الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتمعوّقات الصبركلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مسؤولي البلاد وسفراء الدول الإسلاميّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في ختام مراسم عزاء شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)يَرِثُهَا الصَّالِحُونَ

العدد 1654 05 شعبان 1446 هـ - الموافق 04 شباط 2025م

ألسنا على الحقّ

مراقبات

العدد 1644 23 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 26 تشرين الثاني 2024 م

ضياع القِيم في عصر الغَيبة

وللمظلوم عوناًالكلّ يحتاج إلى الصبر
من نحن

 
 

 

التصنيفات
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مسؤولي البلاد وسفراء الدول الإسلاميّة
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مسؤولي البلاد وسفراء الدول الإسلاميّة، بتاريخ 2025/01/28م.

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين والصلاةُ والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين.


أيّها الحضور الكريم، أبارك لكم عيد المبعث السعيد، وللشعب الإيرانيّ أجمع وللأمّة الإسلاميّة العظيمة جمعاء، وللأحرار والمطالبين بالحرّيّة في أرجاء العالم جميعهم. عيد مبعث الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) هو عيدٌ حقّاً لأحرار العالم كلّهم. في هذا العام، تزامن عيد المبعث مع شهر «بهمن»[1]، شهر الانتصار. نأمل أن يستمرّ مسار بهمن ومسار الثورة الإسلاميّة والحركة التي نخوضها، ونيّة المؤسّس لهذه الحركة التي كانت اتّباع الرسول (صلّى الله عليه وآله) والبعثة، أن تستمرّ ضمن هذا المسار، وتحثّ الخطى عليه.

أتوجّه بالشكر إلى رئيس جمهوريّتنا الموقّر على كلمته المميّزة جدّاً والمفيدة[2]. نأمل أن نوفّق -إن شاء الله- للعمل بهذه الأمور التي ذكرها جنابه، بتوفيقٍ من الله. سأتحدّث بكلمة عن البعثة، وسأتطرّق ببعض الجُمل إلى القضايا المحيطة بنا.

البعثة من أكثر أحداث عالم الوجود وتاريخ البشريّة بركة وعظمة، أي إنّها ليست حدثاً عاديّاً، [بل] من أرقى الأحداث في تاريخ البشريّة. حسناً، الأحداث الكبرى لها وظائف عدّة في مجالات مختلفة فرديّة واجتماعيّة، ولكن واحدة من أهمّ الوظائف، وربّما يمكن القول إنّها الأهّم، هي إحداث تحوّل فكريّ وإدراكيّ لدى المتلقّي. يتمكّن حدث عظيم وحادث كبير من التأثير في واقع حياة الناس، ويصبحان خالدَين عندما يستطيعان إحداث تحوّل فكريّ لدى المتلقّي لهما. عندما يُصلح الفكر، يُصلح العمل أيضاً؛ هذا هو الأساس. نظام الحياة يرتكز على تلك الفكرة وذلك الفكر الموجود لدى من يديرون الحياة. إذا حدث تحوّل فكريّ وإدراكيّ، وفهم للعالم في الإنسان والمجتمعات، فإنّ الأنظمة السياسيّة والاقتصاديّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة ستتغيّر وتتأسّس بناءً على ذلك. بعثة النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) بارزة من هذا الجانب. [طبعاً] جوانب تميّز البعثة متعدّدة مقارنةً بالأحداث الأخرى المختلفة كافّة، وهذا ليس محلّ نقاشنا الآن، ولكن في هذه الخاصيّة أيضاً، بعثة النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) استثنائيّة: التحوّل الذي أحدثته، مع من؟ وبأيّ أفكار؟ وبأيّ سلوك؟ وأيّ مجتمع واجهت؟ وحوّلتهم إلى أيّ نوع من البشر؟ وإلى أيّ مجتمع؟ وإلى أي شعب؟ سواء في زمانها أو عبر الزمن.

