي؛ هذا الأمر نفسه كان يحصل في إيران. كنت أذهب من مشهد نحو قوتشان، فرأيت مرة أن جزءاً من الطريق، على اليسار - ولا أذكر الآن أكان بين مشهد وقوتشان أم بين قوتشان وشيروان - قد سيُّج لعدة كيلومترات؛ وقد كانت تمضي السيارة هكذا ولم يكن ينتهي! فإمّا كان أسلاكاً شائكة، أو كان قضباناً، لا أذكر. فاستغربت؛ وسألت: ما هذه؟ فقالوا: هذه أراضٍ [استولى عليها فلان]. كان شخصاً معروفاً حينها، لا أريد أن أذكر اسمه؛ كان بهائياً، من أقارب رئيس الساواك - كان نصيري هو رئيس الساواك، وكان هذا من أقاربه - كان قد استولى بالكامل على أراضي هؤلاء الناس بمعونة قرابته منه. كان يأتي، ويطرد النّاس من بيوتهم، ومن مزارعهم، ومن حقولهم؛ إلى هذا الحد كان الوضع هكذا.
ومن النّاحية العلميّة والتقنيّة، انظروا، لأكثر من أربعين عاماً والجامعة كانت قائمة في هذه البلاد؛ فأيّ فكر علميّ جديد خرج من جامعة العهد البهلوي ذاك؟ رغم وجود أساتذة جيّدين حينها. لقد كان عدد من أساتذتهم خريجين من جامعات العالم المعروفة؛ كانوا قد درسوا، وتعلّموا؛ كان هناك الدكتور حسابي، وكان هناك الدكتور رياضي، وكان هناك المرحوم المهندس بازركان؛ كان هناك أشخاص من هذا القبيل الدّارسين والجيّدين. لم يكن لديهم مشكلة من حيث الأستاذ، لكن هذه الجامعة لم تقدّم أي مُنتَج؛ لم يكن لديها منتجٌ علميّ، ولا تقدُّم تقنيّ وصناعي، ولا هي قدّمت فكراً إداريّاً جديداً للبلاد. كان هذا هو الوضع العلمي والثقافي لهذه الجامعة. وكانت هذه المسألة وهي أنّه لا يمكن للإيراني أن يتوصّل إلى التقنيات العالية والدقيقة، من ضمن البديهيات، وكانت من ضمن المسلّمات أنّ الإيراني غير قادر على نيل المناصب العلمية الرفيعة، والوصول إلى الخطّ الأمامي للعلم.
وعلى صعيد الهويّة الوطنيّة، كانت إيران تعدّ تابعاً سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً لدولة ما - أيّ جهة كانت - أي كان هذا من المُسلّمات آنذاك! كان وضعاً كهذا [سائداً]. وثمّة كلام كثير من هذا القبيل حول ذاك النظام الذي كان حاكماً في إيران ما قبل الثورة، والذي حاربته الثورة، وظهرت لمناوأته. كان بحقّ وضعاً مُخزياً.
بدأ النضال في أوائل العقد العشرين من قبل أصحاب الأفكار المختلفة، والمباني المختلفة - بعضها ماركسيّة، وبعضها مناوئة للماركسيّة، وبعضها ما بين الماركسيّة وغير الماركسيّة، وبعضها إسلاميّة إلى حدٍ ما، وبعضها وطنيّة - وكانت ذروته نهضة [تأميم] النفط الوطنيّة، التي وقعت بقيادة المرحوم مصدّق والمرحوم الكاشاني، وأخفقت. وقد أُهين الإيراني في النّهضة الوطنية [لتأميم النفط]! أي إنّ الأميركي جاء بحقيبة من المال، وبحقيبة من الدولارات وجلس داخل هذه السفارة الإنجليزيّة، وأحدث مقرّاً، وأعطى مالاً للمتفلتين والأوباش والبلطجيّة وسائر الأفراد غير اللّائقين، وجمعهم، وأطلقهم؛ [في الواقع] جرى الانقلاب عبر الحُثالة، ولم يكن أيضاً انقلاباً عسكريّاً بالمعنى الحقيقي؛ فأسقطوا الحكومة وعاد الملك الذي كان قد فرّ؛ فأُهينت إيران بالفعل. ودولة تسقط حكومتها بهذا النحو، حقيقةً كان يُعد مهانة للإيراني.
