كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادة، بتاريخ 07/11/2024م.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّدٍ، وعلى آله الأطيبين الأطهرين وصحبه المنتجبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أرحّب بالسادة الكرام، والإخوة الأعزاء، الأعضاء النشطين في «مجلس خبراء القيادة» المهم. أشكر السيد البوشهري على هذه الكلمة[1] المفصّلة والشاملة حول مجريات شؤون «مجلس خبراء القيادة» ضمن ذاك الملتقى؛ وطرح السيد البوشهري نقاط مهمة نيابة عن مجلس الخبراء. لقد تناولتم قضايا في غاية الأهمية؛ أتمنى أن تتابعوها وتطالبوا بها، وإن شاء الله يتم إنجاز العمل.
الموضوع الذي أعددته اليوم لأطرحه مع السادة، هو باختصار، أنّ «مجلس خبراء القيادة»، من حيث المفهوم، ومن حيث العنوان الذي تم تعريفه في الدستور والنظام، يُعدّ أحد المؤسسات الأكثر ثورية في جمهورية إيران الإسلامية. ما أقصده بـ«الأكثر ثورية» هنا هو بمعنى الأكثر ارتباطاً بالثورة الإسلامية؛ أيْ إن هذا المجلس يُعدّ أحد أكثر المؤسسات ثورية ضمن هذا المعنى. السبب وراء استخدامي تعبير «الأكثر ثورية» هو دور هذا المجلس في اختيار القيادة؛ فهذا أمر بالغ الأهمية، وهو دور فريد من نوعه، وبحمد لله، فإن «مجلس خبراء القيادة» مستعدٌّ لأداء هذا الدور، ولا بدّ أن يكون مستعدّاً. سأعرض بعض النقاط في هذا الصدد.
إن مكانة القيادة في هيكل النظام الإسلامي، وفي الإطار العام للنظام الإسلامي، تتحدد بنحو أساسي بالحفاظ على توجيه النظام نحو هدف الثورة؛ فهذه هي المسؤولية الأساسية للقيادة. لقد قامت الثورة من أجل هدف معيّن. طبعاً، كل الثورات لها أهداف أساسية، وعلى أساس تلك الأهداف، تُغيّرُ [الثورات] نظام الحياة، وتقلبه كُليّاً. إذا أردنا أن نلخّص هدف الثورة الإسلامية، فإنّه عبارة عن تحقيق «التوحيد» في حياة الناس في هذا البلد. «التوحيد» من الناحية المعرفية والمفهومية هو أمر قابل التوسع بحسب مراتب الفهم والمعرفة عند الأفراد؛ ويجب أن يتحقق هذا المفهوم في حياة المجتمع؛ أي يجب أن يتحقق التوحيد في المجتمع، لأن التوحيد هو الدين كلّه. أصل الدين، وكّل الدين، يتمثّل في التوحيد. هذا هو هدف الثورة الإسلامية، وبالطبع يحتاج [هذا الأمر] إلى نقاش وتوضيح وتبيين؛ ولا يسعنا المجال لذلك هنا.
لكي يقترب المجتمع الإسلامي من هذا الهدف، ويتحقق فيه مجتمع توحيديّ، هناك حاجة إلى بذل جهود، كما أن هناك موانع. دائماً ما تظهر موانع في الطريق نحو هذا الهدف، وهناك دوافع تسعى إلى منع هذه الحركة؛ نعم، هناك دوافع. إنّ التوجّه لدى هذه الدوافع هو منع الثورة والنظام من التقدم نحو هدفهما وتحقيقه، بل تسعى إلى إيقافهما، أو إرجاعهما إلى الوراء أيضاً؛ حتى وإن كان هذا الرجوع إلى الوراء، أو إلى الوضع الرجعي السابق، يتم عبر ثوب جديد وحديث، لكنه يبقى في جوهره كما كان في الوضع الرجعي السابق؛ نعم هناك دوافع لذلك. رأينا هذه الدوافع في ثورات أخرى، وقد نجحت، واستطاعت أن تمنع تلك الثورات من الوصول إلى أهدافها، وأن تُرجع حركة الثورات. على سبيل المثال، في الثورة الفرنسية الكبرى - التي تُعدّ واحدة من أكبر الثورات في عصرنا - لم يكن قد مضى على بدء الثورة سوى خمس عشرة سنة؛ حتى عاد الوضع كما كان عليه، أي عاد الحكم الملكي الاستبدادي الديكتاتوري إلى البلاد مجدداً، وأصبح الوضع كما كان عليه سابقاً. كل هذه الحركة الشعبية، وحركة المفكرين الفرنسيين المشهورين، والمساعي والجهود الشعبية، والخسائر، والقتلى، والمواجهات، كل هذه [الحركات والجهود] في الواقع ذهبت سدى، واندثرت في أقل من خمس عشرة سنة! تماماً كما حدث ذلك بشكل أسوأ في الثورة السوفييتية، التي كانت أيضاً ثورة كبيرة؛ الثورة السوفييتية الكبرى. هناك أيضاً حدث الأمر نفسه؛ في تلك الثورة أيضاً لم يمضِ أقل من عشر سنوات حتى اختفت تلك الادعاءات، والخطابات، والعدالة التي كانوا يتشدقون بها، وكذلك السيادة الشعبية الخاصة بالشيوعية التي كانوا يروجون لها. جاء ديكتاتور، شخصٌ متعجرف عاتٍ مثل ستالين، وتولّى السلطة، وانتهت القضية. هذا يعني أنّ الأمر يشكّل خطراً حقيقيّاً على جميع الثورات.