حسناً، ما العامل الذي يُحدِث هذا التحوّل؟ أي عندما يعمل الأنبياء جميعهم، بمن فيهم نبيّ الإسلام عظيم الشأن (صلّى الله عليه وآله)، على إنجاز هذا التحوّل، ما أداتهم؟ ما هو ذاك العامل الذي يُسبّب هذا التحوّل؟ إنّه أمران: «العقل» و«الإيمان»؛ العقل هو قوّة خاصّة أودعها الله المتعالي في كلّ إنسان، ولكنّ بعض الناس يُفعّلونه ويستخدمونه، بينما كثيرون لا يفعلون ذلك. الإيمان أيضاً شأنه شأن العقل؛ الإيمان بالحقيقة مودعٌ لدى فطرة كلّ إنسان، والإيمان بالله موجود، ولكنّ الناس ينسوَن ذلك. يأتي الأنبياء فيوقظون العقل، حتّى يُذكّروا الإنسان بإيمانه. لاحظوا القرآن الكريم، كم تكرّر «الذكر». هذا الإيمان مودعٌ لديّ ولديكم، وعليهم أن يذكّرونا به وأن يوجّهونا إليه. عندما يحيا العقل والإيمان، تتنامى الحياة، ولكلّ واحدٍ منهما وظيفته. حينها يصبح في مقدور الإنسان الذي يتمتّع بالعقل والإيمان أن يعثر على مسار الحياة والصراط، وأن يسير عليه.

في القرآن الكريم، بشأن العقل مثلاً، لو أردنا عرض شواهد قرآنيّة، فقد تكرّر عشرات المرّات: ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾[3]؛ ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[4]؛ ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾[5]؛ ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ﴾[6]؛ ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ﴾[7]؛ أي إنّ قضيّة العقل والاهتمام به واستخدامه هي من الأمور البارزة في القرآن ضمن التعاليم القرآنيّة. ليعلم كلّ مسلم أنّ عليه الاستفادة من العقل، وأن يستديمه ويُنمّيه ويُربّيه.

في ما يتعلّق بالإيمان، نجد أنّ أوّل ما دعا إليه الأنبياء جميعهم هو التوحيد. التوحيد ليس مجرّد اعتقاد بسيط بوجود إله واحد، بل هو الهيكل الأساسيّ للرؤية الكونيّة الإسلاميّة. من أيّ جانب ننظر إلى الرؤية الكونيّة الإسلاميّة، نصل إلى التوحيد، وهذا التوحيد نفسه يشكّل أيضاً الهيكل الأساسيّ للمجتمع الإسلاميّ. لذلك، لاحظوا مثلاً في سورة الأعراف، حيث يتحدّث القرآن عن الأنبياء ودعوتهم -نوح وهود وصالح وغيرهم- نجد أنّ أوّل كلمة يقولونها هي: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[8]، أي التوحيد. بجانب التوحيد، يُطرح أيضاً موضوع المعاد، كما في الآية الكريمة: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾[9]. ذاك «اليوم العظيم» هو يوم القيامة. في سورة الشعراء، هناك الحال نفسها أيضاً، عندما يُذكر الأنبياء واحداً تلو الآخر، نجد أنّ أوّل ما يقولونه هو ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾[10]، أي تقوى الله. طاعة النبيّ تأتي لأنّ الله المتعالي عندما بعث النبيّ، يكون دوره مساعدة العقل البشريّ كي لا يخطئ ولا يضلّ ولا يخلط بين السراب والماء، هذا هو دور الأنبياء. لذلك تأتي ﴿وَأَطِيعُونِ﴾، لتأكيد أهمّيّة وجود مرشد يوجّه الإنسان ويساعده.