هذا، ومن ثمّ ففي صورة الحلقة المتكاملة الأخيرة لهذا النضال، كان نضال الشعب بقيادة علماء الدين؛ وكانت هذه النهضة متكاملة بريادة وزعامة علماء الدين وقيادة الإمام العظيم؛ فاستفاد من تجارب الماضي كلِّها، ولأنّ الدين كان حاضراً ولأنّه كان عالماً دينيّاً؛ استطاع تعبئة النّاس، وإنزال القوّة الوطنية إلى الميدان. وعندما نزلت القوّة الوطنيّة إلى الميدان، وكانت قيادة سديدة أيضاً تُمسك بزمام الأمور، فطبيعي أنّ يمضي الأمر قُدُماً، وقد مضى قُدُماً، وانتصرت الثورة، وظهرت الجمهوريّة الإسلاميّة؛ وهذه هي حقيقتنا القائمة، فقد ظهرنا بهذا النحو، وهذه هي الهويّة التاريخيّة للشعب الإيراني المعاصر.
إنّ صلب هذه الثورة هو الجمهوريّة والإسلاميّة؛ الجمهوريّة كما الإسلاميّة؛ ولهذا أعلن الإمام «الجمهوريّة الإسلاميّة». وقد صوّت الشعب كلّه تقريباً للجمهوريّة الإسلاميّة؛ حتى من لم يكونوا يؤمنون بالإسلام، أيضاً صوّتوا للجمهوريّة الإسلاميّة. وفي ذلك الوقت نفسه، ظهرت شُبُهات حول أنّه كيف يمكن «للجمهوريّة» و«الإسلاميّة» أن تنسجمان معاً؛ أي هذه الشُّبهة أنّ السيادة الشعبيّة والجمهوريّة ومشاركة الناس، ورأي الناس، لا يتلاءم مع إطار الإسلام، وقد طرح كثيرون هذه الشُّبهة في تلك البداية للثورة، ولم يكن علماء الدين هم مُن أجابوا على هذه الشُّبهة، [بل] إنّ حُقوقيي البلاد البارزين هم من أجابوا على هذه الشُّبهة. والشُّبهة يمكن الإجابة عنها وهي واضحة بالكامل؛ أي إنّ الجميع أذعنوا [للجواب].
والآن، فمع هذه المقدّمة وهذه التوضيحات التي قُدّمت، قلت: إنّه ينبغي أن نسعى وراء الهدف. وبرأيي يمكن للجمهوريّة الإسلاميّة أن تُوجز أهدافها تحت عنوانين كُلّيين: أحدهما هو عبارة عن «إدارة البلاد بأسلوب إسلامي»، والعنوان الثاني «تقديم أنموذج لشعوب العالم من أجل إدارة جيّدة لبلدٍ ما»؛ هذان هما الهدفان. وينبغي عليكم أنتم أن تسعوا من أجل هذين الهدفين؛ وينبغي أن تفكّروا في السُّبل التي تساعد في تُحقيق هذين العنوانين الكُلّيين، وتعملوا عليها؛ وينبغي أن تكون المحافل الطلّابيّة، والمنتديات الفكريّة الطلّابيّة، والدراسات الطلّابيّة، والعلاقات الطلّابيّة مع المتخصّصين المؤمنين بالثورة، في هذه الجهة. فكروا وانظروا ما الذي ينبغي فعله من أجل تحقيق هذين العنوانين، وما السعي الذي ينبغي أن يُبذل، وما هي الطريقة والوسيلة لذلك.