لقد تم التنبيه إلى هذه النقطة في القرآن الكريم، والتذكير بها، وليس مرة أو مرتين، بل ربما عشرات المرات. في آيات القرآن الكريمة، جرى الحديث بنحو متكرر عن الرجوع إلى الوراء، والعودة إلى الوضع الذي كان قد تخلّص منه الناس، ونجوا منه؛ سواء بالنسبة للمؤمنين، أو في خطاب موجّه للكفار كذلك. في بعض الحالات، يُنبّه الكفار إلى أنهم يتبعون نفس الأسلوب الذي كان متّبعاً في الماضي. مثل هذه الآية الشريفة من سورة التوبة: ﴿فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا﴾[2]. هذا يعني أن [الله] ينبّههم إلى أنهم يعيدون تكرار نفس الأفعال التي كان تُمارس في الماضي، ويخاطبهم: إنكم تتّبعون نفس ذلك الوضع السابق. أو في هذه الآية الشريفة من سورة إبراهيم: ﴿وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ﴾[3]، ثم يصل إلى: ﴿وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ﴾[4]؛ كما يوجد هذا التهديد والتحذير في آيات قرآنية متعددة [بوصفه] خطاباً للمؤمنين، وقد دوّنت منها آيتين أو ثلاث: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾[5]، وهي من سورة آل عمران المباركة. إذا غفلتم أو أطعتُم الكفار، ستحدث «الردّة»، أي ستحدث العودة إلى الوراء، والارتجاع؛ القرآن يحذّر. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾[6]، وهذه أيضاً في سورة آل عمران المباركة. وفي سورة البقرة المباركة: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾[7]. أو هذه الآية الكريمة، وهي أيضاً من سورة البقرة: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا﴾[8]؛ أي أن مسألة الرجوع إلى الوراء، والتوقف والعودة إلى الخلف، ليست قضية بسيطة، بل هي قضية مهمّة للغاية، وقد تطرّق القرآن إليها، كما إننا نشاهد حالات من ذلك في حقيقة الدنيا من التاريخ القريب من عصرنا؛ وقد رأينا ذلك في الماضي أيضاً.
حسناً، هناك عاملٌ ينبغي أن يكون موجوداً لمنع هذه [العودة إلى الوراء]، وهذا العامل في النظام الإسلامي هو «مكانة القيادة». لا بدّ أن تحول القيادة دون هذا الانحراف، وهذا ينطوي على درجة كبيرة من الأهميّة. إنّه مهمٌّ للغاية! إذاً، أهميّة «مجلس خبراء القيادة» تكمن في كونه المتصدّي لتحديد المسؤول عن هذه الوظيفة المهمّة جدّاً، [أي] إنّه المتصدّي لتعيين القيادة. هذا ما يجعل هذا المجلس مهمّاً. لذلك، قلنا إنّ [مجلس خبراء القيادة] يُعدّ من الأكثر ثوريّة، وهذه هي مكانته من ناحية المعنى. ومن حيث التطبيق، طبعاً قد تتباين الأمور، فأحياناً يتمّ النهوض بهذا العمل، ولا يتمّ في أحيانٍ أخرى. كما قد تكون لديه القدرة في ما يرتبط بالقيادة، وقد لا يكون قادراً. طبعاً، لا يمكن تصوّر «عدم الرّغبة» بشأن القيادة، بل الأمر يدور حول القدرة وعدمها.