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ»[11]. إنّ الله المتعالي أرسل أنبياءه لهذه الأهداف: ليستوفوا منهم ميثاق الفطرة، ويُذكِّروهم بنعمته المنسيّة، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول. فما المقصود بـ«دفائن» هنا؟ هل هي الكنوز -كما يُفهم عادة عند ذكر الدفائن- أم المقصود العقول المدفونة تحت الخرافات والأوهام والتصوّرات الباطلة ومختلف أنواع الكلام والمذاهب المختلفة وغيرها؟ إنّ الكلمة الحقّة والصحيحة «لا إله إلا الله» تُدفَن أحياناً، وذاك الفهم العقليّ السليم يُطمَس تحت هذه الأباطيل ويُنسى. المعنى المقصود من كلام الإمام (عليه السلام) هو أحد هذين التفسيرَين. يأتي الأنبياء ليستخرجوا العقل من تحت هذه الأمور ويُظهِروه. حسناً، هذا في ما يتعلّق بالبعثة.
ماذا يجب أن نفعل؟ أقول هذا لأنّني أعتقد أنّ البعثة ليست حدثاً آنيّاً، تلمع لمدّة ثمّ تنطفئ. البعثة ليست على هذا النحو، طبعاً نعم، إنّها كذلك بالنسبة إلى المنافق: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾[12]؛ الإنسان الذي لا يؤمن من أعماق القلب، يلمع في قلبه ضوء، ثمّ ينطفئ تحت الأهواء والشهوات والنسيان والغفلة وسائر العيوب التي تشوبه. لكن بالنسبة إلى غير المنافق، فإنّ البعثة كلّها تيّار ضمن إطار التيّار الطبيعيّ للعالم، وهي أمرٌ مستمرّ ودائم، وليس لزمان خاصّ، ولا ليوم خاص، بل إنّه أبديّ. ليس فقط بعثة الرسول الأكرم، بل الأنبياء جميعهم؛ الكلمة الأساسيّة للأنبياء هي أبديّة. في القرآن الكريم، يقول للكفّار: «حسناً إذا كنتم تدّعون ذلك، فهاتوا كتاباً أكثر هداية من هذَين الكتابَين»[13]؛ «الكتابَين» يعني «القرآن» و«التوراة». نحن نؤمن بالأنبياء، إنّنا نؤمن بالأنبياء جميعهم؛ ولكن عندما يأتي نبيّ بعد نبيّ، يُكمل كلام النبيّ السابق؛ ولذا إنّ كلامه يصبح منسوخاً. النسخ هنا يعني: يُكمل كلامه، ويُغيّر بعض جوانبه، ويُكمل بعض الأمور وفقاً للزمان. عليه، إنّ هذا التيّار -تيّار الدين وتيّار البعثة- هو تيّار متواصل وأبديّ.

ما الذي يعنيه كونه أبديّاً؟ أي يمكن الانتفاع من بركات البعثة في العصور كلّها. أي إنّ ذاك التحوّل الذي برز في بداية البعثة، إذ تصدّى نبيّ الإسلام الأكرم (صلّى الله عليه وآله) بنفسه ونزل إلى وسط الميدان وأنجز الأعمال بنفسه بتلك الجهود التي لا يمكن أن توصف، هذا [التحوّل] يمكن أن يتحقّق في العصور كلّها، بما يتناسب مع طبيعة البشر، والفارق بيننا وبين تلك القمّة السامية. لكن ما هو الشرط؟ الشرط هو أن نوظّف العاملَين اللذين امتلكهما ذلك العظيم ووظّفهما، أي العقل والإيمان. إذا وظّفنا العقل والإيمان، فإنّ البعثة ستتحقّق، وسوف تتحقّق الحركة وسيحدث التحوّل. إنّ التحوّل في الذهن يُحدث تحوّلاً في واقع الحياة، فتُحلّ المشكلات وتصلح. هذا هو الدّرس الذي يجب أن نستلهمه من البعثة.