أحدهما إدارة البلاد بأسلوب إسلامي. هذا وثمّة نقاش واسع حول إدارة البلاد بأسلوب إسلامي، أشير إلى ذلك ببضع كلمات، ولن يتسنَّ الوقت لتوضيح هذه الأمور، هي موجودة في نهج البلاغة، ويعلمها الكثير منكم؛ من قبيل كتاب أمير المؤمنين (عليه السّلام) لمالك الأشتر[4]؛ فالحكومة الإسلاميّة هي حكومة علويّة. قبل الثورة لم أكن - أنا العبد - في الخُطب التي كنت أعقدها للشباب، أذكر كلمة الحكومة الإسلامية؛ ذلك لأنّ جهاز الساواك كان حسّاساً تجاهها، كنت أقول: «الحكومة العلويّة». لم يكونوا يدركون ما معنى الحكومة العلويّة؛ فالحكومة العلويّة بمعنى هذه الحكومة الإسلاميّة نفسها. حسناً، والآن فإنّ الإدارة الإسلامية لبلدٍ ما - سواء على الصعيد المادي أو الصعيد المعنوي - ينبغي أن تقع في مسار التقدّم الدّؤوب ودون تقهقر. ولأننا نقول لتتقدّم على الصعيد المادي، فمعناه من حيث الرفاه العام، والأمن الجسدي والأخلاقي والعدالة. فما معنى العدالة؟ مثلاً يُبدي الأصدقاء وُجهة نظر حول العدالة؛ فطبيعي أنّه ينبغي إدراك العدالة بنحو صحيح. العدالة تعني «إلغاء الفجوة الطبقية في الاستفادة من الفرص العامة». يجب أن تكون كل الفرص متاحة أمام الناس بنحوٍ متساوٍ، لأنّ منح الامتيازات في الاستفادة من الفرص لهُوَ ظلمٌ وخلافُ العدالة. فلو أنّكم قلتم شيئاً ما عن شخصٍ، ونشرتموه في الفضاء الافتراضي أيضاً، ولم تتسنَّ له الفرصة لأيّ سبب كان ليردّ على كلامكم، فهذا مخالف للعدالة، وما هو بعدالة؛ [ذلك لأنّه] لم يُستفد من الفرصة المتساوية. لا تقتصر العدالة على المسألة المالية فقط، فقضايا المكانة وقضايا العمل والقضايا المهنية وكرامات الناس، هذه كلّها من الأمور التي ينبغي مراعاة العدالة فيها أيضاً. العدالة، والتقدّم العلمي، وتعزيز القطاع الصحّي، والمحافظة على السُّكان شباباً، وكلّ أشكال البناء والإبداع؛ فالإدارة الإسلاميّة للبلاد التي نتحدّث عنها بمعنى هذه الأشياء وأمثالها، وينبغي أن تتحقّق.
كلّ واحد من هذه الأمور عنوان بحدّ ذاته ويُمكن التفكير فيه وإنتاج فكرٍ خاصّ به. يجب إعداد فكر لكلّ واحد من هذه العناوين، وينبغي إعداد نظريّة - لا أرغب في استخدام كلمة «فكرة»، [لكن] ما أرمي إليه هو ما تعنيه «الفكرة» - ولابدّ من إعداد مشروع. هذا المُتوقّعُ منكم أنتم الطلّاب الجامعيّين والمجتمع الطلّابي، لا المنظّمات فقط.
كذلك الجانب الروحانيّ أيضاً: الأخلاق، التديّن، التعاون، نمط العيش الإسلامي، الإيثار، الجهاد وأمثال هذه الأمور. يجب توفير الفكر والنظريّات لهذه الأمور أيضاً، وكذلك إعداد المشاريع.