هناك نقطة مهمّة أخرى بشأن قضيّة مسؤوليّة «مجلس خبراء القيادة» هذه، وهي تتعلق بالهدف من إنشاء «مجلس خبراء القيادة» وتأسيسه، فحركة النظام الإسلامي لا تتوقّف [عند غياب شخص معيّن]، أي لا يمكن أن تشهد أيّ توقّف. هناك «مجلس خبراء قيادة» يُحدّد الشخص الذي يليه، أي إنّ هذا التسلسل سيكون حاضراً بقوّة وعزم وبمنتهى القدرة. هذا الاستعداد لمجلس خبراء القيادة، وحضوره، يحمل مثل هذا المفهوم والمعنى. فلو أنّ هذا الشخص الموجود غاب، سيُبادر «مجلس خبراء القيادة» فوراً ويحدّد الشخص التالي. هكذا هو الحال.
حسناً، هناك معنى جانبيّ أيضاً في هذا السياق، وهو مهمٌّ جدّاً، وهو عبارة عن أنّ هذه التبديلات والتغييرات تُثبت أنّ النظام الإسلامي والثورة الإسلاميّة لا يعتمدان على شخصٍ معيّن، فالأشخاص لهم أدوار، ولهم مهام يجب أن يؤدّوها، وتقع على عاتقهم مسؤوليّات مهمّة يجب أن ينهضوا بها، لكن النظام لا يعتمد عليهم، وهو قادرٌ على مواصلة طريقه، حتى وإن لم يكن ذلك الشخص المعيّن موجوداً بينهم.
هذا ما بيّنه الله المتعالي بالنسبة للنبيّ الأعظم، وبالنسبة لأهمّ وأعظم شخصيّة في عالم الوجود: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾[9]؟ تخيّلوا، هذه الآية الشريفة مرتبطة بمعركة أُحد، أي في السنة الثالثة للهجرة. يُنزل الله المتعالي هذه الآية الكريمة، أي إنّه يُحذّر الناس. لهجة هذه الآية هي لهجة اللوم والمؤاخذة، بأنّكم أنتم الذين اضطربتم لشائعة قتل النبي (ص) مثلاً، وأطلقتم بعض التصريحات، هل لو غاب النبيّ، ﴿انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾؟ هذه مؤاخذةٌ قرآنيّة. افرضوا أنّ النبيّ لم يكن موجوداً في السنة الثالثة [للهجرة]، وكان النظام الإسلامي غير مكتمل بعد، ولم يكتسب بعد القدرات اللازمة، و[حينها] تمّ تغييب النبيّ عن هؤلاء أيضاً، في ظلّ هذه الظروف، يرفض الله المتعالي أن ينقلب الناس. ﴿انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾؟ هذه هي أهميّة قضيّة العودة، وعدم كون الأمور متوقّفة على شخصٍ معيّن.
حسناً، هذه مسؤوليّات مهمّة يتولّاها «مجلس خبراء القيادة»، أي إنّ أهميّة مكانة «مجلس خبراء القيادة» تتّضح ممّا ذكرناه بالمُجمل. طبعاً، هذه الأهميّة تُلقي بمسؤوليّة كبرى أيضاً على عاتق «مجلس خبراء القيادة»، وهي أنّ مجلس الخبراء ينبغي أن ينتهج في اختياره أقصى درجات الدقّة والاهتمام. يجب أن تُبذل أعلى درجات الدقّة والاهتمام. ذُكرت في الدستور شروطٌ للقيادة، ومن الواضح بطبيعة الحال أن أحد أهمّ هذه الشروط هو الاعتقاد القلبي الرّاسخ بمسار الثورة الإسلاميّة وهدفها. يجب أن يكون هذا الاعتقاد حاضراً. يجب أن يتوفّر الاستعداد للحركة المستمرّة دون تعب أو توقّف في هذا الطريق لدى أحدهم حتى يكون جديراً بهذه المسؤوليّة. ينبغي تحديد هذه الصفات لدى الأفراد، واختيار من يتّصف بها. هذا ما كنت أودّ قوله بشأن «مجلس خبراء القيادة».