المخاطبون اليوم لهذا الكلام هم نحن أنفسنا، الحكومات الإسلامية والشعوب الإسلامية؛ جميعنا مخاطبون. يجب أن نعلم أنه إذا كنا نطالب بشيء في الدنيا أو نعلّق الآمال على اللطف الإلهي في الآخرة، فعلينا أن نتشبّث بمفهوم البعثة ومقتضاها وحركتها. ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً﴾[14]؛ العزّة هناك. العزّة تعني أن يكون الشخص في حالة لا يستطيع فيها أيّ عامل أجنبي أن يؤثر عليه تأثيراً سيئاً؛ هذه هي العزّة. ﴿إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً﴾[15]. لا يستطيع العدوّ ولا العوامل المختلفة الفكريّة والروحيّة والخارجيّة والجسديّة أو الروحانيّة -بأنواعها- أن يؤثّروا عندما تكون العزّة حاضرة. أو كما يقول في الآية الشريفة [الأخرى]: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[16]؛ إذا كان الإيمان موجوداً، فأنتم الأعلَون وأنتم الأسمى.

حسناً، إذا تأمّلنا في دور العقل اليوم وحرصنا على تفعيله، يمكننا فهم كثير من مفاهيم العالم، إذا فعّلنا العقل. في الدعاء هناك: «اللهمّ أعطني نصراً في دينك، وقوّة في عبادتك، وفهماً في خلقك»[17]، أي فهم حقائق المجتمع البشريّ، يجب أن ندرك هذه [الحقائق]. نحن بوصفنا جمهوريّة إسلاميّة وإيران الإسلاميّة ومسؤولين سياسيّين في بلد كبير ومهم -بلدنا العزيز بلد استثنائيّ حقّاً من نواحٍ مختلفة- يجب أن نولي اهتماماً وندرك هذه الحقائق الموجودة في العالم.

بدأ استعمار القوى الظالمة، في الدرجة الأولى وفي المرحلة الأولى، بنهب الموارد. اقرؤوا تاريخ الاستعمار؛ أول ما استهدفه هؤلاء وتوجّهوا إليه كان الموارد الطبيعية؛ من هنا بدؤوا في المرحلة الأولى. هذه مرحلة، والمرحلة التالية كانت تدمير الثقافات الأصيلة للشعوب. قصةٌ مؤلمة هي هذه القصة؛ أي إن شرح هذا الموضوع هو من الأمور التي تُبكي [القلب] حقاً، لِما فعله هؤلاء بالشعوب والحضارات! في أفريقيا نفسها هذه التي ترونها، كانت هناك حضارات وكانت هناك ثقافات أصيلة؛ جاؤوا واقتحموا وأحدثوا فوضى عارمة ودمّروا كل شيء، وأفسدوا كل شيء، وفي الواقع، هنا أيضاً نهبوا؛ النهب الثقافي. في المرحلة اللاحقة، صبّوا أنظارهم إلى الهوية الوطنية والدينية للشعوب لكي يسيطروا عليها.

نحن اليوم نعاني من مراحل الاستعمار الثلاث جميعها. اليوم أيضاً توجّه أجهزة القوى الشيطانيّة المتجبرة أنظارها الطامعة إلى الموارد الطبيعيّة للدول والشعوب، وتتربّص السوء، سواء بثقافتهم، ثقافتهم الأصيلة، أم بهويّتهم الوطنيّة والإسلاميّة؛ وإنهم يهمّون بتدميرها والسيطرة عليها، وطبعاً ليسوا جميعاً على نحو واحد، وعلى رأسهم أمريكا. اليوم مع ذاك الوصف الذي نقدّمه عن الاستعمار والاستكبار، فإنّ مصداقه الأتمّ هو الإدارة الأمريكية التي تخضع لنفوذ جبابرة المال في العالم، أي إنّ جبابرة المال من الدرجة الأولى في العالم يسيطرون على عدد من الحكومات الغربية -التي من جملتها أو أكثرها مُسيطَرٌ عليها هي الإدارة الأمريكيّة- وبحسب تعبيرهم المتداول، فإن المسيطِرة هي الكارتلات والتحالفات وأمثالها، وهؤلاء هم الذين يرسمون الخطط لمراحل الاستعمار الثلاث. إنّ ما ترونه من ظهور متواصل كلّ يوم لبليّة جديدة في المجالات البشرية وفي المجالات الجنسية وفي المجالات المالية، هو ناتج من ذلك. أي هذا التغيير في هوية الشعوب، والتغيير في مصالح الشعوب وجرّها نحو مصالحهم الخاصة.