طبعاً، ليس المقصود بأن هذه الأمور لم يجرِ العمل عليها حتى الآن، بل تمّ ذلك إلى حدّ كبير، لكن ينبغي لكلّ الأفكار والنظريّات والمشاريع أن تتقدّم بشكل معاصر ويومي وهذا ما يحتاج إلى عملكم المستمرّ. طبعاً، إلى جانب هذا، يحمل المجتمع الطلّابي هواجسه الخاصّة ومطالباته وانتقاداته وأموراً من هذا القبيل، لكن يجب عدم نسيان هذه الأعمال.
في ما يرتبط بعرض الأنموذج للعالم، حسناً، بعض الأشخاص عندما نلفظ اسم العالم والمجتمعات العالميّة، يبتسمون [ويقولون] «يا للعجب! يريدون إعمار العالم!» نعم طبعاً، وما الضّير في ذلك؟ ما الضّير في أن يشحذ مجتمعٌ ما الهمم بهذا النحو، وتكون لديه أيضاً هذه الأهليّة والقدرة لأن يؤثّر على العالم ويسوقه نحو الإصلاح؟ هذا يعني إضمارُ الخير للناس حول العالم. يقول أمير المؤمنين (عليه السّلام): فَإنَّهُم صِنفان، هؤلاء النّاس ينقسمان إلى صنفين: «إمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَإمَّا نَظيرٌ لَكَ فِي الخَلق»[5]؛ فعلى أيّ حال بعض الأشخاص لديهم مذهبكم نفسه ودينكم نفسه، وهم إخوة لكم، وبعضهم ليسوا إخوة لكم، لكنّهم بشرٌ في نهاية المطاف، وهم أناس، ويجب أن تُضمروا الخير لهم وتفكّروا لأجلهم. ما المشكلة في ذلك؟ عرض الأنموذج قد تمّ حتى الآن إلى حدّ ما. ولأقُل هذا بنحوٍ حاسم: رغم أنّنا نعاني التقصير في العديد من الأمور، ونعاني أيضاً التخلّف فيها، لكنّنا متقدّمون حتماً في هذا المضمار وقد تمّ إنجاز بعض الأعمال وأنتم ترونها ماثلة أمامكم اليوم بأمّ العين. يجب أن تعلموا أنتم الطلاب الجامعيّين الشباب الأعزّاء أن كثيراً من هذه الأحداث التي تثير حماستكم على مستوى المنطقة والعالم وتتباهون بها هي مرتبطة ببلدكم ولها صلة بمجتمعكم وثورتكم.
لقد دوّنت بعض الأمور الأخرى في ما يرتبط بالطالب الجامعي، ولم يعد أمامنا متّسعٌ من الوقت. لأتحدّث [ببعض الأمور أيضاً] حول الجامعة.
لاحظوا، بخصوص الجامعة، ولابدّ أن الوزير الموقّر حاضرٌ هنا، ولابدّ أنّ المسؤولين الجامعيّين موجودون أيضاً، أوجّه الخطاب وأقول: إذا أردنا تعريف الجامعة، فإنّ «العلم» هو الرّكن الأساسي للجامعة، إنّه المعرفة. طبعاً، في ما يرتبط بتعريف الجامعة، هناك عناصر أيضاً في الجوانب السياسيّة والاجتماعيّة وأمثال هذه الأمور، لكنّ العلم هو الأساس. لدى الجامعة مسؤوليّات أساسيّة ثلاثة. أرجو أن يلتفت الإخوة المسؤولون الجامعيّون! ولتلتفتوا أنتم الطلاب الجامعيّين أيضاً! [الجامعة] لديها ثلاث مسؤوليّات أساسيّة: الأولى تربية العالِم، والثانية إنتاج العلم، والثالثة التوجيه في تربية العالِم وإنتاج العِلم؛ هذه هي. حسناً، بالنسبة لجامعات العالم فهي تربّي العالِم، وتُنتج العلم أيضاً لكنّها متعثّرة في هذا الرّكن الثالث، لماذا؟ لأنّ نتاج العلم وتربية العالِم تجعله أداة بأيدي القوى الصهيونيّة والقوى الاستكباريّة حول العالم.