تصادف هذه الأيّام الذكرى الأربعين لاستشهاد المجاهد العظيم في عصرنا، الذي لم يعرف الكلل، المرحوم السيد حسن نصر الله، رضوان الله عليه، ورفع الله قدره، وعظّم الله أجره. نُكرّم ذكرى سماحته، والشهيد هنية، والشهيد صفي الدين، والشهيد يحيى السنوار، والشهيد نيلفروشان، وسائر شهداء المقاومة. كنت أودّ ذكر هذا في مستهلّ كلمتي، وأقوله الآن. كذلك نُكرّم ذكرى شهداء مجلس [الخبراء] هذا، الشهيد رئيسي (رضوان الله عليه)، والشهيد آل هاشم (رضوان الله عليه) أيضاً. نسأل الدرجات الإلهيّة العالية لجميع هؤلاء الشهداء الأجلّاء.
هؤلاء الأجلّاء الذين ذكرت أسماءهم، المرحوم السيّد نصر الله، وسائر الشهداء الأعزّاء في هذه الأيّام، هؤلاء أعزّوا الإسلام للحقّ والإنصاف. لقد أعزّوا جبهة المقاومة أيضاً، ومنحوها قوّة وقدرة مضاعفة. جميع هؤلاء، الذين ذكرنا أسماءهم، كلّ واحدٍ منهم ضمن حدٍّ وكيفيّة معيّنة. عرجَ سيّدنا العزيز إلى المقامات السامية للشهداء، فنال ما كان يتمنّاه، ولكنّه ترك لنا هنا إرثاً خالداً، ألا وهو حزب الله. لقد شهد حزب الله نموّاً استثنائيّاً ببركة شجاعة السيّد، ودرايته، وصبره، والتوكّل المذهل الذي كان لديه، وتحوّل حقّاً إلى منظّمةٍ عجز العدو المدجّج والمسلّح بأنواع الأسلحة الماديّة والخطابية والدعائيّة والإعلاميّة وغيرها؛ عن التغلّب عليه، وسوف يعجز عن التغلّب عليه، إن شاء الله. لقد حوّل المرحوم السيّد حسن نصر الله حزبَ الله إلى مثل هذه الظاهرة.
إنّ المشاركة الواضحة والعلنيّة لأمريكا معروفة، وإنّ أيادي الحكومة الأمريكيّة غارقة في الدماء حقّاً. أمام الجرائم التي ارتُكبت في غزّة وفي لبنان، أمريكا شريكٌ واضح، والجميع باتوا يعرفون اليوم، وقد كان هذا يُذكر سابقاً كتحليل، وبات الجميع الآن يشاهدون ويرون. كذا هو حال بعض الدول الأوروبيّة. ما أؤكّد عليه هو أنّ أنواع الجهاد هذه، المتواصلة اليوم بحمد الله، بقوّة وقدرة، في لبنان، وفي غزّة وفلسطين أيضاً، هذا الجهاد سيستتبعه حتماً انتصارُ الحق؛ انتصارُ جبهة الحقّ، وانتصارُ جبهة المقاومة. هذا ما نعقد الأمل عليه. ووفق ما يُدركه المرء من مُجمل الأحداث، وكذلك من الوعود الإلهيّة، تبدو هذه النتيجة نتيجةً حتميّة.
بدايةً بسبب الوعد الإلهي. إنّ المصداق الأتمّ لهذه الآية الشريفة هو هذه الأحداث التي تقع هذه الأيّام: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾[10]. يقصفون الكنائس، والمستشفيات، والمساجد. أي إنّ ما يجري هو المصداق الأتمّ [لهذه الآية]. و«دفع الناس بعضهم ببعض» قائم؛ ما هي نتيجته؟ تُستكمل الآية بهذه النتيجة: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾. مع هذا التأكيد الموجود في هذه العبارة. «دفع الناس بعضهم ببعض» هذا يعني دفع الظالم من قِبل المظلوم، ودفع الغاصب والمعتدي عبرَ جهاد المجاهدين في سبيل الله، ونتيجة ذلك هي هذه: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾. حسناً، هذا وعدٌ إلهي، أي إنّه قولٌ إلهي، وليس التردّد مسموحاً في هذا الأمر. لا يجوز التشكيك في الوعد الإلهي. هذا وعدٌ قطعه الله المتعالي، وهذا ما حصل حتى الآن.