القرآن يقدّم توصيفاً واضحاً: ﴿وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ﴾[18]؛ كلّ ما يسبب لكم المشكلات يُحبّه أعداؤكم والكفار وأولئك الذين يتّبعون الشيطان ويتحرّكون وفقاً لخطاه. ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾[19] العداء واضح على ألسنتهم؛ حتّى عندما يتحدّثون، وحتّى عندما ينطقون، يظهرون عداءهم. وعندما يتحرّكون أيضاً، يظهرون عداءهم، ولكن ما في صدورهم أكبر من ذلك، أي ما يضمرونه من عداء. في بعض الأحيان، يظهر هذا العداء واضحاً في بعض المواضع؛ أي إنّ تلك النوايا العدوانيّة الخبيثة لديهم تظهر نفسها في أماكن ومواضع معيّنة. على سبيل المثال، في «الكونغرس الأمريكيّ»، عندما يصفّق النوّاب للقاتل الذي يقطّع آلاف الأطفال إرباً إرباً ويشجّعونه! هذا هو مصداق ﴿وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ الذي يُظهر نفسه ويتجلّى هنا. يقطّعون آلاف الأطفال إرباً إرباً، ثمّ يأتون إلى هناك ليُصفَّق لهم! أو يعمد قبطان الفرقاطة الأمريكيّة «وينسس» إلى إسقاط طائرة ركّاب تحمل ثلاثمئة مسافر تقريباً، ويُقتل جميع مَن على متنها، فيمنحونه وسام تقدير[20]. هذا هو مصداق ﴿مَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ﴾ الذي يُظهر نفسه ويتجلّى هنا. هذه كلّها مختبئة دائماً وراء ابتسامات الدبلوماسيّة. تختبئ مثل هذه العداوات والأحقاد وهذا الباطن الخبيث وراء هذه الابتسامات الدبلوماسيّة. لنفتح أعيننا: «وفهماً في خلقك». لنفتح أعيننا؛ لا يكوننّ الأمر: ﴿تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ﴾[21]. لنكن يقظين، ولنعرف مَن نواجه، ومع مَن نتعامل، وإلى من نتحدّث. يجب أن نعرف ذلك. عندما يعرف الإنسانُ الطرفَ الآخر، قد يتعامل معه، ولكنّه يفهم ما عليه فعله. يجب أن نعرف ونعلم.

أرى أنه في مرحلتنا الحالية، تيّار المقاومة هذا وحركة المقاومة هذه هما رشحة من تلك البعثة نفسها. لقد أيقظت المقاومة، التي انطلقت من إيران الإسلاميّة، الشعوبَ المسلمة، وجعلت بعض الشعوب المسلمة تنزل إلى الميدان؛ أيقظت هذه الشعوب على نحو عام وكثيرين من غير المسلمين أيضاً، ونبّهت ضمائرهم. جعلتهم يعرفون نظام الهيمنة وعرّفته لهم. لم يكن كثيرٌ من الشعوب يعرفون [نظام الهيمنة].