ولجامعتنا أقول يجب أن تهتمّ كلّ أركانها بهذه النقاط الثلاث؛ يجب أن يكون المدير، الأستاذ، الطالب الجامعي، النصّ الدراسي، الآليّات التعليميّة، يجب أن تكون كلّها مسخّرة لخدمة هذه الاتجاهات الثلاثة.
يجب أن نضاعف الكنز العلمي في البلاد وأن نُغني البلاد من الناحية العلميّة. ما الذي يرفع من شأنيّة إيران الإسلاميّة ومكانتها في العالم؟ إنّها الجامعة والمراكز البحثيّة والعلم. لقد تقدّمنا في الجانب العلمي، وتقدّمنا من ناحية نتيجة العلم وهي التكنولوجيا. إنّ جانباً مهمّاً من مكانتنا في العالم اليوم يرتبط بهذا الأمر. يجب أن نُبقيَ على الأمر ونحافظ عليه. طبعاً، لا تحبّذ القوى الاستكباريّة مثل هذا النوع من الجامعات لنا. لقد دوّنت [أيضاً] بعض الصّفحات حول الجامعة لكن داهمنا الوقت وقد اقترب موعد رفع الأذان.
بخصوص المنظّمات [الطلابيّة]، وأنتم جميعاً تنتسبون إليها. ما أتوقّعه من المنظّمات كبيرٌ جدّاً. وهذا القَدر من التوقّعات تجاه الحكومة والنظام وشخصي أنا الحقير الذي عبّرتم عنه هنا، فلتعلموا أنني أتوقّع منكم أضعافه. نعم ما أتوقّعه من المنظّمات [الطلابيّة] كبيرٌ جدّاً. إنّ التوقّع الأوّل هو أنّه تأثيركم في البيئة الطلابيّة، فهذا الأثر لا يُرى وقلّما يُرى. أنتم منظّمات. يجب أن تكون عين المنظّمات في الدرجة الأولى على داخل الجامعة. فغالباً ما تكون نظرتكم بالدرجة الأولى إلى خارج الجامعة.
انظروا إلى خارج الجامعة [أيضاً]، وكما أسلفتُ القول، احملوا الهواجس وانتقدوا وأوردوا الإشكالات وقدّموا الحلول. هذه أمور حسنة، لكن الأفضل من هذه والأشدّ ضرورة هو أن تنظروا إلى داخل الجامعة وتعملوا عليها. تقصّر منظّماتنا في العمل داخل الجامعات، هذا التقصير في العمل حقيقة موجودٌ. ما الذي يجري في الجامعة؟ ما الذي يحدث في الصفوف؟ ما الذي يجري في الأطروحات؟ يرى عدد من الأشخاص اليوم في جامعات إيران الإسلاميّة والتجمّع الجامعي في البلاد أن شأنيّة الطالب الجامعي الإيراني ومكانته مشروطتان باتّباع الغرب! هذا مسعى قائمٌ الآن. تبلغني بعض الأخبار - الأخبار المعتبرة والموثّقة - أنّه يُعمل داخل الصفّ وخارجه على جعل الطالب الجامعيّ يتحرّك ضمن هذا الاتّجاه. حسناً، من يتوجّب عليه الوقوف بوجه هذا الأمر؟ عناصر قوى الأمن؟ يجب أن تنشطوا في هذه القضيّة وألّا تسمحوا بذلك. هناك بعض الأشخاص - وأنا رأيت أمثالهم في الجامعات - حيث قام أستاذٌ بالدفاع في الصفّ عن تقسيم البلاد! أي إنّ أحد الأساتذة دافع بتعبيرٍ معيّن عمّا لا يعتقد به المعادون لثورتنا أيضاً، عن تقسيم البلاد! وجّهت تنبيهاً حينها لرئيس تلك الجامعة، لكن لم يقدم حينها على الخطوة السليمة. هذا العمل مهمّتكم أنتم.