هذا من جهة، آيات قرآنيّة ووعدٌ إلهي، ومن جهةٍ أخرى، إنّها تجربتنا. حزب الله، على مدى هذه الأعوام الطويلة، أجبر الكيان الصهيوني مرّةً على الانسحاب من بيروت، ومرّةً على الانسحاب من صيدا، ومرّةً على الانسحاب من مدينة صور، وفي إحدى المرّات حرّر جنوب لبنان ومدنه وقراه ومرتفعاته من الوجود المشؤوم للكيان الصهيوني. أي إنّ هذه القدرة تعزّزت بهذا النحو مع مرور الوقت.
[حزب الله] تحوّل من جمعٍ صغيرٍ مجاهدٍ في سبيل الله إلى منظّمة عظيمة تملك مثل هذه القدرة والقوّة، بحيث أنّه يستطيع في مراحل متعدّدة إجبار هذا العدوّ المدجّج بالأسلحة العسكريّة، والمجهّز بالأسلحة الإعلاميّة، والسياسية والاقتصاديّة، والمُستند إلى دعم كبار الفُسّاق والفُجّار حول العالم، مثل هؤلاء الرؤساء الأمريكيّين وأمثالهم، أجبره على التراجع، وكبّده الهزيمة. هذه تجربتنا، وهذا ما عاينّاه.
نفس هذه التجربة شهدتها المقاومة الفلسطينيّة. فهم منذ العام 2009م وحتى اليوم؛ خاضوا تسع معارك مع الكيان الصهيوني، وتغلّب هؤلاء في هذه المرّات التسع كلّها.
المقاومة في فلسطين تغلّبت اليوم أيضاً على الكيان الصهيوني، خلافاً لما يراه الإنسان السطحي في ظاهر الأمر، لأنّ [هذا الكيان] كان يرمي إلى اجتثاث «حماس»، وعجز عن ذلك. ارتكب المجازر بحقّ كلّ هؤلاء الناس، وعرض للعالم أجمع وجهه القبيح، وأثبت خبثه للجميع، وأدان نفسه، وعزلها. لقد توهّموا أنّ «حماس» انتهت، إذ اغتالوا قادة المقاومة و«حماس»، في حين لا تزال «حماس» تقاتل، ولا تزال تناضل. هذا يعني انهزام الكيان الصهيوني. كذا هو حال حزب الله، حزب الله كذلك أيضاً: إنّه قويّ. حسناً، ثمّة بعض الأشخاص، تصوّراً منهم أنّ حزب الله قد ضَعُف، راحوا يقدحون بألسنتهم أفعال حزب الله، في لبنان نفسه، وفي سائر الأماكن. هم يخطئون، وهؤلاء غارقون في الوهم. حزب الله قويٌّ ويكافح. نعم، قد لا تحضر بينهم شخصيّة بارزة ومهمّة مثل سماحة السيّد حسن نصر الله، أو سماحة السيّد هاشم صفيّ الدين، وأمثالهما، لكن المنظّمة حاضرة، بحمد الله، برجالها وبقدراتها المعنويّة وروحيّتها، ولم يتمكّن العدوّ من التغلّب عليها، ولن يتمكّن، إن شاء الله. وسوف يشهد العالم والمنطقة ذاك اليوم الذي يتلقّى فيه الكيان الصهيوني هزيمةً واضحة على أيدي هؤلاء المجاهدين في سبيل الله، إن شاء الله. نأمل أن تشهدوا جميعاً، أيّها السادة الموقّرون، ذاك اليوم، إن شاء الله.
والسّلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء، تحدّث آية الله محمد علي موحدي الكرماني (رئيس مجلس خبراء القيادة) وحجة الإسلام والمسلمين السيد هاشم حسيني البوشهري (نائب رئيس «مجلس خبراء القيادة») بكلمات.
[2] سورة التوبة، الآية 69.
[3] سورة إبراهيم، الآية 44.
[4] سورة إبراهيم، الآية 45.
[5] سورة آل عمران، الآية 149.
[6] سورة آل عمران، الآية 100.
[7] سورة البقرة، الآية 217.
[8] سورة البقرة، الآية 109.
[9] سورة آل عمران، الآية 144.
[10] سورة الحج، الآية 39 و40.