انظروا إلى غزّة. غزّة المنطقة المحدودة والصغيرة، جعلت الكيان الصهيونيّ المدجّج بالسلاح الذي يحظى بدعمٍ كامل من أمريكا، يجثو على ركبتيه. غزّة جعلت الكيان الصهيونيّ يجثو على ركبتيه! هل هذا أمرٌ هيّن؟ هذه تلك الرشحة نفسها من البعثة. هذا هو الإيمان والعقل ذاتهما. هذا هو تلاوة آيات القرآن الكريم نفسها. هذا تعلّق القلب بالله. هذا هو الاعتقاد ب ﴿إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً﴾[22]. «حزب الله» الشامخ يتلقّى خسارةً بمستوى فَقْد شخصيّة مثل السيّد حسن نصر الله، هل هذا أمرٌ هيّن؟ كم لدينا من الأشخاص العظماء، الذين هم بمستوى السيّد حسن نصر الله (رضوان الله تعالى عليه) في العالم؟ هذا الشهيد العظيم. فقدَ «حزب الله» مثل هذه الشخصيّة، وكان الأعداء والأصدقاء يظنّون أنّ «حزب الله» انتهى [باستشهاده]، ولكنه أثبت أنّه لم ينتهِ قطّ، بل تعزّزت دوافعه في بعض الحالات، واستطاع أن يصمد في وجه الكيان الصهيونيّ. هذه تلك [الرشحة من البعثة] نفسها. هذا في ما يخصّ المسلمين.

عند غير المسلمين: اهتزّت الضمائر. الإحصاءات التي وصلتني تشير إلى 30 ألف تظاهرة تقريباً مناهضة للصهيونيّة؛ انطلقت 30 ألف تظاهرة مناهضة للصهيونيّة في 619 مدينة حول العالم طوال هذه المدّة! لقد استيقظ الناس واستيقظت الضمائر؛ هذه هي المقاومة؛ هذه المقاومة هي رشحة من البعثة. في أمريكا نفسها، تجمّع عدد من الأشخاص -كانوا أمريكيّين- وردّدوا: «الموت لأمريكا»؛ في أمريكا! هذا هو التحوّل الإدراكيّ، وهذا هو ما سعى إليه الأنبياء العظام، وإنّ أعظم وأهمّ وأروع أشكاله هو ما حقّقه رسول الإسلام الكريم (صلّى الله عليه وآله) في زمانه وإلى آخر الدنيا، واليوم تُظهره المقاومة أيضاً؛ لذلك يجب أن نكون ملتفتين إلى هذه الحقائق، وأن لا ننسى هذه الآية من القرآن: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[23].

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


[1] الشهر الحادي عشر من السنة الهجرية الشمسية.
[2] في مستهلّ هذا اللقاء، ألقى الدكتور مسعود بزشكيان (رئيس الجمهوريّة) كلمة في المناسبة.
[3] سورة يس، الآية 68.
[4] سورة البقرة، الآية 242.
[5] سورة الأعراف، الآية 176.
[6] سورة النساء، الآية 82.
[7] سورة الملك، الآية 10.
[8] سورة الأعراف، الآية 59.
[9] سورة الأعراف، الآية 59.
[10] سورة الشعراء، الآية 108.
[11] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص43، الخطبة الأولى.
[12] سورة البقرة، الآية 17.
[13] في إشارة إلى الآية الشريفة: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (سورة القصص، الآية 49).
[14] سورة فاطر، الآية 10.
[15] سورة يونس، الآية 65.
[16] سورة آل عمران، الآية 139.
[17] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص586.
[18] سورة آل عمران، الآية 118.
[19] سورة آل عمران، الآية 118.
[20] في 03/07/1988م، تعرّضت طائرة الركاب التابعة للجمهوريّة الإسلاميّة، التي كانت متوجّهة من بندر عباس إلى دبي، لصاروخ من السفينة الحربيّة الأمريكيّة «فينسس» في الخليج الفارسيّ، ما أدّى إلى استشهاد 290 راكباً كانوا على متنها، بينهم 66 طفلاً و53 امرأة. بعد مدّة، منحت الحكومة الأمريكيّة، ويليام راجرز، قائد السفينة «وينسس»، ميداليّة الشجاعة!
[21] سورة الممتحنة، الآية 1.
[22] سورة يونس، الآية 65.
[23] سورة آل عمران، الآية 139.

05-02-2025 | 10-35 د | 12 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net