قوّوا أنفسكم من ناحية الركيزة النظريّة والفكريّة، فهذا أمرٌ ضروري. إذا لم تُقوّوا أنفسكم من الناحية النظريّة، ولم تُقوِّ المنظّمات نفسها، فسوف يبرز خللٌ في أعمالها. ولن يكون بمقدورهم نشر الفكر الثوري، ومن الممكن أيضاً أن يتآكلوا، كما حدث هذا الأمر في بعض الحالات. يتمّ العمل باسم الإسلام بما يتعارض مع الفكر الإسلاميّ، وتصدر البيانات وأمورٌ من هذا القبيل.
أحد التوقّعات هو هذا: أن تكون لديكم رؤية ناقدة لكن أن تكون نظرتكم شامخة وفخورة تجاه أنواع التقدّم في البلاد. حسناً، أنا ألاحظ حصول الكثير من التقدّم في العديد من قطاعات البلاد، لماذا لا تنعكس هذه الأمور في تصريحات المنظّمات؟ نعم، ينبغي أن تصرّحوا بالانتقادات، ولا شكّ في هذا الأمر، لكن فلتفخروا ولترفعوا رؤوسكم في ما يرتبط بمختلف القطاعات التي أُنجزت فيها أعمالٌ مهمّة وجيّدة. على أيّ حال، إنّ المنظّمات الطلابيّة من الفرص العظيمة للبلاد، وأعدّ المنظّمات الطلابيّة - أعدّكم جميعاً - من ضمن الفرص العظيمة. أعلم أنّكم تختلفون في الآراء، ولديكم اختلافٌ في المسلك كذلك الأمر، ولا ضير في ذلك، [لكن] الاختلاف الفكري غير الإمساك بياقات الآخرين والتشاجر. ما ذكرته في بداية العام[6]، وكرّرته لاحقاً، أكرّره مجدداً، وأنهى عنه، ألا وهو موضوع الخلافات. ينبغي ألّا ينتهي الاختلاف في الآراء بالشجار والتنازع بين هذا وذاك. لديكم اختلاف، لا مشكلة في ذلك، لكن وجود المنظّمات من الفرص العظيمة للجامعة. حسناً، أعتقد أنّ الأذان رُفع من دقيقتين أو ثلاثة أيضاً، كان اللقاء رائعاً جدّاً.
إلهي! نُقسم عليكَ بمحمّد (ص) وآل محمّد (ع) أن تجعل شبابنا الأعزّاء هؤلاء يعيشون مستقبلاً عذباً ومحبّباً وفي عداد الجنود والمجاهدين العظام للإسلام، ثبّت أقدامهم على هذا النّهج. إلهي! بمحمّد (ص) وآل محمّد (ع)، انفع الشعب الإيراني بمجموعات الشباب الأعزّاء هؤلاء بالمعنى الحقيقي للكلمة. إلهي! اجعل قلوبنا جميعاً وقلوب هؤلاء الشباب بشكل خاصّ محافظة على نورانيّتها. ارضِ عنّا القلب المقدّس لصاحب الزمان (عج)، وارضِ عنّا الأرواح المطهّرة للشهداء والروح المطهّرة للإمام [الخميني] الجليل أيضاً.
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء الذي عقد في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك، أبدى ستة ممثلين عن المنتديات الطلابية آراءهم وانتقاداتهم ومقترحاتهم.
[2] سورة الإسراء، الآية 36.
[3] تعليقاً على قولٍ لطالب ممّن ألقَوا كلمات في هذا اللقاء.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، الرسالة 53.
[5] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص427، الرسالة 53.
[6] خطاب العام 1403 بتاريخ 20/3/2024م خلال لقاء فئات مختلفة من الناس.